خَمْسُ وَقَفَاتٍ بَعْدَ رَمَضَانَ 2 شَوَّال 1442هـ
محمد بن مبارك الشرافي
خَمْسُ وَقَفَاتٍ بَعْدَ رَمَضَانَ 2 شَوَّال 1442هـ
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُه، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ الله، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكَلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَة وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَة، وَكُلَّ ضَلالَةٍ فِي النَّار.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: عِيدُكُمْ مُبَارَكٌ, وَتَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ صَالِحَ الأَعْمَالِ، وَأَبْشِرُوا بِالثَّوَابِ الْجَزِيلِ مِنَ الرَّبِ الْكَرِيمِ، وَأَمِّلُوا بِالْعَطَاءِ الْوَفِيرِ مِنْهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ لِقَائِهِ. ثُمَّ هَذِهِ وَقَفَاتٌ مُنَاسِبَةٌ لِهَذِهِ الْأَيَّامِ.
(الَّوَقْفَةُ الْأُولَى) انْتَهَى رَمَضَانُ. إِنَّهَ قَدْ مَرَّ بِنَا شَهْرُ رَمَضَانَ وَأَيَّامُهُ وَلَيَالِيه، وَالنَّاسُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مُجْتَهِدٍ وَمُفَرِّطٍ، فَأَمَّا مَنِ اجْتَهَدَ فَنَقُولُ لَهُ: اَحْمَدِ اللهَ وَاْسْأَلْهُ الْقَبُولَ، وَأمَّا مَنْ فَرَّطَ فَنَقُولُ لَهُ: تَدَارَكْ نَفْسَكَ، وَمَا مَضَى لا تَنْظَرْ إِلَيْهِ، وَلَكِنْ احْرِصْ عَلَى أَنْ لا يَتَكَرَّرَ مِنْكَ التَّفْرِيطُ.
ثُمَّ لْنَعْلَمْ جَمِيعًا أَنَّ الأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ ظُرُوفٌ سَوْفَ نَجِدُ مَا أَوْدَعَنَا فِيْهَا مَحْفُوظًا لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ! قَالَ اللهُ تَعَالَى {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}.
(الْوَقْفَةُ الثَّانِيَةُ) بِئْسَ الْقَوْمُ لا يَعْرِفُونَ اللهَ إِلَّا فِي رَمَضَانَ: إِنِّي أُعِيذُكُمْ وَنَفْسِي أَنْ تَنْطَبِقَ عَلَيْنَا هَذِهِ الْمَقُولَةُ، وَلِذَلِكَ عَلَيْنَا أَنْ نُوَاصِلَ طَاعَةَ رَبِّنَا حَتَّى نَلْقَاهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}
فَنُحِافِظُ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الْفَرِائِضِ, وَنُقِيمُهَا جَمَاعَةً فِي الْمَسْجِدِ، لِأَنَّهَا مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلا يَتَخَلَّفُ عَنْ صَلاةِ الْجَماعَةِ إِلَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِالْمُنَافِقِينَ، وَنُحَافِظُ عَلَى السُّنَّنِ وَالنَّوَافِلِ، وَنُحَافِظُ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَنُواصِلُ كُلَّ يَومٍ فِي قِرَاءَةِ الْوِرْدِ، فَالْمُوَفَّقُونَ مَنْ بَدَأُوا وِرْدَ التِّلَاوَةِ لِشَهْرِ شَوَّالَ مِنْ لَيْلَةِ الْعِيدِ.
إِذَنْ فَنَحْنُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مُسْتَمِرُّونَ عَلَى طَاعَةِ رَبِّنِا فِي رَمَضَانَ وَبَعْدَ رَمَضَانَ.
(الْوَقْفَةُ الثَّالِثَةُ) صِيَامُ السِّتِّ مِنْ شَوَّالٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) رَوَاهُ مُسْلِم، وَيَجُوزُ صِيَامُ هَذِهِ السِّتِّ مُتَتَابِعَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً، وَالْأَفْضَلُ أَنْ تَكُونَ مُتَتَابِعَةً وَأَنْ تَكُونَ بَعْدَ يَوْمِ الْعِيدِ مُبَاشَرَةً، اغْتِنَامًا لِلطَّاعَةِ وَتَوَقِّيًا مِنَ الانْشِغَالِ أَوِ الْعَوَارِضِ، وَلَكِنْ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شُغْلٌ أَوْ سَوْفَ يَشْتَغِلُ بِالزِّيَارَةِ فِي النَّهَارِ، أَوْ كَانَ النَّاسُ يَزُورُونَهُ فِي النَّهَارِ فَلْيُؤَخِّرِ الْبَدْءَ فِي الصِّيَامِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَقُومُ بِحَقِّ مَنْ يَزُورُونَهُ أَوْ يَزُورُهُمْ.
ثُمَّ لْيُعْلَمْ أَنَّ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ مِنْ رَمَضَانَ، فَلا يَبْدَأُ فِي صِيَامِ السِّتِّ حَتَّى يَقْضِيَهُ، وَذَلِكَ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّال)، فَلا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَامَ رَمَضَانَ حَتَّى يَسْتَكْمِلُهُ، ثُمَّ إِنَّ فِي الحَدِيثِ كَلِمَةَ (ثُمَّ) وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ وَالتَّعْقِيبِ، وَأَيْضًا فَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى: فَلا يَحْسُنُ بِالْمُكَلَّفِ أَنْ يُبَادِرَ بِالنَّافِلَةِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَكْمِلَ الْفَرِيضَةَ، وُذَلِكَ أَنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ وَاجِبٌ وَصِيَامُ السِّتِّ نَافِلَةٌ.
فَإِنْ قِيلَ فَمَا حَالُ الْمَرْأَةِ التِي عَلَيْهَا أَيَّامٌ كَثِيرَةٌ أَفْطَرَتْهَا فِي رَمَضَانَ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّهَا تُبَادِرُ بِالْقَضَاءِ فَإِنْ تَمَكَّنَتْ مِنْ صِيَامِ السِّتِّ فِي شَوَّالَ فِبِهَا وَنِعْمَتْ, وَإِلَّا تَصُومُهَا وَلَوْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَهَذَا قَوْلُ شَيْخِنَا مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحِ الْعُثَيْمِينَ رَحِمَهُ اللهُ، وَذَلِكَ لِوُجُودِ الْعُذْرِ. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَه إِلَّا اللهُ رَبُّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ وَقَيَّومُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرَضِين، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَعَلَى مَنْ سَارَ عَلَى هَدْيِهِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ إِلَى يَوْمِ الدِّين.
أَمَّا بَعْدُ : فَـ(الْوَقْفَةُ الرَّابِعَةُ)، فُرْصَةُ طَلَبِ الْعِلْمِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: غَالِبُ الطُّلَّابِ الآنَ فِي إِجَازَةٍ وَهِيَ تَمْتَدُ مَا يُقَارِبُ الثَّلَاثَةَ أَشْهُرٍ، فَيَحْسُنُ اسْتِغْلَالُهَا فِي حِفْظِ الْقُرْآنِ وَفِي التَّزَوُّدِ مِنَ الْعِلْمِ وَالالْتِحَاقِ بِالْبَرَامِجِ الْعِلْمِيَّةِ الْمُتَاحَةِ, سَوَاءً كَانَتْ مُبَاشَرَةً أَوْ عَنْ بُعْدٍ، فَكُلُّ هَذَا خَيْرٌ، وَلا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَمْضِيَ عَلَيْهِ الزَّمَنُ وَلا يَسْتَغِلُّهُ.
(الْوَقْفَةُ الْخَامِسَةُ) الْعِيدُ وَتَطْيِيبُ النُّفُوسِ، اعْلَمُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنَّ الْعِيدَ فُرْصَةٌ عَظِيمةٌ لِتَطْيِيبِ نُفُوسِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَخَاصَّةً الْأَقَارِبَ الذِينَ رُبَّمَا حَصَلَ بَيْنَهُمْ مَا حَصَلَ مِنَ التَّقَاطُعِ وَالتَّهَاجُرِ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ) رَوَاهُ مُسْلِم.
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَلْنُبَادِرْ أَيُّهَا الْمُوَفَّقُونَ فِي التَّزَاوُرِ وَالتَّوَاصُلُ مَعَ الْأَقَارِبِ وَالْجِيرَانِ, وَلاسِيَّمَا مَنْ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ شَيْءٌ مِنَ الْجَفْوَةِ، وَتَذَكَّرْ أَنْ خَيْرَهُمْ الذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَعَمَلًا صَالِحُا، اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والْمُسلِمِينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعَدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينَ، اللَّهُمَّ أَعْطِنَا وَلاَ تَحْرِمْنَا اللَّهُمَّ أكْرِمنَا ولا تُهنَّا، اللَّهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَليْنَا, اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ، وَمَوْتَ الشُّهَدَاءِ، وَالحَشْرَ مَعَ الأَتْقِيَاءِ، وَمُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِين!
المرفقات
1620827685_خَمْسُ وَقَفَاتٍ بَعْدَ رَمَضَانَ 2 شَوَّال 1442هـ.doc
المشاهدات 2389 | التعليقات 2
جزاكم الله خيرًا ونفع بكم
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق