خطر سب الصحابة رضوان الله عليهم

أبو عبد الله الأنصاري
1435/11/03 - 2014/08/29 23:55PM
[align=justify]تحدثنا في مقام سابق عن مكانة أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - العظيمة ومنزلهم الرفيعة وما جاء في كتاب الله تعالى من مدحهم وتزكيتهم والثناء عليهم وإخباره تعالى برضاه عنهم ورضاهم عنه وأنه أعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً واستعرضنا جملة من أحاديث المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم - في تزكيتهم والثناء عليهم وتحريم وتجريم التعرض لجنابهم بالطعن عليهم وسبهم أو التشكيك في دينهم وصدقهم ومن ذلك ما رواه الإمام البخاري ومسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه- أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم و لا نصيفه ) ، وفي لفظ يقول – صلى الله عليه وآله وسلم - " دعوا لي أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد أو مثل الجبال ذهبا ما بلغتم أعمالهم " ، ويقول – صلى الله عليه وآله وسلم - : ( من سب أصحابي ، فعليه لعنة الله والملائكة و الناس أجمعين ).
ويقول ابن عباس رضي الله عنهما :لا تسبوا أصحاب محمد – صلى الله عليه وآله وسلم - ، فلَمقام أحدهم ساعة يعني مع رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - خير من عمل أحدكم أربعين سنة ، أما ابن عمر – رضي الله عنه- فكان يقول : لا تسبوا أصحاب محمد – صلى الله عليه وآله وسلم - فلَمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره .
يقول الإمام ابن الإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي رحمه الله : ( فأمَّا أصحابُ رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - فهم الذين شهدوا الوحيَ والتنزيلَ، وعرفوا التفسيرَ والتأويلَ، وهم الذين اختارهم الله عزَّ وجلَّ لصحبة نبيِّه ونصرتِه وإقامةِ دينه وإظهارِ حقِّه، فرضيهم له صحابةً، وجعلهم لنا أعلاماً وقدوةً، فحفظوا عنه – صلى الله عليه وآله وسلم - ما بلَّغهم عن الله عزَّ وجلَّ ، وما سنَّ وشرع وحكم وقضى وندب وأمر ونهى وحظر وأدّب، ووعَوْه وأتقنوه، ففقهوا في الدين، وعلموا أمرَ الله ونهيه ومراده بمعاينة رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - ومشاهدتهم منه تفسيرَ الكتاب وتأويله، وتلقّفهم منه واستنباطهم عنه، فشرَّفهم الله عزَّ وجلَّ بما مَنَّ عليهم وأكرمهم به من وضعه إيَّاهم موضع القدوة ) قال: ( فكانوا عدولَ الأمَّة وأئمَّةَ الهدى وحججَ الدِّين ونقلةَ الكتاب والسنة ، وندب الله – أي دعا - إلى التمسُّك بهديهم والجري على منهاجهم والسلوك لسبيلهم والاقتداء بهم، فقال: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى}، ثمَّ تفرَّقت الصحابةُ في النَّواحي والأمصار والثغور، وفي فتوح البلدان والمغازي والإمارة والقضاء والأحكام، فبثَّ كلُّ واحدٍ منهم في ناحيته وبالبلد الذي هو به ما وعاه عن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - ، وحكموا بحكم الله وأمضوا الأمور على ما سنَّ رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - ، وأفتوا فيما سُئلوا عنه مِمَّا حضرهم من جواب رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - عن نظائرها من المسائل، وجرّدوا أنفسهم مع تقدمة حسن النيّة والقربة إلى الله تقدّس اسمُه، لتعليم الناس الفرائض والأحكام والسنن والحلال والحرام، حتّى قبضهم الله عزَّ وجلَّ رضوانُ الله ومغفرته ورحمته عليهم أجمعين ) ذلك هو شأن خير القرون من صحابة رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - .
وبذلك كله يتبين فساد الدين وخبث المعتقد الذي يعتقده الشيعة الرافضة أصحاب إيران والعراق وحزب الله وكذا أذناب الرافضة من الحوثيين الزنادقة من طعن أولئك وهؤلاء في أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - واعتقاد السوء فيهم ، وما نود بيانه اليوم هو أن نبين لكم أحباب المصطفى وصحابته الأمور الموضحة لخطورة الطعن في أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - والتي منها :
أولاً : أن في سب الصحابة رضي الله عنهم تكذيباً للقرآن الكريم، وإنكاراً لما تضمنته آياته من تزكيتهم والثناء عليهم ، فكم وكم في آيات القرآن من ثناء الله على الصحابة وتزكيتهم والإخبار برضا الله عنهم فمن أنكر فضلهم وطعن فيهم بعد ذلك فهو مكذب للقرآن جاحد لآياته ولذا قال العلامة الهيتمي: في قوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} هذه الآية وما قبلها صريح في رد ما زعمه وافتراه أولئك الملحدون الجاحدون – أي الروافض - حتى للقرآن العزيز، إذ يلزم من الإيمان به الإيمان بما فيه، وقد علمت أن الذي فيه أنهم خير الأمم، وأنهم عدول خيار، وأن الله لا يخزيهم وأنه رضي عنهم، فمن لم يصدق بذلك منهم فهو مكذب لما في القرآن، ومن كذب بما فيه مما لا يحتمل التأويل كان كافراً جاحداً ملحداً مارقاً. "
ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: - " فمن سبهم فقد خالف ما أمر الله من إكرامهم، ومن اعتقد السوء فيهم كلهم أو جمهورهم فقد كذب الله تعالى فيما أخبر من كمالهم وفضلهم ومكذبه كافر ".
ثانياً : أن سب الصحابة رضي الله عنهم يستلزم نسبة الجهل إلى الله تعالى، أو العبث في تلك النصوص القرآنية الكثيرة التي أثنى الله فيها على الصحابة بأحسن الثناء ، ولقد أحسن الشيخ محمد العربي بن التباني المغربي حيث يقول: ( كيف يؤمن بنصوص القرآن من يكذب بوعده تعالى لهم بالحسنى، وبإعداده لهم المنازل الرفيعة في الجنة، وبرضاه عنهم، ورضاهم عنه بزعمه أنهم قد كفروا وارتدوا عن الإسلام، فعقيدة هذه الطائفة {أي الرافضة} في جل سادات هذه الأمة لا تخرج عن أمرين: - إما نسبة الجهل إليه تعالى، أو العبث في هذه النصوص التي أثنى بها على الصحابة رضوان الله عليهم وتقدس ربنا وتعالى عن ذلك علواً كبيراً، وكلاهما مصيبة كبرى ، ولا خلاف بين كل من يؤمن بالقرآن وله عقل سليم أن نسبة الجهل أو العبث إليه تعالى كفر بواح ) .
ثالثاً : أن من سب الصحابة رضي الله عنهم، ورماهم بالكفر أو الفسق، فقد تنقص الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم - نفسه وآذاه؛ لأنهم أصحابه الذين رباهم على عينه ، ومن المعلوم أن تنقص الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم - كفر وخروج عن الملة " يقول الإمام مالك ابن أنس وغيره عن الشيعة الرافضة : ( هؤلاء قوم أرادوا الطعن في رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - فلم يمكنهم ذلك فطعنوا في الصحابة ليقول القائل رجل سوء كان له أصحاب سوء ولو كان رجلا صالحاً لكان أصحابُه صالحين ) ، ويقول عبد الله بن مصعب : قال لي أمير المؤمنين ـ المهدي ـ ما تقول في الذين يشتمون أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - فقلت: زنادقة يا أمير المؤمنين، قال: ما علمت أحداً قال هذا غيرك فكيف ذلك؟ قلت: إنما قوم أرادوا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - فلم يجدوا أحداً من الأمة يتابعهم على ذلك فيه فشتموا أصحابه رضي الله عنهم يا أمير المؤمنين ما أقبح بالرجل أن يصحب صحابة السوء فكأنهم قالوا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - صحب صحابة السوء، فقال لي: ما أرى الأمر إلا كما قلت ، ولأجل ذلك قال الإمام أبو الحسن البربهاري : واعلم أن من تناول أحداً من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - فاعلم أنه إنما أراد محمداً، وقد آذاه في قبره !! .
رابعاً : أن سب الصحابة رضي الله عنهم، والطعن في دينهم، هو طعن في الدين، وإبطال للشريعة، وهدم لأصله، لعدم توافر النقل المأمون له : ولذلك يقول أبو زرعة الرازي : " إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - فاعلم أنه زنديق، وذلك أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - ، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة ".
وإليك هذه القصة التي تبين ذلك: يقول عمر بن حبيب:" حضرت مجلس هارون الرشيد، فجرت مسألة تنازعها الحضور، وعلت أصواتهم، فاحتج أحدهم بحديث رواه أبو هريرة عن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - ، فدفع بعضهم الحديث، وزادت المدافعة والخصومة، حين قال قائلون منهم: - لا يقبل هذا الحديث على رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - لأن أبا هريرة متهم فيما يرويه، وصرحوا بتكذيبه، قال : ورأيت الرشيد قد نحا نحوهم، ونصر قولهم، فقلت أنا: هذا الحديث صحيح عن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - ، وأبو هريرة صحيح النقل، صدوق فيما يرويه عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم - وغيره، فنظر إليّ الرشيد نظر مغضب، وقمت من المجلس فانصرفت إلى منزلي، فلم ألبث حتى قيل صاحب البريد بالباب، فدخل فقال لي: أجب أمير المؤمنين إجابة مقتول وتحنط وتكفن، فقلت: اللهم إنك تعلم أني دفعت عن صاحب نبيك وأجللت نبيك أن يُطعن على أصحابه فسلمني منه، فأدخلت على الرشيد وهو جالس على كرسي من ذهب، حاسراً عن ذراعيه وبيده السيف، وبين يديه النطع، فلما بصر بي قال لي: يا عمر بن حبيب، ما تلقَّاني أحد من الرد والدفع لقولي بمثل ما تلقيتني به، فقلت: يا أمير المؤمنين، إن الذي قلته وجادلت عنه فيه ازدراء على رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - ، وعلى ما جاء به، إذا كان أصحابه كذابين، فالشريعة باطلة والفرائض والأحكام في الصيام والصلاة والطلاق والنكاح والحدود كله مردود غير مقبول، فرجع إلى نفسه ثم قال: أحييتني يا عمر بن حبيب أحياك الله، وأمر لي بعشرة آلاف درهم ".
إذا طعنَّا في الصحابة يا معاشر الناس فقد طعنا في الدين والشرائع التي حفظوها ونقلوها .
يقول أبو الوفاء ابن عقيل : الظاهر أن من وضع مذهب الرافضة قصد الطعن في أصل الدين والنبوة، وذلك أن الذي جاء به رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - أمر غائب عنا، وإنما نثق في ذلك بنقل السلف،.. فإذا قال قائل: - إنهم أول ما بدأوا بعد موته بظلم أهل بيته في الخلافة، وابنته في إرثها، وما هذا إلا لسوء اعتقاد في المتوفي أي الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم - ، قال : فإذا قالت الرافضة: إن القوم – أي الصحابة - استحلوا هذا بعده، خابت آمالنا في الشرع ؛ لأنه ليس بيننا وبينه – صلى الله عليه وآله وسلم - إلا النقل عنهم والثقة بهم ، فطاحت الاعتقادات، وضعفت النفوس عن قبول الروايات في الأصل ، فهذا من أعظم المحن على الشريعة " أ.هـ ، إذن الطعن في الصحابة يؤدي إلى الطعن في الإسلام نفسه لأنهم هم الذين نقلوه إلينا فإذا كانوا كفاراً أو فساقاً أو متهمين فكيف نثق بنقلهم للدين والأحكام والشرائع ؟ وبهذا يكون من طعن في الصحابة فقد طعن في الدين كله وفي صحة الشرائع لأنهم هم نقلها إلينا وحفظها لنا .
الخطبة الثانية
وبناءاً على كافة ما سبق فلا يطعن في أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - إلا عدو لله ولرسوله – صلى الله عليه وآله وسلم - وهو إلى الكفر حينئذ أقرب منه للإيمان :
يقول الإمام أحمد: "ومن الحجة الواضحة الثابتة البيّنة المعروفة ذكر محاسن أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - كلهم أجمعين والكف عن ذكر مساويهم، والخلاف الذي شجر بينهم، فمن سب أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - أو أحداً منهم فهو مبتدع رافضي ، خبيث مخالف ، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، بل حبهم سنة، والدعاء لهم قربة، والاقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآثارهم فضيلة".
ويقول الإمام العكبري : ( ومن بعد ذلك نكف عما شجر بين أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - فقد شهدوا المشاهد معه ، وسبقوا الناس بالفضل فقد غَفر الله لهم وأمرك بالاستغفار لهم والتقرب إليه بمحبتهم وفرض ذلك على لسان نبيه وهو يعلم ما سيكون منهم وأنهم سيقتتلون وإنما فُضلوا على سائر الخلق لأن الخطأ والعمد قد وضع عنهم – أي غُفر لهم - وكل ما شجر بينهم مغفور لهم ) ، ويقول الإمام الطحاوي: "ونحب أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان".
وقال ابن حجر الهيتمي: "اعلم أن الذي أجمع عليه أهل السنة والجماعة أنه يجب على كل مسلم تزكية جميع الصحابة بإثبات العدالة لهم والكف عن الطعن فيهم والثناء عليهم " .
ورحم الله الإمام الطبري حينما قال: " فالسعيد من تولى جملتهم، ولَمْ يفرق بين أحد منهم ، واهتدى بهديهم ، وتمسك بحبلهم ، والشقى من تعرض للخوض فيما شجر بينهم ، واقتحم خطر التفريق بينهم ، وأتبع نفسه هواها فى سب أحد منهم ".
هم معشر حبُّهم دينٌ، وبغضهم *** كفر، وقربهم منجى ومعتصم
الله شرفهم قِدما وعظمهم *** جرى بذاك له في لوحه القلم
مشْتَقّةٌ مِنْ رَسُولِ الله حرمتهم *** طَابَتْ مَغارِسُهُم والخِيمُ وَالشّيَمُ
مُقَدَّمٌ بعد ذِكْرِ الله ذِكْرُهُمُ في *** كلّ بَدْءٍ، وَمَختومٌ به الكلم !
إنْ عُدّ أهْلُ التّقَى كانوا أئِمّتَهمْ *** أوْ قيل: «من خيرُ أهل الأرْض؟» قيل: هم
يَنْشَقّ ثَوْبُ الدّجَى عن نورِ غرّتِهِم *** كالشمس تَنجابُ عن إشرَاقِها الظُّلَمُ!!
وأختم أيها الأحبة بما يلي بهذه القصص لما فيها من العبرة والعظة البالغة: روى ابن أبي الدنيا باسناد حسن عن خلف بن تميم قال: "سمعت بشيراً - ويكنى: أبا الخصيب قال: "كنت رجلاً تاجراً، وكنت موسراً، وكنت أسكن مدائنَ كسرى، وذلك في زمن ابن هبيرة قال: فأتاني أجيري فذكر أن في بعض خانات المدائن رجلاً قد مات، ولم يوجد له كفن، فأقبلت حتى دخلت ذلك الخان ، فدُفعت إلى رجل مُسَجَّى، وعلى بطنه لبنةٌ، ومعه نفرٌ من أصحابه، فذكروا من عبادته وفضله، فبعثتُ يُشْتَرى الكفن وغيره، وبعثت إلى حافر يحفر له، وهيّأ له لبناً، وجلسنا نُسَخِّن له ماء لنغسّله، فبينا نحن كذلك، إذ وثب الميتُ وثبةً فندرت اللبنة عن بطنه، وهو يدعو بالويل والثُّبورِ والنار، فتصدّع أصحابه عنه، قال: فدنوتُ منه حتى أخذت بعضده وهَزَزته، ثم قلت: ما أنت وما حالك؟ فقال: "صحبت مَشْيَخة من أهل الكوفة، فأدخلوني في دينهم، أو في رأيهم في سبّ أبي بكر وعمر والبراءة منهما"، قال: قلت: اسْتَغْفِر الله، ثم لا تعد. قال: فأجابني: وما ينفعني، وقد انطُلِقَ بيَ إلى مدخلي من النار، فرأيته، وقيل لي: إنك سترجع إلى أصحابك، فتُحَدِّثُهم بما رأيت، ثم تعود إلى حالك؟"، قال: فما انقضت كلمتُه حتى مال ميتا على حاله الأوّل، فانتظرت حتى أُتيتُ بالكفن، فأخذته، ثم قمت، فقلت: لا كَفَّنْتُهُ، ولا غَسَّلْتُهُ، ولا صَلَّيتُ عليه ، قال خلف: فقلت: "يا أبا الخصيب هذا الذي حدّثتني به شهدته؟"، قال: "نظر عيني وسماع أذني، وأنا أؤدّيه إلى الناس".
وعن أبي الحُباب الضبِي قال: "كنا في غزاةٍ في البحر وقائدنا موسى بن كعب، ومعنا في المركب رجل من أهل الكوفة يكنى: أبا الحجاج، قال: فأقبل يشتمُ أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - فزجرناه فلم ينزجر، ونهيناه ولم ينته، فأرسينا إلى جزيرة في البحر، فتفرقنا فيها نتأهّبُ لصلاة الظهر، فأتانا صاحب لنا، فقال: "أدركوا أبا الحجاج فقد أكلتهُ النحلُ، فدفعنا إلى أبي الحجاج وهو ميت، وقد أكَلَتْهُ الدَّبْرُ - وهي: النحل - قال خلف: "وكان صاحب لنا يبول، فوقعت نحلة عليه فلم تضره فعلمنا أنها – أي تلك النحل التي قتلته كانت - مأمورة"..
ألا فاتقوا الله يا عباد الله ، واعرفوا لأصحاب رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - منزلتهم التي أنزلهم الله ورسوله إياها ، اعرفوا لهم فضلهم ، وادفعوا عن أعراضهم ، وازجروا كل خبيث وفاسد يتجرأ على الوقيعة فيهم فإنه لا يطعن عليهم إلا من في قلبه مرض ، وكونوا كما أخبر الله عن عباده المؤمنين بقوله : ( والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ).
[/align]
المشاهدات 4745 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا


بورك فيك يا شيخ على خطبك القيمة وتفاعلك الملحوظ فأنت بذرة خير لا أقول تنموا لتنفع غيرها بل كذلك يتساقط ثمر بعضها فتنموا بجوارها وتحتمل الرياح بعضه الآخر إلى أماكن أخرى ليثمر وينفع هناك فكن ذلك الثمر متفضلا .