خواتيم سورة البقرة (٢/٢)
تركي بن عبدالله الميمان
خطبة الأسبوع
خَوَاتِيْمُ سُوْرَةِ البَقَرَة
(2/2)
إعداد: قناة الخطب الوجيزة
https://t.me/alkhutab
الخُطْبَةُ الأُوْلَى
إِنَّ الحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوْصِيْكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَهِيَ وَصِيَةُ الرَّحْمَنِ لِأَهْلِ الإِيْمَانِ، وَحِمَايَةٌ لَهُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ! قال U: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾.
عِبَادَ الله: فَتَحَ اللهُ أَبْوَابَ الجَنَّاتِ، مِنْ خِلَالِ الطَّاعَاتِ وَالعِبَادَات، كَمَا يَسَّرَهَا لِلْمُؤْمِنِينَ، بِحَسَبِ اسْتِطَاعَتِهِمْ؛ قال I: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾(). قال ابْنُ عَبَّاسٍ t: (هُمُ المُؤْمِنُونَ: وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِمْ أَمْرَ دِيْنِهِمْ) (). يقول السِّعْدِي: (أَصْلُ الأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، لَيْسَتْ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي تَشُقُّ عَلَى النُّفُوسِ، بَلْ هِيَ غِذَاءٌ لِلْأَرْوَاحِ، وَدَوَاءٌ لِلْأَبْدَانِ، وَمَعَ هَذَا؛ إِذَا حَصَلَ بَعْضُ الأَعْذَارِ؛ حَصَلَ التَّخْفِيف!) ().
﴿لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ﴾(): أَيْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ مِن الخَيْرِ، وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ مِنَ الشَّرِّ؛ فـ﴿لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾().
وَمِنْ رَحْمَةِ اللهِ U بِعِبَادِهِ: أَنَّهُ تَوَلَّى تَعْلِيْمَهُمْ: كَيْفَ يَدَعُونَهُ؛ فَأَرْشَدَهُمْ إِلَى سُؤَالِهِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: ﴿رَبَّنا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾().
قال ابنُ كَثِير: (أَيْ لا تُعَاقِبْنَا إِنْ تَرَكْنَا فَرْضًا، أَوْ فَعَلْنَا حَرَامًا، عَلَى جِهَةِ النِّسْيَانِ، أَوْ أَخْطَأْنَا الصَّوَابَ فِي العَمَلِ؛ جَهْلًا مِنَّا!)().
﴿رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾: أَيْ لا تَبْتَلِيْنَا بِمَا لا قُدْرَةَ لَنَا عَلَيْهِ، ولَا تُكَلِّفنَا مِنَ الأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ، فَنَعْجَز عَنْهَا؛ فَيَحِلّ بِنَا كَمَا حَلَّ بِمَنْ قَبْلَنَا()، حِيْنَ كُلِّفُوا أَعْمَالًا، فَلَمْ يَقُوْمُوا بِهَا؛ فَعُوْجِلُوا بِالعُقُوبَةِ!
﴿رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾: وَقَدْ فَعَلَ اللهُ ذَلِكَ! فَخَفَّفَ عَنْ هَذِهِ الأُمَّةِ()، وَبَعَثَ نَبِيَّهُ ﷺ بِالحَنِيْفِيَّةِ السَّمْحَةِ؛ لِيَكُوْنَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِيْنَ! ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ﴾.
وَأَعْظَمُ الأَغْلالِ الَّتِي وَضَعَهَا النَّبِيُّ ﷺ: هِيَ تَحْرِيرُ الأَرْوَاحِ مِن التَّعَلُّقِ بِالعِبَادِ إلى التَّعَلُّقِ بِرَبِّ العِبَادِ، وَتَحْرِيْرُ النُّفُوسِ مِنْ ضِيقِ الدُّنْيا إلى سِعَةِ الدُّنيا والآخِرَةِ، وَتَحْرِيرُ العُقُوْلِ مِنْ خُرَافَـــــةِ الشِّرْكِ وَالأَوْهَامِ، إلى حَقِيْقَةِ التَّوْحِيدِ وَالإِسْلَامِ، وَإِنْقَاذُ النَّاسِ مِنْ أَغْلَالِ الجَحِيمِ إلى دَارِ النَّعِيمِ المُقِيْم!
﴿وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنَا﴾(): أَيْ تَجَاوَزْ عَنْ تَقْصِيْرِنَا في الوَاجِبَاتِ، وَجُرْأَتِنَا على المُحَرَّمَات، وَاسْتُرْ ذُنُوْبَنا وَاغْفِرْهَا! وَتَغَمَّدْنَا بِرَحْمَتِكَ، فَإِنَّهُ لَنْ يُنْجُوَ أَحَدٌ مِنَ العِقَابِ، أو يَفُوزَ بِالثَّوَابِ؛ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ!() قال ﷺ: (لَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ) قَالُوا: (يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا أَنْتَ؟!) قَالَ: (وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ!)().
قال ابنُ عُثَيمين: (العَفْوُ: يَكُونُ عَنِ التَّفْرِيْطِ في الطَّاعَاتِ، والاِسْتِغْفَارُ: يَكُونُ عَنِ فِعْلِ المُحَرَّمَاتِ، وَالرَّحْمَةُ: فِيْمَا يَسْتَقْبِلُهُ الإِنسَانُ مِنْ زَمَنِهِ -أَنَّ اللهَ يُوَفِّقُهُ لِمَا فِيهِ مَصْلَحَتُهُ)(). وَلِهَذَا قَالُوا: (إِنَّ المُذْنِبَ مُحْتَاجٌ إِلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاء: أَنْ يَعْفُوَ اللهُ عَنْهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَأَنْ يَسْتُرَهُ عَنْ عِبَادِهِ فَلَا يَفْضَحُهُ، وَأَنْ يَعْصِمَهُ في المُسْتَقْبَلِ فَلَا يُوقِعُهُ فِي ذَنْبٍ آخَر)().
ثُمَّ خُتِمَتْ سُوْرَةُ البَقَرَةِ، بِدَعْوَةٍ أَخِيْرَةٍ عَظِيْمَةٍ! وَهِيَ طَلَبُ النَّصْرِ عَلَى أَعْدَاءِ اللهِ!() ﴿أَنْتَ مَوْلَانَا() فَانْصُرْنا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِيْنَ﴾: أَيْ أَنْتَ وَلِيُّنَا وسَيِّدُنَا، وَنَحْنُ عَبِيدُكَ، وأَنْتَ مُتَوَلِّي أَمْرَنَا (لا مَوْلَى لَنَا سِوَاكَ)؛ فَأَعِنَّا بِالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ، عَلَى أَعْدَاءِ الدِّيْنِ: فَإِنَّهُمْ كَفَرُوا بِالرَّحْمَنِ، وَأَطَاعُوا الشَّيْطَان، وَبَارَزُوا بِالعِصْيَانِ!() قال ابْنُ عاشور: (أيْ دَعَوْنَاكَ؛ لِأَنَّكَ مَوْلَانَا، وَمِنْ شَأْنِ المَوْلَى: الرِّفْقُ بِالمَمْلُوكِ! وَمِنْ شَأْنِ المَوْلَى: أَنْ يَنْصُرَ مَوْلَاهُ! وَهَذِهِ الدَّعْوَةُ جَامِعَةٌ لِخَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ لِأَنَّهُمْ إِذَا نُصِرُوا عَلَى العَدُوِّ، فَقَدْ سَلِمُوا مِنَ الفِتْنَةِ، وَطَابَ عَيْشُهُمْ، وَظَهَرَ دِينُهُمْ، وَدَخَلَ النَّاسُ فِيهِ أَفْوَاجًا!)().
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.
عِبَادَ الله: النَّصْرُ ﴿عَلَى القَوْمِ الكَافِرِيْنَ﴾: كَمَا يَكُونُ بِالسَّيْفِ وَالسِّنَان؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ بِالحُجَّةِ وَاللِّسَانِ، وَالعِلْمِ وَالبَيَانِ!() قال ابْنُ حَزْم: (وَلَا غَيْظَ أَغْيَظُ عَلَى الكُفَّارِ وَالمُبْطِلِيْنَ: مِنْ هَتْكِ أَقْوَالِهِمْ بِالحُجَّةِ الصَّادِعَةِ! وَقَدْ تُهْزَمُ العَسَاكِرُ الكِبَارُ، وَلَكِنَّ الحُجَّةَ الصَّحِيْحَةَ لا تُغْلَبُ أَبَدًا! فَهِيَ أَنْصَرُ لِلْحَقِّ وَالدِّيْنِ، مِنْ السِّلَاحِ والأَعْدَادِ الجَمَّةِ!)().
وَمِنْ فَوَائِدِ الآيَةِ: أَنَّ الاِنْتِصَارَ عَلَى العَدُوِّ في المَيْدَانِ، يَكُونُ بَعْدَ الاِنْتِصَارِ عَلى النَّفْسِ الأَمَّارَةِ بِالعِصْيَانِ، وَالهَوَى وَالشَّيْطَان، وَمُلَازَمَةِ الاِسْتِغْفَارِ، وَالإِقْبَالِ عَلَى الوَاحِدِ القَهَّارِ! ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.
وَخَوَاتِيْمُ سُوْرَةِ البَقَرَةِ؛ نُوْرٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، وَحِرْزٌ مِنَ الشَّيْطَانِ!
قال جِبْرِيْلُ u لِلْنَّبِيِّ ﷺ: (أَبْشِرْ بِنُوْرَيْنِ أُوتِيْتَهُمَا -لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ-: فَاتِحَةُ الكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ البَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيْتَهُ)(). أَيْ أُعْطِيْتَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الخَيرِ والدُّعَاءِ!()
وَفِي الحَدِيْثِ الآخَرِ: (لاَ يُقْرَآنِ فِي دَارٍ ثَلاَثَ لَيَالٍ؛ فَيَقْرَبُهَا شَيْطَانٌ!)(). وعَنْ عَلِيٍّ t قال: (لَا أَرَى أَحَدًا عَقِلَ الإِسْلَامَ، يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ البَقَرَةِ، فَإِنَّهَا كَنْزٌ أُعْطِيَهُ نَبِيُّكُمْ مِنْ تَحْتِ العَرشِ!)().
* * * *
* اللَّهُـــمَّ أَعِــزَّ الإِسْـلامَ والمُسْـلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.
* اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
* اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفّـِقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُـــذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْـــبِرِّ والتَّقْوَى.
* عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
* فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
* * * *
إعداد: قناة الخطب الوجيزة
https://t.me/alkhutab
المرفقات
1694587372_خواتيم سورة البقرة (٢:٢) (وورد) 2.doc
1694587372_خواتيم سورة البقرة (٢:٢) (للطباعة).pdf
1694587372_خواتيم سورة البقرة (٢:٢) (للهاتف) .pdf