خمر ثم لعن
عبدالرزاق المضياني
الخطبة الأولى: أيها المسلمون:لأهميَّة وخطورة موضوع الخمور من حيث آثارُها المدمِّرة،سواء على الأفراد أو المجتمعات،ولكثرة انتشارها وسهولة الحصول عليها خارج حدود هذه البلاد، التي يقصدها الكثير من شبابنا بحجة السفر والسياحة لأجل هذا وغيره فإننا سنواصل الحديث عنها فنقول وبالله التوفيق: لقد اجتمعت كلُّ موبقات الذُّنوب وموجِبات النَّدم في الخمْر؛ ولهذا فقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنْهما:أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال:"اجتنبوا الخمر فإنَّها مفتاح كلِّ شر" ؛أورده الألباني في "السلسلة الصحيحة" وذكر له شواهد. ومع غياب العقل يبدأ توارُد النِّقم؛ لأنَّ الإنسان قد فرَّط في أغلى ما وهبَه ربُّه، وتبدأ الدنيا في طلب الترحُّل بعد أن أفرطَ أهلُها في اتِّباع شهواتِهم وارتِكاس عقولهم، فلا جَرَمَ أن تكون الخمر مدمِّرة المال والعقل والصِّحَّة والمجتمع، وهادمة الدين في قلب مَن يُعاقِرُها،بل وهي بهذه الصورة العالمية المخزية دليلٌ سافر على انتِهاء الدُّنيا واقتِراب السَّاعة،وذلك ما صرَّحت به الأحاديثُ الشَّريفة؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم:"مِنْ أشْراطِ السَّاعةِ أنْ يُرْفَعَ العِلْمُ،ويَثْبُتَ الجَهْلُ، ويُشْرَبَ الخَمْرُ،ويَظْهَرَ الزِّنَا"رواه مسلم. إنَّ ممَّا شاع خطرُه في الموادِّ المغيِّبة للعقْل ما هو أخطرُ وأطمُّ من الخمْر،من موادَّ تُحدِث الإسْكار بنِسب مُختلفة،
وها هو رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يضع القاعدة الجامعة المانعة:"كلُّ مُسكرٍ خَمر،وكلُّ مُسكرٍ حرام"؛ رواه مسلم، فكلُّ ما خامرَ العقل وأحدَثَ السُّكر ولو بدرجةٍ قليلةٍ فهو مثل الخمْر في حكمِها. فسواءٌ كان هذا المسكر مشروبًا؛مثل أنواع الخمور المشهورة والبيرة،أم جامدًا؛كالحشيش والأفيون،الذي استخفَّ كثيرٌ من المسلمين بهما؛ظنًّا أنَّهما ليسا من المحرَّمات،قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ما يلي: "إنَّ الحشيشة حرام، يُحدُّ متناولها كما يحدُّ شارب الخمر، وهي أخبث من الخمر من جهة أنَّها تفسد العقل والمزاج، حتَّى يصير الرَّجُل في تخنُّث ودياثة، وغير ذلك من الفساد ،وأنَّها تصدُّ عن ذكر الله وعن الصلاة، وهي داخلةٌ فيما حرَّمه الله ورسولُه من الخمر والمسكر لفظًا ومعنى". إخواني:لخطورة المخدرات والمسكرات لم يكتفي الإسلام بتحريم تعاطي القليل منها أو الكثير وإنما حرَّم أيضًا مجرَّد الاقتراب منها بأي وسيلة عن ابْنِ عبَّاس رضي الله عنهُما:أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال:"من كان يُؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمْر"صححه الألباني في الإرواء. عباد الله: روَى ابن أبي شيبة عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما:أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال:"إنَّ الله إذا حرَّم شيئًا حَرَّم ثمنَه"رواه أبو داود وصحَّحه الشيخ الألباني. ففي هذا الحديث دِلالة واضحة على أن ما نتَج من بيْع المخدِّرات والمسكرات من أموال وثروات،فهو سحتٌ لا يجوز الانتفاعُ به،سواء كان الانتفاعُ صدقةً أو أكْلاً،أو شراءً؛ فهو مالٌ حرام خبيث،يجب طرْحُه والتخلص منه. ألا فارجعوا إلى ربّكم واذكروهُ،واخشَوهُ،لعلّكم تسعدون برحمته، وتفلحون بجنّته. بارك الله لي ولكم،،
الخطبة الثانية: عباد الله:شرب الخمر يعدل الشرك بالله،روى الطبراني بسند صحيح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ:«لَمَّا حُرِّمَتِ الْخَمْرُ مَشَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ،وَقَالُوا:حُرِّمَتِ الْخَمْرُ ،وَجُعِلَتْ عَدْلًا لِلشِّرْكِ». يظن بعض الناس أن لعن الله خاص بمن يشرب الخمر فقط وهذا غلط بين؛روى الإمام أحمد بسند صحيح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«أَتَانِي جِبْرِيلُ،فَقَالَ:يَا مُحَمَّدُ،إنَّ اللهَ عز وجل لَعَنَ الْخَمْرَ،وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا،وَشَارِبَهَا،وَحَامِلَهَا،وَالمحْمُولَةَ إِلَيْهِ،وَبَائِعَهَا،وَمُبْتَاعَهَا، وَسَاقِيَهَا،وَمُسْتَقِيَهَا». • تدبَّرْ معي أخي المسلم في هذا الحديث جيدًا.. • زوجة لا تشرب الخمر،ولكنها تقدِّم لزوجها الخمر،فهي ملعونة. • موظَّفٌ لا يشرب الخمر، ولكنه يقدِّم الخمر إلى الزبائن، فهو ملعون. • شخص لا يشرب الخمر، ولكنه يبيع الخمر، هو ملعون. • شخص لا يشرب الخمر، ولكنه يحملها في سيارته مِن مكان إلى آخر، هو ملعون. • مَن اقترب من الخمر ملعون، ومطرود مِن رحمة الله. أخيراً وليس آخِراً:إن سألتم عن تأثير سائل الخمرة في صحَّة جسم شاربها،فإن تأثيرها يظهر في غالب أجهزته،ومِن النادر أن يَسلمَ من تأثيراتها الصحية المدمِّرة عضوٌ مِن الأعضاء. بدءاً بعقله وقلبه وجهازه العصبي والحركي والهضمي وكبده وغدد جسمه ودمه وضعف مناعته ونقص الفيتامينات في جسمه . وانتهاءً بأعراضِ الاكتئاب والقلق،والشعور بتأنيب الضمير، والأعراض النفْسيَّة والأمراض العصبية والشذوذات السلوكية. ختامًا:فإنَّ ما ذُكِر عن مضارِّ الخمرة قليلٌ من كثير،ولا شكَّ أنَّ ما خَفِي مِن ذلك أعظمُ ممَّا كُشِف حتى الآن،فاتقوا الله ربكم ولا يستجرينكم الشيطان إنه لكم عدو مبين،ثم صلوا وسلموا...