دَاءُ الْوَسْوَسَةِ وَدَوَائُها

سعد آل مجري
1440/11/16 - 2019/07/19 09:56AM
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيرًا، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102]، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا( [النساء:1]، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( [الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: يَتَعَرَّضُ الشَّيْطَانُ لِكَثِيرٍ مِنْ أَهْل الإِيمَانِ، وَخَاصَّةً أَهْل الْعِلْمِ والعِبادَةِ مِنْهُمْ بِوَسَاوِسَ يُلْقِيهَا إِلَيْهِمْ مِنْ أَجْل فِتْنَتِهِمْ عَنْ دِينِهِمْ. فالْوَسْوَسَةُ مَا يُلْقِيهِ الشَّيْطَانُ فِي رُوعِ الإِنْسَانِ, والْمُوَسْوِسُ هُوَ مَنْ يَشُكُّ فِي الْعِبَادَةِ وَيَكْثُرُ مِنْهُ الشَّكُّ فِيهَا حَتَّى يَشُكَّ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَل الشَّيْءَ وَهُوَ قَدْ فَعَلَهُ, ثُمَّ تَغْلِبُهُ نَفْسُهُ فَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ فَيُعِيدُهُ مِرَارًا وَتِكْرَارًا، وَقَدْ يَصِل إِلَى حَدِّ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ, قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ : وَالشَّيْطَانُ يَكْثُرُ تَعَرُّضُهُ لِلْعَبْدِ إِذَا أَرَادَ الإِنَابَةَ إِلَى رَبِّهِ، وَالتَّقَرُّبَ إِلَيْهِ، وَالاِتِّصَال بِهِ، فَلِهَذَا يَعْرِضُ لِلْمُصَلِّينَ مَا لاَ يَعْرِضُ لِغَيْرِهِمْ، وَيَعْرِضُ لِلْخَاصَّةِ مِن أَهْل الْعِلْمِ وَالدِّينِ أَكْثَرَ مِمَّا يَعْرِضُ لِلْعَامَّةِ.
وَمِنْ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ فِي هَذَا الْبَابِ مَا يَجِدُهُ الْمُؤْمِنُ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْوَسْوَسَةِ, مِمَّا يَسْتَعْظِمُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ, فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلُوهُ: إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، قَالَ: «وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟» قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ» رواه مسلم قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ : يَعْنِي أَنَّ حُصُول هَذَا الْوَسْوَاسِ مَعَ هَذِهِ الْكَرَاهَةِ الْعَظِيمَةِ لَهُ وَدَفْعِهِ عَنِ الْقَلْبِ هُوَ مِنْ صَرِيحِ الإِيمَانِ, وَإِنَّمَا صَارَ صَرِيحًا لَمَّا كَرِهُوا تِلْكَ الْوَسَاوِسَ الشَّيْطَانِيَّةَ فَدَفَعُوهَا ، فَخَلُصَ الإِيمَانُ فَصَارَ صَرِيحًا. انتهى
وقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولَ: مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ لَهُ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ، فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ وَلْيَنْتَهِ "رواه مسلم
وَمِنْ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ فِي هَذَا الْبَابِ مَا يَجِدُهُ الْمُؤْمِنُ فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلاَةِ فعَنْ عَبَّادٍ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: «لَا يَنْفَتِلْ أَوْ لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» رواه البخاري
وعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْهُ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا» «قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللهُ عَنِّي» رواه مسلم
قَال أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ: مِنَ الَّذِينَ يَعْتَرِيهِمُ الْوَسْوَاسُ مَنْ يَرْكَبُ رَأْسَهُ ، وَيُجَاوِزُ حُدُودَ الأُصُول، وَقَدْ رَأَيْتُ مِنْهُمْ مَنْ يُكَرِّرُ تَكْبِيرتَهُ لِلْمَكْتُوبَةِ حَتَّى يُشْرِفَ وَقْتُهَا عَلَى الاِنْقِضَاءِ، أَوْ تَفُوتَهُ الْجُمُعَةُ مَعَ الإِمَامِ، أَوْ رَكْعَةٌ مِنْهَا, وَإِذَا تَعَاطَى الْمَاءَ لِلطَّهَارَةِ أَسْرَفَ مِنْهُ قُلَّةً أَوْ قِلاَلاً.
وَقَال ابْنُ الْجَوْزِيِّ : وَبَعْضُ الْمُوَسْوَسِينَ يَغْسِل الثَّوْبَ الطَّاهِرَ مِرَارًا، وَرُبَّمَا لَمَسَهُ مُسْلِمٌ فَيَغْسِلُهُ, وَمِنْهُمْ مَنْ يَغْسِل ثِيَابَهُ فِي دِجْلَةَ، لاَ يَرَى غَسْلَهَا فِي الْبَيْتِ يُجْزِئُ.
وَقَال ابْنُ الْجَوْزِيِّ : جَاءَ إِلَى أبي حَازِم القَاضِي فَقَالَ لَهُ: إن الشَّيْطَان يأتيني فَيَقُول إِنَّك قد طلقت زَوجتك فيشككني فَقَالَ لَهُ أوليس قد طَلقتهَا قَالَ لَا قَالَ ألم تَأتِينِي أمس فطلقتها عِنْدِي فَقَالَ وَالله مَا جئْتُك إِلَّا الْيَوْم وَلَا طَلقتهَا بِوَجْه من الْوُجُوه قَالَ فاحلف للشَّيْطَان إِذا جَاءَك كَمَا حَلَفت لي وَأَنت فِي عَافِيَة.
عِبَادَ اللهِ: تَنْشَأُ الشُّبْهَةُ الْمُؤَدِّيَةُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ مِنَ التَّصَوُّرِ الْخَاطِئِ لِمَعْنَى الاِحْتِيَاطِ وَاتِّقَاءِ الشُّبُهَاتِ الْمَفْهُومِ مِنْ ظَاهِرِ قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " دَعْ مَا يُرِيبُك إِلَى مَا لاَ يُرِيبُك " . أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَقَوْلِهِ : " مَنِ اتَّقَى الشُّبَهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعَرَضِهِ " أخرجه البخار ومسلم
وَقَدْ جَرَتْ كَثِيرٌ مِنْ مَسَائِل الْفِقْهِ عَلَى قَاعِدَةِ الاِحْتِيَاطِ ، فَظَنَّ الْمُوَسْوَسُونَ أَنَّ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ أَمْرِ الْوَسْوَسَةِ دَاخِلٌ فِي قَاعِدَةِ الاِحْتِيَاطِ ، وَرَأَوْا أَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ مِنَ التَّفْرِيطِ ، كَمَنْ لاَ يُبَالِي كَيْفَ يَتَوَضَّأُ، وَلاَ بِأَيِّ مَاءٍ تَوَضَّأَ ، وَلاَ بِأَيِّ مَكَانٍ صَلَّى، وَلاَ يُبَالِي مَا أَصَابَ ثَوْبَهُ ، فَيَحْمِل الأُمُورَ كُلَّهَا عَلَى الطَّهَارَةِ ، وَرَأَوْا أَنَّ الاِسْتِقْصَاءَ وَالتَّشْدِيدَ وَالاِجْتِهَادَ فِي الاِحْتِيَاطِ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ, حَتَّى ْخَرجَ الْمُوَسْوَسُ مِنْ حَدِّ الْوَرَعِ إِلَى مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَهُوَ التَّشَدُّدُ فِي الدِّينِ، وَالْخُرُوجُ عَنْ سَمَاحَتِهِ وَيُسْرِهِ، وَعَنْ مَسْلَكِ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ.
قَال ابْنُ الْقَيِّمِ فِي مَعْرِضِ كَشْفِ شُبُهَاتِ أَهْل الْوَسْوَسَةِ : إِنَّ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ الَّذِي أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِهِ هُوَ قَصْدُ السَّبِيل، وَمَا خَرَجَ عَنْهُ فَهُوَ مِنَ السُّبُل الْجَائِرَةِ، فَالْمِيزَانُ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ الاِسْتِقَامَةُ وَالْجَوْرُ هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، وَقَدْ قَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ» أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ ، وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّشْدِيدِ فِي الدِّينِ فِي قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ » أَخْرَجَهُ مُسْلِم
وَأَهْل الْوَسْوَاسِ شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشُدِّدَ عَلَيْهِمْ حَتَّى اسْتَحْكَمَ ذَلِكَ فِيهِمْ وَصَارَ صِفَةً لاَزِمَةً لَهُمْ .
فَمَنْ أَرَادَ التَّخَلُّصَ مِنْ هَذِهِ الْبَلِيَّةِ فَلْيَسْتَشْعِرْ أَنَّ الْحَقَّ فِي اتِّبَاعِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ ، وَلْيَعْزِمْ عَلَى سُلُوكِ طَرِيقَتِهِ عَزِيمَةَ مَنْ لاَ يَشُكُّ أَنَّهُ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ ، وَأَنَّ مَا خَالَفَهُ فَهُوَ مِنْ تَسْوِيل إِبْلِيسَ وَوَسْوَسَتِهِ، وَلْيَنْظُرْ فِي أَحْوَال السَّلَفِ فَلْيَقْتَدِ بِهِمْ .
فَفِي مَسْأَلَةِ الإِسْرَافِ فِي مَاءِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْل قَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ وَيَغْتَسِل بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ » أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَال : سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : «سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد  وَوَرَدَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَال : «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ عَنِ الْوُضُوءِ ، فَأَرَاهُ الْوُضُوءَ ثَلاَثًا ثَلاَثًا ثُمَّ قَال : هَكَذَا الْوُضُوءُ ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ» أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
....................................
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ رَبُّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ -عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: اعْلَمْوا أَنَّ الْوَسْوَسَةَ مِنْ الشَّيْطَانِ بالإتِّفَاق، وَاللَّعِينُ لَا غَايَةَ لِمُرَادِهِ إلَّا إيقَاعُ الْمُؤْمِنِ فِي وَهْدَةِ الضَّلَالِ وَالْحَيْرَةِ وَنَكَدِ الْعَيْشِ وَظُلْمَةِ النَّفْسِ وَضَجَرِهَا إلَى أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الْإِسْلَامِ.
عِبَادَ اللهِ: سُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ عَنْ دَاءِ الْوَسْوَسَةِ هَلْ لَهُ دَوَاءٌ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: لَهُ دَوَاءٌ نَافِعٌ وَهُوَ الْإِعْرَاضُ عَنْهَا جُمْلَةً كَافِيَةً, وَإِنْ كَانَ فِي النَّفْسِ مِنْ التَّرَدُّدِ مَا كَانَ, فَإِنَّهُ مَتَى لَمْ يَلْتَفِتْ لِذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ بَلْ يَذْهَبُ بَعْدَ زَمَنٍ قَلِيلٍ كَمَا جَرَّبَ ذَلِكَ الْمُوَفَّقُونَ، وَأَمَّا مَنْ أَصْغَى إلَيْهَا وَعَمِلَ بِقَضِيَّتِهَا فَإِنَّهَا لَا تَزَالُ تَزْدَادُ بِهِ حَتَّى تُخْرِجَهُ إلَى حَيِّزِ الْمَجَانِينِ, وَجَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ مَنْ اُبْتُلِيَ بِالْوَسْوَسَةِ فَلْيَعْتَقِدْ بِاَللَّهِ وَلْيَنْتَهِ, فَتَأَمَّلْ هَذَا الدَّوَاءَ النَّافِعَ الَّذِي عَلَّمَهُ مَنْ لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى لِأُمَّتِهِ.
وَجَاءَ فِي طَرِيقٍ آخَرَ فِيمَنْ اُبْتُلِيَ بِالْوَسْوَسَةِ فَلْيَقُلْ: آمَنْت بِاَللَّهِ وَبِرُسُلِهِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ اسْتَحْضَرَ طَرَائِقَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ طَرِيقَتَهُ وَشَرِيعَتَهُ سَهْلَةً وَاضِحَةً بَيْضَاءَ بَيِّنَةً سَهْلَةً لَا حَرَجَ فِيهَا وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، وَمَنْ تَأَمَّلَ ذَلِكَ وَآمَنَ بِهِ حَقَّ إيمَانِهِ ذَهَبَ عَنْهُ دَاءُ الْوَسْوَسَةِ وَالْإِصْغَاءِ إلَى شَيْطَانِهَا.
وَدَوَاءُ الْوَسْوَسَةِ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ ذَلِكَ خَاطِرٌ شَيْطَانِيٌّ، وَأَنَّ إبْلِيسَ هُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ يُقَاتِلُهُ، فَيَكُونُ لَهُ ثَوَابُ الْمُجَاهِدِ؛ لِأَنَّهُ يُحَارِبُ عَدُوَّ اللَّهِ، فَإِذَا اسْتَشْعَرَ ذَلِكَ فَرَّ عَنْهُ، وَأَنَّهُ مِمَّا اُبْتُلِيَ بِهِ الْإِنْسَان مِنْ أَوَّلِ الزَّمَانِ وَسَلَّطَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِحْنَةً لَهُ.
وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي فَقَالَ: ذَلِكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ، فَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْهُ وَاتْفُلْ عَنْ يَسَارِك ثَلَاثًا، فَفَعَلْت فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي.
وَدَوَاءُ الْوَسْوَسَةِ فِي الْعِلْمِ؛ وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ الْوَسْوَسَةَ لَا تُسَلَّطُ إلَّا عَلَى مَنْ اسْتَحْكَمَ عَلَيْهِ الْجَهْلُ وَالْخَبَلُ وَصَارَ لَا تَمْيِيزَ لَهُ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ عَلَى حَقِيقَةِ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الِاتِّبَاعِ وَلَا يَمِيلُ إلَى الِابْتِدَاعِ.
وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ بُلِيَ بِالْوَسْوَسَةِ فِي الْوُضُوءِ، أَوْ الصَّلَاةِ أَنْ يَقُولَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ إذَا سَمِعَ الذِّكْرَ خَنَسَ؛ أَيْ: تَأَخَّرَ وَبَعُدَ, وَقَالُوا: أَنْفَعُ عِلَاجٍ فِي دَفْعِ الْوَسْوَسَةِ الْإِقْبَالُ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الأَئِمَّةِ المَهْدِيِّينَ وَالخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ؛ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ يَا رَبَّنَا سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، اللَّهُمَّ اهْدِ قُلُوبَنَا، وَاسْتُرْ عُيُوبَنَا، وَاشْفِ مَرْضَانَا، وَعَافِ مُبْتَلَانَا، وَأَهْلِكْ أَعْدَاءَنَا، وَارْحَمْ شُهَدَاءَنَا، وَاجْعَلِ الجَنَّةَ مَأْوَانَا، وَقِنَا فِتْنَةَ القَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ، يَا عَزِيزُ يَا غَفَّارُ، اللَّهُمَّ انْصُرِ الإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَعْلِ كَلِمَةَ الحَقِّ وَالعَدْلِ وَالدِّينِ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُؤْمِنِينَ وَجُنْدَكَ الـمُوَحِّدِينَ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أمرنا لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُ فِي رِضَاكَ، وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ، وَاجْعَلْ بَلَدَنَا هَذَا آمِناً مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
المرفقات

الْوَسْوَسَةِ-وَدَوَائُها

الْوَسْوَسَةِ-وَدَوَائُها

المشاهدات 902 | التعليقات 0