خلق الحياء
Abosaleh75 Abosaleh75
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أمابعد:
فَاتَّقوا اللهَ -عِبادَ اللهِ- (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)[الطلاق: ٤].
أيها المسلمون: لقد كانت الدعوة إلى مكارم الأخلاق من أهم مقاصد بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ففي مسند الإمام أحمد بسند صحيح قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ"،
وحُسْن الخلق والإيمان متلازمان؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا" (رواه أبو داود في سننه بسند صحيح)؛
فالإيمان -يا عباد الله- يَعْظُم ويَكْمُل بِحُسْن الأخلاق وكمالها.
ومن الأخلاق الفاضلة التي قُرِنَتْ بالإيمان خُلُق الحياء، فإذا رُفِعَ الحياء عن الإنسان نقص من إيمانه بقدر ذلك، ففي مستدرك الحاكم بسند صحيح، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الْحَيَاءُ وَالْإِيمَانُ قُرِنَا جَمِيعًا فَإِذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا رُفِعَ الْآخَرُ"،
بل الحياء من الإيمان مر النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- برجُل يعظ أخاه في الحياء، فقال: "دعْه؛ فإنَّ الحياء من الإيمان".
والحياء احد شعب الإيمان عَنْ أبي هُريرةَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «الإيمانُ بِضْعٌ وسَبْعونَ أو بِضْعٌ وسِتُّونَ شُعبةً: فأفضلُها قولُ لا إِلهَ إلَّا اللهُ، وأدْناها إماطةُ الأذَى عَنِ الطَّريقِ، والحياءُ شُعْبةٌ مِنَ الإيمانِ». متَّفقٌ عليه.
وبيَّن -صلى الله عليه وسلم- مزيةَ للحياء على سائر الأخلاق فقال: "إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ" (رواه ابن ماجه بسند حَسَن).
عباد الله: الحياء من أسمى الصِّفات الإنسانيَّة وألطفِها، وأنْبلِ الأخلاق الإسلاميَّة وأشرفِها، حسبُك إن كنتَ ذامًّا أحدًا، أن تَسْلُب منه هذا الخلق،
الحياء تاج الأخلاق، وعنوان العفاف، ورمْز الوقار، يزيد الرُّجولةَ كمالاً، ويكسو المروءة جمالاً.
وإذا رُزِق العبد حياءً لازمتْه السُّمعة الطَّيِّبة، والذِّكرُ الحسن، فنُشرتْ مَحاسنه، ونُسيت مساوئه، وقديمًا قيل: "من كساه الحياء ثوبه، لم يَرَ الناسُ عَيْبه".
فما كان الحياء في شيء إلا زانه، ولا نُزِعَ من شيء إلا شانه، قال ابن القيم -رحمه الله-: "الحياء أصل لكل خير، وهو أفضل وأَجَلّ الأخلاق، وأعظمها قَدْرًا، وأكثرها نفعًا)
عباد الله :والحياء صفة للرَّبّ -جل جلاله- وتقدست أسماؤه، وحياء الرب -تبارك وتعالى- حياءُ جُودٍ وكرمٍ، وبِرّ وجلال، فإنه -سبحانه- حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صِفْرًا خائبتين، ويستحيي أن يعذِّب ذا شيبة شابت في الإسلام، وفي الأثر يقول الرب -جل جلاله-: "مَا أَنْصَفَنِي عَبْدِي؛ يَدْعُونِي فَأَسْتَحْيِي أَنْ أَرُدَّهُ وَيَعْصِينِي وَلَا يَسْتَحْيِي مِنِّي".
والحياء خلق من اخلاق الأنبياء والمرسلين ومن سار على نهجهم من الصحابة والتابعين، فهذا موسى -عليه السلام- قال عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا، لَا يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ" (رواه البخاري).
وأما نبينا -صلى الله عليه وسلم- فقد تسنَّم أعلى مقامات الحياء؛ فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشدَّ حياءً من العذراء في خِدْرِهَا، وكان إذا كره شيئًا عرفناه في وجهه؛ أي: إذا كَرِهَ شيئًا لا يتكلم به لحيائه، بل يتغير وجهه، فيفهم الصحابة كراهته لذلك.
إخوة الإيمان: حينما يسودُ الحياء المجتمع، فإنَّه يزيد ترابط أهله، ويعزِّز لُحْمَتهم، ويقوِّي أُلْفَتهم، ويسوقهم إلى ذُرا المجْد والكرامة، فيُوقَّر الكبير، ويحتَرم أهلُ الفضل، وتُصان الحرمات، ويُترفَّع عن السفاسف والرَّذائل، فيزداد المجتمع بذلك أمنًا وأمانًا، وخيرًا وصلاحًا، وصَدَق الصَّادق المصدوق: "الحياء كله خير، والحياء لا يأتي إلا بخير".
أقولُ هذا القول وأستغفرُ اللهَ لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً.
أَمّا بَعدُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}
عباد الله حينما يغيب الحياء عن المجتمع، فكبِّر على الأخلاق بعده أربعًا، إذا انسلخ المرْء من حيائه، فليس له من إنسانيَّته إلاَّ اللَّحمُ والدَّم.
إذا ضعف الحياء، قلَّتِ المروءة، ورقَّ الدِّين، واضمحلَّت الرجولة، وخفَّت العفَّة.
اذا نُزِع الحياء، رأيْنا من شبابِنا مَن يعاكس النساء، ويهتك حرمات الآخَرين، وإنَّ الله يغار، وغَيْرة الله أن تُنتهك محارمه.
اذا غاب الحياء، رأيْنا المرأة تُخالط الرَّجُال وتمازحهم، وتضاحكهم وتجالسهم .
اذا ضاع الحياء، رأيْنا الرَّجُل يتشبه بالنساء ، والنساء يتشبهن بالرجال.
اذا مُزِّق الحياء، ماتت الغيرة عند أشباه الرجال فجعلوا للنسائهم وبناتهم الحرية فيما يلبسون بلا حياء من خالقٍ، أو خجل من مخلوق.
اذا فُقِد الحياء، أصبحت المجاهرة بالمعاصي مفخرةً يُتباهى بها، فهذا يفخر بعلاقاتِه مع الجنس الآخر، وآخَر يَتباهى بما يشاهده من أفلام ومناظرَ مشينة، وثالثٌة تتبجح بنزع حجابها وخلع جلباب العفة عنها.
قلَّة الحياء، نتيجتُها ونهايتها وقاحة وسفالة ورذالة وبذاءة، قليل الحياء لا يأْبَه بسفول قَدْره، ولا يأنف من لصوق فعْلةِ السوء على شخصه:
قال عليه الصلاة والسلام "إنَّ ممَّا أدرك النَّاس من كلام النبوَّة الأولى: إذا لَم تستح فاصنعْ ما شئت".
عبادَ الله : واجب على أهْل الإيمان والغيرة، والرُّجولة والمروءة، أن يهذِّبوا أنفسهم بهذا الخُلُق النبيل، ويسْعَوا في تربية أولادِهِم -ذُكورِهم وإناثِهم- على هذا المعْدن الأصيل، فهو صمام أمان ووزاع خير ومانع شر .
عباد الله ثم صلوا وسلموا .....