"خلق الصدق والأمانة" 14/6/1447

أحمد بن ناصر الطيار
1447/06/13 - 2025/12/04 08:51AM

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وسلم تسليماً كثيرا.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أنّ من أعظم صفات أهل الإيمان والعقل: الصدقَ والأمانة؛ ولذلك كانتا صفتي نبيّنا صلى الله عليه وسلم قبل أن يُبعث, فقد كان يسمّى بالصادق الأمين.

الصِّدْقُ هو ألا تقول ما هو خلاف الواقع, وألا تُظهر خلاف ما تُبطن, وهو ركنُ الأدب, وأصلُ المروءة, ودليل الشجاعة والثقةِ بالنفس, وعلامةٌ على الإخلاص والوضوح.

والصِّدْقُ صفة متى اتصفت بها قادتك وأوصلتك إلى كلّ الصفات الحسنة والأخلاق الحميدة, بل هو مقدّم الأخلاق الفاضلة, ورأسها وأساسها وجالِبها وقائدها.

ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدِّيقا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذَّابا».

والبر: اسم يجمع خصال الخير, كالكرم والأدب والحياء والتواضع والشجاعة وغيرها, فالصدق يقود إلى التحلّي بها كلّها.

والصادق قد جمع خصال الخير كلها, والكاذب قد جمع خصال الفجور, والفجور: هو اسم يجمع خصال الشر كلها.

قال بعض السلف: إنَّ الكذب يسقي باب كلّ شر كما يسقي الماءُ أصول الشجر.

فإذا رأيت من اعتاد الكذب فاعلم أنّه قد جمع خصال الشر كلها.

 وأما الصفة الثانية, فهي الأمانة, وهي ميزانُ صلاح المجتمع، وقد قال الله تعالى: «وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ»، وقال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا».

أيها المؤمنون: إن الأمانة أمرها عظيمٌ, إنها دِينٌ وذمة, ومنهجٌ وطريقة, إنها حِمْلٌ ثقيل, وعِبْءٌ جسيم, إنها عُرِضت على السماوات والأرض الجِبَال, وأعْظِم بها قوةً وصلابةً, فأبَيْنَ أن يحملنها وأشفقن منها, وتحَمّلناها نحن بما أنعم الله به علينا من العقل والفهم, وبما أَنْزلَ إلينا من الوحي والعلم, فبالعقل والفهم ندرك ونميز, وبالوحي والعلم نستنير ونهتدي.

ما أجمل المجتمعَ الذي تشيع فيه الأمانة, فَيَأْمنُ الناسُ على أعراضهم وأموالهم وممتلكاتهم, وتَزْدَهرُ الحضارةُ في هذا المجتمع, وما أقبح المجتمع الذي تنعدم فيه الأمانة، وتسودُ فيه الرشوة والخيانة, إنه مجتمع لا يعرف أهلُه معاني الحضارةِ والازدهار, ويسودُ فيه الطمع والجشع, والحقد والأنانيَّة, كيف لا، وقد تولى المنصب مَنْ غيرُه أولى منه, أمانةً وإتقاناً, فيُفْسِدُ أكثر ممَّا يُصلح, يُنَفِّذُّ المشاريع الوهمية, ويقوم ببناء البِنِى التَّحْتِيَّةِ الضَّعيفةِ الهشَّة, التي رُصد لها الملايينُ من الأموال, فيبنيها بعُشْرِ ما رُصِدَ لها.

أيها المؤمنون: إنّ الفساد والخيانة والظلم سببُ خرابِ الدول ونهايتُها, وسببُ سخط الله وعذابِه, قال تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}.

ومن صور الفساد: إشاعةُ المنكرات والمعاصي والمجاهرةُ بها، وقد بعث الله الأنبياء لمحاربة الفساد, كالشرك بالله ومعصيته, قال تعالى: ((ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها)), قال الشوكاني: "يدخل تحته قليلُ الفساد وكثيره, ودقيقه وجليله".

فاتقوا الله عباد الله, وإياكم ومحبةَ المفسدين، فمن أحبّهم حُشر يوم القيامة معهم، والمرء مع من أحبّ، واهْجروا المجالس والأماكن التي يُعصى اللهُ فيها.

 

اللهم احفظ بلادنا من كل سوء، ووفق ولاة أمرنا لكل خير، إنك على كل شيء قدير.

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين, وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 أما بعد: معاشر المسلمين, إنّ مما لا يخفى على مسلم, حرمةَ الاعتداء على المال العام، واستغلال الوظيفة للمصالح الشخصية, وحرمةَ الرشوة، وقد قال النبي ﷺ: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي"، وقال ﷺ: "إنّ رجالاً يتخوّضون في مال الله بغير حقّ, فلهم النار يوم القيامة".

وللنزاهة أثر عظيمٌ في حفظ مقدّرات الوطن, وهي من أسباب حصولِ البركة, واستدامةِ نعمة الرخاء المعيشي.

 والواجبُ على مسلم الإبلاغُ عن أيّ مظهرٍ من مظاهر الفساد؛ لأنّ ذلك يُسْهم في حماية المجتمع, وصيانةِ الحقوق, وردعِ المعتدين على المال العام, ودفعِ الضّرر عن البلاد والعباد.

اللهم نجّنا من عذابك، وأدْخلنا في رحمتك، وأسْكِنّا جنَّتك، إنك ربنا رؤوف رحيم.

 

عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى, وإمام الورى, فقد أمركم بذلك جل وعلا فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي.. يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات, اللهم فرِّج همومهم, واقض ديونهم, وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.

 عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

المشاهدات 189 | التعليقات 0