خطورة الغيبة والنميمة

خطورة الغيبة والنميمة

 الخطبة الأولى:

 

إن الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن محمدًا عبده ورسوله ،  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أما بعدُ : أيها المسلمون أوصيكم ونفسي بتقوى الله سبحانه وتعالى .

 

قال تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )

 

أيها المسلمون : مرض اجتماعي خطير ،وداء مستطير ، خطره عظيم على الفرد والمجتمع ، مرتكبوه ضعف عندهم الإيمان وجانبوا الصواب ، وتجاوزوا ما نُهي عنه في السنة والقرآن ، إنه داء الغيبة والنميمة وهي محرمة وسبب كل  شقاء وعذاب في الدنيا والآخرة

 

حذرنا الله تعالى منها في القرآن ، قال تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ  ) الحجرات 12

 

والغيبة عرفها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لأصحابه؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ» قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ» صحيح مسلم (4/ 2001).

 

وأما النميمة فهي نقل الكلام بقصد الافساد بين المسلمين وإيقاع العدوة والبغضاء والشحناء بينهم وهي محرمة ، قال تعالى : ( وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ  ) سورة القلم

 

وقد توعد الله تعالى المغتابون ... قال تعالى : ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ  ) عن قتادة، قال: يهمزه ويلمزه بلسانه وعينه، ويأكل لحوم الناس، ويطعن عليهم ) تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (24/ 597)

وبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطورة النميمة؛ عَنْ حُذيْفَةَ، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا يَنِمُّ الْحَدِيثَ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ» صحيح مسلم (1/ 101)

 

وجاء في السنة النبوية ما يبين خطورتها وما ينال صاحبها من عذاب في قبره بسبب نقله للكلام بين الناس بقصد الافساد بينهم؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ: «أَمَا إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ» صحيح مسلم (1/ 240)

 

أيها المسلمون :هؤلاء هم المفلسون حقيقة المضيعون لحسناتهم والذي يزاد في رصيد سيئاتهم نظير ما خاضوا فيه مما نهو عنه؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ»

 

كل هذا الافلاس من الحسنات والخسران والهلاك بسبب الظلم والتعدي على أموال المسلمين وأنفسهم وعلى أعراضهم بالغيبة والنميمة والسب والشتم والتنقص .

 

تخيلوا عباد الله : هذه الصورة البشعة لمن يغتابون الناس ويأكلون لحومهم بالغيبة ويقعون في الأعراض؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ، قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ " سنن أبي داود (4/ 269)

 

أيها المسلمون : إن عرض المسلم قد صانه الشرع الحكيم وجعله محرما على الانتهاك والتعدي كحرمة الدم المال؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ )) صحيح مسلم (4/ 1986)

 

إلا أنك تجد بعضًا من الناس من يتهاون بالكلمة ويطلق للسانه العنان  فلا يبالي بذلك ، ألا ما أشد وقع الغيبة ، كلمة واحدة قد يتساهلها الواحد منا  ، فتكون عليه وبالا؛ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ غَيْرُ مُسَدَّدٍ: تَعْنِي قَصِيرَةً، فَقَالَ: «لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ» سنن أبي داود (4/ 269) .... ( وهذا من أبلغ الزواجر عن الغيبة )شرح رياض الصالحين (6/ 126) هذه كلمة فما بالك بمن يأتي بالكلمات ويكتب العبارات والجمل وكلها غيبة ونميمة وإفساد بين المسلمين ياله من خطر عظيم .

 

إن من يتتبع عورات المسلمين وزلاتهم لنشرها وفضحها فقد يعاقب بها في جوف بيته فالحذر الحذر ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعُ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ»

 

نسأل الله العافية والسلامة اللهم أحفظ علينا ألستنا من الغيبة والنميمة ومن تتبع عورات المسلمين يا رب العالمين

 

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم

 

 

 الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أما بعدُ ، أيها المسلمون : الغيبة والنميمة لا يزاولها إلا شرار الخلق ..... الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم ، واشتغلوا بعيوب غيرهم عن إصلاح عيوبهم وأطلقوا لألسنتهم  الغيبة والبهتان والهمز واللمز في بني الإنسان ، الكلمة مسؤولية فهي إما أن ترفعك الدرجات العلا وإما أن تنزلك أسفل سافلين .

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ» صحيح البخاري (8/ 101)

 

أيها المسلمون : لقد كثر في هذه الأزمنة المعاصرة ما يتحدث به الإنسان ويكتبه مما ينشره عبر وسائل التواصل المختلفة من الفيس بك والواتس وعبر المواقع وغيرها دون تثبت أو روية فيعطي للسانه الحرية فيما يتكلم به ، ولقلمه أن يسطر ما يحلو له ، ويرسل عبر هذه الوسائل الغث والسمين ، وربما المحرم أحيانا .

 

فاتقوا الله عباد الله وتحفظوا من ألسنتكم؛ قال تعالى : ((إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ )) .... حتى أن جميع أعضاء الجسم تناشد اللسان كل يوم أن يقول خيرا ،  عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، رَفَعَهُ قَالَ: " إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ، فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا " سنن الترمذي ت شاكر (4/ 605)

 

 عباد الله : إن من الواجب علينا أن نمرن ألسنتنا وندربها على أن تتحدث بكل ما ينفعها في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى : (( لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)

 

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ "

 

هذا وصلوا على من أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه قال تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا  ))