خطورة الرشوة على الفرد والمجتمع
إبراهيم بن سلطان العريفان
بسم الله الرحمن الرحيم
إخوة الإيمان والعقيدة ... خلق الله الخلق وقدّر آجالهم، وقسّم أرزاقهم، وجعل للكسب الحلال أسبابًا، وفتح للخلق أبوابًا، وكلّ ميسّر لما خُلق له، والمؤمن يكتسب طيب المال، ويبحث عن أسباب الحلال ]هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ[.
ونبينا ﷺ حذرنا من المكاسب الخبيثة فقال: (إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ جل وعلا ]يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا[ وَقَالَ ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ[ ثُمَّ ذَكَرَ النبي ﷺ الرَّجُلَ المسّاَفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ يَا رَبِّ، قال: ومأكله حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِىَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ!!).
أيها المسلمون .. إن من شر المكاسب وأخبث الأموال ما يأخذه الراشي من رشوة، تلك الرشوة مكسبٌ خبيثٌ مالٌ محرمٌ، عواقبه سيئةٌ في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا محق البركة وعدم التوفيق للخير، وفي الآخرة الطرد والإبعاد عن رحمة الله، ولهذا جاءت الشريعة بتحريم الرشوة، والنهي عنه وترتيب الوعيد الشديد عليه، وحقيقة الرشوة دفع مال لإبطال حق أو إحقاق باطل، فتلك الرشوة الملعون آخذها ودافعها.
فالنبي ﷺ يحذر رجال الأعمال، أهل الوظائف والمناصب من استغلال مناصبهم، وما تحت أيديهم ليحذرهم من الرشوة، ويخبرهم أنها بلاء، وأنها خزي في الدنيا والآخرة، وكتاب الله جلَّ وعلا وسنة رسوله ﷺ واضحة في تحريم الرشوة؛ لما فيها من ضرر على الفرد والمجتمع وبلاءٌ عظيم.
فجاء التشنيع على أخذ الرشوة، وبيان العقوبة التي تؤول هذا المرتشي والرائش، وقد أخبر الله تعالى أن الرشوة من أخلاق اليهود وأعمالهم السيئة ]سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ[ فالمرتشي حينما يأخذ الرشوة يأخذها وهو خائنٌ كاذبٌ في أعماله.
وقال جلَّ وعلا ]وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَوْلا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمْ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ[ وقال ﷺ: (لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي والرائش) والرائش وهو الوسط بين الراشي والمرتشي، فلعنه ﷺ لكونه شريكًا في الإثم والعدوان والله يقول ]وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ[.
أيها المسلمون .. الرشوة بلاء عظيم، ومرض فتاك في المجتمع، متى انتشر في المجتمع ضعف الأداء وقل الإنتاج، فواجب على المسلمين في أنفسهم وأن يتعاونوا فيما بينهم، ويتناصحوا فيما بينهم، وأن يؤدي كلُّ فردٍ مسئوليته دون أن ينظر إلى المكسب الخبيث، فإن كان في الدنيا طيبًا، لكن عواقبه لعنة الله وسخطه وغضبه.
فمن تأمل الرشوة حق التأمل رأى أن لها آثارًا سيئة لا من حيث الدين فقط، بل من حيث المجتمع، ومن حيث الاقتصاد، ومن ناحية الأمنية، ومن حيث صلاح الإدارة إلى غير ذلك، فلها مفاسدها وأضرارها.
فإن هذه الرشوة حرام لأنها أخذ مال بغير حق ظلمًا وعدوانًا، مال أخذ وإن طابت به مال صاحبه، لكنه ما دفعه إلا رجاء لتحقيق أمره وحقه الذي يستحقه. فالدافع للرشوة ملعون والآخذ من الرشوة ملعون، والمتوسط بينهما شريك في الإثم والعدوان، هي مكسب خبيث محرم، لأنه يؤدي إلى ضعف الأمانة وعدم أداء الواجب.
إن المبتلى بالرشوة يضعف إنتاجه وأداؤه، إنه قدوة سيئة في نفسه ولمن اختلط به فيجره إلى العدوان، ويعينهم على أكل الحرام، إنها تضعف بنية اقتصادية الأمة، أعمال لا تؤدى إلا برشوة .. تتعطل التنمية، ويضعف الإنتاج، ويقل الإشراف ويدب الضعف إلى مشاريع الأمة في طرقها وجسورها ومستشفياتها، ومعالمها ومدارسها، وجميع بنيتها تصاب بالشلل والضعف.
إن هذه الرشوة دليل على ضعف الإيمان، فضعف الإيمان يؤدي إلى أن يضحي بكل مصالح الأمة في سبيل مادة يأخذها. ففيه من الأنانية والطمع والجشع وعدم القناعة بما قسم الله له.
فلنتقِ الله في أنفسنا، ولنتقِ الله في مكاسبنا، ولنراقب الله في أقوالنا وأعمالنا، ولنعلم أن هذا المال إذا أُخذ بغير حق فإنها سحتٌ وبلاءٌ ومحقٌ في الدنيا والآخرة.
أسأل الله أن يطهر قلوبنا بالإيمان، وأموالنا بالحلال، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، واغننا بفضلك عمن سواك.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين ...
معاشر المؤمنين .. اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى، واعلموا أن الأمة تُصاب أحيانًا بمصائب عندما تمتد بعض أيدي أبنائها إلى المال العام وإلى المال الخاص بغير حق تحت أي ذريعة كانت كالرشوة مثلاً، فإن الرشوة بلاءٌ عظيم يستباح فيها محارم الله وتؤخذ به الأموال ظلمًا وعدوانا، تعطل الحقوق فلا تُرفع مظلمة المظلوم إلا بالرشوة، فلنتقِ الله في أنفسنا ولنبرأ إلى الله من هذا الخلق السيئ ولتناصح فيما بيننا ونحذر من علمنا أنه تساهل في هذا الأمر لننقذه من عذاب الله، ونخلصه من عذاب الله.
أيها المسلم .. تأكد من هذا المال التي تكسبه فإن المال الحرام لا خير فيه، يمنع صاحبه من الخير كله تحل به المصائب، وتحيط به الكربات، وتنزل به الأمراض والأوجاع، فدعاؤه لا يستجاب، وبلاؤه لا يزال، فهو شقي بهذا يعذب يوم القيامة، ويصلى نارًا تلظى لما كسب يداه من هذا المكسب الخبيث. فلنتق الله في أنفسنا، ولنهتم بمصالح الأمة.
أيها المسلم .. إن عقد الوظيفة لك يلزمك الصدق والأداء بالعمل في الوقت والأداء، فاتق الله في نفسك، وإياك أن تأخذ ما لا تستحق فـ (قد أفلح من أسلم، ورُزق كفافًا، وقنّعه الله بما آتاه) فلنتق الله في مكاسبنا. ولنتعاون على البر والتقوى فيما بيننا، طهّر الله مكاسبنا من كل خبيث؛ إنه على كل شيء قدير.
صلى الله على نبينا محمد ...