خطر اللسان وكيفية النجاة للشيخ سعد الشهاوى
الدكتورسعد الشهاوى
1436/10/13 - 2015/07/29 17:30PM
الحمدُ لله جامع الناس ليوم لا ريب فيه عالم ما يُسِرُّه العبد وما يخفيه أحصى عليه خطرات فكره وكلمات فيه من توكل عليه كفاه ووجد كفايته خيرا من توقيه ومن تواضع له رفعه وزاد بقدر تواضعه في ترقيه أحمده سبحانه وأتوب إليه وأستغفره وأستهديه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خالق كل شيء وهاديه
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله معلم الإيمان وداعيه يا سيدي
فإذا سخوت بلغت بالجود المدى وفعلت ما لا تفعل الكرماء
وإذا عفوت فقادراً ومقـــــــدراً لا يستهين بعفوك الجهـــلاء
وإذا رحمت فأنـــــت أم أو أب هذان في الدنيا هما الرحماء
وإذا غضبت فإنما هي غضبـــــة للحق لا ضغن ولا بغضــــاء
وإذا رضيت فذاك في مرضاتـــه ورضى الكثير تحلم وريــاء
وإذا خطبت فللمنابر هــــــــزة ترعو النديَّ وللقلوب بكاء
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن حمدت في الإسلام سيرته ومساعيه وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى والتمسوا من العمل ما يحبه ويرضيه وسارعوا إلى مغفرته وجنته فالمؤمن مَنْ يرجو الله ويتقيه ولا تتبعوا خُطُواتِ الشيطان فإنه يضل من اتبعه ويغويه ويأمره بالفحشاء والمنكر وإلى طريق الجحيم يهديه
معاشرَ المسلمين: اهتم الكتاب والسنة ببيان عظيم خطر اللسان فالأدْوَاءُ وَالعِلَلُ المَعْنَوِيَّةُ التِي تُصِيبُنَا كَثِيرةٌ ، فَلَا نَعْبَأُ بِهَا، وَلَا نَلْتَفِتُ إِلَيهَا، بَلْ وَلَا نَسْعَى لِعِلَاجِهَا، وَالتَّخَلُّصِ مِنهَا، وَقَدْ تَذْهَبُ بِكَثِيرٍ مِنْ دِيْنِنَا وَأُجُورِنَا.فِي حِينِ أَنَّنَا لَا يَقِرُّ لَنَا قَرَارٌ، وَلَا يَهْدَأُ لَنَا بَالٌ إِذَا عَرَضَتْ لَنَا بَعْضُ الأَمْرَاضِ الحِسِّيَّةِ الجَسَدِيَّةِ التِي تُضِرُّ بِدُنْيَانَا. وَإِنَّ مِنَ الآفَاتِ الدَوَاهِي؛ آفَةً لَهِيَ أَشَدُّ خَطَرًا مِن أَمْرَاضِ البَدَنِ مهما عَظُمَت، وَأَعْظَمُ فَتْكًا لِدِينِ المَرْءِ، وَأَكْثَرُ فَسَادًا لِآخِرَتِهِ.لَا تَرَى مَنْ يُحَاذِرُهَا إِلَّا قِلّةً قَلِيلَةً مِنَ العُقَلَاءِ، الذِينَ وَفَّقَهُم اللهُ وَهَدَاهُم، وَنَجَّاهُم مِن اتَّبَاعِ هَوَاهُم، تِلْكُم الآفَةُ –يا عباد الله- هي: كَثْرَةُ الكَّلَامِ، وَإِطْلَاقُ اللِّسَانِ بِلَا زِمَام ولَقَدْ حَذَّرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ التَّهَاوُنِ فِي الكَلَامِ مِنْ غَيرِ تَثَبُّتٍ وَلَا رَوِيَّةٍ، وَمِنْ دُونِ مُرَاعَاةٍ لِخَيرِهِ مِنْ شَرِّهِ؛ عباد الله: كم من شخص تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته وهو لا يشعر، فقد ينطق العبد بكلمة دون تفكير ولا إمعان نظر فتكون سببًا للخسران والبوار،فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ". وفي لفظ لمسلم: "إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يتبين ما فيها يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب".وَخَرَّجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ". والتبين -أيها المؤمنون- هو التأمل والتفكر، فكم من كلمة فُهْتَ بها من غير تأمل ولا تفكر، وكما أن الكلمة قد تكون سببًا لسخط الله، فإنها قد تكون سببًا لرضوانه، أخرج البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات". فالعاقل اللبيب -معاشر المؤمنين- هو من جعل على لسانه حارسًا يحرسه مما لا يليق، هذا الحارس هو تقوى الله ومراقبته، قبل كل شيء.
إنَّ أذية المؤمن ظلمٌ، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، وإن من الأذى ما لا تُكفِّره الصَّلاة، ولا الصدقة، ولا الصوم، بل لا يُغفَر للظالِم حتى يَغفر له المظلوم، وهيهات أن يعفو المظلومُ يوم تتطاير الصُّحف وتعزُّ الحسنات فكم من عابد لله تعالى يصوم النهار ويقوم الليل وينفق القليل والكثير إلا انه يؤذى الناس بقوله أو فعله ، فحبط عمله وضاع أجره فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ : أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ » (رواه مسلم. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَتُؤَدُّنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيام، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء".فاحفظ حسناتك؛ فأنت أحوج لها! واسمع لفقه الحسن البصري -رحمه الله- يوم أن جاءه رجل فقال له: إنك تغتابني. فقال: ما بلغ قدرك عندي أن أحكمك في حسناتي؟.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ (يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ هِيَ فِي النَّارِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ هِيَ فِي الْجَنَّةِ )مسند أحمد:9673قال الشيخ الأرناؤوط : إسناده حسن
قال الفضيل بن عياض: سمعت الثوريّ يقول: لو رميت رجلا بسهم كان أحبّ إليّ من أن أرميه بلساني، لأنّ رمي اللّسان لا يكاد يخطىء)* « انظر المنتقى من مكارم الأخلاق للخرائطي (1/ 442).».
أحبتي في الله: إن الكلمة بنوعيها تخرج من عضو واحد وهو اللسان؛ ويصبح اللسان طيبا أو خبيثا تبعا لما يخرج منه من كلام!! لأن اللسان آلة تستخدم في الخير والشر؛ وأن استعماله في الخير شكرٌ للنعمة؛ واستعماله في الشر كفرٌ بالنعمة.
قال جعفر : وكان يقرأ الكتب:" أن لقمان كان عبدا حبشيا نجارا ، وأن سيده قال له : اذبح لي شاة ، قال : فذبح له شاة فقال : ائتني بأطيبها مضغتين ، فأتاه باللسان والقلب ، قال : فقال : ما كان فيها شيء أطيب من هذين ؟ قال : لا ، فسكت عنه ما سكت ، ثم قال : اذبح لي شاة ، فذبح له شاة قال : ألق أخبثها مضغتين ، فألقى اللسان والقلب ، فقال له : قلت لك ائتني بأطيبها ، فأتيتني باللسان والقلب ، ثم قلت لك : ألق أخبثها مضغتين ، فألقيت اللسان والقلب ، قال : ليس شيء أطيب منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا ." ( مصنف ابن أبي شيبة )
فبكلمة من اللسان تُشْعَل نار الفتن والحروب! وبكلمة سُطِّرت في تقريرٍ أسود مِن رجل لا يتقي الله ولا يعبد إلا كرسياً زائلاً ولا يعبد إلا منصباً فانياً خُرِّبت البيوت، وجُرِّحت القلوب، وبكت العيون، وتألمت النفوس! وبكلمة فُرِّق بين زوجين، وبكلمة فُرِّق بين الأخ وأخيه، وبين الوالد وولده، وبين الولد ووالده! كل ذلك بسبب كلمة أيها الأحباب.
ولذلك شدد صلى الله عليه وسلم على الاهتمام باللسان الذي هو مصدر الكلام لأن صلاح اللسان صلاح لأعضاء الجسد كلها؛ وفساده فساد لأعضاء الجسد كلها؛ولم لا وجوارح الإنسان كلها مرتبطة باللسان في الاستقامة والاعوجاج، فان ابن ادم حين يصبح تناشد الأعضاء كلها اللسان بالاستقامة فإذا صلح لسان العبد صلحت سائر جوارحه.وهل اللسان إلا ناطق لما تمليه عليه الجوارح، وبما يمليه عليه الجنان؟وفِي سنن التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- مَرْفُوعًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ، فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ، فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا، فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ، فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا". حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي"قال الإمام النووي -رحمه الله-: "معنى "تكفّر اللسان"، أي: تذل له وتخضع وتلح على اللسان فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ(أي: نجاتنا بك)ومن ثم من أراد النجاة والصلاح والفلاح امسك عليه لسانه وقال عليّ بن أبي طالب- رضي اللّه عنه-: «اللّسان قوام البدن، فإذا استقام اللّسان استقامت الجوارح، وإذا اضطرب اللّسان لم تقم له جارحة») « انظر الصمت لابن أبي الدنيا (249).».
عِبَادَ اللهِ: وَإِذَا خَزَنَ المَرْءُ لِسَانَهُ، وَحَفِظَ عَنِ اللَّغْوِ زَمَانَه، فَقَدْ مَلَكَ زِمَامَ الخَيرِ وَنَاصِيَتَهُ، وَاسْتَجْلَبَ رَاحَتَهُ وَعَافِيَتَهُ؛ وَخَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَا يَبْلُغُ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَخْزِنَ مِنْ لِسَانِهِ".
أيُّهَا المَرْءُ لَا تَقُولَنَّ قَولًا *** لَسْتَ تَدْرِي مَاذَا يَجِيئُكَ مِنْهُ
وَاخْزِنِ القَولَ إِنَّ فِي الصَّمْتِ حُكْمًا *** وِإذَا أَنْتَ قُلْتَ قَوْلًا فَزِنْهُ
وَإِذَا النَّاسُ أَكْثَرُوا فِي حَدِيثٍ *** لَيسَ مَمَّا يَزِينُهُم فَالْهُ عَنْهُ
وقد أوصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم معاذ بن جبل بوصيته الخالدة أخرج الترمذي عَنْ مُعَاذٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: "لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ: تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ. ثُمَّ قَالَ: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ تَلَا: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) حَتَّى بَلَغَ: (يَعْلَمُونَ)[السجدة: 16].ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذُرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، قَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، -أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ". الترمذي واللفظ له وقال: حسن صحيح وأحمد وابن ماجة وقال الألباني في صحيح الجامع صحيح الإسناد.».
وعن سفيان ابن عبد الله الثقفي قال: قلت: يا رسول الله، حدِّثْني بامر أعتصم به، قال: "قل ربي الله ثم استقم"، قلت: يا رسول الله، ما أخوف ما تخاف علي؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال: "هذا".« الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجة وصححه الألباني صحيح سنن ابن ماجه.». وعن الحارث بن هشام- رضي اللّه عنه- أنّه قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أخبرني بأمر أعتصم به، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «املك هذا»، وأشار إلى لسانه)* « المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 527) وقال: رواه الطبراني بإسنادين أحدهما جيد.». خَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَة مِنْ حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "كُلُّ كَلَامِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لَا لَهُ إِلَّا الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَذِكْرُ اللَّهِ -عز وجل-".وحفظ اللسان أمر صعب جدا قال محمّد بن واسع لمالك بن دينار:«يا أبا يحيى حفظ اللّسان أشدّ على النّاس من حفظ الدّينار والدّرهم») « إحياء علوم الدين (3/ 120).».
وإذا أردت أن تقيّم شخصاً انظر ما الذي يخرج من فيه، فإذا سمعت الكلم الطيب يخرج من فمه فاعلم أنه على خير، وإن رأيته ثرثاراً طعاناً فاعلم أنه على سوء وشر -والعياذ بالله-.واعلم كذلك أن في إيمانه نظراً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش ولا بالذيء )، وقال النبي صلوات الله وسلامه عليه: (لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة).وقال سبحانه لنا بما يفيد هذا الأصل -وهو أن الكلمات شعار لقائلها- فقال: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118] أي: إن كنتم من أهل الفهم فنحن بينا لكم الآيات من الكلمات التي تخرج من أفواه أعدائكم.وقال سبحانه: وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ [محمد:30]
تستطيع أن تقيم من أمامك بشيء من الهدوء، تنظر في كلماته التي تخرج منه، وتنظر في حركاته وفي مدلولات الكلمات، وتعطيه حكماً بعد ذلك يناسبه أو يناسبك في التعامل معه كذلك.إذا رأيته ثرثاراً كثير الكلام فاعلم أن هذه الثرثرة تجره ولابد إلى اغتياب المسلمين والمسلمات، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من أبغضكم إليّ وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون) والثرثار كما قال الترمذي رحمه الله تعالى: هو كثير الكلام.
كيفية النجاة من أخطار اللسان
عباد الله: كم تجدنا في مجالسنا قد أكثرنا فيها الكلام الباطل الذي لا خير فيه، أوكلاماً لا فائدة منه وإن كان مباحاً، مع أنّ خطر اللّسان عظيم، ولا نجاة من خطره إلّا بالصّمت، ولو أننا صمتنا لكان الصمت خيراً لنا، ولكن الصمت عبادة لا يُلقاها إلا القليل من عباد الله الصالحين، وجاءت نصوص الكتاب والسنة تحثنا على قلة الكلام وعدم الإكثار منه، ومن المعلوم أن الإنسان كثير الكلام؛ وكلما كثر كلامه كثر لغطه قال تعالى:( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:114]. أى لا خير في أكثر الكلام الذي يتكلم به الناس إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وانظر في نجوانا في مجالسنا يكاد الشيطان أن يرفع رايته البيضاء يلقي بيننا وبينه الصلح؛ لأننا لا نجد ولا نترك مسلما إلا نهشنا لحمه، وكسرنا عظمه؛ كأن بيننا وبين المسلمين عداوة، ولذلك قال عمر بن الخطّاب- رضي اللّه عنه-:«من كثر كلامه كثر سقطه»)* « انظر الصمت لابن أبي الدنيا (241).». ولذلك قال عبد اللّه بن طاوس- رحمه اللّه-:«كان طاوس بن كيسان - رحمه اللّه- يتعذّر من طول السّكوت ويقول: «إنّي جرّبت لساني فوجدته لئيما»)« الصمت لابن أبي الدنيا (248).».وقال طاوس- رحمه اللّه-: «لساني سبع إن أرسلته أكلني»)« إحياء علوم الدين (3/ 120).».
إحْــفَظْ لِسَانــــَكَ أيُّها الإِنْسـانُ*** لا يَلْدَغَنّـكَ إِنَّـهُ ثُعْبــــــَـانُ
كَمْ في الْمقَابرِ مِنْ قَتِيلِ لِسَانِهِ*** كَانَتْ تَهَابُ لِقَاءَه الشُّجعَانُ.
وقال علي -رضي الله عنه- يقول: "بكثرة الصمت تكون المهابة"، وقال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: "تعلموا الصمت كما تعلمون الكلام".وهذا أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: "الصمت هو أول العبادة".
و لَا اسْتِقَامَةَ لإِيْمَانِ العَبْدِ، وَلَا هِدَايَةَ لِقَلْبِهِ إِذَا كَانَ يُطْلِقُ لِسَانَهُ، وَلَا يَصْمُتُ عَمَّا إِذَا قَالَهُ شَانَه؛ فَعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليه وسلم قال: "لا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ"[أخرجه الإمام أحمد والبيهقي].ولذلك كانت كلماته عليه الصلاة والسلام قليلة معدودة، قالت عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم كلاماً لو عده العاد لأحصاه, لم يكن يسرد الحديث سرداً كسردكم). وقال سيدنا سليمان بن داود- عليهما السّلام-:«إن كان الكلام من فضّة فالسّكوت من ذهب») « إحياء علوم الدين (3/ 120).»
إِنَّ الصَّمْتَ عَمَّا لَا يُفِيد، وَكَفَّ اللِّسَانِ عَن الكَلَامِ أَنْ يَزِيد، لَدَلِيلٌ عَلَى حُسْنِ الإِيْمَانِ، وَكَمَالِ الإِسْلَامِ، ولهذا ربط النبي -صلى الله عليه وسلم- الصمت بالإيمان بالله واليوم الآخر فقال كما عند البخارى ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ -رضي اللّه عنه- عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتَ"[متفق عليه البخاري ومسلم واللفظ له.
يقول الإمام النووي -رحمه الله-: "اعْلَمْ أنَّهُ يَنْبَغِي لِكُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ عَنْ جَميعِ الكَلامِ إِلاَّ كَلاَمًا ظَهَرَتْ فِيهِ المَصْلَحَةُ، ومَتَى اسْتَوَى الكَلاَمُ وَتَرْكُهُ فِي المَصْلَحَةِ، فالسُّنَّةُ الإمْسَاكُ عَنْهُ، لأَنَّهُ قَدْ يَنْجَرُّ الكَلاَمُ المُبَاحُ إِلَى حَرَامٍ أَوْ مَكْرُوهٍ، وذَلِكَ كَثِيرٌ في العَادَةِ، والسَّلاَمَةُ لا يَعْدِلُهَا شَيْءٌ" فإن استوى عندك الوجهان في الكلام ولم تدرِ أفي الكلام خيرٌ أم لا؟ فأمسك عن الكلام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صمت نجا) وعن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: "أنذرتكم فضول الكلام، بحسب أحدكم ما بلغ حاجته" [الصمت لابن أبي الدنيا (239-240 )] وقال مالك بن دينار -رحمه الله-: "لو كُلف الناس الصحف لأقلوا المنطق وفي ( حلية الأولياء ) :" أن الإنسان ينبغي له أن لا يخرج من كلامه إلا ما يحتاج إليه ، كما أنه لا ينفق من كسبه إلا ما يحتاج إليه وقال : لو كنتم تشترون الكاغد ( الورق الذي يُكتَبُ فيه) للحفظة لسكتم عن كثير من الكلام ."وعن إبراهيم بن عبد العزيز التّيميّ قال: «المؤمن إذا أراد أن يتكلّم نظر، فإن كان كلامه له تكلّم، وإن كان عليه أمسك عنه، والفاجر إنّما لسانه رسلا رسلا « رسلا: ليّنا مسترخيا لا تؤدة فيه.»») « الصمت لابن أبي الدنيا(247).».
يقول أبو حاتم: "لسان العاقل يكون وراء قلبه، فإذا أراد القول رجع إلى القلب، فإن كان له قال، وإلا فلا، والجاهل قلبه في طرف لسانه ما أتى على لسانه تكلم به، وما عقل دينه من لم يحفظ لسانه".
وزنِ الكلامَ إذا نطقتَ ولا تكنْ *** ثرثارةً في كلِّ نادٍ تخطُبُ
أَقْلِلْ كلامكَ واستَعِذْ من شرِّهِ *** إنَّ البلاءَ ببعضِهِ مقرونُ
واحفَظْ لسانَكَ واحتَفِظْ من غَيِّهِ *** حتى يكونَ كأنَّهُ مسجونُ
وكِلْ فؤادَكَ باللسانِ وقُلْ لَهُ *** إنَّ الكلامَ عليكما موزونُ
فَزِنَاهُ وليَكُ مُحْكَمًا ذا قِلَّةٍ *** إنَّ البلاغةَ في القليلِ تكونُ
وقال عيسى- عليه السّلام«طوبى لمن بكى على خطيئته، وخزن لسانه، ووسعه بيته» « انظر حسن السمت في الصمت 65 وقيل لعيسى- عليه السّلام-: دلّنا على عمل ندخل به الجنّة. قال: «لا تنطقوا أبدا»، قالوا: لا نستطيع ذلك، فقال: «فلا تنطقوا إلّا بخير»)* « إحياء علوم الدين للغزالي (3/ 120).». وقال رجل لسلمان- رضي الله عنه-: "أوصني؟ قال لا تكلم. قال: وكيف يصبر رجل على أن لا يتكلم؟. قال: فإن كنت لا تصبر على الكلام، فلا تتكلم إلا بخير أو اصمت" [الصمت لابن أبي الدنيا (215)]. وفي الأثر عن عمرَ وأبي الدرداء - رضي الله عنهما -: قال: "والله لولا أن أجالسَ إخوة لي ينتَقُون أطايبَ القول كما يلتقط أطايب الثمر، لأحبَبْتُ أن ألحق بالله الآن"
لذلك كان أحد الصالحين يجلس في المقابر ولما سئل عن هذا قال: أنا عند أقوام إذا جلست عندهم لا يؤذونني وإذا غبت لا يغتابونني!! فلنعلم أنفسنا الصمت ولنجربه، ولنعاهد أنفسنا على أن نربيها عليه، فإن الدين قد رغَّبَ فيه وحث عليه، وقام بمدحه العقلاء والحكماء، ومن تعلم الصمت ارتاح من الضجيج والإزعاج، وأدرك أنه كان مدمناً للكلام والقيل والقال، وصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: "مَنْ صَمَتَ نَجَا" [الترمذي (2689)]، فالصمت نجاة بنص الحديث، فلنعلم أنفسنا الصمت -إن أردنا السلامة والنجاة
الصَّمْتُ - نجاة للعبد في الدنيا والآخرة فَهُو أَنْفَعُ الدَّوَاءِ، وَفِيهِ -بِإذْنِ اللهِ- السَّلَامَةُ وَالنَّجَاة وقد مدح الشّرع الصّمت وحثّ عليه وجعل النبي صلى الله عليه وسلم حفظ اللسان نجاة للعبد في الدنيا والآخرة؛ فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: " أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ؛ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ؛ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ "( الترمذي وقال: حديث حسن.). لأنه -والعياذ بالله- قد يكون القائد إلى النار، أخرج الترمذي في جامعه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أكثر ما يدخل الناس النار الفم والفرج"، وكما أنه قد يقود صاحبه إلى النار، فإنه يقود صاحبه أيضًا إلى رضوان الله والجنة. وفي حديث سهل بن سعد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة" ولقد رؤي بعض الأكابر من أهل العلم في المنام فسئل عن حاله فقال: "أنا موقوف على كلمة قلتها، قلت: وما أحوج الناس إلى الغيث، فقيل لي: وما يدريك؟! أنا أعلم بمصلحة عبادي"وعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْروٍ -رضي اللّه عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم: « مَنْ صَمَتَ نَجَا »)* « الترمذي (2503) وهذا لفظه، وقال: هذا حديث غريب. وقال الحافظ العراقي في الإحياء (3/ 118): رواه الطبراني بسند جيد، وقال الحافظ بن حجر في الفتح (11/ 315): رواته ثقات. وانظر «موسوعة أطراف الحديث النبوي» (8/ 387).». وَخَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّكَ لَنْ تَزَالَ سَالِمًا مَا سَكَتَّ، فَإِذَا تَكَلَّمْتَ، كُتِبَ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ". وعن عمرو بن قيس- رحمه اللّه- أنّ رجلا مرّ بلقمان، والنّاس عنده، فقال: «ألست عبد بني فلان؟ قال: بلى.قال الّذي كنت ترعى عند جبل كذا وكذا؟ قال: بلى. قال: فما الّذي بلغ بك ما أرى؟.قال: «صدق الحديث، وطول السّكوت عمّا لا يعنيني»)* « الصمت لابن أبي الدنيا (265).».
قال محمّد بن الفضل الحارثيّ- رحمه اللّه تعالى-: «كان يقال: كثرة الكلام تذهب الوقار»)« حسن السمت في الصمت للسيوطي (28).».
وقال الشّاعر:من لزم الصّمت اكتسى هيبة ... تخفي على النّاس مساويه لسان من يعقل في قلبه ... وقلب من يجهل في فيه) مساويه:تعنى عيوبه.».« حسن السمت في الصمت للسيوطي رقم (120) (ص 49، 50).».وقال غيره:لسان المرء ينبي عن حجاه « حجاه: عقله.». ... وعيّ المرء يستره السّكوت)* « الآداب الشرعية (1/ 38).».
فَكَمْ مِنْ عَيْبٍ وعَوْرَةٍ سَتَرَها الصَّمْتُ وَأَخْفَاها، وَكَمْ مِنْ سيئة وفَضِيحَةٍ جَلَبَها الكَلَامُ وَأَبْدَاهَا، وَقَدْ يُرَى الرَّجُلُ مَهِيبًا وَقُورًا إِذَا تَكَلَّمَ سَقَطَ وَقَارُهُ، أَوْ مُعَظَّمًا فِي النُّفُوسِ إِذَا نَطَقَ بَانَ جَهْلُهُ وَعُوَارُه، وَكَثُر بَعْدَ تَعْظِيمِهِ احْتِقَارُهُ.ومِنْ هُنَا كَانَ الصَّمْتُ سَجِيَّةَ الحُكَمَاءِ، وَشِيْمَةَ العُقَلَاءِ، وَكَانَتِ الثَّرْثَرَةُ سِمَةَ الحَمْقَى وَالجُهَلَاءِ. ِذَا تَمَّ عَقْلُ المَرْءِ قَلَّ كَلَامُهُ *** وَأَيْقِنْ بِحُمْقٍ لِلْفَتَى المِهْذَارِ
إِنَّ المُؤْمِنَ الفَطِنَ -يَا عِبَادَ اللهِ- هُوَ الذِيْ يَتَحَرَّى فِي كَلَامِهِ قَبْلَ أَنْ يَنْطِقَ بِهِ، يَعِيشُ فِي حَذَرٍ دَائِمٍ مِنْ فَلَتَاتِ لِسَانِهِ، يَجْعَلُ عَمَلَهُ كَثِيرًا، وَكَلَامَهُ قَلِيلًا، وَلِسَانُ حَاِلهِ:
سَأَرْفُضُ مَا يُخَافُ عَلَيَّ مِنْه *** وَأَتْرُكُ مَا هَوِيتُ لِمَا خَشِيتُ
لِسَانُ المَرْءِ يُنْبِي عَنْ حِجَاهُ *** وَعِيُّ المَرْءِ يَسْتُرُهُ السُّكُوتُ
وهذا الفضيل بن عياض يقول : "شيئان يقسّيان القلب: كثرة الكلام وكثرة الأكل".ويقول الأحنف بن قيس -رحمه الله-: "الصمت أمان من تحريف اللفظ، وعصمة من زيغ المنطق وسلامة من فضول القول وهيبة لصاحبه".ويقول أبو حاتم: "الواجب على العاقل أن يلزم الصمت إلى أن يلزمه التكلم، فما أكثر من ندم إذا نطق، وأقل من يندم إذا سكت، وأطول الناس شقاء وأعظمهم بلاء من ابتُلي بلسان مطلق وفؤاد مطبق".ويقول علي بن بكار: "جعل الله لكل شيء بابين، وجعل للسان أربعة؛ الشفتين مصرعين والأسنان مصرعين".
لعمرك مَا شيء علمت مكانه *** أحق بسجن من لسان مذلل
على فيك مما ليس يعنيك شأنه *** بقفل وثيق مَا استطعت فاقفل
فرب كلام قد جر من مزاحة *** فساق إليهم سهم حتف معجل
أرى الصمت خيرا من كلام بمأثم *** فكن صامتا تسلم وإن قلت فاعدل
وقال النووي: بلغنا أن قس بن ساعدة وأكثم بن صيفي اجتمعا فقال أحدهما لصاحبه: كم وجدت في ابن آدم من العيوب؟ فقال: هي أكثر من أن تحصى، والذي أحصيته ثمانية آلاف عيب، ووجدت خصلة إن استعملها سترت العيوب كلها. قال: ما هي؟ قال: حفظ اللسان. وجاء عن جمع من السلف: "العافية عشرة أشياء؛ تسعة منها في السكوت"فالصمت عن الشر والكلام في الخير عنوان سعادة المرء، يقول خالد بن الحارث "السكوت زين للعاقل وستر للجاهل".
إن اللسان إذا حللت عقاله *** ألقاك في شنعاء ليس تقالي
يقول الغزالي: "من تأمل آفات اللسان علم أنه إذا أطلق لسانه لم يسلم، وعند ذلك يعرف سر قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من صمت نجا"؛ لأن هذه الآفات كلها مهالك ومعاطب، وهي على طريق المتكلم، فإن سكت سلم من الكل، وإن نطق وتكلم خاطر بنفسه إلا أن يوافقه لسان فصيح وعلم غزير وورع حافظ ومراقبة لازمة، ويقلل من الكلام، فعساه يسلم عند ذلك".
إن كان يعجبك السكوت فإنه *** قد كان يعجب قبلك الأخيار
ولئن ندمت على سكوتي مرة *** فلقد ندمت على الكلام مرارا
إن السكوت سلامةً ولربما *** زَرَعَ الكلام عداوةً وضِرارا
ومن الصمت أن يصمت المرء عن قول الكلام البذيء، والتلفظ بالألفاظ الدونية، والكلمات الدارجة التي يتم التعبير بها عن قضايا الجماع وما يتبعه ويلحق به من كلمات وألفاظ. اسمعوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يرشدنا إلى قمة الحياء في التنزه عن التصريح بمثل هذا الكلام الذي يستحي من ذكره الناس العقلاء، ويترفعون عن التصريح به، فيخبر -عليه الصلاة والسلام- أن المرأة البكر إذا جاءها من يخطبها فأخُبرت بذلك فإنه يكفي في موافقتها عليه الصمت والسكوت.روى مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا" [مسلم]. وعَنْ عَائِشَةَ، -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم: " الْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ. قُلْتُ: إِنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحْيِي! قَالَ: إِذْنُهَا صُمَاتُهَا" [البخاري ].فعلينا أن نربي أنفسنا وندربها على هذه العبادة الجليلة عبادة الصمت، ونعلمها السكوت وعدم النطق عن كل كلام لا خير فيه ولا فائدة منه، فضلاً عن الكلام المحرم والقول الباطل.
ومن المواطن التي ينبغي الصمت فيها أن يصمت الإنسان عن الخوض في الجدالات، والدخول في المتاهات، والتعمق في الجدل والمناظرات، خاصة المناظرات التي لا فائدة منها ولا حاجة لها، وإنما هي نوع من التفلسف الكلامي والترف الجدلي. يقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَنَا زَعِيمُ بَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ، وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبَيْتٍ فِي أَعَلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ" [ المعجم الأوسط (4693)
فيا أيها الأخ، والله! إني عليك لمشفق، ولك محب، فأمسك عليك لسانك، وكف عن أعراض الناس، وإذا أردت أن تذكر عيوب صاحبك فاذكر عيوب نفسك، كما قال ابن عباس -رضي الله عنهما-وقال أبو هريرة -رضي الله عنه-: يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه وينسى الجذل أو الجذع في عين نفسه!.وقال بكر بن عبد الله المزني: إذا رأيتم الرجل مولعا بعيوب الناس، ناسيا لعيبه، فاعلموا أنه قد مُكر به.
إذا رُمتَ أن تحيا سليماً من الردى *** ودينُك موفورٌ وعرضُكَ صَيِّنُ
فلا ينطقنْ منك اللسانُ بسوأةٍ *** فكلك سوءاتٌ وللناس ألسُن
وعينك إن أبدتْ إليك معايباً *** فدعْها وقل يا عينُ للناس أعين
وعاشِرْ بمعروفٍ وسامح مَن اعتدى *** ودافِعْ ولكنْ بالَّتِي هي أحسن
نماذج رائعة في حفظ السلف لألسنتهم
وَلِلسَّلَفِ الصَّالِحِ أَحْوَالٌ عَجِيبَةٌ فِي حِفْظِ أَلْسِنَتِهِم فلو نظرنا في سير الصالحين وتأملنا في أحوال المتقين لرأينا أنهم من الصامتين، نعم من الصامتين عن اللغو والباطل، المكثرين من ذكر الله وقول الحق. فهاهم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصفونه بأبي هو وأمي بقوله: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُكْثِرُ الذِّكْرَ، وَيُقِلُّ اللَّغْوَ، وَيُطِيلُ الصَّلَاةَ، وَيُقَصِّرُ الْخُطْبَةَ، وَلَا يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الْأَرْمَلَةِ، وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِيَ لَهُ الْحَاجَةَ " [النسائي (1414)].وفي الأثر: أن عمر اطَّلع على أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- وهو يضع حصاة في فيه، يمنع بها نفسه عن الكلام، ويمد لسانه بيده، فقال له عمر: "مَه! غفر الله لك ما تصنَعُ يا خليفة رسول الله؟ قال: إنَّ هذا أوردني الموارد؛« إحياء علوم الدين (3/ 120).». وما أورده -رضي الله عنه- إلا كل خير،.وقد روى الإمام مالك مثل ذلك عن عمر بن الخطاب0
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود -رضي اللّه عنه- أنَّهُ ارْتَقَى الصَّفَا فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، فَقَالَ: يَا لِسَانُ، قُلْ خَيرًا تَغْنَمْ، واسْكُتْ عَنْ شَرٍّ تَسْلَمْ، مِن قَبْلِ أَنْ تَنْدَمَ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "أَكْثَرُ خَطَأِ ابنِ آدَمَ فِي لِسَانِهِ"[ المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 534). وقال: رواه الطبراني، ورواته رواة الصحيح، وأبو الشيخ في الثواب والبيهقي بإسناد حسن.».
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُودٍ- رضي اللّه عنه-: "واللهِ الّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، مَا شَيءٌ أَحْوَجَ إِلَى طُولِ سَجْنٍ مِنْ اللِّسَانِ"« إحياء علوم الدين (3/ 120).».
وقد كانوا يحاسبون أنفسهم في جميع أقوالهم، حتى إن أحدهم ليحاسب نفسه في قوله: يوم حار ويوم بارد،وقال بعض الصحابة لجاريته يومًا: "هاتي السفرة نعبث بها"، ثم قال: "أستغفر الله ما أتكلم بكلمة إلا وأنا أخطمها وأزمها إلا هذه الكلمة، خرجت مني بغير خطام ولا زمام". وَقَالَ الإِمَامُ ابنُ دَقِيقِ العِيدِ -رحمه الله-: "مَا تَكَلَّمْتُ كَلِمَةً، وَلَا فَعَلْتُ فِعْلاً، إِلَّا وَأَعْدَدْتُ لَهُ جوَابًا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ -عز وجل-".
و بلغ بالسلف عد كلامهم حماية وحراسة لألسنتهم يقول الفضيل بن عياض -رحمه الله-: "أعرف الآن من يعد كلامه من الجمعة إلى الجمعة"ويَقُولُ أَحَدُهُم يعني نفسه-: "أَعْرِفُ رَجُلًا مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً مَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ يُعْتَذَرُ مِنْهَا!". وقال ابراهيم التميمي: أخبرني من صحب الربيع بن خيثم عشرين عاما ما سمع منه كلمة تعاب.وقيل للربيع: يا أبا يزيد، ألا تذم الناس؟ فقال الربيع: والله! ما أنا عن نفسي براضٍ فأذم الناس، إن الناس خافوا الله على ذنوب الناس وأمِنوه على ذنوبهم! صَدَقَ رحمه الله فإننا نقول: نخشى عذاب الله من فعل فلان ومن قول فلان، ولا نخشى من عذاب الله من أفعالنا وأقوالنا، والله المستعان!.
بل كانوا -رحمهم الله- يحفظون ألسنتم منذ بلوغهم وتعقلهم، يقول البخاري: "ما اغتبت أحد منذ عقلت أن الغيبة حرام".
وقال عبد الله بن أبي زكريا: عالجتُ الصمت عشرين سنة وكان لا يدع أن يغتاب في مجلسه أحداً ويقول: إن ذكرتم الله أعنَّاكم، وإن ذكرتم الناس تركناكم.وذكر هناد بن السري في الزهد بسنده إلى الحسن أنه قال: يخافون أن يكون قولنا(حميد الطويل) غيبة.وعن جرير بن حازم قال: ذكر ابن سرين رجلا فقال: ذاك الرجل الأسود. ثم قال: أستغفر الله، إني أراني قد اغتبته. وكان عبد الله بن وهب -رحمه الله- يقول: نذرتُ أني كلما اغتبت إنسانا أن أصوم يوما فأجهدني، فكنت أغتاب وأصوم، فنويت أني كلما اغتبت إنسانا ان أتصدق بدرهم، فمن حب الدراهم تركت الغيبة. قال الذهبي معلقا: هكذا والله كان العلماء، وهذا هو ثمرة العلم النافع.
كتابة الملكين لكلام العباد
اعلموا عباد الله: أن كل كلمة تتلفظ بها قد سُطِّرت عليك في كتاب عند ربي { لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى } [طه:52].ويظن كثيرٌ من الناس أن الكلام الذي يخرج منه لا يحاسب عليه إلا إذا كان يحتمل الصدق أو الكذب أو شهادة أو يمين أو غير ذلك مما يترتب عليه ضررٌ أو أثرٌ أو حُكْمٌ!!وهذا فهم خاطئ لأن كل كلمة تتكلم بها؛ أو لفظٍ تتلفظ به يكتب عليك خيراً كان أو شراً ؛ لذلك لابد أن ننبه على هذا الخطر الجسيم الذي تقعون فيه كثيراً وأنتم لا تشعرون.ومما يدل على ذلك قوله تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ق:16-18].، يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله : " ( إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ ) يعني : الملكين اللذين يكتبان عمل الإنسان ، ( عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ) أي : مترصد ( مَا يَلْفِظُ ) أي : ابن آدم ( مِنْ قَوْلٍ ) أي : ما يتكلم بكلمة ( إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) أي : إلا ولها من يراقبها معتد لذلك يكتبها ، لا يترك كلمة ولا حركة ، كما قال تعالى : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:10-12] قال الحسن البصري وتلا هذه الآية: { عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ } : " يا ابن آدم، بُسطت لك صحيفة، ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك، والآخر عن شمالك، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك، وأما الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك فاعمل ما شئت، أقلل أو أكثر حتى إذا مت طويت صحيفتك، وجعلت في عنقك معك في قبرك، حتى تخرج يوم القيامة، فعند ذلك يقول: { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا }الإسراء: 13 ، 14 ] ثم يقول: عدل -والله-فيك من جعلك حسيب نفسك." ( تفسير ابن كثير )" وقال مجاهد: وكَّل الله بالإنسان مع علمه بأحواله ملكين بالليل وملكين بالنهار يحفظان عمله، ويكتبان أثره إلزاما للحجة: أحدهما عن يمينه يكتب الحسنات، والآخر عن شماله يكتب السيئات، فذلك قوله تعالى: (عن اليمين وعن الشمال قعيد)."( تفسير القرطبي)
وأخـــــبر الله -عز وجل- أن الملائكة تحصي على الناس أقوالهم وتكتبها، فقال -تعالى-: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) [الزخرف:80]. وعن ابن عباس قال : يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر حتى إنه ليكتب قوله : أكلت وشربت ذهبت وجئت ، حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله فأقر ما كان فيه من خير أو شر ، وألقى سائره ، فذلك قوله تعالى: { يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } [ الرعد : 39 ] . "أ.ه ( تفسير ابن كثير )ولهذا سأل معاذ رضي الله عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال:" يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكُلُّ مَا نَتَكَلَّمُ بِهِ يُكْتَبُ عَلَيْنَا؟ قَالَ:"ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي النَّارِ إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟ إِنَّكَ لَمْ تَزَلْ سَالِمًا مَا سَكَتَّ، فَإِذَا تَكَلَّمَتَ كُتِبَ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ" (الترمذي والطبراني واللفظ له) وعَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: رَكِبَ رَجُلٌ الحِمَارَ، فعَثَرَ بِهِ، فَقَالَ: تَعِسَ الحِمَارُ، فَقَالَ صَاحِبُ اليَمِينِ: مَا هِيَ حَسَنَةٌ أَكْتُبُهَا، وقَالَ صَاحِبُ الشِّمَالِ: مَا هِيَ سَيِّئَةٌ فأَكْتُبَهَا، فأَوْحَى اللهُ إِلَى صَاحِبِ الشِّمَالِ: مَا تَرَكَ صَاحِبُ اليَمِينِ مِن شَيْءٍ، فاكْتُبْهُ، فأَثْبَتَ فِي السَّيِّئَاتِ تَعِسَ الحِمَارُ ." (جامع العلوم والحكم لابن رجب) وذكر عن الإمام أحمد أنه كان يئن في مرضه، فبلغه عن طاووس أنه قال: يكتب الملك كل شيء حتى الأنين. فلم يئن أحمد حتى مات رحمه الله. (رواه صالح بن الإمام أحمد في سيرة أبيه)
وقال جل وعلا: { إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولَاً } [الإسراء:36].فستُسأل بين يدي الله عن كل كلمة وفعلة ومن المعلوم أن كل كلمة نتكلم بها تسجل وتحصى، وقال جل وعلا:{إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الجاثية:29].
و يقول الله (أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ [المجادلة:6) وقال تعالى: { وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ [القمر:52-53 ) فجدير بك أن تحفظ لسانك، وأن تمسك عن الشر، وعن الخوض في أعراض المؤمنين والمؤمنات واعلم يا عبدالله أن الله وكَّل عليك ملكين أحدهما عن يمينك موكل بكتابة الحسنات والآخر عن يسارك موكل بكتابة السيئات يرصدان أقوالك وأفعالك وحركاتك وسكناتك ؛ كما جاء في الأحاديث والآثار "
المشاهدات 3160 | التعليقات 2
فضيلة الشيخ المبارك سعد
اشكرك على مو ضو عك القيم والمفيد
فجزاك الله خير فجزاء وبارك الله في جهودك.
ولكم اجمل تحياتي وتقديري
زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية
بورك فيك شيخ سعد وأسعدك الله كما أسعدتنا بهذا المادة الطيبة وهذا الجمع المفيد الماتع وأعتقد أنه أخذ منك جهدا مضنيا ووقتا كثيرا لكنه نفع كثيرا كتب الله أجرك.
تعديل التعليق