داء الفساد والإفساد (الغيبة والنميمة)
إبراهيم بن سلطان العريفان
بسم الله الرحمن الرحيم
إخوة الإيمان والعقيدة .. داء من أفسد الأدواء وأفتكها بالأفراد والمجتمعات، يجلب الشر ويدعو إلى الفرقة ويوغر الصدر ويثير الأحقاد، ويحط بصاحبه لأسفل الدركات، وينشر بين الناس الكراهية والأحقاد، ولذلك حذّر الله ورسوله منه، ولكنه مع الأسف شاع بيننا وأصبح فاكهة نزين بها مجالسنا، وقليل منا مَن يسلم من الوقوع به، بل يمارس ولا تجد من ينكر عليه.
داءٌ من كبائر الذنوب سبب كل شقاء وشر وعذاب في الدنيا والآخرة، وشر الذنوب والمعاصي ما عظم ضرره وزاد خطره، إنه داء الغيبة والنميمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
قد حرمهما الله في كتابه وعلى لسان رسوله لأنها تفسد القلوب وتزرع الشرور وتورث الفتن وتجر إلى عظيم من الموبقات والمهلكات، وتوقع بصاحبها الندم في وقت لا ينفعه الندم، وتوسع شقة الخلاف، وتنبت الحقد والحسد وتجلب العداوات بين البيوت والجيران والأقرباء وتنقص الحسنات وتزيد بها السيئات وهي من الكبائر.
فالغيبة والنميمة صاحبها منقوض وعلى غير الجميل يموت، تنفر منه القلوب وتكثر فيه العيوب؛ فقد نهى الله عنها وشبه فاعلها بصورة مكروهة للإنسان ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ[.و
الغيبة ذكر معناها رسول الله ﷺ حين قال (أتدرون ما الغيبة؟!) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال (ذكرك أخاك بما يكره) قيل: أرأيت إن كان في أخي ما يقول؟! قال (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن كان فيه فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) أي إن كان فيه ما تقول فقد وقعت في الغيبة المنهي عنها، وإن كان بريئًا فقد افتريت عليه واعتديت على عرضه وشخصه، وما أكثر البهتان اليوم بالوشاية واتهام الناس بما ليس فيهم والسعي للإفساد عليهم.
قال رسول الله ﷺ (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، ألا هل بلغت؟! اللهم فاشهد)
فاحفظوا -أيها المسلمون- ألسنتكم من هذه الغيبة الشنيعة ومن هذه المعصية الوضيعة، فقد فاز من حفظ لسانه من الزلات، وألزم جوارحه بالطاعات، قال ﷺ (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه ضمنت له الجنة) وسُئل النبي ﷺ: يا رسول الله: أي المسلمين أفضل؟! قال (من سلم المسلمون من لسانه ويده) وسُئل: يا رسول الله، ما النجاة؟! قال (أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك).
احذروا عثرات اللسان، فلا تطلقوا له العنان؛ فإن اللسان يوقع في الموبقات والدركات، ويورث الحسرات والآفات، قال ﷺ (إذا أصبح ابنُ آدمَ فإنَّ الأعضاءَ كلَّها تُكفِّرُ الِّلسانَ فتقول: اتَّقِ اللهَ فينا، فإنما نحن بك، فإن استقَمتَ استقَمْنا، وإن اعوَجَجْتَ اعْوجَجْنا).
وقال ﷺ في وصيته (كُفَّ عليكَ هذا) وأشار إلى لسانه، فقيل له: يا نبيَّ اللهِ: إِنَّا لمؤاخَذونَ بما نتَكلَّمُ بِه؟! قال (ثَكلتكَ أمُّكَ، وَهل يَكبُّ النَّاسَ في النَّارِ علَى وجوهِهِم، أو علَى مناخرِهم، إلَّا حصائدُ ألسنتِهم)
ويقول ﷺ (لما عُرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس -عياذًا بالله- يخمشون وجوههم وصدروهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم.
فلا تستسهل -أيها المسلم- إثم الغيبة، ولا تستصغر شأنها، ولا تحتقرها ولا تغرنك لذة الحديث المحرم بها، فذنبها عظيم، وخطرها جسيم ]وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ[.
فالغيبة فشا ضررها وكثر خطرها وصارت مائدة لمجالسنا وفاكهة لمسامراتنا وتنفيس الغير وتنفيس الغضب والحقد والحسد، وقد يظن المغتاب أنه يستر بالغيبة عيوبه، وأنه يضر من اغتابه، وما علم أن أضرار الغيبة عليه، فالمغتاب ظالم والمتكلم فيه مظلوم.
نسأل الله أن يعافينا من كل شر وبلاء.
أقول ما تسمعون ...
الحمد لله رب العالمين ...
معاشر المؤمنين ... قال ﷺ (من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة) فمن سمع غيبة عن أخيه فليرد على قائلها ويؤنبه على قولها ويذكره بحرمتها، فانهوا المغتابين والنمامين عن أعراض المسلمين، وذكروهم بالله، فإن لكل قول حسابًا عند الله ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا[ ما النتيجة؟ ]يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[.
فالغيبة والنميمة كبيرة من الكبائر، زيّنها الشيطان للإنسان فوقع في شراكه ومكره.
والنميمة من أخطر أنواع الغيبة، فهي نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض للإفساد بينهم أو حتى بدون قصد سيئ، ولكنها تؤدي إلى الإفساد ]وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ * هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ[ وقال ﷺ (لا يدخل الجنة نمام).
لأن النميمة تورث الفتنة والضغينة وتفرق بين المتآلفين وتباعد بين الإخوة والأقارب وتفرق بين الأصحاب والزوجين، ولو نظرت في أكثر الخلافات بين الناس اليوم لوجدت أن الحطب الذي يضرم نارها هي النميمة التي ينقلها الناس فيما بينهم، وهي تؤدي إلى الفساد والإفساد، وما علم هؤلاء أن من نمّ لك نمّ عليك، ومن نقل لك خبر سوء سينقل عنك مثله.
فاتقوا الله -أيها المسلمون-، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وصونوا ألسنتكم عن الحرام
نسأل الله تعالى أن يطهّر قلوبنا من النفاق وألسنتنا من الغيبة والنميمة والكذب والخيانة ..
وصلى الله على نبينا محمد ....
المرفقات
1674148622_داء الفساد والإفساد (الغيبة والنميمة).docx
1674148634_داء الفساد والإفساد (الغيبة والنميمة).pdf