خطورة الشائعات

الحمد لله مبدع الكائنات، وبارئ النسمات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جزيل العطايا والهبات، وواهب الخيرات والبركات، أمر بالصدق وحرّم الأكاذيب والشائعات. وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أفضل البريات، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أولي الفضل والمكرمات، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

إخوة الإيمان والعقيدة ... لقد كانت آيات القرآن العظيم تنزل على محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه في المدينة تبني قواعد المجتمع الإسلامي، وتبين كيفية التعامل فيما بينه وبين أفراده، والتعامل مع أعدائه، ومع الناس المحيطين به، وهكذا كانت التوجيهات الإلهية في مصلحة هؤلاء المؤمنين تربيهم، وتنمي فيهم روح الدين والانتماء له، والحرص عليه، وحمله وتبليغه ونشره والذب عنه، تسد الثغرات التي يدخل منها الأعداء، وتوجه المؤمنين في حربهم ضد المشركين وضد المنافقين، وما أحوجنا اليوم إلى هذه التوجيهات الربانية، في خضم هذا العالم الذي يشهد تطوراً تقنياً في وسائل الاتصال.
عباد الله .. أصبحت الإشاعة أكثر رواجًا وأبلغ تأثيرًا. وإن الصراع بين الحق والباطل مستمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها، والباطل لا يفتر أبدًا في استخدام كل وسيلة تعوق الحق عن مواصلة طريقه، وتحقيق أهدافه لتعبيد الأرض لله رب العالمين، ومن ثم فإنه يستخدم الإشاعات ويحسن صناعتها ليصد الناس عن الحق وأهله، أو ليفرق جمعه، وليثبط حماسة أتباعه، أو ليغير صدورهم تجاه بعضهم، أو ليشيع الفاحشة في مجتمعه.

حرب الإشاعات، كانت تمارس من قبل الأعداء في الداخل والخارج في القديم والحديث، فنزل قولُ الله ( وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ ) نشروه أفشوه قبل أن يتأكدوا منه وقد لا يكون صحيحاً، وحتى لو كان صحيحاً فربما لا يكون من المصلحة نشره، ولذلك قال الله ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) لو ردوا الإشاعة إلى أولي العلم لعلم هؤلاء كيف يستنبطون الخبر ويقتصون الأثر، ويكشفون صحة هذه الحادثة أو الإشاعة، ثم هؤلاء أهل العلم أعلم، هل ينشر أو لا ينشر، إذن ردوه إليهم، الذي ينبغي أن يحدث أن يردوه إليهم أولاً ليتحققوا من صحته؛ لأنهم أخبر وأبصر، وثانياً ليقرروا هل من المصلحة نشره أم لا؛ لأن الإشاعات تفت في عسكر المسلمين، وهكذا كانت الحرب النفسية في القديم والحديث سبباً عظيماً من أسباب انهزام الطرف الآخر، فنهى الله المؤمنين عن التحدث بكل ما يسمعون وعن إذاعة الأشياء ونشرها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع ) والنبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن قيل وقال ) لأن الذي يكثر النقل عن الناس قيل وقال سيقع في الكذب؛ لأنه سينقل أشياء بغير تثبت، ولا تدبر، ولا تبين، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( بئس مطية الرجل زعموا ) فهو دائماً يقول: زعموا، قالوا، قيل، وهكذا، ليس عنده مصدر ثابت صحيح للخبر.

فاحذروا – يا عباد الله – من الشائعات والرسائل التي لا يُعلم من أذاعها. وما أكثرها في هذه الزمان في زمن العصر التطور التقني عبر رسائل التواصل .. فلو سألت من ينقل الشائعة عن مصدرها سيقول لك قالوا زعموا.

والشائعة نشر الأخبار التي ينبغي سترها، لأن فيها إيذاء للناس. كم دمرت من مجتمعات وهدمت من أسر، وفرقت بين أحبة. كم أهدرت من أموال، وضيعت من أوقات. كم أحزنت من قلوب، وأولعت من أفئدة، وأورثت من حسرة. كم أقلقت من أبرياء، وكم حطمت من عظماء وأشعلت نار الفتنة بين الأصفياء. كم نالت من علماء وعظماء؟! كم أثارت فتناً وبلايا، وحروباً ورزايا، وأذكت نار حروب عالمية، ، وإن الحرب أوّلها كلام، ورب مقالة شرّ أشعلت فتنًا، لأن حاقداً ضخّمها ونفخ فيها.

الشائعات كم هزمت من جيوش، وكم أخّرت في سير أقوام.

الشائعات ألغام معنوية، وقنابل نفسية، ورصاصات طائشة، تصيب أصحابها في مقتل، وتفعل في عرضها ما لا يفعله العدوّ بمخابراته وطابوره الخامس.

الشائعات والأراجيف تعتبر من أخطر الأسلحة الفتاكة والمدمرة للمجتمعات والأشخاص، بل قد تكون مِعْوَل هدم للدين من الداخل أو الخارج، والضرر بالدعوة والدعاة، وبأمن البلاد والعباد.

فاحذروا – عباد الله – الشائعات .. ولا تلتفتوا إليها، ولقد ابتلينا في هذا الزمان عبر رسائل الجوال من أخبار وأحداث أكثرها كذب في كذب، فلا نكن (أحد الكذابين) خاصة وبلادنا تمر في مرحلة عصيبة .. حروب في الداخل والخارج .. وأعداء يتربصون بكم الدوائر.

نسأل الله أن يحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ..

معاشر المؤمنين ... أسرع الأمم تصديقًا للإشاعات هي الأمم الجاهلة الفاشلة، بسذاجتها تصدّق ما يقال، وتردد الأخبار الكاذبة دون تمحيص ولا تفنيد، وأما الأمم الواعية فلا تلتفت إلى الإشاعات، وتكون مدركة لأحابيل وألاعيب المنافقين وأعداء الإسلام، فلا يؤثر على مسيرتها، ولا يهزّ أعصابها. ولذلك مطلوب منا دائمًا ولا سيما في هذه الظروف الحرجة أن نكون يدًا واحدة، أعوانًا على الخير، وأعوانًا على البر والتقوى، يكمل بعضنا نقص بعض، ويعين بعضنا بعضًا، نسعى في جمع الكلمة، ونسعى في وحدة الصف، ونسعى في لمّ الشمل.

لم يسلم من الشائعات الأنبياء والصالحون ولا الملوك والأمراء المصلحين منذ فجر التاريخ والشائعات تنشب مخالبها في جسد العالم كله. كانت الإشاعات -أيها الإخوة- مصدر بلاء على أهل الإسلام في القديم والحديث.

مطلقوا الشائعات سماهم القرآن مرجفين. والإرجاف هو الاضطراب الشديد، والخوض في الأخبار السيئة وذكر الفتن؛ لأنه ينشأ عنه اضطراب بين الناس. والإرجاف حرام، وتركه واجب؛ لما فيه من الإضرار بالمسلمين، وفاعله يستحق التعزير. قال تعالى ( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّك بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَك فِيهَا إلا قَلِيلاً مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً ).

مروّج الشائعة عضو مسموم يسري سريان النار في الهشيم، يتلوّن كالحرباء، وينفث سمومه كالحية الرقطاء، ديدنه الإفساد والهمز، وسلوكه الشر واللمز، وعادته الخبث والغمز.

مروّج الشائعة لئيم الطبع، دنيء الهمة، مريض النفس، منحرف التفكير، صفيق الوجه، عديم المروءة، ضعيف الديانة، يتقاطر خسَّة ودناءة، قد ترسّب الغلّ في أحشائه، فلا يستريح حتى يزبد ويُرغي، ويفسد ويؤذي، فتانٌ فتاكٌ، ساع في الأرض بالفساد، للبلاد والعباد ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَـاحِشَةُ فِي الَّذِينَ ءامَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ).

عباد الله ... حث الإسلام على التثبت والتبيّن في نقل الأخبار ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ).

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أهل التثبت واليقين، ومن أهل التقوى والدين، إنه سميع مجيب.

عباد الله ... صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه

المرفقات

1703216982_خطورة الشائعات.pdf

1703216990_خطورة الشائعات.docx

المشاهدات 602 | التعليقات 0