داء خفي ودواء جلي 14 رمضان 1438هـ (مرفق ملف pdf)
عاصم بن محمد الغامدي
1438/09/14 - 2017/06/09 02:48AM
[align=justify]الخطبة الأولى:
الحمدلله الذي جلّ وجهه، وعز ثناؤه، وتقدست ذاته، وتباركت أسماؤه، وعلت كلمته، وعظمت آلاؤه، أحمده تعالى على أن هدانا لدينه القويم، حمدًا يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، وأشكره أن جعلنا من أتباع نبيه الكريم، شكرًا أستمد به مواد نفحاته المديدة، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، بالهدى ودين الحق أرسله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد عباد الله:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فاتقوه كما أمر، وانتهوا عما نهى عنه وزجر، واعلموا أنه مطلع على السرائر، يعلم مكنون الصدور وما تخفي الضمائر، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.
عباد الله:
ينبغي للمؤمن كلما أحدث ذنبًا، أن يحدث توبة، فإن الذنوب لا تزال بصاحبها حتى تجعل قلبه قاسيًا، لا تؤثر فيه المواعظ، ولا تنفعه الآيات، وهذا شهر رمضان، خير شهور السنة، فيه ليلة القدر، شرع الله فيه من العبادات ما لم يشرعه في غيره، يكثر فيه ذكر الله، يزداد فيه القلب تعلقًا بالله، تقل فيه شهوات النفوس والأجسام، لا تنقطع تلاوة القرآن في المساجد والبيوت، تكثر فيه دواعي التوبة والإنابة، تتحقق فيه أسباب الانكسار والخشية، فإذا لم يكن في ذلك دواء لقسوة قلوبنا، فما الدواء؟ وإذا لم يشعر المرء برقة في هذا الشهر فلم لا يفتش عن سبب حرمانه؟ وإذا لم يقبل على الله سائلًا الرحمة، والخشية ورقة القلب فمتى يقبل؟ وإذا لم يُقَرّبه صيامه من الانكسار لله، والخضوع بين يديه، فأنَّى له ذلك؟
أيها المسلمون:
هل تتخيلون أن بعض القلوب أقسى من الحجارة؟
هل تتصورون أن من الحجارة ما يتشقق ليسمح بمرور الماء والأنهار، وأن من القلوب ما لا يُمر آية لربه، ولا يفتح طريقًا لموعظة؟
قسوةُ القلب داء خفي، يعاقبُ الله به المُصِرِّينَ على المعاصِي والذنوبِ، {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً}.
ولهذه القسوةِ آثارٌ، منها التعرضُ لعقابِ الله: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.
وحرمانُ المرءِ من التضرعِ لله تعالى: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ}.
والهشاشةُ أمامَ الفتن: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ}.
وهذا التكرار القرآني يسترعي الانتباه لهذه القضية الخطيرة، فلا يليق بالمؤمن بعد ذلك أن يتساهل في الأسباب التي تؤدي إلى قسوة قلبه، فإن آثارها خطيرة في الدنيا والآخرة.
وقسوة القلوب طريقٌ لارتكاب المعصية، وعقابٌ عليها كذلك، قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً}
ومعاقبة الله تعالى على الذنب بالذنب، وتنكيلُه على الخطيئة بالخطيئة، له شواهد في كتابه جل جلاله، منها قوله سبحانه: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا}، وقوله: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}، وهكذا فقد يعاقب الله الإنسان على قسوة القلب إذا لم يداوها بمزيد منها.
عباد الله:
إذا قسا القلب، خسر من القدرة على الاتصال بالله تعالى، ومناجاته، والاطراح بين يديه، بقدر قسوته، بل إن الله سبحانه قد يقدر على العباد كوارث كونية، ليدفعهم إلى التعلق به ومناجاته، والتضرع له، ولكن من ابتلي بقسوة القلب يعجز عن الوصول إلى هذا المكان الرفيع، قال الله سبحانه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يصل الأمر بقساة القلوب إذا قصروا في طاعة الله، إلى التماس المخارج لأنفسهم بتأويل نصوص الوحي لتوافق أهواءهم، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ}.
فأي شؤم لقسوة القلب أكبر من هذا؟
عباد الله:
من أبرز أسباب قسوة القلب تكرار المعاصي، والبعد عن ذكر الله تعالى، يقول الله جل جلاله: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}، وفي الإشارة إلى هذه العلاقة بين نسيان الذكر وقسوة القلب تنبيه للمؤمنين، حتى لا تجرفهم بحار الغفلة، إلى غياهب الضياع، وفيه دِلالة إلى أن الدواء في ذكر الله تعالى، وقراءة القرآن، وإدامة تدبره وتأمله.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمدلله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين، أما بعد عباد الله:
فما ظنكم بدعاء دعا به خير الملائكة عليهم السلام، وأمّن عليه خير البشر صلى الله عليه وسلم؟
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صعدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبرَ فقال: "آمين، آمين، آمين"، فقيل: يا رسولَ الله، إنك صعدتَ المنبرَ فقلت: "آمين، آمين، آمين"! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ جبريلَ عليه السلام أتاني فقال: من أدركَ شهرَ رمضان فلم يُغفر له فدخلَ النار فأبعَدَه الله، قل: آمين، قلتُ: آمين". [أخرجه ابن خزيمة، وابن حبان، وصححه الألباني].
وهذا ثلث الشهر قد انقضى، وقد توافرت فيه أسباب عديدة لترق القلوب، فمن لم يرقَّ قلبه فليفتش عن السبب، فربما استمر على تفريطه في الصلوات، أو انشغل عن مداواة قلبه بمتابعة المسلسلات، أو صام بطنه ولم تصم جوارحه، أو لم يزل قلبه معلقًا بهاتفه الجوال أكثرَ من مصحفه، أو ما زال يسوِّف في التوبة ويؤخرها، ناسيًا أنها لا تنفعه إذا لم تكن في وقتها الصحيح، يقول الله سبحانه: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} ونحن لا نزال في الفترة الممكنة، والتوبة إلى الله تحتاج قرارًا فوريًا عاجلاً، قرارًا لا يحتمل التأجيل ثانية واحدة، قرارًا يجب أن يدشن الآن، قبل أن تفوت الفرصة.
جعلنا الله من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا وصالح أعمالنا.
اللهم اجعلنا ممن صام هذا الشهر وقامه إيمانًا واحتسابًا على الوجه الذي يرضيك عنا.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلَّها دِقَّها وجِلَّها، علانيتها وسرها.
اللهم إنا نسألك الخشية منك، ونعوذ بك من قسوة القلب.
اللهم اجعلنا في هذا الشهر من عتقائك من النار.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك.
اللهم من أرادنا وديننا وبلادنا وبلاد المسلمين بسوء فرد كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره يا قوي يا عزيز.[/align]
الحمدلله الذي جلّ وجهه، وعز ثناؤه، وتقدست ذاته، وتباركت أسماؤه، وعلت كلمته، وعظمت آلاؤه، أحمده تعالى على أن هدانا لدينه القويم، حمدًا يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، وأشكره أن جعلنا من أتباع نبيه الكريم، شكرًا أستمد به مواد نفحاته المديدة، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، بالهدى ودين الحق أرسله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد عباد الله:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فاتقوه كما أمر، وانتهوا عما نهى عنه وزجر، واعلموا أنه مطلع على السرائر، يعلم مكنون الصدور وما تخفي الضمائر، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.
عباد الله:
ينبغي للمؤمن كلما أحدث ذنبًا، أن يحدث توبة، فإن الذنوب لا تزال بصاحبها حتى تجعل قلبه قاسيًا، لا تؤثر فيه المواعظ، ولا تنفعه الآيات، وهذا شهر رمضان، خير شهور السنة، فيه ليلة القدر، شرع الله فيه من العبادات ما لم يشرعه في غيره، يكثر فيه ذكر الله، يزداد فيه القلب تعلقًا بالله، تقل فيه شهوات النفوس والأجسام، لا تنقطع تلاوة القرآن في المساجد والبيوت، تكثر فيه دواعي التوبة والإنابة، تتحقق فيه أسباب الانكسار والخشية، فإذا لم يكن في ذلك دواء لقسوة قلوبنا، فما الدواء؟ وإذا لم يشعر المرء برقة في هذا الشهر فلم لا يفتش عن سبب حرمانه؟ وإذا لم يقبل على الله سائلًا الرحمة، والخشية ورقة القلب فمتى يقبل؟ وإذا لم يُقَرّبه صيامه من الانكسار لله، والخضوع بين يديه، فأنَّى له ذلك؟
أيها المسلمون:
هل تتخيلون أن بعض القلوب أقسى من الحجارة؟
هل تتصورون أن من الحجارة ما يتشقق ليسمح بمرور الماء والأنهار، وأن من القلوب ما لا يُمر آية لربه، ولا يفتح طريقًا لموعظة؟
قسوةُ القلب داء خفي، يعاقبُ الله به المُصِرِّينَ على المعاصِي والذنوبِ، {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً}.
ولهذه القسوةِ آثارٌ، منها التعرضُ لعقابِ الله: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.
وحرمانُ المرءِ من التضرعِ لله تعالى: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ}.
والهشاشةُ أمامَ الفتن: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ}.
وهذا التكرار القرآني يسترعي الانتباه لهذه القضية الخطيرة، فلا يليق بالمؤمن بعد ذلك أن يتساهل في الأسباب التي تؤدي إلى قسوة قلبه، فإن آثارها خطيرة في الدنيا والآخرة.
وقسوة القلوب طريقٌ لارتكاب المعصية، وعقابٌ عليها كذلك، قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً}
ومعاقبة الله تعالى على الذنب بالذنب، وتنكيلُه على الخطيئة بالخطيئة، له شواهد في كتابه جل جلاله، منها قوله سبحانه: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا}، وقوله: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}، وهكذا فقد يعاقب الله الإنسان على قسوة القلب إذا لم يداوها بمزيد منها.
عباد الله:
إذا قسا القلب، خسر من القدرة على الاتصال بالله تعالى، ومناجاته، والاطراح بين يديه، بقدر قسوته، بل إن الله سبحانه قد يقدر على العباد كوارث كونية، ليدفعهم إلى التعلق به ومناجاته، والتضرع له، ولكن من ابتلي بقسوة القلب يعجز عن الوصول إلى هذا المكان الرفيع، قال الله سبحانه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يصل الأمر بقساة القلوب إذا قصروا في طاعة الله، إلى التماس المخارج لأنفسهم بتأويل نصوص الوحي لتوافق أهواءهم، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ}.
فأي شؤم لقسوة القلب أكبر من هذا؟
عباد الله:
من أبرز أسباب قسوة القلب تكرار المعاصي، والبعد عن ذكر الله تعالى، يقول الله جل جلاله: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}، وفي الإشارة إلى هذه العلاقة بين نسيان الذكر وقسوة القلب تنبيه للمؤمنين، حتى لا تجرفهم بحار الغفلة، إلى غياهب الضياع، وفيه دِلالة إلى أن الدواء في ذكر الله تعالى، وقراءة القرآن، وإدامة تدبره وتأمله.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمدلله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين، أما بعد عباد الله:
فما ظنكم بدعاء دعا به خير الملائكة عليهم السلام، وأمّن عليه خير البشر صلى الله عليه وسلم؟
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صعدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبرَ فقال: "آمين، آمين، آمين"، فقيل: يا رسولَ الله، إنك صعدتَ المنبرَ فقلت: "آمين، آمين، آمين"! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ جبريلَ عليه السلام أتاني فقال: من أدركَ شهرَ رمضان فلم يُغفر له فدخلَ النار فأبعَدَه الله، قل: آمين، قلتُ: آمين". [أخرجه ابن خزيمة، وابن حبان، وصححه الألباني].
وهذا ثلث الشهر قد انقضى، وقد توافرت فيه أسباب عديدة لترق القلوب، فمن لم يرقَّ قلبه فليفتش عن السبب، فربما استمر على تفريطه في الصلوات، أو انشغل عن مداواة قلبه بمتابعة المسلسلات، أو صام بطنه ولم تصم جوارحه، أو لم يزل قلبه معلقًا بهاتفه الجوال أكثرَ من مصحفه، أو ما زال يسوِّف في التوبة ويؤخرها، ناسيًا أنها لا تنفعه إذا لم تكن في وقتها الصحيح، يقول الله سبحانه: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} ونحن لا نزال في الفترة الممكنة، والتوبة إلى الله تحتاج قرارًا فوريًا عاجلاً، قرارًا لا يحتمل التأجيل ثانية واحدة، قرارًا يجب أن يدشن الآن، قبل أن تفوت الفرصة.
جعلنا الله من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا وصالح أعمالنا.
اللهم اجعلنا ممن صام هذا الشهر وقامه إيمانًا واحتسابًا على الوجه الذي يرضيك عنا.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلَّها دِقَّها وجِلَّها، علانيتها وسرها.
اللهم إنا نسألك الخشية منك، ونعوذ بك من قسوة القلب.
اللهم اجعلنا في هذا الشهر من عتقائك من النار.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك.
اللهم من أرادنا وديننا وبلادنا وبلاد المسلمين بسوء فرد كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره يا قوي يا عزيز.[/align]
المرفقات
داء خفي ودواء جلي 14 رمضان 1438هـ.pdf
داء خفي ودواء جلي 14 رمضان 1438هـ.pdf