خطورة أذية المسلمين

خطورة أذية المسلمين
الخطبة الأولى
أما بعد: فاتقوا الله تعالى ؛ واحذروا سخطه ، فإنكم بين يدي الله موقوفون ، وبأعمالكم مجزيون ، وعلى تفريطكم في حقوق الله وحقوق عباده نادمون ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون
عباد الله ، يختصم الناس بين يدي الله تبارك وتعالى
فيُطالب صاحب الحق بحقه ، ويشتكي إلى الله المتعدى عليه من المعتدي ، فيكون الحكم بين يدي الحكم العدل الذي ينصف صاحب الحق فيعطيه حقه وافيا ، فتؤخذ المظالم من الظالمين فترد إلى أهلها ؛ في يوم لا يملك أحد مالا فضلا عن أن يفتدي به ، وإنما الحسنات ، فالقضاء يوم القيامة في هذه المظالم إنما يكون بما جمعه المعتدي من حسنات ؛ فيؤخذ منها بقدر ما ظلم ، وإن لم يكن له حسنات أو فنيت أخذ من سيئاتِ صاحبه المظلوم فتحمل عليه ، ثم يطرح في النار ذلك القضاء في يوم عظيم مهول ؛ يومئذ يود المجرم فيه الفداء من عذاب الله ، لأنه ضيع فرصة الفداء في حياته الدنيا { يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُنوِيهِ * وَمَن فِي الْأَرْضِ جميعاً ثُمَّ يُنجيه * كلا إنا لظى * نزاعةً للشوى * تدعوا من أدبر وتولى } [المعارج: 11-17]. وعلى هذا فإن المسلم العاقل يحرص على عدم الخطأ في حق إخوانه المسلمين ، لأنه يعلم حق المسلم على المسلم ؛ ولأجل أن يسلم من حقوق يُطالب بها يوم القيامة ، وبذلك تراه مجتهدا في تحقيق تدينه الله تعالى ؛ وذلك مع عبادته الله يمتثل تحقي إسلامه في معاملته للآخرين ، جاعلا نصب عينيه قول النبي : ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ) رواه الشيخان .
إخوة الإسلام ، إن الذي يؤذي المؤمنين على خطر من غضب الله وانتقامه وما توعد به الظالمين في الدنيا ويوم القيامة، قال تعالى : { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَنا وَإِثْماً مُّبِيناً } . وكذلك هو على خطرٍ مِنْ أن تصيبه دعوة مظلوم فيهلك ؛ قال النبي p : ( واتق دعوة المظلوم ؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) رواه الشيخان ..
ذلك - يا عباد الله - لعظم حرمة المسلم ؛ وحرمة دمه وماله وعرضه . في حجة الوداع وبعد أن قرر النبي الناس في يوم النحر على حرمة البلد والشهر واليوم قال : ( فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ؛ كحرمة يومكم هذا ؛ في شهركم هذا ؛ في بلدكم هذا ... ) رواه الشيخان . 4 أيها الإخوة ، إن إيذاء المؤمنين وظلمهم له صور كثيرة لا نستطيع حصرها ؛ وإنما تجمعها صفة الأذية والإساءة والمضايقة للغير والتعدي وبخس الحقوق ، وإنه يعظم الإيذاء ويتضاعف الإثم وتشتد العقوبة كلما اشتدت الأذية ؛ وكلما عظمت حرمة الشخص أو الزمان أو المكان أو المناسبة ولعلنا نقف مع بعض صور الأذية لنحذر منها ونحذر : ألا وإن أبرز هذه الصور وأعظمها أذية للمؤمنين : القتل ، وفي ذلك يقول الله تعالى : { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً } [النساء: 193. ويقول النبي : ( لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصب دماً حراما ) رواه البخاري .
ومن أعظم الأذية في حق المسلم : لعنه ورميه بالفسق أو الكفر بغير حق ، قال النبي : ( ولعن المؤمن كقتله ) رواه الشيخان ،
ويقول النبي : ( إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء ؛ فتغلق أبوابها دونها ، ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها ، ثم تأخذ يميناً وشمالاً ، فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن؛ فإن كان لذلك أهلاً وإلا رجعت إلى قائلها ( رواه أبو داود وحسنه الألباني ، ويقول النبي p : ) سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر ) رواه الشيخان ، ويقول النبي p : ( لا يرمي رجل رجلاً بالفسق والكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك ) رواه البخاري .
ومن صور الظلم والأذية : الاستطالة باللسان في أعراض الناس بالغيبة والبهتان والتهم الكاذبة والنميمة ؛ فكل هذه المظالم الأصل أنها لا تُكفر بالصلاة والصدقة والصوم ، لأنها متعلقة بحقوق الآخرين فلا بد من عفوهم ، ومما يدل على خطورة اللسان قول النبي : ( وهل يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم ) رواه الترمذي وصححه الألباني.
ومن تلكم الأذية المحرمة : أخذ أموال الناس بالباطل ، فهي من أعظم الظلم وأكبر موجبات الإثم ، يقول النبي : .... كل المسلم على المسلم حرام ؛ دمه وماله وعرضه ) رواه مسلم ، ويقول النبي : ( من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار ؛ وحَرَّم عليه الجنة ) ، فقال رجل : وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله ؟ فقال : ( وإن كان قضيباً من أراك ( رواه مسلم .
ويقول النبي : ( إنكم تختصمون : ( إنكم تختصمون . ولعل بعضكم ألحن بحجته - يعني أفصح في البيان . من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه شيئا بقوله فإنما أقطع له قطعة من النار ؛ فلا يأخذها ) رواه البخاري .
وبهذا يُعلمُ أَنَّ مَن أخذ من الناس شيئا بغير حق فهو ظالم ؛ سواء أخذه بطريق القوة والقهر ؛ أو عن طريق الخديعة والحيلة ؛ أو عن طريق الرشوة ؛ أو بواسطة اليمين الفاجرة ؛ أو بحكم القاضي إذا أخطأ في اجتهاده مع علم المدعي ببطلان دعواه ، فكل ذلك ظلم يكون الظالم به عرضةً للعقوبة في الدنيا والآخرة .
عباد الله ، إن الرجل إذا ملك مالا كثيرا حتى أصبح يُشار إليه أنه من الأثرياء ؛ ثم صارت عليه ديون أكثر مما يملك ؛ فإنه يفقد هذا الثراء والغنى ؛ فيقال : أفلس فلان ؛ فقد ذهبت الديون بما جمع ، وإن أعظم من هذا الإفلاس ما يكون يوم القيامة ، يقول النبي : ( أتدرون ما المفلس؟) قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ، فقال : ( إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ؛ ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار ) رواه مسلم . نسأل الله العافية والسلامة .
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة رسوله ...‏
الخطبة الثانية
يتأكد التحذير من أذية المؤمنين في أشخاص لهم حق أعظم ، كالجيران ، فيجب احترام جوارهم ، فلهم فوق حق الإسلام حق الجوار ؛ يقول النبي صلىاللهعليهوسلم: ( لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه ) رواه مسلم .
وكذلك يتأكد التحذير من أذية ذوي الرحم والأقارب فحقهم عظيم ، فيجب الحرص على احترام قرابتهم ، كما يجب الحرص على البعد عن كل ما يؤذيهم ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الرحم معلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله ؛ ومن قطعني قطعه الله ) رواه مسلم .
وكذلك يتأكد هذا التحذير من أذية المؤمنين وهضمهم حقوقهم مع المستضعفين ؛ كاليتامى والأرامل والنساء والخدم والعمال ، إذ إن ظلمهم مع ضعفهم يزداد جرما ويُذكرُ مَن كان تحت يده من هؤلاء ؛ فنقول له : إذا مكنت قدرتك من ظلم أحد فتذكر قدرة الله عليك .
و كذلك يتأكد هذا التحذير من أذية المؤمنين في حق أهل الاستقامة والصلاح والعلم والدعوة ؛ قال النبي :‏( إن الله قال : ( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ) رواه البخاري .
فاتقوا الله - عباد الله - واحذروا إيذاء المؤمنين ، بل قوموا بما يجب عليكم تجاههم ؛ ولاية ومحبة وإحسانا
اللهم ألف بين قلوبنا ، وأصلح ذات بيننا ، واهدنا سبل السلام ، وجنبنا الفواحش والآثام
اللهم طهر قلوبنا تجاه أقاربنا وجيراننا وإخواننا المسلمين اللهم ارزقنا المحبة والألفة والتعاون على البر والتقوى ...
اللهم اجعلنا ممن يهدون بالحق ؛ وبه يعدلون اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت.
اللهم ارزقنا الكلمة الطيبة والخلق الجميل والتعامل الحسن.
اللهم أعذنا من إيذاء إخواننا نعوذ بك من كلمة لا نلقي لها بالا تهوي بنا في النار نعوذ بك من كلمة تحزن
مؤمنا، أو تضيق صدرا واجعل اللهم كلماتنا طيبة هيئة لينة سهلة برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم وفق ولي أمرنا وولي عهده لكل خير أعنهم وقوهم وسددهم واكفنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 
المرفقات

1722551908_خطورة أذية المسلمين .pdf

المشاهدات 921 | التعليقات 0