خير خلف لخير سلف تعزية وبيعة

حسين بن حمزة حسين
1436/04/08 - 2015/01/28 08:59AM
الحمد لله الذى قصم بالموت رقاب الجبابرة, وكسر به ظهور الأكاسرة , وقصر به آمال القياصرة, وصلَّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا ..أما بعد:
فجدير بمن الموت مصرعه , والتراب مضجعه, والقبر مقره , وبطن الأرض مستقره, أن لا يكون له فكر إلا في الموت , وحقيق بأن يعد نفسه من الموتى , ويراها في أصحاب القبور , فإن كل ما هو آت قريب , والبعيد ما ليس بآت ، إنه الموت!! مُفَرِّقُ الجماعات، وهادم اللذات، لا يملك أحد من المخلوقين مهما بلغ ملكهله ردًّا، ومهما كان جنده له دفعًا، لا يعرف صغيرًا ولا كبيرًا، ولاملكًا ولا مملوكًا، لا إله إلا الله ، ما أجلّ حكمته! وما أعظم تدبيره! تلك هي الدنيا، خدّاعة غدّارة، فتّانة غرّارة،تُضحك وتبكي، وتجمع وتشتت، شدة ورخاء، وسراء وضراء، لكن أين من يتعظ ويعتبر؟! فالموت أمر واقع، ماله من دافع ، ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُالْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَعَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَاإِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)، إنه الموت قد فضح الدنيا فلم يدع لذي لبّ بها فرحًا،أفسد على أهل النعيم نعيمهم، فالتمسوا نعيمًا لا موت فيه، فلقدأمِنَ أهل الجنة الموت.
وقد روي أن ملك الموت دخل على داود عليه السلام فقال من أنت؟ فقال ملك الموت ، أنا من لا يهاب الملوك، ولا تمنع منه القصور، قال: فإذًا أنت ملك الموت، قال نعم، قال: أتيتني ولم أستعد بعد! قال: يا داود، أين فلان قريبك ؟ أين فلان جارك؟ قال: مات، قال: أما كان لك في هؤلاء عبرة لتستعد؟!
هو الموت ما منه ملاذٌ ومهرب -- متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب
نؤمل آمالاً و نرجو نتاجها -- وعلَّ الردى عمَّ نرجيه أقرب
إلى الله نشكو قسوة في قلوبنا -- وفي كل يوم واعظ الموت يندب
لما حضرتْ عَمْرَو بْنَالعاصِ الوفاةُ: قال له ابنه: "يا أبتاه! إنك لتقول لنا ليتني كنت ألقى رجلاًعاقلاً لبيبًا عند نزول الموت حتى يصف لي ما يجد. وأنت ذلك الرجل فصف لي الموت! فقال: يا بني! واللهِ كأن نفسي في تخت، وكأن السماء قد انطبقت على الأرض وأنابينهما، وكأني أتنفس من سم إبرة، وكأن غصن شوك يُجذب من قدمي إلى هامتي
".
وقالعمر بن الخطابtلكعب الأحبار: "يا كعب! حدثنا عن الموت؟ فقال: نعم يا أميرالمؤمنين! إن الموت كغصن كثير الشوك أدخل في جوف رجل، وأخذت كل شوكة بعرق، ثم جذبهرجل شديد الجذب، فأخذ ما أخذ وأبقى ما أبقى".
لا إله إلا الله! إنه وصف للموتمرعب مخيف ، فهذا عمر بن الخطابخليفة المسلمين لما طعن قال لابنه: "ضع خدي على التراب، فوضعه ، فبكى حتى لصقالطين بعينيه وجعل يقول: "ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي". وقال أبو الدرداءعند احتضاره: "ألا رجل يعمل لمثل مصرعي هذا ؟ ألا رجل يعمل لمثل ساعتي هذه؟ ألا رجليعمل لمثل يومي هذا ؟ وبكى. فقالت له امرأته: أتبكي وقد صاحبت رسول الله ، فقال: ومالي لا أبكي ولا أدري علام أُهْجَمُ من ذنوبي؟ ، إنه الموت لا يعرف خليفة ولامخلوفًا، ولا إمامًا ولا مأمومًا ) ، فاللهم اغفر لنا ذنوبنا، وهون علينا ساعاتالاحتضار وسكرات الموت ، ولقد أقض مضاجعنا خبر وفاة خادم الحرمين الشريفين عبدالله بنعبدالعزيز ، ولا شك أن هذا قضاء الله وقدره، وأن كل نفس ذائقة الموت، ولا نقول إلاما يرضي ربنا: فإنا لله وإنا إليه راجعون، رضينا بما أصابنا، وإن لله ما أخذ وله ماأعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، وله الحمد على ما قدر وقضى، وأحسن الله عزاءنا، وجبرمصابنا، وأعظم أجرنا ، وعزاؤنا أن الموت حق ، وأن الجنة للمتقين ، وأن ]كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ () وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ(وأن الله تعالى هو الذييقبض الأرواح، وأنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، وأن الله تعالى يختارلعباده ما عنده ، فعلينا أن نصبر ونحتسب، وأن نكثر من الدعاء للفقيد، وأن نتعظونعتبر, ،إنه العمل الصالح،الجليس والأنيس للإنسان في قبره، فكل شيء ذهب؛ الملك والمال والأصحاب والوزراء، ولميبق معه إلا عمله الصالح ،
قد مات قومٌ وما ماتت مَكارِمُهُمْ -- وعاش قومٌ وهمْ في الناس أمواتُ
فقد قدم رحمه الله إنجازات مباركة لخدمة الإسلام ونصرة المسلمين منأعظمها التوسعة التاريخية للحرمين الشريفين ، وتيسير الأمور للحجاج والمعتمرين ، وتزايد الجامعات والمدارس والمساجد والمستشفيات وغير ذلك كثير،إنه العمل الصالح،الجليس والأنيس للإنسان في قبره، فكل شيء ذهب؛ الملك والمال والأهل والأصحاب والوزراء ، ولميبق إلا عمله الصالح، نسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العُلا، أن لا يحرمه ثواب ما قدّم للإسلاموالمسلمين بمنّه وكرمه، اللهم إنا نسألك باسمك الأعظم الذي إذا دُعِيت به أجبت،وإذا سُئلت به أعطيت؛ أن تحسن عزاء الجميع، وأن تخلف عليهم الخَلَف المبارك، وأنتجبر المصاب، وتغفر للفقيد ، وتسكنه فسيح جناتك . والحمد لله على قضائه وقدره، والله المستعان، ولا حولولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكلّ شيء عنده بأجلمسمّى.
كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كثيراً ما يتمثل بهذه الأبيات :
لا شيءمما ترى تبقى بشاشته === يبقى الإله و يفنى المال و الولد

لم تغن عن هرمز يوماًخزائنه === و الخلد قد حاولت عاد فما خلدوا
و لا سليمان إذ تجري الرياح له === والإنس و الجن فيما بينها ترد
أين الملوك التي كانت لعزتها === من كل أوب إليهاوافد يفد ؟
حوض هنالك مورود بلا كذب === لا بد من ورده يوماً كما وردوا
سئل أحد السلف: لماذا نكره الموت؟ فقال: "لأنكم عمّرتم دنياكم، وخربتم أخراكم، فأنتم تكرهون النقلةمن العمران إلى الخراب".
إذا فترت عن الطاعة، تذكّر أماني الموتى، واجتهد في الطاعة، وبادر إلى التوبة قبل أن يأتيك الموت بغتة، فتقول: يا ليتني قدمت لحياتي، واعلم أن ملايين الموتى يتمنون مثل الدقيقة التي تمر من حياتك ليستثمروها في طاعة الله وذكره والتوبة إليه، فلا تضيع دقائق عمرك ، لئلا تتحسر في آخرتك .. (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنْ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ) ، وقال تعالى (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ () لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ () فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ) قال تعالى (يا أَيُّها النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)
اللهم توفنا وأنت راضٍ عنا، واجعلنا ممن ختمت له بالحسنى، برحمتك ياأرحم الراحمين.
.


الخطبة الثانية:
الحمد لله الحي الذي لايموت، وأشهد أن لا إله إلاالله وحده لا شريك تفرد بالبقاء والدوام ، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدهورسوله المصطفى على الأنام ، فصلوات الله وسلامه وبركاته عليه ، وعلى آله وصحبه والتابعين وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد:
إخوة الإيمان ، من هذا المنبر الكريم نعلن بيعتنا وولاءنا لخادم الحرمينالشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير مقرن بن عبدالعزيز، بيعة علىكتاب الله وسنة رسوله ، على السمع والطاعة بالمعروف فيالعُسْر واليُسْر، والمَنْشَط والمَكْرَه، امتثالاً لأمر الله عزّ وجلّ، واقتداءً بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ، فقد قالرسول الله صلى الله عليه وسلم محذرا ( من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتةٍ جاهلية (، أعانهم الله على حمل هذه الأمانة ، ووفّقهم الله لما فيه عزّ الإسلام وصلاح البلاد والعباد ، وجعلهم خير خلف لخيرسلف، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.

قال الشيخ ابن باز رحمه الله ( البيعة لا تكونإلا لولي أمر المسلمين، يبايعه أهل الحل والعقد، وهم العلماء والفضلاء ووجوه الناس،فإذا بايعوه ثبتت ولايته، ولا يجب على عامة الناس أن يبايعوه بأنفسهم، وإنما الواجبعليهم أن يلتزموا طاعته في غير معصية الله تعالى).
وقَالَ النووي رحمه الله فيشرح صحيح مسلم: أَمَّا الْبَيْعَة: فَقَدْ اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ لايُشْتَرَط لِصِحَّتِهَا مُبَايَعَة كُلّ النَّاس, وَلا كُلّ أَهْل الْحَلّوَالْعِقْد, وَإِنَّمَا يُشْتَرَط مُبَايَعَة مَنْ تَيَسَّرَ إِجْمَاعهمْ مِنْالْعُلَمَاء وَالرُّؤَسَاء وَوُجُوه النَّاس.., وَلا يَجِب عَلَى كُلّ وَاحِد أَنْيَأْتِيَ إِلَى الأَمَام فَيَضَع يَده فِي يَده وَيُبَايِعهُ, وَإِنَّمَا يَلْزَمهُالانْقِيَادُ لَهُ, وَأَلا يُظْهِر خِلافًا, وَلا يَشُقّ الْعَصَا اهـ،
اللهم اغفر للملك عبدالله بنعبدالعزيز آل سعود، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلجوالبرد، ونقِّه من الذنوب والخطايا ...
ولا يفوتني أن أذكر بنعمةالله على هذه البلاد ، انتقال الحكم بهذا الجمال والرضا والقبول وهذا من توفيق الله وحفظه، وفضل الله الكبير، نسأل الله أن يرزقنا شكر نعمه، وأن يجمع صفنا دائما مع ولاة أمرناوعلمائنا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن يجعلنا إخوة متحابين متآلفين ، ننصر الدين ، ونكبت أعداء الدين ، آمرينبالمعروف، ناهين عن المنكر، كما نسأل الله أن يسدد ويعين ولي أمرنا الملك سلمان،وولي عهده على هذه الأمانة العظيمة، وأن يوفقهما لما يحب ويرضى، وأن يُعز الله بهماالإسلام وأن ينصر بهما الحق والدين ، اللهم أرزقهم البطانة الصالحة الناصحة، التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه ، اللهم إن نسألكأن تجعل هذا العهد عهد خير وبركة وعزة ورفعة لكتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم وعبادكالصالحين، واغفر اللهم لنا ولجميع أموات المسلمين، اللهم اعفواغفر لعبدك عبدالله بن عبدالعزيز، وجازه خير ما تجزي به وليًّا عن رعيته، اللهم ارحمه وجميع موتى المسلمين،وأسكنهم فسيح جناتك، واكتبهم عندك في المحسنين، واجعل كتابهم في عليين، واخلفهم فيأهليهم في الغابرين ، اللهم بارك في حسناتهم ، واغفر سيئاتهم، وأعذهم من عذاب القبر، وعذاب النار ، اللهم ارفعهم في عليين، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم. واغفر لناولهم، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان،اللهم أحينا على طاعتك ومرضاتك، واقبض أرواحنا على التوحيد، وهوّن علينا سكراتالموت. اللهم اجعل الحياة لنا زيادة في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر،والفوز بالجنة والنجاة من النار ، اللهم انصر المسلمين المستضعفين، وكن عونًا لهم يا رب العالمين، اللهم انصر جندكوكتابك وسنة نبيك، وأعل كلمة الحق، وألف بين قلوبنا، واجمع كلمتنا على التوحيد يارب العالمين. اللهم اشف مرضانا وجميع مرضى المسلمين، وارفع عنهم البلاء برحمتك ياأرحم الراحمين، وصل اللهم وبارك وسلم على النبي الأمين، وخلفائه الراشدين، وآله وأصحابه أجمعين، والحمد لله رب العالمين
المشاهدات 4579 | التعليقات 0