داء المخدرات .. والاختبارات

المهذب المهذب
1438/04/14 - 2017/01/12 20:19PM

هذه الخطبة أصلها لفضيلة الشيخ صالح آل طالب ، مع تعديلات يسيرة

داء المخدّرات
الخطبة الأولى:
أمّا بعد: أيها المسلمون: آفةُ المجتمعات اليوم هي المسكرات والمخدّرات، أمّ الخبائث والكبائر، وأصلُ الشرور والمصائب، شتَّتتِ الأسَر، وهتكتِ الأعراض، وسبّبت السرقات، وجرّأت على القتل، وأودت بأصحابها إلى الانتحار، وأنتجت كلّ بليّةٍ ورذيلة.. أجمع على ذمّها العقلاء منذ عهد الجاهليّة، وترفّع عنها النبلاء من قبلِ الإسلام، فلمّا جاء الإسلام ذمّها حرّمها ولعنها، ولعن شاربَها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولةَ إليه، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ".
بيّن الله تعالى مفاسدَ الخمر، وأنها رجسٌ ونجَس، وأنها توقع العداوةَ والبغضاء، وتصدّ عن الصلاة، وتصدّ عن ذكر الله، وأنها سببٌ لعدم الفلاح.
والخمر المحرّمةُ هي كلّ ما خامر العقل مهما كان نوعُه وأيًّا كان اسمُه؛ قال رسول الله : "كلُّ مسكرٍ حرام، إنّ على الله عزّ وجلّ عهدًا لمن يشرب المسكر أن يسقيَه من طينةِ الخبال"، قالوا: يا رسول الله، وما طينةُ الخبال؟ قال: "عَرَقُ أهل النار" أو: "عصارة أهل النار". وقال : "كلُّ مسكرٍ خمرٌ، وكلّ مسكرٍ حرامٌ، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يُدمنها لم يتُب؛ لم يشربها في الآخرة".
عبادَ الله: والمخدّرات بأنواعها شرٌّ من الخمر؛ فهي تفسد العقل، وتدمّر الجسد، وتُذهب المالَ، وتقتُل الغيرةَ، فهي تشارك الخمر في الإسكار، وتزيد عليها في كثرة الأضرار.
وقد أجمع الناس كلّهم من المسلمين والكفّار على ضررِ المسكرات والمخدّرات ووبالها على الأفراد والمجتمعات، وتنادت لحربها جميع الدول وتعاهدت، وأدرك الجميع مخاطرها، حتى قال المنظّرون: "إنّ خطرَ المخدّرات وتأثيرَها المدمّرَ أشدُّ فتكًا من الحروب".
أيها المسلمون: لقد ضجّت بالشكوى من المخدرات البيوت، واصطلى بنارها من تعاطاها ومن عاشره، وأحالت حياتَهم جحيمًا لا يُطاق، فوالدٌ يشكي، وأمٌّ تبكي، وزوجةٌ حيرى، وأولادٌ تائهون في ضيعةٍ كبرى، ومن عوفي فليحمدِ الله.
المخدّرات تفسد العقل، وتقطع النسل، وتورث الجنون، وتجلب الوساوس والهموم وأمراضًا عقليّةً وعضويّةً ليس لها شفاء، وتجعل صاحبَها حيوانًا هائجًا ليس له صاحب، وتُرديه في أَسوَأ المهالك، مع ما تورثه من قلّة الغيرة وزوال الحميّة.
وما تفكّكتِ الأسَر إلاّ من أثرها، وما تفشّتِ الجرائم إلا بسببها، ومع غلائها فإنّ مروِّجَها من أفقر الناس وأتعسهم حالاً.
أمّا متعاطيها: فإنّها لا تزال تستنزف مالَه حتى يضيقَ بالنفقة الواجبة على أهله وأولاده وعلى نفسه، وحتى تصبح أسرتُه عالةً يتكفّفون الناس، وربّما باعَ أهلَه وعِرضَه مقابلَ جرعَةِ مخدّر أو شَربةِ مسكرٍ، فهل من قلوبٍ تعي أو عقولٍ تفكّر في النهاية المؤلمة والآثار المدمّرة لهذه البلايا؟! ناهيك عن فَقدِ الدين وضياعِ الإيمان، وهي أعظم مصيبة، ففي الصحيحين أن النبي  قال: "ولا يشرب الخمرَ حين يشربها وهو مؤمن"، وقد قال عثمان بن عفان: "إنه -والله- لا يجتمع الإيمان والخمر في قلب رجلٍ إلا يوشك أحدُهما أن يذهب بالآخر".
عباد الله: لانتشار هذا الوباء أسبابٌ وبواعث؛ منها ضَعف الإيمان، وضَعفُ الوازع الدينيّ، والأزمة الروحيّة التي سبّبتها كثرة المعاصي، ووسائلُ الإلهاء والتغفيل؛ فأبعدت الناس عن هدي الله وذكره، وهوّنت عليهم ارتكاب المعاصي، وأنتجت قلّةَ الخوف من الله، فلا يفكّر أحدهم في عذاب الآخرة ولا عقاب الدنيا، ومن لم يكن له دين صحيحٌ يمنعه؛ فلا عقلَ ينفعه، ولا زاجرَ يردعه.
والفراغ القاتل والبطالة سوقٌ رائجة للمخدّرات والمسكرات، ولا سيما عند الشباب، الذين يصاحبون أصدقاء السوء ورفاق الشرّ، يجالسهم وقد لا يعلم أنهم من متعاطي المخدرات أو من مروجيها ، فيهوّنون عليه الأمر ويجرّئونه على المنكر، ويزيّن الشيطان له المتعةَ الموهومةَ والهروبَ من الواقع، إنّ هذا الهروب ليس إلا غيبوبةً يعقبُها صحوٌ أليم، وتنقل صاحبها إلى عالم التبلّد والبلاهة.
ومن أسباب انتشار الخمور والمخدرات بعضُ وسائل الإعلام، حين تَعرض البرامجُ والمسلسلاتُ شربَ الخمر وقوارير الخمر على أنّه أمرٌ طبيعيّ ومن خصائص المجتمعات الراقية، وتُقحِمُ ذلك في الدعايات للهو والمتعة.
وإذا سافر ضعيف الإيمان إلى بلاد الكفر والإباحيّة؛ وقع في المحظور وأدمن عليها، وعاد لبلده باحثًا عنها.
أيها المسلمون: إنّ أعداءكم لا يألونكم خبالاً، "وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ"، قد اتَّخذوا المسكراتِ والمخدّرات سلاحًا فاتكًا للسيطرة والعدوان، واستلاب العقول والأموال، وتحطيم البلاد اجتماعيًّا واقتصاديًّا ودينيًّا وأخلاقيًّا.
أيها المسلمون: إنّ الحديثَ عن تفشي المسكرات والمخدّرات ونِسَبها وآثارها وقصصها ومآسيها لهو حديثٌ مؤلم، ولكن السكوت عنه لا يزيد الأمرَ إلا إيلامًا؛ لذا فلا بدّ من الوعي بحقائق الأمور وإدراك حجمِ الخطر، ثم التكاتُف والتآزر بين أفراد المجتمع ومؤسّساته؛ للحدّ من هذا الوباء وصدّه قبل استفحال الداء.
لا بدّ من تنمية الرقابةِ الذاتيّة بالإيمان والخوف من اللهِ في قلوبِ الناس عامّةً والناشئة والشّباب خاصّة، ولن يردع البشرَ شيءٌ كالإيمان بالله.
لا بدّ أن نتكاتف مع الجهاتِ المسؤولة على نبذِ المروّجين والتبليغ عنهم، والحذر من التستّر عليهم أو التهاون معهم، أما المبتلى بالتعاطي فهو مريض بحاجةٍ إلى المساعدة، لا إلى مجرّد الشفقة والسكوت السلبيّ.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: "وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب".
بارك الله لي ولَكم في القرآنِ والسنّة ...

الخطبة الثانية:
الحمد لله، أحلّ الطيبات وحرّم الخبائث، أحمده تعالى وأشكره، وأثني عليه وأستغفره، وأشهَد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهَد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى الآل والصحبِ الكرام، وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعد: فيا أيّها المسلمون: التدخين بوّابة المخدّرات، وضررُه على الدين والبدن والمال بيِّنٌ ظاهر، ولا يجادل فيه إلا مكابر. أفتى العلماءُ بتحريمه، وتنادَتِ المنظّماتُ العالميّة بتجريمِه، واتَّفق الأطباء على ضرره، وأنه سببٌ رئيسٌ للهلاك ولأمراضٍ كثيرة.
وهذه المفتِّراتُ من الدخان والقات مع ما فيها من شرٍّ وضرّ فهي سببٌ للاجتماع على المفاسد والخلوةِ برُفقاء السوء، والنُّفرة من أهل الخير والصلاح والوحشة منهم ومن مجالسهم، وهو أصلُ الأخلاق الرديئة وسوء الطباع.
أيها المسلمون: النصيحة المكرّرة والوصيّة المؤكّدة هي الحرص على الأبناء والبنات ومتابعتهم وملاحظتهم، ولا يعني ذلك حصارَهم، بل التربية والمراقبة والثقة والمتابعة، أمّا إذا كانت الثقة عمياء أو وضِعت في غير محلّها؛ فإنّ نتاجَها الحسرةُ والندامة.
ورفاقُ السوء وَضِعَافُ النُّفُوسِ، يَستَغِلُّونَ أَيَّامَ الامتِحَانَاتِ لِتَروِيجِ المُخَدِّرَاتِ، وَيَزعُمُونَ أَنَّهَا تطرد النوم وتُسَاعِدُ عَلَى التَّركِيزِ، في حِينِ أَنَّ العَكسَ مِن ذَلِكَ هُوَ الحَاصِلُ، خَاصَّةً وَقَدِ انتَشَرَت أَنوَاعٌ مِنَ الحُبُوبِ المُنَبِّهَةِ المَغشُوشَةِ، وَالمَخلُوطَةِ بِمُخَدِّرٍ يُتلِفُ خَلايَا المُخِّ مِن أَوَّلِ مَرَّةٍ يُستَخدَمُ فِيهَا، ممَّا يَتَسَبَّبُ في فُقدَانِ العَقلِ مَدَى الحَيَاةِ.
إن على الآباء والأمّهات والمربّين والمربّيات أن يقوموا بواجبِهم بصدقٍ وعزمٍ وإخلاصٍ جدّيةٍ، ويحذروا من التّهاونِ وعدم المبالاة ؛ حتى لا يقع الشابّ فريسةً للمخدرات، وضحيةً للدخان والمسكرات.
اللهمّ احفظنا واحفظ علينا، وعافنا في أنفسنا وفي ديننا وأهلنا، وقنا والمسلمين شرَّ هذه البلايا، ورُدَّ ضالَّ المسلمين إليك ردًّا جميلاً.
هذا وصلّوا وسلّموا ...

المشاهدات 978 | التعليقات 0