دروس من انفجار بيروت  (مختصرة ومشكولة) PDF + DOC

عبدالله اليابس
1441/12/16 - 2020/08/06 17:47PM

اِنْفِجِارُ بَيْرُوتٍ                         الجُمُعَةُ 17/12/1441هـ

الحَمْدُ للهِ.. لَهُ الحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ، أَحْمَدُهُ وَأَشْكُرُهُ عَلَى نِعَمِهِ البَاطِنَةِ وَالظَاهِرَةِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، كُلُّ الخَلَائِقِ لَهُ صَائِرَةٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، هَدَى بِإذْنِ رَبِّهِ القُلُوبَ الحَائِرَةَ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ نُجُومَ الدُّجَى واَلبُدُورَ السَّافِرَة، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. حَرِيْقٌ هَائِلٌ عَصْرَ الثُلَاثَاءِ.. تَبِعَهُ اِنْفِجَارٌ ضَخْمٌ فِيْ مَرْفَأِ بَيْرُوتٍ.. وَخِلَالَ ثَوَانٍ قُتِلَ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَثَلاثِينَ شَخْصًا.. وَجُرِحَ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافٍ.. وَأَصْبَحَتْ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ أَلْفِ عَائِلَةٍ بِلَا مَأْوَى..

يَا الله.. حَدَثٌ عَجِيْبٌ.. تَابَعَهُ النَّاسُ عَبْرَ وَسَائِلِ الإِعْلَامِ وَالتَوَاصُلِ.. رَأَوا شَظَايَا الإِنْفِجارِ.. وسَمِعُوا دَوِيَّهُ.. وَشَاهَدُوا حُطَامَهُ.

لَيْسَتْ خُطْبَةُ الجُمُعَةِ مِنْبَرًا مُنَاسِبًا لِلْتَحْلِيْلِ السِيَاسِيِّ.. أَوِ مَنَصَّةً لِلْمُتَابَعَةِ الإِعْلَامِيَّةِ.. لَكِنَّنَا وَنَحْنُ نُشَاهِدُ تِلْكَ الـمَنَاظِرِ لَا يَسَعُنَا إِلَّا الدُّعَاءَ بِالـمَغْفَرَةِ والرَّحْمَةِ لِمَنْ مَاتَ مِنْ إِخْوَانِنَا الـمُسْلِمِينَ.. وبِالشِفَاءِ لِلْجَرْحَى، وأَنْ يَلْطُفَ رَبُّنَا جَلَّ وَعَلا بِكُلِّ مَنْ تَضَرَّر.

ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ نَتَذَكَّرُ تِلْكَ الدَّعَوَاتِ التِّي كَانَ يَدْعُو بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَوَى مُسْلِمٌ فِيْ صَحِيْحِهِ عَنِ اِبْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَال: (كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ).

فِيْ لَحَظَاتٍ زَالَتِ كَثِيْرٌ مِنَ النِّعَمْ.. فَمِنْ فَاقِدٍ لِنَفْسِهِ.. ومِنْ فَاقِدٍ لِوَالِدِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ عَزِيْزٍ عَلَيْهِ.. وَمِنْهُم مَنْ فَقَدَ صِحَّتَهُ.. ومِنْهُمَ مَنْ فَقَدَ مَسْكَنَهُ وَدَارَهُ فَأَصْبَحَ مُشَرَّدًا.. وَمِنْهُم مَنْ فَقَدَ عَمَلَهُ أَوْ تِجَارَتَهُ.. إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

زَوَالُ النِّعْمَةِ وَتَحَوُّلُ العَافِيَةِ مُؤْلِمٌ غَايَةَ الأَلَمِ.. وَغَالِبًا فَإِنَّ الإِنْسَانَ لَا يُحِسُّ بِالنِّعْمَةِ التِيْ هُوَ فِيْهَا حَتَّى تَزُولَ عَنْهُ، قَالَ اِبْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: (النِّعَمُ ثَلَاثَةٌ: نِعْمَةٌ حَاصِلَةٌ يَعْلَمُ بِهَا العَبْدُ، وَنِعْمَةٌ مُنْتَظَرَةٌ يَرْجُوهَا، وَنِعْمَةٌ وَهُوَ فِيهَا لَا يَشْعُرُ بِهَا).

كَثِيْرًا مَا نُحِسُّ بِنَقْصِنَا عَنْ غَيْرِنَا؛ إِذَا رَأَيْنَا مَا هُمْ فِيْهِ مِنْ سُكْنَى القُصُورِ، أَوْ فَخَامَةِ المَرْكُوبِ، أَوِ التَلَذُذِ بِنَعَمِ الدُّنْيَا، وَنَغْفَلُ عَنْ كُنُوزِ نِعَمِ اللهِ التِيْ لَدَيْنَا وَالتِّي نَفْضُلُ بِهَا أَكْثَرَ النَّاسِ.

رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اُنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُم، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَلَّا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ).

اِسْتِيقَاظُكَ فِي الصَّبَاحِ وَأَنْتُ فِي صِحَّةٍ وَعَافِيَةٍ.. وَأَمْنٍ وَأَمَانٍ.. وَتَجِدُ لُقْمَةً تَسُدُّ بِهَا جُوعَكَ.. لَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ النِّعَمٍ لَوْ تَفَكَرَ الإِنْسَانُ، رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَه وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِي عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مِحْصَنٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَومِهِ، فَكَأنَّما حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا).

قَدْ يُنْعِمُ اللهُ بِالبَلْوَى وَإِنْ عَظُمَتْ***وَيَبْتَلِي اللهُ بَعْضَ القَومِ بِالنِّعَمِ

مَا حُفِظَتِ النِّعَمُ بِمِثْلِ الشُكْرْ.. فَبِالشُكْرِ تَدُومُ النِّعَمُ، {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}.

وَإِذَا خُصِصْتَ بِنِعْمَةٍ وَرُزِقْتَهَا***مِنْ فَضْلِ رَبِّكَ مِنّةً تَغْشَاهَا

فَابْغِ الزِّيَادَةَ فِي الَّذِي أُعْطِيتَهُ***وَتَـمَامُ ذَاكَ بِشُكْرِ مَنْ أَعْطَاهَا

إِذَا أَعْطَاكَ اللهُ فَأَعْطِ خَلْقَهُ.. فَالـمَالُ فِيْ يَدِكَ أَمَانَةٌ.. وَالجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ العَمَلِ.. {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ}، ومَا نَقَصْتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، ومَا نَقَصَ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ.

فَأَحْسَنُ وَجْهٍ فِي الوَرَى وَجْهُ مُحْسِنٍ*** وَأَيْمَنُ كَفٍّ فِيهِمُ كَفُّ مُنْعِمِ

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، قَدْ قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَرَاقِبُوهُ فِيْ السِّرِّ وَالَّنَجْوَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَنَا عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى..

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. مَنْ تَأَمَّلَ فِي صُوَرِ الدَّمَارِ الذِي خَلَفَهُ اِنْفِجَارُ ثَوَانٍ مَعْدُودَةٍ يَتَبَيْنُ لَهُ صِحَّةُ القَاعِدَةِ التِي تَقُولُ: إِنَّ الهَدْمَ أَسْهَلُ مِن البِنَاءِ.

مَبَانٍ شُيِّدَت فِيْ سِنِيْنَ، وَدُفِعَتْ فِيْهَا الأَمْوَال والأَوْقَاتُ الطَّائِلَةُ، ثُمَّ زَالَتْ فِي لَحَظَاتٍ.

البِنَاءُ أَصْعَبُ مِنَ الهَدْمِ، فِي كُلِّ شَيْءٍ، بِنَاءُ عَادَاتٍ حَسَنَةٍ لَكَ أَوْ لَدَى أَحَدِ أَبْنَائِكَ صَعْبٌ وَيَحْتَاجُ إِلَى وَقْتٍ طَوِيْلٍ، وَصَبْرٍ وَمُصَاَبَرَةٍ.. أَمَّا الهَدْمُ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ.

وَكَذَلِكَ الطَّاعَاتُ والتَّرْبِيَةُ الإِيْمَانِيَّةُ.. تَحْتَاجُ إِلَى وَقْتٍ طَوِيْلٍ لِتُنْتِجَ وَتُثْمِرَ، بَيْنَمَا يُمْكِنُ أَنْ يَهْدِمَ هَذَا البُنْيَانَ صَاحِبُ سُوءٍ، أَوْ مَقَالَةٌ مُنْحَرِفَةٌ، أَوْ صُورَةٌ خَلِيْعَةٌ، أَوْ سَفْرَةٌ إِلَى مَا لَا يُرْضِي اللهَ.

فَالوَاجِبُ ــ أَيُّهَا الإِخْوَةُ ــ الصَبْرُ وَالـمُصَابَرَةُ عَلَى البِنَاءِ.. فَبِنَاءُ السَّاكِنِ أَوْلَى مِنْ بِنَاء الـمَسَاكِنِ.

وَلَوْ قَدَّرَ اللهُ وَفَشِلَ هَذَا البِنَاءِ فِيْ يَومٍ مِنَ الأَيَّامِ.. فَلَا تَيْأَسْ وَلَا تَسْتَسْلِمْ.. بَلْ عَاوِدِ الكَرَّةَ، وَاِسْتَعِنْ بِاللهِ وَدُعَائِهِ.. وَتَذَكَّرْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُ يُكْثِرُ مِن الدُّعَاءِ لِنَفْسِهِ بِالثَّبَاتِ، رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: (يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ)، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ آَمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ.. فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: (نَعَم.. إِنَّ القُلُوبَ بَيْنَ إِصْبَعَينِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيفَ شاءَ).

وَسَلِ الثَّباتَ عَلَى الهُدَى مِنْ رَبِّنَا *** فَهُوَ الـمُجِيبُ وَغَافِرُ العِصْيَانِ

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.

اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْوبَنَا عَلَى دِينِكَ، اللهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَحْفَظَنَا بِحِفْظِكَ، وَأَنْ تَكْلَأَنَا بِرِعَايَتِكَ، وَأَنْ تَدْفَعَ عَنَّا الغَلَاء َوَالوَبَاءَ وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَّلَازِلَ وَالمِحَنَ وَسُوءَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. اِعْلِمُوا أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ لِلْصَلَاةِ عَلَيهِ فِي هَذَا اليَوْمِ وَالإِكْثَارِ مِنْهَا مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الأَيَّامِ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

عِبَادَ اللهِ.. إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى، وَيَنْهَى عَنْ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات

انفجار-بيروت-17-12-1441

انفجار-بيروت-17-12-1441

انفجار-بيروت-17-12-1441-2

انفجار-بيروت-17-12-1441-2

المشاهدات 2554 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا