خُطورة الرِّشْوَةُ - أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ

محمد البدر
1444/10/28 - 2023/05/18 02:42AM

الْخُطْبَةُ الأُولَى:

 إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿ وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(62)لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾.وَقَالَﷺ«لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِﷺالرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي»رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.وَقَالَﷺ:«إِنَّ ‌رِجَالًا ‌يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.وَأَنَّ رَسُولَ اللهِﷺاسْتَعْمَلَ عَامِلاً، فَجَاءَهُ الْعَامِلُ حِينَ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ فَقَالَ:«يَا رَسُولَ اللهِ هذَا لَكُمْ، وَهذَا أُهْدِيَ لِي فَقَالَ لَهُ:أَفَلاَ قَعَدْتَ فِي بَيْتِ أَبيكَ وَأُمِّكَ فَنَظَرْتَ أَيُهْدَى لَكَ أَمْ لاَ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِﷺعَشِيَّةً، بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَتَشَهَّدَ وَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ:أَمَّا بَعْدُ، فَمَا بَالُ الْعَامِلِ نَسْتَعْمِلُهُ فَيَأْتِينَا فَيَقُولُ هذَا مِنْ عَمَلِكمْ، وَهذَا أُهْدِيَ لِي، أَفَلاَ قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَنَظَرَ هَلْ يُهْدَى لَهُ أَمْ لاَ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَغُلُّ أَحَدُكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلاَّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا جَاءَ بِهِ لَهُ رُغَاءٌ، وَإِنْ كَانَتْ بَقَرَةً جَاءَ بِهَا لَهَا خوَارٌ، وَإِنْ كَانَتْ شَاةً جَاءَ بِهَا تَيْعَرُ، فَقَدْ بَلَّغْتُ»مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.فقد حَرَّم الإسلامُ الرِّشوةَ، وهي كُلُّ عَطِيَّةٍ أو هَدِيَّةٍ أو مالٍ يُدفعُ لِيُشْتَرى به ذِمَّةُ مَنْ له قُدْرَةٌ أو وَجَاهَةٌ أو منصبٌ، لِيُعينَ على عَمَلِ ما لا يَحِلّ، أو على تحقيقِ منفعةٍ لم يكُن لِيَبْلُغَها قَبْلَ غيرِه بالعدلِ لولا هذا المالُ والعَطِيَّة،وهذه الرشوةُ ولو كانت نزراً يسيراً، فإنها من كبائر الذنوبِ،وهي مِنْ أَكْلِ أَمْوالِ الناسِ بالباطل قَالَﷺ:«كُلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ»صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.وجاء اللعنُ والوعيد في السنة النبوية لأركانها الثلاثة؛الراشي والمرتشي والوسيط،وفي القرآنِ قَالَ تَعَالَى:﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾.قال العلماءُ:والسُّحتُ هِيَ الرِّشْوَةُ.

عِبَادَ اللَّهِ:إن شيوع الرِّشْوَةُ في أي مجتمع شيوع للفساد والظلم؛ لأنها تتسبب في منع صاحب الحق من حقه ودفعه إلى غير مستحقه، تسبب في الظلم والعدوان، تقدم من يستحق التأخير، وتؤخر من يستحق التقديم، فما خالطت الرشوة عملاً إلا أفسدته، ولا نظاماً إلا قلبته، ولا قلباً إلا أظلمته، وما فشت الرِّشْوَةُ في أمة إلا وحل فيها الغش محل النصح، والخيانة محل الأمانة، والخوف محل الأمن، والظلم محل العدل، الرشوة مهدرة للحقوق، معطلة للمصالح، مجرئة للظلمة والمفسدين، الرِّشْوَةُ تقدم السفيه الخامل، وتبعد المجد العامل، تجعل الحق باطلاً والباطل حقاً، كم ضيعت الرِّشْوَةُ من حقوق، وأهدرت من كرامة،ورفعت من لئيم،وأهانت من كريم،كم من تقي أهين وضاع حقه عند موظف لئيم لم يدفع له رشوة،وكم من فاسق قدم على غيره وأعطي مطلبه وإن كان باطلاً؛ لأنه دفع الرِّشْوَةُ.

عِبَادَ اللَّهِ:بعض الناس يتعاطى الرِّشْوَةُ ويسميها:إما بدل أتعاب، أو مكافأة، أو إكرامية، أو غير ذلك، فهذه التسميات لا تغير من الحكم شيئاً، ولكنَّ الرِّشوة رِشوة، وإن زُخرِفَت مناظِرها، وتلوَّنَت مظاهِرها، واختلفَت أسماؤُها، وتعدَّدت مُسمَّياتها،وقد وضع النبيﷺلنا قاعدة عظيمة في هذا الباب، وهي قوله:«أَفَلاَ قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَنَظَرَ هَلْ يُهْدَى لَهُ أَمْ لاَ»فإذا أهدي لك هدية أو إكرامية أو بقشيش ،أو أتعاب أو ما يوري به البعض حق الشاهي وغيره ،فطبق عليها هذه القاعدة، وقل لنفسك لو أني كنت في بيتي أو بيت أبي وأمي ولست في هذا المنصب أو لست موظفاً في هذه الدائرة هل سأعطى مثل ذلك فإذا كان الجواب بالنفي و إنما أهدي لك لأجل موقعك الوظيفي أو منصبك ، فاعلم أن ذلك داخلاً في الرشوة وهي محرمة فاحذرها وارفضها.

عِبَادَ اللَّهِ:الرِّشوةُ خيانةٌ للأمة، وبلاءٌ على المُجتمع، وهي فخُّ الشهامة، وشِباكُ المُروءة، وشِراكُ الأمانة وقلَّة الديانَة، تُصيبُ مصالِحَ الأمة بالإرباك والفشَل، ومشروعاتِها بالعِثار والشَّلَل، وجهودَ المُخلِصين بالفُتُور والخَوَر، وأعمالَهم بالجُحود والضَّرر قَالَ تَعَالَى:﴿فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾.قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَم ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ:فَإِذَا ارْتَشَى وَتَبَرْطَلَ عَلَى تَعْطِيلِ حَدٍّ ضَعُفَتْ نَفْسُهُ أَنْ يُقِيمَ حَدًّا آخَرَ، وَصَارَ مِنْ جِنْسِ الْيَهُودِ الْمَلْعُونِينَ، وَأَصْلُ الْبِرْطِيلِ هُوَ الْحَجَرُ الْمُسْتَطِيلُ، سُمِّيَتْ بِهِ الرِّشْوَةُ، لِأَنَّهَا تَلْقُمُ الْمُرْتَشِيَ عَنْ التَّكَلُّمِ بِالْحَقِّ كَمَا يُلْقِمُهُ الْحَجَرُ الطَّوِيلُ، كَمَا قَدْ جَاءَ فِي الْأَثَرِ:إذَا دَخَلَتْ الرِّشْوَةُ مِنْ الْبَابِ، خَرَجَتْ الْأَمَانَةُ من الكوة..إلخ  

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا...


الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

عِبَادَ اللَّهِ:شَرِيعةٌ أُحكِمَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيْمٍ خَبِير، هي للتمكينِ أَقوى سَنَدٌ، وهي للصدارةِ أَمتَنُ عِماد، لها أَنظمَةٌ للعدالةِ كافية، وللنزاهةِ وافِيَة ،أثْبَتَتِ الحقوقَ، فَحفظَت الأَنفسَ، وصانَتِ الأعراضَ، وعَصَمَتِ الدماءَ، وحمَتْ الأَموالَ؛ فلا بغيَ ولا بخسَ، ولا هَضمَ ولا عدوان قَالَﷺ«إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا...»مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.فاحمدوا الله على ذلك وكونوا عوناً في القضاء على هذه الآفَةٌ  الخطيرة آفَةٌ  الرِّشْوَةُ بالتبليغ عنهم الجهات المختصة لإجتثاثها من جذورها وتجفيف منابعها.

عِبَادَ اللهِ:إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد.وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن صحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. واحفظ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليّ أمرنا، اللّهمّ وهيّئ له البِطانة الصالحة التي تدلُّه على الخير وتعينُه عليه، واصرِف عنه بطانةَ السوء يا ربَّ العالمين، واللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.

عِبَادَ اللَّهِ:اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.

المرفقات

1684366870_خُطورة الرِّشْوَةُ - أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ.pdf

المشاهدات 1190 | التعليقات 2

لله درك 


جزاك الله خيرا