خطوات المكر.

عاصم بن محمد الغامدي
1438/01/06 - 2016/10/07 04:06AM
[align=justify]خطوات المكر.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أوضح سبيل الهدى ودل عليه، وبينه وأرشد إليه، وأقام الحجة على العالمين، وبين المحجة للناس أجمعين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، بالهدى ودين الحق أرسله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، فالمؤمن يتقلب في هذه الدنيا بين الخوف والرجاء، يرهب العاقبة، ويخشى المعاقبة، يقوده يقين الأجل إلى إحسان العمل، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون}.
عباد الله:
أشد الخلق عداوة لنا، الشيطان الرجيم، وقد حذرنا منه ربنا في كتابه الكريم أكثر من سبعين مرة، ناهيك عن تحذير النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا كله يدل على خطر الغفلة عنه، فكيف بالركون إليه؟
فما هو الشيطان؟ ما هي طبيعته؟
أهو حقيقي أم معنوي، أم هو الوساوس والأفكار السيئة كما يظن البعض؟
تلك قضية أساسية في العقيدة، فما هي عقيدة أهل السنة والجماعة؟
يكفينا أن نعلم أنه من الجن، قال تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه}، وأن له ذرية، قال تعالى: {أفتتخذونه وذريته أولياء}.
وأنه عدو الله، الذي استكبر على أمره جل جلاله وعصاه، {قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي* قال أنا خير منه}.
وأنه عدو لنا: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوًا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير}.
وأنه يحتقرنا من أبينا آدم عليه السلام إلى آخر فرد في ذريته، {قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين}.
وهو حريص على غوايتنا: {قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين}.
إنها الحرب يا عباد الله، مع العدو اللدود، الذي لم يكتف بإخراج أبينا من الجنة، بل يسعى لاصطحاب أكبر قدر منا معه إلى النار، فأي إنسان أحمقُ ممن وضع السلاح، والناس يتخطفون من حوله؟ وهل يليق بالعاقل ترك الاستعداد، وهو يرى مصارع القوم؟
عباد الله:
إن إحساس المسلم بحقيقة الشيطان، ومعرفته بأساليبه، يجعله قادرًا على الصراع معه، ويعطيه حافزًا للصمود أمام الفتن والشهوات، فإذا غاب هذا الإحساس، غاب معه أو ضعف الصمود أمام كيد الشيطان.
ومن عرف أسلوب الشيطان، اتخذ الوقاية، وابتعد عن الغواية.
أيها المسلمون:
أول ما يبدأ به الشيطان مع بني آدم تحديد مراتبهم، فالمؤمن ليس كالكافر، والعابد ليس كالعالم، والفقير مختلف عن الغني.
والشيطان يتدرج مع الإنسان، في مضمون دعوته، وفي خطوات غوايته.
أما المضمون: فهو يسعى إلى أن يشرك الإنسان بالله تعالى، وهذا أكبر مقاصده، {قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين}.
ولكنه يعلم أن الوصول إلى هذا المقصد مستحيل دون تدرج، ولذا ينظر:
فإن كان العبد مسلمًا سعى ليجعله مبتدعًا، ينشر البدعة ويطبقها.
فإن كان من أهل السنة، نزل به مرحلة، فحرص على إيقاعه في الكبائر، وتهوينها في نفسه.
فإذا وفقه الله ووقاه من الكبائر، نزل به مرحلة أخرى، فأغرقه بالصغائر.
فإذا لم يُجْدِ هذا الأسلوبُ، بدأ معه أسلوبًا شيطانيًا آخر، فيشغله بالمباحات، حتى يضيع وقته دون جد، ولا عمل يقرب من الآخرة.
فإذا كان الإنسان أرقى من هذا، سلك به مسلكًا آخر، فعلله بالعمل المفضول، عما هو أفضل منه.
وهذه خطوات الشيطان الرجيم التي حذرنا الله منها: {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر}.
أما مداخله على الناس فكثيرة يصعب حصرها، لكن منها، ما أخبرنا عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم". [رواه مسلم]. أي يسعى بينهم بالخصومات والشحناء والفتن، ويشغل بعضهم ببعض، وسوء الظن عادة من الشيطان، تقول أم المؤمنين صفية رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفًا في المسجد فأتيته أزوره ليلاً، ثم قمت لأنقلب –أي: أرجع إلى بيتي-فقام معي ليقلبني، -أي: يرافقني-فمر رجلان من الأنصار، فلما رأياه أسرعا، فقال عليه الصلاة والسلام: "على رسلكما إنها صفية"، فقالا: سبحان الله يا رسول الله، فقال: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خفت أن يقذف في قلوبكما شرًا، أو قال شيئًا". [متفق عليه].
ومن مداخل الشيطان تزيين البدعة للإنسان، فيأتي إليه في منظر الناصح، قائلاً: إن الناس قد ابتعدوا عن الدين، فاخترع لهم أحاديث تخوفهم، فيتقول على النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله، حتى قال بعضهم: إنما نكذب لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا عليه.
ومن المداخل تضخيم جانب على حساب جانب آخر، فيجعل المكثر من الذنوب واثقًا من النجاة، لأنه يصلي، والصلاة عماد الدين، وهي أول ما يحاسب عليه المرء يوم القيامة، وآخر مقتنعٌ أنه على خير مهما عمل من آثام وذنوب؛ لأنه يحسن التعامل مع الناس؛ والدين المعاملة.
وثالث مقتنع أن نيته الطيبة، وصفاء قلبه للناس، كافٍ لا يحتاج معه إلى عمل، يقربه من الله تعالى.
ومن الناس من يرى في نفسه من الكمال ما لا يحتاج معه إلى عمل صالح، ومنهم من يرى فيها من النقص ما لا ينفعه معه أي قربى.
وهذا كله من مكر الشيطان.
ومن فقه أبي حنيفة رحمه الله أن رجلاً جاء إليه ذات ليلة، وقال له: يا إمام! دفنت مالاً منذ مدة طويلة في مكان ما، ولكني نسيته فهل عندك من حل؟
فقال له الإمام: ليس هذا من عمل الفقيه؛ حتى أجد لك حلاً. ثم فكر لحظة وقال له: اذهب، فصل حتى يطلع الصبح، فإنك ستذكر مكان المال إن شاء الله تعالى.
فذهب الرجل، وما لبث إلا قليلا ثم رجع، وقال: ما إن بدأت في الصلاة، إلا تذكرت مكان المال، فكيف عرفت أني سأتذكره؟ فقال الإمام: علمت أن الشيطان لن يدعك تكمل صلاتك، وسيشغلك بتذكر مكان المال عنها.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. 
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم على خير خلقه أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين، أما بعد عباد الله:
فإن كيد الشيطان مهما بلغ ضعيف، وهو عاجز عن الوصول إلينا إلا من أحد ثلاثة أمور، الأول: الجهل:
فالعالم أشد على الشيطان من العابد، وكلما زاد علم الإنسان ضعفت حيلة الشيطان فيه، قال صلى الله عليه وسلم: "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم". [رواه الترمذي وقال: حديث حسن].
الثاني: الهوى وضعف الإخلاص والدين:
{قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين* إلا عبادك منهم المخلصين}.
واتباع الهوى من أسهل طرق الشيطان في غواية الإنسان، فتجد المرء أحيانًا يسير في أمر يظنه الصواب، وما هو إلا تزيين نفسه له، ولهذا قال عمر رضي الله عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم).
الثالث: الغفلة عن مداخل الشيطان:
وعلاج هذا الارتباط بالله تعالى، توكلاً ودعاءً، واعتمادًا، فقد قال سبحانه: {إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون}.
وذكر الله تعالى، والاستعاذة من الشيطان، من أنجع الوسائل للوقاية من شره، قال تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم}،
وفي الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس).
فاللهم إنا نعوذ بك من شر الشيطان وشركه وشركه، ونسألك السلامة والعافية، وحسن العاقبة.
ثم صلوا وسلموا رحمكم الله على الهادي البشير، والسراج المنير، {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا}.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين واحم حوزة الدين
اللهم انصر عبادك المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم ثبت أقدامهم وسدد سهامهم واجمع على الحق كلمتهم.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع هداك.
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها
اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين
اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا
اللهم أغثنا غيثا هنيئا مريئا سحا غدقا مجللا طبقا نافعا غير ضار إنك أنت الغفور الرحيم
عباد الله:
{إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون}، فاذكروا الله الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
[/align]
المشاهدات 1333 | التعليقات 0