دخول شهر رمضان
فهد عبدالله الصالح
1438/08/29 - 2017/05/25 07:48AM
الحمد لله الذي فاضل بين الأزمان، وجعل سيد الشهور رمضان، ووفق لاغتنامه أهل الطاعة والإيمان، أحمده سبحانه وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله واعملوا واستعدوا فالموت مورد، والساعة موعد والقيامة مشهد فاستقيموا وأحسنوا فمن أحسن الظن بالله أحسن العمل، الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل.
أيها الإخوة المؤمنون: لقد أظلتنا أيام لها في القلوب مكان ولها في النفوس مقام أيام خلدها القران وباركها الله تبارك وتعالى، أيام يزداد فيها العطاء ويرفع فيها الدعاء وتضاعف فيها الحسنات وتغفر فيها الزلات، إنها أيام شهر رمضان المبارك، شهر الصيام والقيام، شهر الخشية والاستغفار، شهر الذكر والقرآن، شهر المراقبة والإخلاص.
أيها المسلمون: إن بلوغ رمضان لنعمة كبرى لا يعرف قدرها إلا الصالحون المشمرون، لقد كان بلوغ هذا الشهر أمنية كان يتمناها نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم وكان يسال ربه إياها.
ومن فضل الله على هذه الأمة أيها الإخوة: أن جعل العبادات المشروعة لهم تنفعهم في الدنيا قبل الآخرة، إنها تهذب نفوسهم، وتطهر قلوبهم وتغسلهم من أدران الذنوب والمعاصي التي توقعهم في الزلل وربما تجعلهم يمارسون الشر والتعدي، والذنوب والمعاصي إذا تراكمت على العبد صرفته عن الخير وجرأته على الشر والفساد ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14] ولذا شرع الله الشرائع من أجل مصلحة الفرد والجماعة المؤمنة.
إن الوضوء يغسل المسلم من أدران الذنوب يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو آخر قطر ماء فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر ماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو آخر قطر الماء حتى يخرج نقياً من الذنوب) رواه مسلم في صحيحه.
إن الصلاة تكفر الذنوب والخطايا ففي صحيح مسلم وغيره عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنة شيء، قالوا لا يبقى من درنه شيء، قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا) والزكاة قال الله عنها ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾ [التوبة: 103] والحج مطهرة للذنوب والخطايا لقوله صلى الله عليه وسلم من حج فلم يرفس ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) رواه البخاري ومسلم.
والصوم كسائر شعائر الملة يكفر الذنوب والخطايا ويغسل المسلم من أدران المعاصي لقوله صلى الله عليه وسلم من صام رمضان إيمانا واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه، والغفران الذي يفوز به المؤمن بسبب صومه أو صلاته أو زكاته أو حجه إنما هو توبة من الله على عبده، لأنه وقاه شر ذنوبه وكفاه تبعاتها، فهي فرصة جديدة وسانحة من سوانح العمر لحياة متألقة بالطاعة والدنو من الله عز وجل.
أجل أيها المصلون: إن العبادات تقرب من الله وتبعد عن المعاصي والآثام وبالتالي يكون الفرد المسلم مسالماً وإيجابياً ومتعد نفعه للغير، وإذا كان الصوم يعود الإنسان على الإمساك عما يغضب الله ويروض نفسه على الصبر والتحمل، فإنه كذلك مصلحة للأمة جميعاً، فشهر رمضان يصومه جميع المسلمين مما يكون شعوراً واحداً يجمع الأمة على الحق والدين ويذكر أصحاب القرار والمفكرين والكتاب وغيرهم من المؤثرين بحال الضعفاء والمساكين والمعوزين الذين يصومون في رمضان كما صاموا في رجب وشعبان فيحسوا بمعاناتهم وفاقتهم وقد روى أن يوسف عليه السلام كان يكثر الصيام وهو على خزائن الأرض فسئل في ذلك فقال (أخاف إذا شبعت أن أنسى جوع الفقير).
أيها المسلمون: شهر رمضان شهر القرآن ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ [البقرة: 185] فحري بالمسلم أن يكثر من تلاوة كتاب ربه في هذا الشهر الفضيل خاصة وفي سائر أيام حياته عامة، وللصائم دعوة مستجابة، لما رواه ابن ماجة في سننه - بإسناده - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد) وفي مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول: بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين)، فيدعو المسلم لنفسه ولأهل بيته ولوالديه ولمن له حق عليه ويخص بالذكر بالدعاء أخا ميتاً أو مريضاً أو ضالاً، كما يدعو المسلم لإخوانه المسلمين الذين يتعرضون للابتلاء والإبادة في أي مكان يبتلى فيه المؤمنون ويدعو الله بقلب مخلص بأن يعجل بنصرهم كما يدعو على من ظلمهم.
وفي هذا الشهر المبارك تشرع صلاة التراويح وهي من قيام الليل، وفضلها عظيم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري ومسلم، وحري بالمسلم أن يتمها كاملة ففي الحديث (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) وحري بالمسلم أيضا - أن يكون له من الصدقة نصيب فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الصدقة أفضل؟ (قال صدقة في رمضان) رواه الترمذي.
فاتقوا الله يا امة الإسلام: واحمدوا الله على بلوغ هذا الشهر إذ لم يجعلكم الله في عداد الأموات، واشكروه جل وعلا على نعمة الصيام فلقد حرم فضل هذا الشهر شرار الخلق عند الله من الكفار والمنافقين وعباد الشهوات وأصحاب الشبهات.
اتقوا الله جميعاً - أيها المؤمنون: واعزموا العقد على الاستفادة من هذا الشهر الكريم بالتوبة النصوح ومراجعة النفس وتقويم الذات والنظر الجاد في كيفية قضاء ساعات الليل والنهار فما هي إلا أيام الحياة.
ليكن هذا الشهر انطلاقة صحيحة للإنسان في تعامله مع ربه ومع نفسه ومع زوجته ومع أولاده وأرحامه ومع سائر إخوانه.
ليكن هذا الشهر بداية جادة لتعويد النفس عل طاعة الله ومنعها عن معصية الله فان النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي.
ليكن هذا الشهر مجالاً واسعاً لعمل الخير وبذل المال والدعوة إلى الله وتفقد الفقراء والمساكين وتفطير الصائمين والسعي في قضاء حوائج المسلمين.
بارك الله لكم شهركم، ووفقنا جميعاً لمرضاته والعمل بكتابه، اللهم كما بلغتنا رمضان فوفقنا للصيام والقيام وسائر الأعمال وتقبله منا، اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنا، اللهم اجمع كلمتنا على الحق والدين، وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها يا رب العالمين، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة وكفر عنا سيئاتنا وتب علينا انك أنت التواب الرحيم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فيا أيها المسلمون اتقوا الله وراقبوه وأطيعوه ولا تعصوه ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
عباد الله: جاء في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (تسحروا فإن في السحور بركة) أخرجه البخاري ومسلم، والسحور له فوائده فهو يمنع حدوث الإعياء والصداع أثناء نهار رمضان كما يساعد على التخفيف من الإحساس بالجوع والعطش الشديد مما يعين على أداء الواجبات وعلى طاعة الله، واكلة السحور تحصل بكثير من المأكول أو قليله، فعنه صلى الله عليه وسلم انه قال (نعم سحور المؤمن التمر) ويحصل السحور ولو بجرعة ماء، والسحور فيه مخالفة لليهود، فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور) رواه مسلم، والسنة تأخير السحور ففي الحديث (لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الإفطار وأخروا السحور) رواه الإمام احمد، وتعجيل الإفطار من سنة خير الأنام عليه السلام وهو من أخلاق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما قال أبو الدرداء رضي الله عنه (ثلاثة من أخلاق النبوة تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، ووضع اليمين على الشمال في الصلاة) رواه الإمام الطبري، بل أوصي النبي صلى الله عليه وسلم أمته أن تعجل فطرها يوم صيامها فعن سلمان بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا كان أحدكم صائماً فليفطر على التمر، فان لم يجد التمر فعلى الماء فان الماء طهور) رواه أبو داود في سننه، يقول صاحب المغني (والمستحب أن يفطر على التمر لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفطر عليه ويأكلهن وتراً لقول أنس: ويأكلهن وتراً لأن الله تعالى وتر يحب الوتر، ولأن الصائم يستحب له الفطر كذلك) انتهى كلامه رحمنا الله وإياه، وأكل التمر وتراً في رمضان أو غيره له فوائد صحية بل قالوا إنه لا يرفع السكر في الجسم بعكس العدد الزوجي.
أما العلماء المعاصرون: فلم يخرجوا عما جاء في الشريعة.. يقول أحد الأطباء (فالتمر غني بالسكريات الأحادية التي تعطي سعرات حرارية عالية في فترة زمنية قصيرة لسهولة هضمه وامتصاصه، لذلك أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم الصائمين أن بيدوا إفطارهم برطب أو تمر لكي يعوضوا ما فقدوه من سكريات في يوم صيامهم).
والعمرة في رمضان أيها الأحبة: لها فضل عظيم لمن يوفقه الله لها ففي الحديث الصحيح (عمرة في رمضان تعدل حجة).
وعلى المسلم أن يحافظ على صيامه من النقصان لقوله صلى الله عليه وسلم (فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم). رواه البخاري.
فاستغلوه وفقني الله وإياكم- لكل خير هذا الموسم العظيم واستعدوا له بالعمل الصالح والتوبة النصوح ثم صلوا وسلموا على نبيكم.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/116573/#ixzz4i4gnLabH
أما بعد: فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله واعملوا واستعدوا فالموت مورد، والساعة موعد والقيامة مشهد فاستقيموا وأحسنوا فمن أحسن الظن بالله أحسن العمل، الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل.
أيها الإخوة المؤمنون: لقد أظلتنا أيام لها في القلوب مكان ولها في النفوس مقام أيام خلدها القران وباركها الله تبارك وتعالى، أيام يزداد فيها العطاء ويرفع فيها الدعاء وتضاعف فيها الحسنات وتغفر فيها الزلات، إنها أيام شهر رمضان المبارك، شهر الصيام والقيام، شهر الخشية والاستغفار، شهر الذكر والقرآن، شهر المراقبة والإخلاص.
أيها المسلمون: إن بلوغ رمضان لنعمة كبرى لا يعرف قدرها إلا الصالحون المشمرون، لقد كان بلوغ هذا الشهر أمنية كان يتمناها نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم وكان يسال ربه إياها.
ومن فضل الله على هذه الأمة أيها الإخوة: أن جعل العبادات المشروعة لهم تنفعهم في الدنيا قبل الآخرة، إنها تهذب نفوسهم، وتطهر قلوبهم وتغسلهم من أدران الذنوب والمعاصي التي توقعهم في الزلل وربما تجعلهم يمارسون الشر والتعدي، والذنوب والمعاصي إذا تراكمت على العبد صرفته عن الخير وجرأته على الشر والفساد ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14] ولذا شرع الله الشرائع من أجل مصلحة الفرد والجماعة المؤمنة.
إن الوضوء يغسل المسلم من أدران الذنوب يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو آخر قطر ماء فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر ماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو آخر قطر الماء حتى يخرج نقياً من الذنوب) رواه مسلم في صحيحه.
إن الصلاة تكفر الذنوب والخطايا ففي صحيح مسلم وغيره عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنة شيء، قالوا لا يبقى من درنه شيء، قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا) والزكاة قال الله عنها ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾ [التوبة: 103] والحج مطهرة للذنوب والخطايا لقوله صلى الله عليه وسلم من حج فلم يرفس ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) رواه البخاري ومسلم.
والصوم كسائر شعائر الملة يكفر الذنوب والخطايا ويغسل المسلم من أدران المعاصي لقوله صلى الله عليه وسلم من صام رمضان إيمانا واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه، والغفران الذي يفوز به المؤمن بسبب صومه أو صلاته أو زكاته أو حجه إنما هو توبة من الله على عبده، لأنه وقاه شر ذنوبه وكفاه تبعاتها، فهي فرصة جديدة وسانحة من سوانح العمر لحياة متألقة بالطاعة والدنو من الله عز وجل.
أجل أيها المصلون: إن العبادات تقرب من الله وتبعد عن المعاصي والآثام وبالتالي يكون الفرد المسلم مسالماً وإيجابياً ومتعد نفعه للغير، وإذا كان الصوم يعود الإنسان على الإمساك عما يغضب الله ويروض نفسه على الصبر والتحمل، فإنه كذلك مصلحة للأمة جميعاً، فشهر رمضان يصومه جميع المسلمين مما يكون شعوراً واحداً يجمع الأمة على الحق والدين ويذكر أصحاب القرار والمفكرين والكتاب وغيرهم من المؤثرين بحال الضعفاء والمساكين والمعوزين الذين يصومون في رمضان كما صاموا في رجب وشعبان فيحسوا بمعاناتهم وفاقتهم وقد روى أن يوسف عليه السلام كان يكثر الصيام وهو على خزائن الأرض فسئل في ذلك فقال (أخاف إذا شبعت أن أنسى جوع الفقير).
أيها المسلمون: شهر رمضان شهر القرآن ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ [البقرة: 185] فحري بالمسلم أن يكثر من تلاوة كتاب ربه في هذا الشهر الفضيل خاصة وفي سائر أيام حياته عامة، وللصائم دعوة مستجابة، لما رواه ابن ماجة في سننه - بإسناده - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد) وفي مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول: بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين)، فيدعو المسلم لنفسه ولأهل بيته ولوالديه ولمن له حق عليه ويخص بالذكر بالدعاء أخا ميتاً أو مريضاً أو ضالاً، كما يدعو المسلم لإخوانه المسلمين الذين يتعرضون للابتلاء والإبادة في أي مكان يبتلى فيه المؤمنون ويدعو الله بقلب مخلص بأن يعجل بنصرهم كما يدعو على من ظلمهم.
وفي هذا الشهر المبارك تشرع صلاة التراويح وهي من قيام الليل، وفضلها عظيم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري ومسلم، وحري بالمسلم أن يتمها كاملة ففي الحديث (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) وحري بالمسلم أيضا - أن يكون له من الصدقة نصيب فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الصدقة أفضل؟ (قال صدقة في رمضان) رواه الترمذي.
فاتقوا الله يا امة الإسلام: واحمدوا الله على بلوغ هذا الشهر إذ لم يجعلكم الله في عداد الأموات، واشكروه جل وعلا على نعمة الصيام فلقد حرم فضل هذا الشهر شرار الخلق عند الله من الكفار والمنافقين وعباد الشهوات وأصحاب الشبهات.
اتقوا الله جميعاً - أيها المؤمنون: واعزموا العقد على الاستفادة من هذا الشهر الكريم بالتوبة النصوح ومراجعة النفس وتقويم الذات والنظر الجاد في كيفية قضاء ساعات الليل والنهار فما هي إلا أيام الحياة.
ليكن هذا الشهر انطلاقة صحيحة للإنسان في تعامله مع ربه ومع نفسه ومع زوجته ومع أولاده وأرحامه ومع سائر إخوانه.
ليكن هذا الشهر بداية جادة لتعويد النفس عل طاعة الله ومنعها عن معصية الله فان النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي.
ليكن هذا الشهر مجالاً واسعاً لعمل الخير وبذل المال والدعوة إلى الله وتفقد الفقراء والمساكين وتفطير الصائمين والسعي في قضاء حوائج المسلمين.
بارك الله لكم شهركم، ووفقنا جميعاً لمرضاته والعمل بكتابه، اللهم كما بلغتنا رمضان فوفقنا للصيام والقيام وسائر الأعمال وتقبله منا، اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنا، اللهم اجمع كلمتنا على الحق والدين، وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها يا رب العالمين، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة وكفر عنا سيئاتنا وتب علينا انك أنت التواب الرحيم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فيا أيها المسلمون اتقوا الله وراقبوه وأطيعوه ولا تعصوه ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
عباد الله: جاء في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (تسحروا فإن في السحور بركة) أخرجه البخاري ومسلم، والسحور له فوائده فهو يمنع حدوث الإعياء والصداع أثناء نهار رمضان كما يساعد على التخفيف من الإحساس بالجوع والعطش الشديد مما يعين على أداء الواجبات وعلى طاعة الله، واكلة السحور تحصل بكثير من المأكول أو قليله، فعنه صلى الله عليه وسلم انه قال (نعم سحور المؤمن التمر) ويحصل السحور ولو بجرعة ماء، والسحور فيه مخالفة لليهود، فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور) رواه مسلم، والسنة تأخير السحور ففي الحديث (لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الإفطار وأخروا السحور) رواه الإمام احمد، وتعجيل الإفطار من سنة خير الأنام عليه السلام وهو من أخلاق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما قال أبو الدرداء رضي الله عنه (ثلاثة من أخلاق النبوة تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، ووضع اليمين على الشمال في الصلاة) رواه الإمام الطبري، بل أوصي النبي صلى الله عليه وسلم أمته أن تعجل فطرها يوم صيامها فعن سلمان بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا كان أحدكم صائماً فليفطر على التمر، فان لم يجد التمر فعلى الماء فان الماء طهور) رواه أبو داود في سننه، يقول صاحب المغني (والمستحب أن يفطر على التمر لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفطر عليه ويأكلهن وتراً لقول أنس: ويأكلهن وتراً لأن الله تعالى وتر يحب الوتر، ولأن الصائم يستحب له الفطر كذلك) انتهى كلامه رحمنا الله وإياه، وأكل التمر وتراً في رمضان أو غيره له فوائد صحية بل قالوا إنه لا يرفع السكر في الجسم بعكس العدد الزوجي.
أما العلماء المعاصرون: فلم يخرجوا عما جاء في الشريعة.. يقول أحد الأطباء (فالتمر غني بالسكريات الأحادية التي تعطي سعرات حرارية عالية في فترة زمنية قصيرة لسهولة هضمه وامتصاصه، لذلك أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم الصائمين أن بيدوا إفطارهم برطب أو تمر لكي يعوضوا ما فقدوه من سكريات في يوم صيامهم).
والعمرة في رمضان أيها الأحبة: لها فضل عظيم لمن يوفقه الله لها ففي الحديث الصحيح (عمرة في رمضان تعدل حجة).
وعلى المسلم أن يحافظ على صيامه من النقصان لقوله صلى الله عليه وسلم (فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم). رواه البخاري.
فاستغلوه وفقني الله وإياكم- لكل خير هذا الموسم العظيم واستعدوا له بالعمل الصالح والتوبة النصوح ثم صلوا وسلموا على نبيكم.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/116573/#ixzz4i4gnLabH