خطورة التحاكم للأعراف والتقاليد القبلية
سليمان بن إبراهيم الفعيم
بسم الله، والحمد لله.. وبعد: فقد وليت القضاء في إحدى نواحي بلادنا المباركة التي يسكنها قبائل مازالت إلى اليوم تتحاكم بالأعراف القبلية في الدماء باسم الصلح، وقد كتبت خطبة في التحذير من تلك الأعراف وبيان خطورتها، وأحببت نشرها في هذا الصرح العلمي والدعوي المبارك لتعميم الفائدة، والمساهمة في إنكار هذه الأعراف القبيحة وتلك العادات الذميمة .. وأسأل الله لي ولكم سداد القول والعمل .
خطورة التحاكم للأعراف والتقاليد القبلية
الحمد لله الذي أكمل لنا الملة، وأتم علينا النعمة، وجعل أمتنا خير أمة، أحمده على نعمه الجمة، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، شهادة تكون لمن اعتصم بها خير عصمة، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله للعالمين رحمة، وفرض عليه بيان ما أنزل إلينا، فأوضح لنا كل الأمور المهمة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد :
فيا عباد الله:
اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي وصية الله لكم ولمن كان قبلكم:)وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ( .
عباد الله:
على هذه الأرض، وبين هذه الجبال، عشت أياماً جميلة مباركة، مرت سراعاً كحال الدنيا، كأنها حُلمُ نائم، وكلما مر بي ذكرها، أو سمعت خبرها، جالت الذكريات في الأحباب الذين ودعناهم، وسرحت الخواطر في المنازل التي فارقناها ، واشتاقت النفس إلى زيارتهم، وود الخاطر المرور عليهم .
أيها الأخوة الفضلاء:
أني والله أعد هذه الديار دياري، واعتبر أهلها أهلي، وهؤلاء القوم قومي، لقد وجدت فيهم الحرص على أداء الصلاة جماعة في المساجد، من الصغير قبل الكبير، والصلاةُ هي عمود الدين، وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة .
سرني احتشام المرأة في هذه البلاد، وتمسكها بحيائها، ومحافظتها على حجابها، افتقدته المرأة في المدن والحواظر الكبيرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعدي فتنة أشدَ على الرجال من النساء"، أخرجه البخاري ومسلم.
عرفت في أهلها الكرم وإقراء الضيف، ولا أقصد المباهاة والتفاخر وحتى يتحدث الناس، وإنما كرم العرب بالاحتفاء بالغريب وابن السبيل، وإكرام الوضيع قبل الرفيع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه"، أخرجه البخاري ومسلم .
ما أجمل خلق النجدة والفزعة الذي رأيته في هذه البلاد، ولا أقصد النجدة بالإثم، أو الفزعة بالباطل، بل أقصد مساعدة المحتاج، وإغاثة الملهوف، وبذل النفس للآخرين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير الناس أنفعهم للناس"، أخرجه الطبراني وصححه الألباني .
لقد لَـمِست من أهل هذه البلاد الوفاء وحِفظَ الجميل، فمهما طالت الأيام، وتوالت الأزمان، لم ينقطع وصلهم، فهذا يهني بالأفراح والمناسبات، وذاك يعزي في المصائب والنكبات .. فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته أهل هذه البلدة الطيبة .
عباد الله:
لا يخلو مجتمع من أخطاء، ولا يسلم بشر من تقصير، والمحب الناصح، هو من يحذر من الخطأ، وينصح عن الزلل، فالدين النصيحة .
إخواني .. لقد أنزل الله شريعته وجعلها صالحة لكل زمان ومكان، وجعلها الشريعة الخاتمة، التي نسخ بها جميع الشرائع، فهي شريعة ربانية معصومة لا يأتيها الباطل ولا النقص ولا القصور لأن مشرعها رب الخلق وهو أعلم بما يصلحهم فهو العليم الحكيم، وأوجب الله عز وجل الحكم بها والتحاكُمَ إليها إلى أن يَرِثَ الله الأرض ومَن عليها، قال الله تعالى:{ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}[يوسف:40] .
عباد الله:
إن مما يخالف شريعة الله التحاكم إلى العادات والأعراف القبلية المتوارثة عن الآباء والأجداد في الدماء باسم الصلح .. وهي ليست صلحاً بل أحكام جاهلية مخالفة للإسلام، لأمور منها:
أن مصدر هذه الأحكام القبلية هي الأعراف المتوارثة من سلوم الآباء وعوائد الأجداد، فلم تأخذ من شريعة الإسلام، وهذا يخالف أصل من أصول الإسلام وهو وجوب الحكم بشريعة الله، والتحاكُمَ إليها، قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ۚ}[الشورى:10].
ومن أوجه مخالفة هذه الأعراف للإسلام أن العرّاف أو من يسمون بـ(مقاطع الحق)، وهم من يحكم بالأعراف القبلية بين الناس باسم الصلح، ليسوا من العلماء ولم يدرسوا أحكام الشريعة الإسلامية، بل هم من عامة الناس يجهلون كثيراً من الأحكام الشرعية، ويحتاجون إلى من يعلمهم ويفقههم في أمور دينهم، وإنما قبلت أحكامهم لمعرفتهم بالأعراف القبلية، وحقيقة عملهم أنهم يقضون بين الناس بغير شريعة الله وهم على خطر عظيم .. فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " القضاة ثلاثة - وذكر منهم-: رجل قضى للناس على جهل فهو في النار" أخرجه الأربعة، قال أبوداود: (هذا أصح شيء فيه) ، وصححه الحاكم، والألباني .
كما أن من يحكم بين الناس بغير شريعة الله داخل في حكم الطاغوت، قال الإمام ابن القيم –رحمه الله-: (أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ مَنْ تَحَاكَمَ أَوْ حَاكَمَ إلَى غَيْرِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ فَقَدْ حَكَّمَ الطَّاغُوتَ وَتَحَاكَمَ إلَيْهِ) .
ومن أوجه مخالفة هذه الأعراف للإسلام أن فيها قبولاً بالثأر، وعملاً بالمثارات الجاهلية بأنواعها كمثار الدم ومثار الجيرة والمثار الأسود وغيرها .. والثأر غدرٌ وخيانة واعتداء على الغافلين، وقد جاء الإسلام بتحريم الثأر والاقتصاص من غير الجاني، قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَعْتَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ مَنْ قَتَلَ فِي حَرَمِ اللَّهِ ، أَوْ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ " أخرجه أحمد وابن حبان، وحسنه الألباني .
ثم إن الفطرة السليمة والعقل الصحيح يرفض عادة الثأر، فكيف يثأر المجني عليه أو قرابته ممن لم يعتدي عليهم أو على قريبهم؟!، وقد يكون هذا المثأور منه لم يعلم بالجناية فضلاً أن يرضى بها؟!..
ثم لماذا اللجوء إلى الثأر والدولة قوية تقتص للضعيف من القوي، وتأخذ الحق من المبطل؟!.
ومن أوجه مخالفتها للإسلام أن فيها إحياءً لعادة جاهلية أبطلها الإسلام وهي ما يسمى بـ(الجيرة) .. فقد كان أهل الجاهلية يستبيحون دماء الناس وأموالهم إلا من استجار بهم أو تحالف معهم.. وهكذا الأعراف القبلية تستبيح دماء أهل الجاني وقرابته إلا من استجار .. فجاء الإسلام وأجار الناس كلهم وحرم دماءهم وأموالهم وأعراضهم إلا بحقها .. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "فإنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرامٌ كحُرْمَةِ يومِكم هذا، في بَلَدِكم هذا، في شَهْرِكم هذا، أَلَا لا يَجْنِي جانٍ إلا على نفسِه، ولا يَجْنِي والِدٌ على وَلَدِهِ، ولا وَلَدٌ على والِدِهِ، أَلَا إنَّ المسلمَ أَخُو المسلمِ، فليس يَحِلُّ لمسلمٍ من أَخِيهِ شيءٌ إلا ما أَحَلَّ من نَفْسِهِ، أَلَا وإنَّ كلَّ رِبًا في الجاهِلِيَّةِ موضوعٌ، لكم رؤوسُ أموالِكم لا تَظْلِمُونَ ولا تُظْلَمُونَ غَيْرَ رِبَا العباسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ فإنه موضوعٌ كُلُّهُ، أَلَا وإنَّ كلَّ دَمٍ كان في الجاهِلِيَّةِ موضوعٌ، وأَوَّلُ دمٍ أَضَعُ من دَمِ الجاهِلِيَّةِ دمُ الحارِثِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، كان مُسْتَرْضِعًا في بَنِي لَيْثٍ فقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ" أخرجه الترمذي وأصله في الصحيحين.
ومن جنى فعليه جنايته ويأخذ الحق منه، ولا يتحمل أهله وقرابته سوء فعله .
ثم إن حقيقة الجيرة القبلية أنها حماية للجناة والمجرمين ومساعدة لهم، وهذا أمر منكر وكبيرة من كبائر الذنوب، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لعن الله من آوى محدثاً" أخرجه مسلم .
والمتأمل في هذه الأعراف يجدها انتكاسة في الفطر واتباع للجاهلية، فقد أباحوا دم المعصوم قريب الجاني بجواز الثأر منه ، وعصموا دم من أباح الله الاقتصاص منه وهو (الجاني) عبر الجيرة .
ومن أوجه مخالفتها للإسلام أنه يصحب ما يعرف بـ(الملافي) طقوس وممارسات مهينة لأهل الجاني وذويه من الوقوف بالشمس والزحف على الأرض والربط بالحبال بل وصل الحال ببعضهم إلى الخرور على وجهه ساجداً والعياذ بالله .. وكل هذه أمور منكرة ومحرمة وهي من الخضوع والتذلل لغير الله .
ومن أوجه مخالفتها للإسلام أن فيها تشريعاً وإلزاماً للناس بأيمان مبتدعة لم يشرعه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم كدين الخمسة أو دين العشرة أو غيرها، وقد يخطون دوائر في الأرض يدخل فيها من سيحلف .. وكل هذا من الابتداع في دين الله وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" متفق عليه .
كذلك من أوجه مخالفتها أن فيها إلزاماً وتحميلاً لعصبة الجاني وقبيلته لدية قتل العمد وبأموال طائلة ويكلف بها أفراد القبيلة قاطبة .. الغني والفقير، والقريب والبعيد، والكبير والصغير، والإسلام أوجب الدية على العاقلة في قتل الخطأ وقتل شبه العمد فقط، وجعلها قدر معتدل لا مبالغة فيه .. أما قتل العمد فقد جعل الإسلام ديته على القاتل يتحملها لوحده، قال الفقيه ابن قدامة-رحمه الله-: (أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْعَمْدِ تَجِبُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، لَا تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ) .
عباد الله:
إن التحاكم للعادات والأعراف القبلية مخل بجناب التوحيد الذي هو أعظم المقاصد وأجل الغايات، وهو الأصل الذي بنيت عليه الملة الحنيفية، ومن أجله خلق الله الخلق، وأرسل الرسل -عليهم السلام-، وأنزل الكتب .. والَمُتحاكمُ لهذه الأعراف لا يخلو من حالين:
الحالة الأولى: أن يتحاكم للأعراف القبلية ويعتقد أنها هي ما يجب العمل به في قضايا الدماء، ويعظمها ويرى أن فيها الخير له ولقبيلته، وأنها أفضل من شريعة الله أو مثلها .. فهذا كافر كفر أكبر مخرج من الملة .
الحالة الثانية: أن يتحاكم لهذه الأعراف لكنه يعتقد أن حكم الله ورسوله هو الحق، وهو ما يجب التحاكم إليه، وأنه أفضل من هذه الأعراف، وإنما تحاكم إلى هذه الأعراف القبلية لهوىً في نفسه، أو بسبب ضغط بيئته، ومجاملة جماعته وقبيلته، فهذا قد ارتكب معصية عظمى، وكبيرة من كبائر الذنوب.
يقول شيخ الإسلام: ( ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافر. فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلا من غير اتباع لما أنزل الله فهو كفر. فإنه ما من أمة إلا وهي تأمر بالحكم بالعدل. وقد يكون العدل في دينها ما يراه أكابرهم: بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله كسوالف البادية، وكأوامر المطاعين فيهم، ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة وهذا هو الكفر؛ فإن كثيرا من الناس أسلموا، ولكن لا يحكمون إلا بالعادات الجارية التي يأمر بها المطاعون، فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز لهم الحكم إلا بما أنزل الله فلم يلتزموا ذلك، بل استَحَلُّوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار) انتهى كلامه رحمه الله .
عباد الله: .. ينبغي التنبه إلى أن أهل السنة والجماعة يفرقون في مسألة التكفير بين قول الكفر، وبين قائله، فهم لا يكفرّون المعين إلا بعد تحقق شروط التكفير وانتفاء موانعه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: (وحقيقة الأمر في ذلك أن القول قد يكون كفراً، فيطلق القول بتكفير صاحبه، ويقال: من قال كذا فهو كافر، لكن الشخص المعين الذي قاله لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها) .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
عباد الله:
إن التحاكم إلى العادات والتقاليد يورث مفاسد وأضرار على الفرد والجماعة فمن ذلك:
تنامي روح العصبية القبلية فتجد المرء يقف مع ابن عمه في الحق والباطل، وفي كل الأحوال حتى لو كان ابن عمه ظلماً ومجرماً، ومن عجائب التعصب المذموم أن أحد المتعصبين أخذ ابنته وأولادها من زوجها لأن هناك خلافاً بين ابن عمه وابن عم الزوج في قضية تافهة ليظهر لابن عمه ولاءه له ووقوفه معه!! .. فهل يقدم الرجل العاقل على هدم بيت ابنته من أجل خلافاً لا ناقة لها ولا لزوجها به؟! .
ومن مفاسد التحاكم للعادات أنها تصنع الكبر وتولد التفاخر، فهي تغذي تعظيم النفوس عند أهلها وأنه لابد من رد اعتبار القبيلة وحفظ وجهها، فيكثر الحديث في المجامع والمجالس وعند الشعراء، التفاخر بغلبة آل فلان وتركيع آل علان والتباهي بالقوة وأخذ الثأر .
ومن أضرار هذه الأعراف أنها تزرع الفرقة، وتؤدي إلى الشقاق والنزاع بسبب الثأر والكبر والأحكام القبلية التي تحكم بالمفارقة بين المتخاصمين وعدم المساكنة والمآكلة.
ومن مفاسد التحاكم للأعراف القبلية أنها تشيع الخوف، وتنشر القلق، لأن هذه العادات تجيز الثأر من أقارب الجاني، حتى لو لم يعلموا بالجناية، فهم ضحية للثأر في أي وقت، وقد وصل الحال ببعضهم أن ينام وهو ممسك بسلاحه، فينام في قلق، ويصحو في قلق، ويخرج من بيته وهو في قلق، ويأكل وهو في قلق، وتصبح حياته كلها في قلق .
ومن مفاسد هذه العادات أنها جرأت ضعفاء العقول، وسفهاء الأحلام على الاستهانة بالدماء، والاعتداء على الأرواح، فهو يعلم أن هذه الأعراف ستحول بينه وبين أن يستوفى منه الحق، فيهون أمر القتل عليه، ولو أدرك أنه سيقتل إذا قتل لم يقدم على القتل، لهذا كثر القتل في المناطق التي تتحاكم للأعراف القبيلة حسب الاحصاءات الرسمية الصادرة من الجهات المختصة، وهذا نقيض ما يظنه البعض من أن هذه العادات تحميهم من القتل .. وهو مصداق لقول الله عز وجل:{ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:179] فالله عز وجل جعل الحياة في إقامة القصاص وهو قتل القاتل، ولم يجعل بذل الأموال الطائلة حياة، أو في السعي بالعفو حياة، بل الحياة في القصاص، وذلك أن المجرم إذا علم أنه سيقتل، انكف عن القتل، فيكون فيه بقاءه وبقاء من هم بقتله .
عباد الله:
لقد منع ولاة أمرنا التحاكم للعادات والأعراف القبلية، فقد جاء في تعميم خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز في عام ألف وأربعمائة وعشرون ما نصه: (نظراً لما تضمنته تلك المظاهر من تحكيم لعادات جاهلية وتقديمها على القضاء الشرعي وما يتخللها من بذل الأيمان أمام من يتحاكمون إليهم زاعمين أن ذلك من باب السعي بالصلح وهو خلاف الواقع لأن الصلح أساسه التراضي بين الأطراف دون أن يصاحب ذلك الصلح مخالفات شرعية من التحاكم إلى رؤسائهم والإذعان لما يحكمون به من بذل الأيمان التي محل بذلها القضاء الشرعي في المحاكم .. لذا يعتمد ما يلي:
أولاً: منع هذه العادات منعاً باتاً والحزم في ذلك وعدم التساهل والرفع لنا عمن يثبت لجوؤه إلى التحاكم إلى هذه العادات والأعراف القبلية .
ثانياً: إحالة أطراف القضايا التي فيها تحكيم هذه العادات والأعراف الجاهلية إلى المحكمة للنظر فيها شرعاً بالحقين الخاص والعام لتقرر المحكمة ما يجب حيال القضية وحيال ما قام به الأطراف من التحاكم إلى تلك العادات الجاهلية) .
عباد الله:
اتقوا الله، وتوبوا إليه من هذه الأعمال المنكرة، فإن خطرها على عقيدتكم ودينكم عظيم، والمسلم في هذه الدنيا خلقه الله لعبادته والقيام بدينه، قال الله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات:56]، والعبادة تقتضي الإنقياد التام لله تعالى، أمراً ونهياً واعتقاداً وقولاً وعملاً، وأن تكون حياة المرء قائمة على شريعة الله، يحل ما أحل الله، ويحرم ما حرم الله، ويخضع في سلوكه وأعماله وتصرفاته كلها لشرع الله، متجرداً من حظوظ نفسه ونوازع هواه، ولا يكون عابداً لله من خضع لربه في بعض جوانب حياته، وخضع للمخلوقين في جوانب أخرى.
عباد الله .. صلوا وسلموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى أله وأصحابه، والتابعين ومن تبعهم، بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم اهدنا إلى اتباع شرعك، وتحكيم كتابك، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه .
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، وارزقهم البطانة الصالحة .
اللهم أبرم لهذه الأمة أمراً رشيداً، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، إنك سميع الدعاء.
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون .
فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .