خطر المتسللين على بلادنا
أ.د عبدالله الطيار
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الذي أَنشأَ وبرأَ، وخلقَ الماءَ والثَرى، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، لهُ الجلالُ والجمالُ والكمالُ والغنَى، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه النَّبي المصطفَى والقدوة المجتبى، صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلِه وصحبِه ومَنْ تَبِعهَم إلى يومِ اللقاء، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعدُ:
فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ؛ واعلموا أَنَّ الأمنَ مطلبٌ ضروريٌ، لا تستقرُّ الحياةُ بدونِه، ولا طعمَ للحياةِ بلا أمنٍ، بلْ الحاجةُ إليه أشدُّ من الحاجةِ للطعامِ والشرابِ؛ فلا قوامَ للحياةِ بدونِه، وما تعيشُه بلادُنا من نعمةِ الإسلامِ والإيمانِ، والأمنِ والأمانِ، والتكاتفِ والترابطِ ووحدةِ الصفِّ والكلمةِ ورغدِ العيشِ قد أزْعجَ الأعداءَ، فراحوا يمكرونَ ويخطِّطونَ من أجلِ زعزعةِ أمنِها، وتكديرِ صفوِها عبرَ وسائلَ وطرقٍ شتَّى، ومن ذلكَ إعانةُ المتسلِّلينَ على حدودِ بلادِنا من منظماتٍ أو أفرادٍ مجهولي الهويِّةِ، وهؤلاءِ المتسللونَ أخطرُ ما يكونونَ على البلادِ والعبادِ لما يترتَّبُ على وجودِهم من أخطارٍ ومفاسدَ، كتهريبٍ للأفرادِ، وإدخالِ السلاحِ والمخدراتِ، وفتحِ أبوابِ السِّحرِ والشعوذةِ والدَّجلِ، فيسبَّبُ ذلك الإضرارَ بالأمنِ وحصولَ جرائمَ شتَّى من قتلٍ، ونهبٍ، وسرقةٍ، وترويجٍ للسلاحِ والسِّحرِ والمخدراتِ، وغيرِ ذلكَ من الجرائمِ الكثيرةِ التي لا تَخفى.
أيُّها المؤمنونَ: وإنَّ مما يُدمي القلبَ أنَّ بعضًا من أبناءِ هذهِ البلادِ من ضعافِ النفوسِ، وذوي الأطماعِ الدنيويةِ طوَّعتْ لهم أنفسُهم الضعيفةُ وما يُعرضُ عليهم من إغراءاتٍ ماديةٍ أنْ يساعدوا هؤلاءِ المجرمينَ على التسلِّلِ إلى حدودِ بلادِنا، ودخولِهم دونَ الحصولِ على إذنٍ من الجهاتِ المسؤولةِ، وما عَلِمَ هؤلاءِ عظَمَ الجُرمِ الذي وَقَعوَا فيه، بسببِ المفاسدِ التي تَتَرتَّبُ على دخولِهم إلى بلادِنا حَرسَها اللهُ. فعَنْ عَلِيِّ رضي اللهُ عنه قال: حَدَّثَنِي رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ بِأَرْبَعِ كَلِماتٍ، وذكر منها:(وَلَعَنَ اللهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا) رواه مسلم (1978) ، أيْ مَنَعَهُ وحَمَاه، أَوْ دَافَعَ عَنْهُ وآواه؛ كما يفعلُ بعضُ أبناءِ هذا الوطنِ من إيواءٍ لهَؤُلاءِ المتسللين أَوْ الدِّفاعِ عَنْهُم وَحِمايَتِهم وإعانتِهم على الهروبِ من قوَّاتِ حرسِ الحدودِ، أو غيرِها من الجهاتِ الأمنيةِ، فهذه جَرِيمَةٌ فِي حَقِّ البلادِ والعبادِ، لِمَا فِيها مِنْ إعانةِ أهلِ الفَسادِ.
وعلى كلِّ مسلمٍ أَنْ يحذرَ كلَّ الحذرِ من إيواءِ هؤلاءِ المتسلِّلينَ المخالفينَ لأنظمةِ الإقامةِ والعملِ وتشغيلِهم، فإنَّ في ذلك مخالفةً لوليِّ الأمرِ وهي تَستوجبُ الإثمَ، لقولِه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم (مَن أَطاعَنِي فَقدْ أطَاعَ اللهَ، ومَنْ أَطَاعَ الأميرَ فقدْ أَطاعَني) رواه البخاري (7137).
عبادَ اللهِ: نحنُ مطالبونَ بالتلاحمِ مع ولاةِ أمرِنا والجهاتِ الأمنيةِ المختصةِ للوقوفِ يدًا واحدةً وصفًّا قويًّا في وجهِ هذا العبثِ الإجراميِّ الذي يُرادُ منه زرعُ الفتنِ وتهديدُ الأمنِ ونشرُ الفوضى والإجرامِ في بلادِنا، والمواجهةُ أمرٌ ضروريٌ مع مخاطرِ التسللِ لا سيَّما في ظلِّ سلبيةِ بعضِ المواطنينَ الذين يُوفِّرونَ المأوى وفرصَ العملِ للمتسللينَ، وخاصةً أنَّ كثيرًا من المواطنينَ والمقيمينَ على الحدودِ الواقعةِ في المناطقِ الجبليةِ وأطرافِ القُرى والمحافظاتِ يُعانونَ أشدَّ المعاناةِ من هؤلاءِ، لكونهِم يُشكِّلونَ خطرًا كبيرًا عليهمْ وعلى أُسرِهم وأولادِهم وممتلكاتِهم، فهؤلاءِ المتسللونَ يلجأونَ الى المواقعِ الوَعرةِ ذاتِ التضاريسِ الصَّعبةِ من أجلِ الاختباءِ فيها بعيدًا عن أنظارِ الأهالي، ومتابعةِ الجهاتِ الأمنيةِ.
فعلى المواطنينَ والمقيمينَ على حدودِنا الجنوبيةِ وغيرِهَا الانتباهُ لخطرِ هؤلاءِ وعَدمِ التستِّرِ عليهم، وأَنْ يبذلُوا جُهدَهم من أجلِ التَّعاونِ مع الجهاتِ الأمنيةِ للقبضِ عليهِم ومحاسبتِهم.
أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيم}[التوبة:71].
باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ، فاسْتَغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النبيِّ الأمينِ، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين. أما بعدُ:
فاتَّقوا اللهَ أيُّها المؤمنونَ، واعلموا باركَ اللهُ فيكُم أنَّ الحياةَ ميدانٌ للصراعِ بينَ الحقِّ والباطلِ؛ فللحقِّ جنودُه ورجالُه، وللباطلِ أنصارُه وأعوانُه، ولكنْ سُرعانَ ما يَزهقُ الباطلُ بفضلِ اللهِ وعونِه، وصَدَقَ اللهُ [وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً][الإسراء: 81]، وإنَّ حمايةَ بلادِنَا من أخطارِ المتسلِّلينَ حمايةٌ لدينِنَا وعقيدتِنَا وأنفسِنَا وأعراضِنَا وأموالِنَا من هذهِ الفئةِ المعتديةِ الباغيةِ.
وإنِّي في مقامي هذا أشكرُ اللهَ جلَّ وعلا، ثمَّ أشكرُ ولاةَ أمورِنا وقوَّاتِنا الأمنيةَ المرابطةَ على حدودِ بلادِنا من جنودِنَا البواسلِ الذين يُضحُّونَ بأنفسِهم من أجلِ حمايةِ البلادِ والعبادِ من كلِّ معتدٍ يريدُ الشَّر، ونُبشِّرهُم بوعدِ رسولِنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:(عَينانِ لا تمسُّهما النّارُ: عينٌ بَكَتْ من خشيةِ اللَّهِ، وعَينٌ باتتْ تحرُسُ في سبيلِ اللَّهِ)(رواه الترمذي(1639)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1639)، حمى اللهُ بلادَنا من كيدِ الكائدينَ وعُدوانِ المعتدينَ، وحَفَظَ اللهُ ولاةَ أمرِنَا وزادَهم من التوفيقِ والهُدى، وأتمَّ علينَا نعمَه الظاهرةَ والباطنةَ.
اللهم احفظْ لهذِه البلادِ أمنهَا وأمانهَا واستقرارهَا، اللهمَّ مَنْ أرادَها بسوءٍ فأَشغلهُ بنفسِه واجعلْ كيدَه في نحرِه وردَّ مكرَه وتخطيطَه عليه، اللهمُّ أعنْ ووفِّقْ ولاةَ أمرِنا وقوَّاتِنا المرابطةَ على حدودِنا لحفظِ أمنِنَا، وخذْ بأيديِهم لما فيه عزُّ البلادِ وصلاحُ العبادِ.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى والقدوةِ المجتبى فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ وعلا:[إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا].
الجمعة: 11/8/ 1442هـ