دروس وعبر من سورة الفلق (1)

محمد بن إبراهيم النعيم
1438/05/19 - 2017/02/16 09:57AM


إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


كثير من الناس يقرؤون قصار السور ولا يعرفون المعاني الكبيرة التي تحملها هذه السور، ولم يكلف البعض نفسه على فتح أي كتاب تفسير ليعرف تلك المعاني، وعلى سبيل المثال: المعوذتان، من السور الهامة التي يكثر قراءتها؛ ومع ذلك لو سألت كثيرا من الناس عن معاني بعض كلماتها لما عرف ذلك، وتراه يردد هاتين السورتين منذ عشرات السنين ولكنه لم يسأل نفسه يوما ما: ما معنى هذه الكلمات التي أرددها؟ فما هو الفلق؟ وما هو الغاسق إذا وقب؟ وما النفاثات في العقد، وما خطورتها على المجتمع حتى أُمرنا أن نستعيذ منها؟ وما أهمية هذه السورة برمتها للمسلم؟ وما المواطن التي يسن فيها قراءتها؟ وما الأسرار التي فيها؟

كلها أسئلة مهمة سنحاول الإجابة عليها بإذن الله تعالى.
سورة الفلق خمس آيات، والمتتبع لسنة المصطفى –صلى الله عليه وسلم- يجد أن المعوذتين من السور التي كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يكثر من قراءتهما في اليوم والليلة حتى كادتا أن تنافسا سورة الفاتحة في التكرار، التي يكررها المسلم أكثر من سبع عشرة مرة في اليوم الواحد.

فما فضل هاتين السورتين يا ترى؟
وما المواطن التي تقرأ فيها؟ وما تفسير آياتها؟ وما الدروس والعبر التي يمكن أن نخرج منها؟

أما عن فضائل المعوذتين؛ فما تعوذ متعوذ بمثلهما حيث روى عقبة بن عامر الجهني –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (قد أُنزل علي آيات لم يُرى مثلهن (قل أعوذ برب الناس) إلى آخر السورة، و(قل أعوذ برب الفلق) إلى آخر السورة) رواه الترمذي.

وفي رواية عند أبي داود عن عقبة –رضي الله عنه- قال: كنت أقود برسول الله –صلى الله عليه وسلم- ناقته في السفر فقال لي: (يا عقبة ألا أعلمك خير سورتين قُرِئتا)؟ فعلمني (قل أعوذ برب الفلق) و(قل أعوذ برب الناس).
وفي رواية قال –صلى الله عليه وسلم- (يا عقبة تعوذ بهما فما تعوذ متعوذ بمثلهما).

وفي رواية عند النسائي قال: عقبة بن عامر –رضي الله عنه- أتيت النبي –صلى الله عليه وسلم- وهو راكب فوضعت يدي على قدمه فقلت: أقرأني سورة هود، أقرئني سورة يوسف، فقال لي: (ولن تقرأ شيئا أبلغ عند الله من (قل أعوذ برب الفلق)).

فبعض الناس قد يستحي أن يُسمعَ وهو يقرأ بالمعوذتين لأنهما قصيرتان، ولأن الناس يحفظونهما فتراه يقرأ في طوال السور، ولقد حصل مثل هذا التصور عند عقبة بن عامر –رضي الله عنه- حيث ذكر: أن رَسُولَ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- أُهْدِيَتْ لَهُ بَغْلَةٌ شَهْبَاءُ فَرَكِبَهَا فَأَخَذَ عُقْبَةُ يَقُودُهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  لِعُقْبَةَ (اقْرَأْ)، فَقَالَ: وَمَا أَقْرَأُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ النَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم-: (اقْرَأْ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، فَأَعَادَهَا عَلَيْهِ حَتَّى قَرَأَهَا، فَعَرَفَ أَنِّي لَمْ أَفْرَحْ بِهَا جِدًّا فَقَالَ: (لَعَلَّكَ تَهَاوَنْتَ بِهَا فَمَا قُمْتَ تُصَلِّي بِشَيْءٍ مِثْلِهَا) رواه أحمد.

أما المواطن التي يسن أن تقرأ فيها المعوذتان: فالمتتبع لسنة المصطفى –صلى الله عليه وسلم- سيجد نفسه يردد المعوذتين على أقل تقدير اثنتي عشرة مرة في اليوم الواحد في غير الحالات الطارئة، ولذلك تُعد المعوذتان أكثر السور التي يسن تكرارها بعد الفاتحة لأهميتها.

وأهم هذه المواطن:
الأول (دبر كل صلاة) فعن عقبة بن عامر –رضي الله عنه- قال: أمرني رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن أقرأ بالمعوذات في دبر كل صلاة) رواه أبو داود والنسائي.

الموطن الثاني: عند أذكار الصباح والمساء ثلاث مرات حيث روى خبيب –رضي الله عنه- قال: خَرَجْنَا فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي لَنَا، قَالَ: فَأَدْرَكْتُهُ، فَقَالَ: (قُلْ) فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: (قُلْ)، فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا قَالَ: (قُلْ)، فَقُلْتُ: مَا أَقُولُ؟ قَالَ: (قُلْ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَتُصْبِحُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) رواه الترمذي.

الموطن الثالث: في صلاة الوتر وكان يفعل ذلك أحيانا:
حيث روى عَبْدِ الْعَزِيزِ بن جُرَيْجٍ قَالَ سَأَلْنَا عَائِشَةَ رضي الله عنها بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يُوتِرُ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-؟ قَالَتْ: كَانَ يَقْرَأُ فِي الأُولَى بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، وَفِي الثَّانِيَةِ بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَفِي الثَّالِثَةِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ رواه الترمذي.

الموطن الرابع: عند النوم، ثلاث مرات، حيث روت عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ –صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ، جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، متفق عليه.

أما الحالات الطارئة التي تُقرأ فيهما المعوذتان فعند الوقاية والعلاج من العين، وعند العلاج من سائر الأوجاع، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري –رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- يَتَعَوَّذُ مِنْ الْجَانِّ وَعَيْنِ الإِنْسَانِ حَتَّى نَزَلَتْ الْمُعَوِّذَتَانِ فَلَمَّا نَزَلَتَا أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا) رواه الترمذي.

أما للعلاج من الأوجاع فقد روت عائشة رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُ بِيَدِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا. رواه البخاري.
وروت أيضا رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ. رواه مسلم.

نخرج من هذه الأحاديث أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يحرص على تكرار المعوذتين لأهميتهما في حياة المسلم، فدعونا نفهم بعض معانيهما كي ندرك أسرار تكرارهما.

فأما قوله تعالى (قل أعوذ برب الفلق) أي قل: يا محمد وتتبعه الأمة؛ التجئ وأعتصم برب الفلق، والفلق له عدة معان، فمن معانيه: الصباح؛ لقوله تعالى (فالق الإصباح) وكانت عائشة رضي الله عنها تقول: ما كان يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح، وهو تفاؤل بمجيء الفرح لظهور الصباح والنور.
وقيل معنى الفلق بأنه الحَبُّ والنوى لقوله تعالى (إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت)، وقبل معنى الفلق أي الخلق، فالله رب الخلق.

ويحتمل أن المعنى عام يشمل الجميع، وقد قال ابن جرير في تفسيره: أطلق الله ولم يقيد، فنطلق كذلك ما أطلق (أضواء البيان 9/634).

فالله عز جل يطلب من محمد –صلى الله عليه وسلم- وتتبعه أمته الالتجاء عليه سبحانه والاستعاذة به.

والاستعاذة بالله شأنها عظيم لو استحضرنا عظمة الله تعالى في قلوبنا، فالاستعاذة هي الاستجارة، والاستجارة في العرف الدولي: حق اللجوء السياسي، فلو جاء رجل وأعطي حقُ اللجوء السياسي من إحدى الدول الكبرى؛ لشعر بالفخر والمنعة والأمن، لأنه استجار بدولة عظيمة ذات سيادة وقوة وبطش؛ تظن أنها تفعل ما تريد وأنها بتصورها قادرة على حماية من استجار بها.

فالله عز وجل يؤدب عباده المؤمنين أن لا يستعيذوا بأحد من الخلق، وإنما يستعيذوا ويستجيروا بالله وهو خالق الخلق ورب الصباح وبيده نواصي الخلق.

ولكن لماذا لا يستشعر المؤمن بالعزة والمنعة والأمن حين يستعيذ بالله؟ ولماذا قلَّ استعاذ الناس بالله ولجوئهم الحقيقي إليه؟
إن الذي استجار بدولة كبرى تراه قرأ عن تلك الدولة وما لديها من قوة وإمكانات جعلته يثق بها، ولذا يلزم المسلم أن يتعرف على قدرة الله تعالى وعظمته كي يصدق لجوئه واستعاذته به، فالمسلم لن يعظم هذه الاستعاذة في قلبه والاستجارة بالله إلا إذا عرف قَدرُ الله وقدرة الله على خلقه، ومن فقد ذلك؛ فقد روحانية الاستعاذة بالله عز وجل.

فنحن نحتاج اليوم إلى مراجعة إيماننا وإعادة ترتيب أوراق الثقة بالله؛ لنعيد تدبر كتاب الله، لنعظم الله تعالى، ونعرفه حق المعرفة، فنحن لا نزال لا نعرف قدر الله، قال تعالى (وما قدروا الله حق قدره والله الأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمنه سبحانه وتعالى عما يشركون).

نحن نستطيع أن نتعرف على شيء من عظمة الله وقدرته بمعرفة عظمة وضخامة مخلوقاته والتفكر بها، فانظروا إلى حملة العرش من الملائكة حيث وصف النبي –صلى الله عليه وسلم- أحدهم فقال: ( أُذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله تعالى حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة سنة) رواه أبو داود.

فبهذا الأسلوب سنُعظّم الله تعالى ونستعيذ به، وكلنا يقين وثقة بنصرنا وحفظنا والاستجابة لنا، أما أن تكون عندنا ازدواجية في الطلب والنصرة فغير صحيح، فترى البعض من الناس إذا ألمَّ به أمر يسير؛ سأل الله فيه، ولكن إذا استصعب عليه أمر من الأمور الهامة والمصيرية تراه لا يسأل الله وإنما يلجئ إلى المخلوقين، فحرّك المعارف والوساطات كي يسعفوه، وينسى أن يسأل الله تعالى.

ولكي يغرس اللهُ في قلوبنا عظمته؛ أمرنا أن ندعوه بأسمائه الحسنى التي تدل على العظمة والقدرة مثل: الكبير والقادر والغني والناصر والقوي والقهار والرزاق والعظيم والوكيل والواسع والمستعان والكافي وغير ذلك.

نسأل الله تعالى أن يغرس في قلوبنا خشيته وعظمته.
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعني وإياكم بما فيه من البيان، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية

الحمد لله رب الفلق الذي وهب ورزق وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المجير من شر ما خلق وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله أفضل من دعا إلى الله ونطق، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
فاتقوا الله تعالى حق التقوى، واعلموا أن سورة الفلق تأمر بالالتجاء إلى الله والاعتصام به، فهو رب العالمين، فلا يستعاذ إلا به، ومن استعاذ بغيره فقد أشرك، قال تعالى وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً، وقد كان العرب في الجاهلية إذا نزلوا بأرض استعاذوا بسيد الوادي من الجن الذي يأتوا فيه قائلين (أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه) فيزداد الجن رهقا وطغينا.
ولكي يدربنا الله تعالى على الثقة به عند الاستعاذة به، جعل المعوذتين من قصار السور حتى يدربنا على الاستعاذة به منذ الصغر.

ولكي يدربنا الله أيضا على تعظيم هذه الاستعاذة؛ أمرنا أن نستجيب لمن استعاذ بالله؛ تعظيما لاسم الله تعالى، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ، وَمَنْ اسْتَجَارَ بِاللَّهِ فَأَجِيرُوهُ، وَمَنْ آتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ) رواه أبو داود والنسائي.

ومعنى الحديث أن من سألكم قائلا بالله عليكم، أو استعاذ قائلا: أعوذ بالله منكم فلا تتعرضوا له؛ بل أعيذوه وادفعوا عنه تعظيما لاسم الله.
وقد قال –صلى الله عليه وسلم-: (شر الناس الذي يُسأل بالله ثم لا يُعطي) صحيح الجامع.

وهناك مثال من السنة في تعظيم النبي –صلى الله عليه وسلم- لمن استعاذ بالله، حيث جاء عن الأوزاعي رحمه اله تعالى قال: سألت الزهري أي أزواج النبي –صلى الله عليه وسلم- استعاذت منه؟

قال: أخبرني عروة عن عائشة رضي الله عنها أَنَّ ابْنَةَ الْجَوْنِ لَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- وَدَنَا مِنْهَا قَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، فَقَالَ لَهَا: (لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ الْحَقِي بِأَهْلِكِ) رواه البخاري.
وذكر ابن حجر أن سبب استعاذتها من النبي –صلى الله عليه وسلم- أن عائشة وصفية زوجتا النبي –صلى الله عليه وسلم- حينما علمتا بزواج النبي –صلى الله عليه وسلم- بابنة الجون وكانت من أجمل نساء العرب غارتا منها، ودخلتا عليها في أول ما قدمت، فمشطتاها وخضبتاها، وقالت لها إحداهما: أن النبي –صلى الله عليه وسلم- يعجبه من المرأة إذا دخل عليها أن تقول: أعوذ بالله منك، ففعلت ذلك جهلا منها، فأعاذها النبي –صلى الله عليه وسلم- تعظيما لاسم الله تعالى وطلقها.

لعلنا أن نكمل الدروس والعبر من سورة الفلق في خطبة أخرى بإذن الله تعالى.

نسأل الله تعالى أن يفقهنا أمر ديننا وأن يحببنا لكتاب ربنا وأن يرزقنا شفاعته والعمل به،
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، وأمتنا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر،اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا، وارزقهم بطانة صالحة ناصحة يا رب العالمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واخذل أعداء الدين.... اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته...، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

المشاهدات 1070 | التعليقات 0