خواتيم سورة البقرة (١/ ٢)

تركي بن عبدالله الميمان
1445/02/21 - 2023/09/06 14:17PM

خطبة الأسبوع



خَوَاتِيْمُ سُوْرَةِ البَقَرَة
(1/2)







إعداد: قناة الخطب الوجيزة
https://t.me/alkhutab




















الخُطْبَةُ الأُوْلَى
إِنَّ الحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّـــــــا بَعْـــــدُ: فَأُوْصِيْكُمْ وَنَفْســـِي بِتَقْـــوَى اللهِ، فَهِيَ سَــبَبُ البَرَكَات، وَنُــــــــزُوْلِ الرَّحَمَات! ﴿وَرَحْمَتِي وَسِــعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَــأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾.
عِبَادَ الله: إِنَّهَا مِسْكُ الخِتَامِ، وَكَافِيَةُ الأَنَامِ، وَهِيَ خَلَاصَةٌ بَدِيْعَةٌ، في تَقْرِيْرِ العَقِيْـــدَة، إِنَّهَا أَعْظَمُ خَاتِمَةٍ، لِأَعْظَمِ سُوْرَةٍ جَامِعَةٍ؛ إِنَّهَا خَوَاتِيْمُ سُـــوْرَةِ البَقَرَةِ! قال ﷺ: (مَن قَرَأَ بِالآيَتَينِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ فِي لَيلَةٍ؛ كَفَتَاهُ!)(): أَيْ كَفَتَاهُ مِنْ قِيَـــامِ اللَّيْل، أو كَفَتَاهُ مِنْ الشَّـــيْطَانِ، أو كَفَتَاهُ كُلَّ سُوْءٍ وَأَذَى(). قال الشَّوْكَانِيُّ: (لا مَانِعَ مِنْ إِرَادَةِ هَذِهِ الأُمُورِ جَمِيعِهَا، وفَضْلُ اللهِ وَاسِعٌ!)().
وَمِنْ فَضَائِلِ هَذِهِ الخَوَاتِيْم: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اصْطَفَاهَا لِأُمَّتِهِ! فَفِي الحَدِيثِ: (أُعْطِيْتُ خَوَاتِيمَ سُورَةِ البَقَرَةِ، مِنْ بَيْتِ كَنْزٍ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ، لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلي!)().
وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ الخَوَاتِيْم: أَنَّهُ لَـمَّا نَزَلَ قَــوْلُهُ I: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ الله﴾: اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الصَّحَابَــــــةِ؛ لِأَنَّهُمْ خَافُوا مِنْ مُحَاسَبَةِ اللهِ عَلَى خَوَاطِرِ قُلُوْبِهِمْ (وَهَذَا مِنْ شِدَّةِ إِيمَانِهِمْ)()؛ فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ؛ فَقَالُوا: (قَدِ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هَذِهِ الآيَةُ وَلَا نُطِيقُهَا!) فقَالَ ﷺ: (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا؟! بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ؛ نَسَــــخَهَا اللهُ() بِقَوْلِهِ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾().
﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ﴾: فَالرَّسُوْلُ ﷺ، هُوَ أَوَّلُ المُؤْمِنِيْنَ، وَأَخْشَاهُمْ لِرَبَّ العَالَمِيْنَ! قال ﷺ: (أَمَا وَاللهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ)().
وَالنَّبِيُّ ﷺ: أَوْلَى النَّاسِ إِيْمَانًا وَيَقِيْنًا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ (مِنَ القُرْآنِ وَالسُنَّةِ)؛ قال U: ﴿وأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾.
﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالمُؤْمِنُونَ﴾: يَعْنِي أَنَّ المُؤْمِنِينَ آمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ؛ فَكُلَّمَا كانَ المُسْلِمُ أَقْوَى إِيْمَانًا بِالرَّسُوْلِ؛ كانَ أَشَدَّ اتِّبَاعًا لَهُ!() قال ابنُ عُثَيْمِيْن: (وَصَفَهُمْ بِالإِيْمَانِ مَعَ أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ؛ لِأَنَّهُمْ حَقَّقُوا الإِيْمَانَ!)().
﴿كُلٌّ آمَنَ بِالله﴾: جِاءَ فِعلُ الإِيمَانِ بِلَفْظِ المَاضِي؛ لِيَدُلَّ عَلَى المُبَادَرَةِ بِالقَبُولِ وَالرِّضَا بِالإِيْمَانِ، أَيْ أنَّهُمْ آمَنُوا وَاطْمَأَنُّوا بِالإِيْمَانِ، وَرَسَخَ في قُلُوْبِهِمْ، وَامْتَثَلُوا أَوَامِرَهُ بِلَا تَرَدُّد!()
وَالإِيْمَانُ النَّافِعُ (الَّذِي يَهْدِي صَاحِبَهُ لِلْجَنَّةِ)؛ هُوَ الإِيْمَانُ بِالغَيْبِ الثَّابِتِ في الكِتَابِ والسُنَّةِ؛ فَالمُؤْمِنُ يَطْمَئِنُّ قَلْبُهُ إلى خَبَرِ اللهِ وَرَسُوْلِه، بِحَيْثُ يَصِيرُ الخَبَرُ لِقَلْبِهِ: كَالمَرْئِيِّ لِعَيْنِه! قال بَعضُ السَّلَفُ: (رَأَيْتُ الجَنَّةَ وَالنَّارَ حَقِيقَةً!). قِيلَ: (وَكَيْف؟) قال: (رَأَيْتُهُمَا بِعَيْنَيْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَرُؤْيَتِي لَهُمَا بِعَيْنَيْهِ: آثَرُ عِنْدِي مِنْ رُؤْيَتِي لَهُمَا بِعَيْنِي!)().
﴿كُلٌّ آمَنَ() بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾(): أَيْ أَنَّ الرَّسُولَ ﷺ وأَتْبَاعَهُ، يُؤْمِنُونَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، بِالإِضَافَةِ إلى الإِيْمَانِ بِالقَدَرِ، وَمَا يَكُونُ بَعْدَ المَوْتِ مَنْ أَحْوَالِ الآخِرَةِ! وَهَذِهِ (أَركَانُ الإِيمَانِ السِّتَّةِ) الَّتِي يَقُومُ عَلَيْهَا الدِّيْن!
وَإِذَا كانَ القَلْبُ خَاوِيًا مِنَ الإِيمانِ بِالغَيْبِ؛ اجْتَاحَهُ الهَمُّ والقَلَقُ، وَتَخَبَّطَ في ظُلُمَاتِ الحَيْرَةِ وَالشَّكِّ! ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَـــــوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم﴾.
﴿لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾: أَيْ أَنَّ المُؤْمِنِينَ يُؤْمِنُونَ بِجَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ؛ لِأَنَّ الإِيْمانَ لَا يَتَجَزَّأ، وَكَلُّ مَا جَاءَ مِنَ الحَقِّ؛ فَهُوَ حَقٌّ! قال ابْنُ كَثِير: (لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِ اللهِ - فَيُؤْمِنُونَ بِبَعْضٍ وَيَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ- بَلِ الجَمِيعُ عِنْدَهُمْ صَادِقُوْنَ هَادُوْنَ إلى سَبِيلِ الخَيْرِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَنْسَخُ شَرِيعَةَ بَعْضٍ؛ حَتَّى نُسِخَ الجَمِيعُ بِشَرْعِ مُحَمَّدٍ ﷺ الَّذِي تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى شَرِيعَتِهِ)().
وَالمُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ؛ يُدْرِكُونَ أَنَّ الوُجُوْدَ أَكْبَرُ مِنْ هَذَا الدُّنْيَا الصَّغِيرِةِ! وَأَمَّا المُنْكِرُونَ لِلْغَيْبِ؛ فَهُمْ لا يَتَجَاوَزُنَ مَرْتَبَةَ الأَنْعَامِ، الَّتِي لا تُدْرِكُ إِلَّا مَا تُدْرِكُهُ حَوَاسُّهُا! فَـ ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾.
﴿وَقالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنا﴾: وَهَذِهِ مِنْ صِفَاتِ المُؤْمِنِينَ المُفْلِحِينَ: السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ، والاِسْتِسْلَامُ لِلْحَقِّ: كَمَا قَالَ ﷻ: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.
عِبَادَ الله: مِنْ صِفَاتِ المُؤْمِنِينَ: أَنَّهُمْ يَخْشَونَ رَبَّهُمْ بِالغَيبِ، وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ إِلَيْهِ صَائِرُونَ، وَعَلَى أَعْمَالِهِمْ مُحَاسَبُوْنَ! وَلِهَذَا فَإِنَّ قُلُوْبَهُمْ خَائِفَةٌ وَجِلَةٌ، وَيَطْلُبُوْنَ مِنَ اللهِ المَغْفِرَة؛ وَيَقُوْلُوْنَ: ﴿غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾. وَ﴿غُفْرانَكَ﴾: صِيْغَةُ مُبَالَغَة! أَيْ: اغْفِرْ لَنَا يَا رَبَّنَا مَغْفِرَةً عَظِيْمَةً، تُحِيْطُ بِجَمِيعِ ذُنُوْبِنَا: صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْهَا وَمَا تَأَخَّرَ!
﴿وَإِلَيْكَ المَصِيرُ﴾: أَيْ إِلَى اللهِ المَصِيرُ وَالمَرجِعُ والمآب، يَوْمَ الجَزَاءِ والحِسَابُ()؛ فأَنْتُمْ عَمَّا قَليلٍ رَاحِلُون، وَإِلى اللهِ صَائِرُون! ﴿كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾.
* * * *
* ​اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

* ​اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
* ​اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.
* ​عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
* ​فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
* * * *

إعداد: قناة الخطب الوجيزة
https://t.me/alkhutab

المشاهدات 338 | التعليقات 0