خواطرُ الإجازةِ الصيفيةِ

راكان المغربي
1444/12/17 - 2023/07/05 14:53PM

الخطبة الأولى

أما بعد:

انقضتِ الدراسةُ وتكاليفُها، وانقضى العيدُ وولتْ أشغالُه وأفراحُه، وها نحن اليومَ نعيشُ بقيةَ الإجازةِ الصيفية، والتي بقي منها شهرٌ ونصفٌ تقريبا. وبين يدي الإجازةِ، هذه بعضُ الخواطرِ لفئاتِ المجتمعِ المختلفة.

الخاطرة الأولى لكم يا معاشرَ الشباب..

أنتم وَقودُ الأمةِ، ورمزُ قوّتِها، ومصدرُ عزّتِها. ولذا كانت أولُ الخواطرِ موجهةً إليكم.

يقول معلمُكم وحبيبُكم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ. احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ).

أنتم اليوم في مرحلةِ تأسيسِ القواعد، ووضعِ اللبنات، فليكنْ بناؤُكم قوياً متيناً، حتى تكونوا من الأقوياءِ الذين هم أخيارُ الأمة وأحبُّهم إلى الله، "والقوةُ في هذا الحديث هي قوةُ الإيمانِ، والعلمِ، والطاعةِ، وقوةُ الرأيِ والنفسِ والإرادةِ، ويضاف إليها قوةُ البدنِ إذا كانت معينةً لصاحبِها على العملِ الصالح".

ونيلُ هذه القوةِ يكون بالحرصِ على ما ينفعُكم، والاستعانةِ بالله على ذلك، ونبذِ الكسلِ والعجزِ والضعف كما جاء في آخر الحديث (احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ)

فالوصيةُ لكم باستثمارِ هذه الإجازةِ فيما ينفعُكم في دينِكم ودنياكم، فكم من قصة نجاحٍ نُسجتْ أولُ خيوطِها، ورُسّختْ أولُ لبناتِها في الإجازاتِ الصيفيةِ، ثم استمرت بركتُها ونفعُها طوالَ الحياة؟

كم من شبابٍ التحقوا بدوراتِ حفظِ القرآنِ في الإجازةِ الصيفية، فصاروا بعد حينٍ من حفظةِ كتابِ الله ومن أهلِ القرآنِ الذين هم أهلُ الله وخاصتُه؟

كم من شبابٍ اغتنموا الإجازةَ في برامجَ علميةٍ فصاروا بعد مدة ملءَ السمعِ والبصرِ في العلمِ والعملِ وتعليمِ الناسِ الخير؟

وكم من شابٍّ اغتنمَ الإجازةَ في تعلمِ مهارةٍ أو إتقانِ لغةٍ فأنضجَ ذلك الاغتنامُ ثمراتٍ يانعةٍ، ذاقَ لذتَها، ورأى نفعَها في الدين والدنيا؟

أخبروني بالله عليكم يا معاشرَ الشباب

أذلك خيرٌ أم أن تقضيَ ساعاتِ الإجازةِ وأيامَها تتقلبُ بين يومياتِ المشاهير، ومتابعةِ الترند، والتسكعِ اليوميِّ في الملاهي والأسواق؟!

الفريق الأول نمّى إيمانَه، وبنى معارفَه، وصقل مهاراتِه، فنفع نفسَه وعمل لمستقبلِ دنياه، وعمارةِ آخرته، فيوشك أن يفرحَ بمنجزاتِه، ويرى أثرَ اجتهادِه، ويذوقَ ثمرةَ إنجازِه.

والفريق الثاني عاشَ حاضرَه في الفراغ، وماذا تتوقع من الفراغ أن يبنيَ في المستقبل؟!

والله لن يجدَ أصحابُ الفراغِ إلا الخواء، وسيبصر الفارغُ الأقرانَ قد سبقوه، والأصحابَ قد تخطوه، وهو على حاله لم يتقدمْ في الطريق خطوة، ولم يصعد من السلم درجة، وحينها سيندمُ أشدَّ الندمِ على أوقاتٍ ضيعها، وساعاتٍ فرط فيها.

فهذه وصيةٌ من القلبِ إلى القلب، أرجو أن تقبلوها مني فتبدؤوا في خطواتِ التفكيرِ فيما ينفعُكم، والبحثِ عما يناسبُكم، واستعينوا على ذلك باستشارةِ العارفين، وسؤال المختصين، ولعلنا نلتقي في نهايةِ الإجازةِ مرةً أخرى، وقد ملأتموها بالإنجازاتِ الباهرة، والنجاحاتِ العظيمةِ فنفرحَ سويا بفضلِ الله وتوفيقِه لكم.

يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمسا قبل خمس: شبابَك قبلَ هَرَمِك، وصحتَك قبلَ سقَمِك، وغِناك قبلَ فَقرِك، وفَراغَك قبل َشُغلِك، وحياتَك قبلَ مَوتِك)

زكّى اللهُ بالإيمانِ قلوبَكم، وأنار بالعلمِ دروبَكم، وملأ بالصالحاتِ ميزانَكم.

 

الخاطرة الثانية هي لكم يا معاشرَ الآباءِ والأمهات

الأبناءُ والبناتُ أمانةٌ في أعناقِكم، تتحملون عِبئَها، وتُسأَلون عنها أمامَ الله، فـ (كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ).

ليس هناك أفسدُ على المرءِ من اجتماعِ الفراغِ مع الشباب، فالشابُّ حين يفرغُ يفتحُ على نفسه أعظمَ الثغورِ للشيطان.

وقد قيل:

إن الشبابَ والفراغَ والجِدَة                    مفسدةٌ للمرءِ أيُّ مفسدة

فأعينوا أبناءَكم وبناتِكم على إشغالِ أوقاتهم بالنافعِ المفيد، وسدوا ثغرَ الفراغِ لا يصيبَنَّهم منه سهامٌ من سهامِ الشيطان.

الفراغُ في الإجازةِ يعني سهرَ الليالي، وانقلابَ ساعاتِ النوم، والمكوثَ أمام الشاشات، وتسلطَ شياطين الإنسِ والجنِ على الأبناءِ والبناتِ، فهل يرضيكم ذلك؟!

معاشر الآباء والأمهات

لا يكن غايةُ همِّكم وقُصَارى جهدِكم مع أولادِكم هو توفيرُ الطعامِ اللذيذِ والشرابِ الهنيءِ، فهذا الصنيع إنما يصلح للبهائمِ والأنعام.

وأما البشر فلهم قلوبٌ تحتاجُ إلى تزكية، وعقولٌ تحتاجُ إلى تنمية، وقوىً تحتاجُ إلى استثمار، وطاقاتٌ تحتاجُ إلى توجيه، فما أنتم فاعلون في ذلك كلِّه؟!

أبناؤُكم وبناتُكم كنوزٌ مكنونةٌ مليئةٌ بالطاقاتِ الكامنة، والمواهبِ المدفونة، فليكن همُّكم اكتشافُ تلك المواهب، واستخراجُ هذه الكنوز، وتفجيرُ هذه الطاقاتِ في النافعِ والمفيد.

اقرؤوا في كتبِ التربية، شاهدوا مقاطعَ المختصّين، ابحثوا عن البرامجِ المفيدة، استشيروا العارفين.

أبناؤُكم وبناتُكم هم مشروعُكم الأعظم، ومستقبلُكم المديد، فاصنعوه بكلِّ إخلاص، وابذلوا فيه بكلِّ تفاني، ولا تستكثروا فيه جهداً ولا وقتاً ولا مالاً.

وهذه الإجازة فرصةٌ لكم لتأخذوا بأيدي أبناءِكم وبناتِكم، وتسلكوا بهم طريقَ العلمِ والعملِ الجاد، فيكونوا بإذن الله من أعمالكم الجاريةِ التي لا تنقطع، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له).

اللهم أصلح أولادَنا وبناتِنا ونشئهم على طاعتك

اللهم زينهم بالإيمان واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين.

اللهم جنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن

 

بارك الله لي ولكم..

 

الخطبة الثانية:

أما بعد:

أما الخاطرة الثالثة فهي للجميع.

مما لا شك فيه أن الإجازةَ هي وقتُ المتعةِ والترفيه، والنفسُ تحتاج إلى شيء من الترويحِ والتنفيسِ بعد أيامِ الجدِّ، وساعاتِ الاجتهاد.

والوصيةُ أن يكون ذلك الترويحُ فيما وسّعتْ لنا فيه الشريعةُ من دائرة المباح، ولا يتجاوزُ ذلك إلى التعدي على حدودِ الله، بارتكابِ المحرمات، وإتيان أماكنِ المنكرات.

ومن أراد الحياةَ الطيبةَ الهنيئةَ فلن يجدْها واللهِ إلا في الإيمانِ والعمل الصالح، لا في المحرماتِ والمنكرات، قال الله سبحانه واعداً عبادَه وعدَ الصدق: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

ولا تغرنكم زخارفُ الدنيا وملهياتُها المحرمة فإنما هي متاعٌ قليلٌ زائل، تزول لذّتُه، وتبقى حسرتُه، وما عند الله خيرٌ وأبقى، وأزكى وأطهرُ، وأجملُ وأبهى، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنك لَن تدَع شيئًا للهِ عزَّ وجلَّ إلا بدَلك اللهُ به ما هو خيرٌ لكَ منه).

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

 

 

المرفقات

1688557955_خواطر الإجازة الصيفية.pdf

1688558161_خواطر الإجازة الصيفية.docx

1688558162_خواطر الإجازة الصيفية.pdf

المشاهدات 995 | التعليقات 0