خطر عولمة الأسرة المسلمة من جديد // د. عامر الهوشان

احمد ابوبكر
1436/06/27 - 2015/04/16 07:52AM
مع النجاح النسبي الذي حققه الغرب في مجال العولمة السياسية والاقتصادية , حيث النظم السياسية الغربية هي الأكثر تداولا بين دول العالم اليوم , ناهيك عن اجتياح مفهوم السوق الرأسمالي الحر اقتصاديات العالم , وهيمنة الشركات الكبرى عابرة القارات على الاقتصاد العالمي , إلا أن العولمة الاجتماعية تبقى هي الأكثر أهمية بالنسبة للغرب , نظرا لتأثيرها المباشر على واقع حياة المسلمين , وعلى التزامهم الديني . ومن هنا كان اهتمام أعداء الإسلام شديدا بالعولمة الاجتماعية , والتي تشمل فيما تشمله الأسرة المسلمة , تلك الأسرة التي ما تزال رغم الهجمات التغريبية العنيفة , وحملات العولمة المتتالية , تحافظ على قدر من التزامها بالمبادئ والقيم الإسلامية التي تحفظ ذلك الكيان الأساسي في المجتمع المسلم . وعلى الرغم من مرور أكثر من عقدين كاملين على المؤتمر الدولي للسكان والتنمية الذي عقد بالقاهرة في سبتمبر من عام 1994م , إلا أن الغرب لم ييأس بعد – على ما يبدو - من إمكانية تطبيق بنود ذلك المؤتمر في البلاد الإسلامية , و التي تتناقض مع أبسط مبادئ وقيم الدين الحنيف . فالأمم المتحدة - التي هي في الحقيقة صنيعة الغرب ووسيلته للتسلل إلى المجتمعات الإسلامية للنيل من مبادئ وقيم دينهم الإسلام - تحاول هذه الأيام من جديد تفعيل قرارات مؤتمر السكان بالقاهرة , وذلك من خلال مشروع قرار يحمل مزيدا من الضغوط لتطبيق وثيقة مؤتمر القاهرة للسكان (عام 1994) , وذلك أثناء جلسة لجنة السكان والتنمية بالأمم المتحدة في نيويورك في الفترة بين 13 و17 أبريل/نيسان الجاري , تحت عنوان "إدماج قضايا السكان في التنمية المستدامة والأجندة التنموية لما بعد 2015م . وبعيدا عن الألفاظ المنمقة والعبارات المطاطة التي تستخدمها لغة بنود مؤتمر السكان , فإن حقيقة هذه البنود هو : هدم كيان الأسرة المسلمة , وإفساد أخلاق الجيل المسلم ذكورا وإناثا , ونشر الإباحية في صفوف شباب وفتيات المسلمين , ومعارضة جميع أحكام الدين الإسلامي . ويمكن إجمال جوهر وحقيقة ما تدعو إليه بنود المؤتمر الذي يحاول مشروع القرار الجديد الضغط على الدول لتطبيقه بما يلي : 1- الدعوة إلى الحرية والمساواة بين الرجل والمرأة ، والقضاء التام على أي فوارق بينهما ، حتى فيما قررته الشرائع السماوية ، واقتضته الفطرة ، وحتمته طبيعة المرأة وتكوينها . وعقدت الوثيقة لذلك فصلاً كاملاً هو الفصل الرابع بعنوان " المساواة بين الجنسين والإنصاف وتمكين المرأة .... وهو ما يتعارض مع القرآن والسنة والواقع الذي يؤكد وجود فوارق جوهرية بينهما . 2- الدعوة إلى فتح باب العلاقات الجنسية المحرمة شرعا ، واتخذت الوثيقة له من الوسائل الآتي : • السماح بحرية الجنس ، وأنواع الاقتران الأخرى غير الزواج ، والدعوة إلى الإجراءات الكفيلة بذلك . • التنفير من الزواج المبكر ، ومعاقبة من يتزوج قبل السن القانونية , وإتاحة بدائل تغني عن الزواج المبكر ، من قبيل توفير فرص التعليم والعمل . • العمل على نشر وسائل منع الحمل ، والحد من خصوبة الرجال وتحديد النسل ، بدعوى تنظيم الأسرة ، والسماح بالإجهاض المأمون وإنشاء مستشفيات خاصة له ، وحث الحكومات على ذلك ، وتكون التكاليف قليلة جدا . • التركيز على التعليم المختلط بين الجنسين ، وتطويره؛ لأنه من أعظم أسباب إزالة الفوارق بين الجنسين ، وتعويق الزواج المبكر ، وتنشيط الاتصال الجنسي . • التركيز على تقديم الثقافة الجنسية للجنسين بسن مبكر : سن الطفولة والمراهقة . • تسخير الإعلام لتحقيق هذه الأهداف . إن هذه البنود هي في الحقيقة إلغاء تام للتعاليم الدينية وعلى رأسها التعاليم الإسلامية , بل هي إلغاء تام للقيم الإنسانية والاعتبارات الأخلاقية , وإعلان واضح وصريح للإباحية , وحرب ومحادة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم , وسلب قوامة الدين الإسلامي على العباد , فضلا عن سلب ولاية الآباء والأمهات على الأبناء , وسلب قوامة الرجل على المرأة , المقررة شرعا في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . لقد كانت أولى ردود الفعل على انعقاد جلسة الأمم المتحدة لهذا الغرض الخبيث من قبل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين , الذي أصدر بيانا شديد اللهجة بشأن هذا التحرك الأممي , معتبرا أن تبني أي إجراءات في هذا الإطار يهدد استقرار الأسرة وتماسكها وقيم المجتمع , داعيا الدول الإسلامية إلى رفض كل الوثائق الدولية التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية , وعدم سحب تحفظاتها على تلك الوثائق التي تضغط الأمم المتحدة لسحبها . لقد كشف بيان الاتحاد على الكثير من المغالطات والتناقضات في المسعى الأممي الأخير أهمها : 1- كشف حقيقة ما يسمى "مساواة النوع" (الجندر) التي يؤكدها القرار من أجل تحقيق التنمية المستدامة ، مؤكدا أنها في الحقيقة مطالبة بإلغاء كافة الفوارق بين الرجل والمرأة للوصول إلى التساوي المطلق ، فضلا عن أنها مساواة بين الأسوياء والشواذ . 2- التناقض الظاهر بين اعتبار تلك الوثائق تقييد الحريات الجنسية للجميع انتهاكا لحقوق الإنسان ، بينما تغض الطرف أمام الانتهاكات الصارخة التي تتعرض لها المرأة والفتاة المسلمة في كثير من أنحاء العالم - مثل سوريا وفلسطين والعراق وبورما وافريقيا الوسطى وغيرها- من قتل وحرق واغتصاب ممنهج وتعذيب واعتقالات تعسفية!! فهل ستكون هناك ردود فعل أخرى على هذه الخطوة الأممية التي تهدد كيان الأسرة المسلمة وخاصة على مستوى الحكومات العربية والإسلامية ؟؟
المشاهدات 1187 | التعليقات 0