دروس وعبر من الوباء للشيخ صالح باكرمان

ياسر دحيم
1441/11/12 - 2020/07/03 00:12AM
الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خالق الأرض والسموات، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى سبل الخيرات، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أتم التسليم وأزكى الصلوات. 
أما بعد:
أيها المسلمون: اتقوا الله حق تقواه, (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [سورة آل عمران: 102]. 
      إن فرح المسلم بانحسار الوباء، وزوال اللأواء، وفتح بيوت الله تعالى للصلاة والدعاء فرح معقول، وشعور مقبول ، وبناء على أصول، قال الله تعالى : (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[سورة يونس: 58].
     
وإنها لنعمة من الله مرسلة، ومنّة منه مُعجّلة، والنعم لا تدوم لأهلها إلا بعد شكرها، والمحافظة على أصلها، قال الله تعالى : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[سورة إبراهيم: 7]. 
أيها المسلمون: وإن في مرحلة الوباء لدروسا وعبرا وفوائد دررا، يستوعبها المسلم في حياته، ويستفيد منها حتى بعد مماته. وإن من الدروس والعبر، والفوائد التي هي أغلى من الجواهر والدرر، التي يخرج بها المسلم بعد هذا الوباء المقدر :
      أن القوة لله جميعا، وأن الخلق محكومون مربوبون، وضعفاء مقهورون تحت أمر الله تعالى وقدرته لا حول لهم ولا قوة. قال الله عز وجل :(مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [سورة الحج: 74].
      وإن من الدروس والعبر: أن دين الله هو دين الحق وأعظم نعمة، وأن شريعة الإسلام السمحاء هي شريعة التيسير والرحمة، وأن الكتاب والسنة هما النبع الصافي والمعين الذي لا ينضب، والأساس المتين لبناء صرح الحضارة الذي لا يعطب، قال الله تعالى : (صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) [سورة البقرة: 138].
      وإن من الدروس والعبر: أن الحياة الدنيا نكد وكبد، لا قرار فيها ولا راحة لأحد، والإنسان فيها من بلاء إلى بلاء حتى يلقى الله جل وعلا، قال الله عز وجل : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ * أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) [سورة البلد: 4 - 5].
      وإن من الدروس والعبر: أن العافية رأس مال، وأن الصحة خير ما ينال، وأن البلاء والوباء لا تغني معه الكنوز والأموال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "اسْأَلُوا اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ ؛ فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْرًا مِنَ الْعَافِيَةِ ".  
      وإن من الدروس والعبر: أن الطمأنينة قرينة الإيمان، وأن الهلع قرين العصيان، وأن ذكر الله تعالى خير دواء لقلب الإنسان، قال الله عز وجل : (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [سورة الرعد 28].
     وإن من الدروس والعبر: أن الموت أقرب إلى أحدنا من حبل الوريد، وأن الرحيل عن هذه الدنيا ليس ببعيد، فكن أيها المسلم في استعداد ليوم الوعيد، ومن طاعة الرحمن في مزيد، قال الله تعالى : (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ۖ ذَٰلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)[سورة ق: 19]. 
      واعملوا عباد الله أن الوباء في زوال لكن لا تزال منه بعض بليّة،  والداء إلى اضمحلال ولكن بقيت منه بقيّة، فخذوا حذركم، واعملوا بالحيطة جهدكم،  وخذوا بالأسباب، ثم توكلوا على الملك الوهاب، ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)[سورة الطلاق: 3]. 
      أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلاّ على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
     أيها المسلمون عباد الله: اتقوا الله حق تقواه.
     
عباد الله:  أطلت علينا الأشهر المحرمة التي هي عند الله تعالى معظمة، وفي قلوب المرمنين محترمة. قال الله عز وجل : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)[سورة التوبة: 36].
وفي الحديث عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه ، أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ؛ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ؛ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ : ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ ". رواه البخاري ومسلم.
     
فحرم الله عز وجل في هذه الأشهر الحرم القتل وبدء القتال، وضاعف فيها الإثم لسيئ  الأعمال. ونهى عن ظلم النفس فيها بالمعاصي فقال : (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) 
(فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) بأعمال الشرك والبدع والخرافات.
(فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)  بتضييع الصلوات.
(فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)  بمنع الزكوات والنفقات.
(فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)  بعقوق الآباء والأمهات. 
(فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)  بقطيعة الأرحام والإخوة والأخوات. 
(فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)  بقتل النفس والزنا وشرب المسكرات.
(فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) بترك الواجبات وفعل المنكرات.
(فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) واستقيموا لربكم على الطاعات.
وصلوا وسلموا على من أمركم الله عز وجل بالصلاة والسلام عليه فقال سبحانه : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [سورة اﻷحزاب: 56].
المشاهدات 702 | التعليقات 0