خطور الغناء على المجتمع
إبراهيم بن سلطان العريفان
بسم الله الرحمن الرحيم
إخوة الإيمان والعقيدة ... فقد تعالت أصوات منكرة من بعض المسلمين؛ غير ملتفتين إلى النصوص والآثار التي في تحريمها والتحذير منها وبيان آثارها السيئة على القلوب، هذه الأصوات شؤمها عظيم، وقبحها ظاهر، إنها أصوات الطرب والغناء، وانطلاقًا من قول الله تعالى ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾
أيها المؤمنون .. يقول الله تعالى ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ فأكثر المفسرين على أن المراد بــــ(لَهْوَ الْحَدِيثِ: الغناء) وهذا ما قاله ابن عباس؛ وأقسم عليه ابن مسعود رضي الله عنهما.
ويقول الله تعالى مخبرًا عَمَّا قاله للشيطان ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ﴾ قال مجاهد - رحمه الله - التابعي المفسر: الصوت في الآية الذي يستخف به الشيطانُ الناسَ: الغناء والمزامير وكلُّ داعٍ إلى المعصية.
ويقول الله عز وجل في معرضِ ذكر صفات عباد الرحمن والثناء عليهم؛ وأنهم يعرضون عن مجالس المنكر ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لَيَكونَنَّ مِن أُمَّتي أقْوامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ والحَرِيرَ، والخَمْرَ والمَعازِفَ، ولَيَنْزِلَنَّ أقْوامٌ إلى جَنْبِ عَلَمٍ (أي جبل)، يَرُوحُ عليهم بسارِحَةٍ لهمْ، يَأْتِيهِمْ -يَعْنِي الفقِيرَ- لِحاجَةٍ، فيَقولونَ: ارْجِعْ إلَيْنا غَدًا، فيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ، ويَضَعُ العَلَمَ(يدكُّ الجبلَ ويوقعُه على رؤوسهم)، ويَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وخَنازِيرَ إلى يَومِ القِيامَةِ) المعازف اسمٌ لكل آلات الملاهي.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(صَوتانِ مَلعونانِ في الدنيا والآخرةِ: مِزمارٌ عند نعمةٍ، ورَنَّةٌ عندَ مُصيبة).
ويخبرنا عبدالله بن عمرو: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم نَهَى عنِ الخمرِ، والميسرِ، والكوبَةِ، والغُبَيْراءِ.
والكوبة مما قيل في معناها: الطبل.
و عن نافع مولى ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمع ابن عمر مزمارًا؛ فوضع إصبعيه في أذنيه؛ ونأى عن الطريق (أي: أبعد) وقال لي: يا نافع هل تسمع شيئًا؟ فقلت: لا، فرفع إصبعيه من أذنيه؛ وقال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع مثل هذا فصنع مثل هذا.
علق على هذا الحديث الإمام القرطبي قائلًا: قال علماؤنا: إذا كان هذا فِعلهم في حقِ صوتٍ لا يخرجُ عن الاعتدال، فكيف بغناء أهلِ هذا الزمان وزمرهم؟! يقول القرطبي (ت:671هـ) هذا على غناء زمانه، فكيف لو سمع ورأى غناء زماننا.
كتب أمير المؤمنين عمرُ بن عبد العزيز رحمه الله إلى مؤدبِ ولده يأمرُه أن يربيَهم على بُغض المعازف؛ وقال له: ليكن أولَ ما يعتقدون من أدبك: بغضُ الملاهي التي بدؤها من الشيطان؛ وعاقبتها سخط الرحمن، فإنه بلغني عن الثقات من أهل العلم: أن حضورَ المعازفِ واستماعَ الأغاني واللهجَ بها ينبتُ النفاق في القلب كما ينبت الماءُ العُشب.
وسُئِل الإمام مالكٌ رحمه الله عن الغناء والضرب على المعازف، فقال: هل من عاقل يقول بأن الغناء حق؟ إنما يفعله عندنا الفساق.
وقال الإمام الأوزاعي: لا تدخلْ وليمةً فيها طبل ومعازف.
وقال الإمام القرطبي: أما المزامير والأوتار والكوبة فلا يُختلف في تحريم استماعها، ولم أسمع عن أحدٍ ممن يعتبر قوله من السلف وأئمة الخلف من يبيح ذلك، وكيف لا يَحرُم وهو شعار أهلِ الخمور والفسوق ومهيِّجُ الشهوات والفساد والمجون؟ وما كان كذلك لم يُشَكْ في تحريمه ولا تفسيقِ فاعله وتأثيمه.
عباد الله فيما ذُكر مُقنِع لطالب الحق، أما من اتبع هواه فلا حيلة فيه. على أن ما ذُكر من أقوال سلفنا الصالح في الغناء إنما كان على غناء زمانهم؛ فماذا يقال في غناء هذا الزمان الذي اشتد قبحه وعظم خبثه وتَفنن أهلُ الفسق في عرضه على الناس، وصار من دواعي الفجور، والله المستعان. أكرمنا الله بسماع الحق؛ والإعراض عن الباطل.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله ..
الحمد لله رب العالمين ..
معاشر المؤمنين ... قال النبي صلى الله عليه وسلم (كُلُّ أُمَّتي مُعافًى إلَّا المُجاهِرِينَ) ومن هذه المجاهرة ما يحدث من البعض هداهم الله من إسماع الناس لأصوات هذا الغناء والطرب المحرم من خلال الأجهزة في البيوت وقصور الأفراح والمقاهي والمهرجانات والاحتفالات.
فظهور هذه المنكرات في هذه الأماكن وغيرها واجتماع الناس عليها من أعظم أسباب العقوبة العامة العاجلة في الدنيا قبل العقوبة الآجلة في الآخرة.
عن زينب أم المؤمنين رضي الله عنها: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يقولُ (لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ! ويْلٌ لِلْعَرَبِ مِن شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ؛ فُتِحَ اليومَ مِن رَدْمِ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ مِثْلُ هذِه) وحَلَّقَ بإصْبَعِهِ الإبْهَامِ والَّتي تَلِيهَا، قالَتْ زَيْنَبُ بنْتُ جَحْشٍ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَنَهْلِكُ وفينَا الصَّالِحُونَ؟ قالَ (نَعَمْ؛ إذَا كَثُرَ الخَبَثُ).
يقول الله تعالى ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ فإن جمع الناس وإسماعهم المنكر هو من التعاون على الإثم والعدوان الذي حذر منه الحق تبارك وتعالى. والمؤمن الحصيف لا يكون قائدًا في منكر أو مُعينًا عليه، حتى لو كان ربما يزل فيه أو في غيره من الذنوب، لأنه يعلمُ خطورةَ ذلك.
فالواجب علينا يا عباد الله أن نتقيَ سخطَ الله، ونبتعد عن معصيته، وإذا عصينا فنستغفر ونتوب، وإذا عصينا فلا نعينُ غيرنا على المعصية، وإذا عصينا فإنا لا نجاهر بل نستتر بستر الله، ولو كنا من العاصين. فلنكن من الخائفين على مجتمعاتنا فنكون من الناصحين.
اللهم اجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
المرفقات
1700205119_خطور الغناء على المجتمع.pdf
1700205130_خطور الغناء على المجتمع.docx