دروس من عشر ذي الحجة

مبارك العشوان
1436/12/12 - 2015/09/25 08:42AM
إن الحمد لله ... أما بعد: فاتقوا... مسلمون.
اتقوا ربكم أيها الناس، واعلموا أن فيما شرع لكم من العبادات زكاء لنفوسكم، وطهارة لقلوبكم، وصلاحا لأعمالكم، وتكفيرا لسيئاتكم، ورفعة في درجاتكم.
عباد الله: عشنا فيما خلا من الأيام موسما من مواسم الطاعة عظيم: ( عشرَ ذي الحجة، يومَ عرفة، الحجَ، العيدَ وأيامَ التشريق، الأضاحي، التكبير، الصيامَ والقيامَ والذكرَ والدعاءَ وصالحَ الأعمال ) أيام، معدودة مليئة بالخيرات، حرية بالبركات؛ مضى أكثرها، وفيما بقي من أيام التشريق خير وبركة؛ بل إن حياة المؤمن كلها خير، كلها فرصة للأعمال الصالحة.
عباد الله: ينبغي أن يكون لهذه الأيام كبير الأثر في حياتنا، وأن ننهل منها نفيس الدروس، وعظيم العبر؛ ففيها التأكيدُ على العقيدة الصحيحة، ونبذِ العقائد المنحرفة، وفيها الجدُ والاجتهادُ والصبرُ وتحملُ المشاق في سبيل الله، وفيها الامتثال والانقياد التام لأوامر الله، وفيها البذلُ والعطاءُ لأجله تعالى والإحسانُ لعباده وتحمل أذاهم.
أخي المسلم: أكثرت في تلك الأيام من ذكر ربك ودعائه واستغفاره، والتقرب إليه بأنواع القربات؛ فلا تجعلها موسما حولياً منقطعا، فإن المؤمن لا ينفك عن عبادة ربه لحظة كما قال تعالى:{ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } النحل 99
أخي المسلم: عندما يمسك المضحي عن شعره وظفره طيلة عشره، وعندما يمسك الصائم عن الطعام والشراب والمفطرات يوم صومه، وعندما يبتعد المحرم عن محظورات الإحرام طيلة إحرامه، امتثالا لأمر الله، ووقوفا عند حدوده، أفلا يمتثل أحدنا أمر ربه، ويقف عند حدوده؛ فيجتهد في الطاعات ويمسك عن الآثام والمحرمات ويبتعد عنها طيلة عمره.
عباد الله: الذبح عبادة لا يجوز صرفها لغير الله تعالى لا لقبر ولا لولي، ولا لجني، ولا لأي مخلوق كائنا من كان، ومن ذبح لغير الله فقد أشرك، قال تعالى: { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } الأنعام162ـ163 .
عباد الله وقد من الله عليكم بإدراك العيد فخذوا منه فرصة للعود إلى الله تعالى، عودوا من معصيته إلى طاعته، ومن التفريط والغفلة إلى الجد والعمل، خذوا من عيدكم فرصة لصلة أرحامكم، فرصة لتصفية النفوس، وإصلاح ذات البين، ومن كان بينه وبين أخيه شحناء فليتق الله وليزلها فقد جاء في الحديث: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
( لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ ) رواه البخاري وفي الحديث الآخر: ( لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ يَلْتَقِيَانِ فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ ) رواه البخاري
احذروا التشاحن والقطيعة، ففي الحديث: ( تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ فَيَغْفِرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ اترْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا اترْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ) رواه مسلم . عودوا رحمكم الله إلى قلوبكم فأصلحوا فسادها احرصوا على الأعمال الصالحة، اغتنموا حياتكم قبل زوالها ونعمكم قبل تحولها، احذروا المعاصي صغيرها وكبيرها قدموا لأنفسكم أعمالا تجدونها عند ربكم:{ وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } .
بارك الله لي ولكم …


الخطبة الثانية:
الحمد لله ... أما بعد:
عباد الله: تجملتم يوم العيد بأحسن ما تجدون من لباس وطيب فتذكروا أن أحسنَ الجمال جمال التقوى، وخير اللباس لباس التقوى، وخير الزاد زاد التقوى، وأكرم الناس عند الله أتقاهم وأولياء الرحمن هم المؤمنون الأتقياء: { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } يونس63 ـ 64 التقوى وصية الله تعالى للأولين والآخرين، والأنبياء والمرسلين، وصيته تعالى لعباده المؤمنين بل هي وصيته سبحانه للناس أجمعين: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }النساء 1 ألا فالزموا تقوى الله في أقوالكم وأفعالكم، وفيما تأتون وما تذرون، اتقوه تعالى؛ فإنه يحب المتقين، وهو ولي المتقين، وهو سبحانه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. لا يتقبل تعالى إلا من المتقين، وتذهب كل خلة يوم القيامة ولا يبقى إلا خلة المتقين، ويرد الناس جهنم، فلا يُنَجَّى إلا المتقون: { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا، ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيــًّا }. تزودوا أيها الناس من تقوى ربكم تسعدوا، وتفوزوا بخيرات دنياكم وآخرتكم وتُنَجَّون من شدائدهما؛ ففي كتاب ربنا: { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ }{ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا } { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا }. ثم صلوا وسلموا ... فاذكروا الله ...
المرفقات

813.doc

المشاهدات 921 | التعليقات 0