خُطُوَاتُ الظَّلَامِ-6-8-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

محمد محمد
1445/08/05 - 2024/02/15 20:43PM

خُطُوَاتُ الظَّلَامِ-6-8-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.

 وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:

(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى).

هذهِ كلماتٌ وبُشرَى غَاليَّةٌ، يَفرَحُ بِهَا أَصحَابُ النُّفوسِ العَاليَّةِ، فَالمُبَشِّرُ هو الذي لا يَنطِقُ عَنِ الهَوى، إن هو إلا وَحيٌّ يُوحى-عليه الصلاةُ والسلامُ-، والمُبَشَّرُ هُم أَصحَابُ خُطُواتِ الظَّلامِ، التي قامتْ تَكسِرُ هُدوءَ الشَّوارعِ وأَكثَرُ النَّاسِ نِيامٌ، فَهَا هُم يَتركُونَ الفِرَاشَ قَبلَ طُلوعِ الصَّبَاحِ، وَيَخرُجونَ لِيُجِيبوا نِداءَ الخَيرِ والفَلاحِ، فَأبشِروا يَا أَصحابَ صَلاةِ الفَجرِ، بالنُّورِ التَّامِ يَومَ البَعثِ والحَشرِ، قَالَ رسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّمَ-: "بشِّرِ المشَّائِينَ في الظُّلَمِ إلى المساجدِ بالنُّورِ التَّامِّ يومَ القيامةِ".

الخُطُواتُ التي تَمشونَها اليومَ في الظَّلماءِ، سَتَكونُ نُورًا تَامًا عِندَما تَنقَطِعُ الأَضواءُ، فَيَبقى نُورُ الأعمَالِ يُضيءُ لِلنَّاسِ، فَمِنهُم مَن يَسعدُ، وَمِنهُم من يَبْأَسُ، قَالَ رسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّمَ-: "فَيُعطَونَ نُورَهُم عَلى قَدرِ أَعمَالِهم، فَمِنْهُم مَن يُعطى نُورَه مثلَ الجبَلِ بين يَديْه، ومِنْهُم مَن يُعطَى نُورَه مثل النَّخلةِ بِيَمينه، حتَّى يكونَ آخرُ ذلك يُعطَى نُورَه على إبهامِ قَدَمه، يُضيءُ مَرَّةً ويَطفأُ مَرَّةً، فإذا أضاءَ قدَّمَ قَدَمَهُ، وإذا طَفئ قامَ-وقفَ-".

مَا هو شُعورُك عِندَ سَماعِ حديثِ رسولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ في ذِمَّةِ اللهِ"، وَأَنتَ قَد صَليتَ الفَجرَ في وقتِها، بل وصليْتَها في المسجدِ، فَحُقَّ لَكَ أَنْ تَفرحَ فَأَنتَ في ذِمَّةِ اللهِ، فَلا يَضرُكَ شيءٌ ولو انطَبقتْ السَّماءُ على الأرضِ، فَكَم نَحتاجُ إلى هذا الأمانِ في هَذا الزَّمانِ الذَي كَثُرتْ فيه الفِتَنُ، وَتَعَاظَمتْ فيه المِحَنُ، وَأَصبَحتْ الأَخطارُ تُحيطُ بالإنسانِ في أكثرِ الزمانِ والمكانِ.

وإذا العِنَايةُ لاحَظَتْكَ عُيُونُها*

                              نَمْ فالمَخَاوفُ كُلُّهُنَّ أَمَانُ

وعندما يُؤتى بجهنمَ يقودُها الملائكةُ العِظامِ، لها سبعونَ ألفَ زِمامٌ، فَلَكُم الأَمانُ يَا أَصحَابَ خُطُواتِ الظَّلامِ، قَالَ النَّبيُّ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "لنْ يَلِجَ النَّارَ مَن صلَّى قبْلَ طُلوعِ الشَّمسِ، وقبْلَ غُروبِها"، فأَنتُم مَعَ ذلكَ الوَفدِ الكَريمِ، القَادِمِ إلى مَولاهُ الرَّبِ الرَّحيمِ، (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا)، لأنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلمَ-قَالَ: "مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ (الفَجرَ والعَصرَ) دَخَلَ الْجَنَّةَ"، لَيسَ دخولَ الجنةِ فقط، بل تحصيلُ أعظمِ ما فيها من النعيمِ، وهو النظرُ إلى وجهِ اللهِ العزيزِ الرحيمِ، يقولُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ-رضي اللهُ عنهُ-: "كُنَّا عِنْدَ النبيِّ-صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-فَنَظَرَ إلى القَمَرِ لَيْلَةً-يَعْنِي البَدْرَ-فَقَالَ: إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كما تَرَوْنَ هذا القَمَرَ، لا تُضَامُّونَ في رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ ألَّا تُغْلَبُوا علَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا (لا تَفُوتُكُمْ)، ثُمَّ قَرَأَ: (وَسَبِّحْ بحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ الغُرُوبِ)"، وانتبِه إلى قولِه: "فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَلَّا تُغْلَبُوا"، وكأنَ الأمرَ سيكونُ مُغالبةً ومنافسةً بينَ المسلمينَ، وتزاحمًا شديدًا على أبوابِ المساجدِ، إذا علموا فضلَ صلاةِ الفجرِ.

نَحتاجُ في هَذا الزَّمانِ إلى الإنسانِ النَّشيطِ، الطَّيبِ النَّفسِ، فَكَيفَ تَتَحققُ تِلكَ الأخلاقُ إذا لم يَبدأْ صَاحبُها يَومَهُ بِصَلاةِ الفَجرِ؟ قالَ النبيُ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلاَّ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ".

بَلْ هَلْ يَستطيعُ المسلمُ العَزيزُ أَنْ يَتَخيَّلَ مُجَردَ تَخَيُّلٍ ذلك الموقفَ المَهِينَ، مِنْ ذَلكَ العَدوِّ الحَقيرِ، عِندَمَا يَنَامُ عَن صَلاةِ الفَجرِ، "ذُكِرَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-نَامَ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ، قَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ".

يقولُ ابنُ عمرَ-رضيَ اللهُ عنهما-: "كُنَّا إذا فَقَدْنا الرجلَ في صلاةِ الفجرِ أَسَأْنا بِهِ الظَنَّ"؛ لأَنَّ النَّبِيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قالَ: "لَيْسَ صَلَاةٌ أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنَ الفَجْرِ وَالعِشَاءِ"، فإيَّاك وصِفَاتِ المنافقينَ، فإنَّ منازلَهم في الدَّركِ الأسفلِ في نَارِ ربِّ العالمينَ.

أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فيقولُ النَّبيُّ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-يَومًا لأَصحَابِهِ: "إنَّه أتانِي اللَّيْلَةَ آتِيانِ، وإنَّهُما ابْتَعَثانِي، وإنَّهُما قالا لي: انْطَلِقْ، وإنِّي انْطَلَقْتُ معهُما، وإنَّا أتَيْنا علَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ، وإذا آخَرُ قائِمٌ عليه بصَخْرَةٍ، وإذا هو يَهْوِي بالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ (يَشُقُ) رَأْسَهُ، فَيَتَدَهْدَهُ (يَتَدَحْرَجُ) الحَجَرُ ها هُنا، فَيَتْبَعُ الحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ، فلا يَرْجِعُ إلَيْهِ حتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كما كانَ، ثُمَّ يَعُودُ عليه فَيَفْعَلُ به مِثْلَ ما فَعَلَ المَرَّةَ الأُولَى، قالَ: قُلتُ لهما: سُبْحانَ اللَّهِ ما هذانِ؟... قَالا: أمَّا الرَّجُلُ الذي أتَيْتَ عليه يُثْلَغُ رَأْسُهُ بالحَجَرِ، فإنَّه الرَّجُلُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ (لا يقرؤُهُ ولا يعملُ بِهِ)، ويَنَامُ عَنِ الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ"، فَهَذَا عَذابُه في البَرزخِ حَتى قِيامِ السَّاعةِ.

اليَومَ صَلاةُ الفَجرِ تَشتَكي جَفاءَ كَثيرٍ مِنَ المُسلمينَ، وَبَعدَ أَقلَ مِن سَاعةٍ تَجدُ النَّاسَ قَد خَرجوا من بُيوتِهم سِراعًا إلى أَعمَالِهم وَأَسوَاقِهم وَمَدَارسِهم وَجَامعَاتِهم، وكَأنَّ شَيئًا لم يَكنْ، يَتَسَابقونَ إلى دَفَاترِ التَّحضيرِ، وَقَد غَفلوا عن التَّحضيرِ الأَعظمِ، عِندَما يَصعدُ الملائكةُ الكِرامُ بصُحُفِهم البَيضَاءِ، ويَقِفُونَ بِينَ يَدي خَالقِ الأرضِ والسَّماءِ، عَالمِ الجَهرِ والخَفَاءِ، "فَيَسْأَلُهُمُ-وَهُوَ أعْلَمُ بِهِمْ-كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادي؟ فَيقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ"، فَلا إلهَ إلا اللهُ، مَنْ غَابَ عن ذلكَ التَّحضيرِ فَمَاذا يُفيدُه؟ وَمَن سَقطَ اسمُه مِن تِلكَ الصُحُفِ فمن يُعيدُه؟

مَنَائِرُكُمْ عَلَتْ في كُلِّ سَاحٍ*

                          وَمَسجِدُكُم مِنَ الْعُبَّادِ خَالي

وَجَلْجَلةُ الأَذَانِ بِكُلِّ حَيٍّ*

                           وَلَكِنْ أَينَ صَوتٌ مِنْ بِلاَلِ

اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.

اللَّهُمَّ ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.

اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ.

اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبإخوانِنِا المستضعفينَ في غزةَ وبلادِ الشامِ، وغيرِها من بلادِ المسلمينَ، الطفْ بنا وبهم على كلِ حالٍ، وبلغنا وإياهم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.

اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.

اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.

اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.

اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1708019333_خُطُوَاتُ الظَّلَامِ-6-8-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1708019333_خُطُوَاتُ الظَّلَامِ-6-8-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 976 | التعليقات 0