خطر الكهانة *موافقة للتعميم* 23-3-1443هـ

محمد آل مداوي
1443/03/22 - 2021/10/28 08:32AM

الحمدُ للهِ الذي رَفَعَ رايةَ التوحيد، ونَصَرَ عِبادَهُ المُوَحِّدين، أشهدُ أنْ لا إله إلَّا هو رَبُّ الأوَّلِينَ والآخِرين، وأشهدُ أنَّ مُحمَّدًا رَسُولُه الكَرِيم، ونبيُّهُ الأَمِين، أرسَلَهُ اللهُ كافَّةً إلى الناسِ أجمعين، صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصَحبِه أجمعين، ومَنْ تَبِعَهُم بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد:

فأُوصِيكُم ونفسي بِتَقْوَى الله، فاتَّقوا اللهَ رحمكم الله، واعْتَصِمُوا بحَبْلِه المَتين، وصِرَاطِهِ المُستَقِيم، فَذَلِكَ الفَوزُ المُبين، واعلَمُوا أنَّ أَقْبَحَ القَبَائحِ: مَعْصِيةُ الله، وأنَّ النَّجَاةَ في طَاعَتهِ ونَيْلِ رِضَاه، (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ).

أيها المسلمون: لقد أبَانَ اللهُ لنا عَدُوًّا مُبِينا، لا فِتنَةَ على الخَلْقِ أَشَدَّ مِنه، لا كانَ ولا يَكونُ في الأعدَاءِ أَظْهَرَ مِنه، قالَ سُبحانَه: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) عَدُوٌّ لا يَفْتُرُ ولا يَنْقَطِع، بِضَاعَتُهُ الكَذِبُ والافْتِرَاءُ، والتَّضْلِيلُ والإغْوَاء، قالَ تعالى: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ)

وإنَّ مِنْ طُرُقِ الغِوَايَةِ التي يُضِلُّ بها الشَّيْطَانُ بَنِي آدَم: طُرُقُ العَرَّافِين، والسَّحَرَةِ والدجَّالين، والكَهَنَةِ والمُشَعْوِذين.. عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالَتْ: سَأَلَ نَاسٌ رسولَ الله r عَنِ الكُهَّانِ فقال: (إنَّهم ليسُوا بِشَيء)، فقالوا: يا رسولَ الله، إنَّهم يُحَدِّثُونَنَا أحيانًا بالشَّيءِ فيَكونُ حقًّا، فقالَ r: (إنَّ الملائكةَ تَنْزِلُ في العَنَانِ -وهو السَّحَاب- فتَذْكُرُ الأمرَ قُضِيَ في السَّمَاء، فتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَتَسْمَعُهُ فتُوحِيهِ إلى الكُهَّان، فيَكْذِبُونَ معَهَا مِئةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أنفُسِهِم)، وفي رواية: (تِلكَ الكَلِمَةُ مِنَ الحَقِّ يَخْطِفُها الجِنِّيُّ فيُقِرُّها في أُذُنِ وَلِيِّه قَرَّ الدَّجَاجَةِ، فيَخْلِطُونَ فيها أكثرَ مِنْ مِئةِ كَذْبَة) متفق عليه.

ولقد نهَانا النبيُّ r عَنِ الذَّهَابِ إلى الكُهَّانِ ابتِدَاءً؛ عن مُعاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ t أنَّهُ قالَ للنبيِّ r: يا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، وقَدْ جَاءَ اللَّهُ بالإسلَامِ، وإِنَّ مِنَّا رِجَالًا يَأْتُونَ الكُهَّانَ، قَالَ: (فَلَا تَأْتِهِمْ) رواه مسلم.

ومَنْ خَالَفَ أَمْرَ النبيِّ r فأتَى عَرَّافًا؛ حَبِطَ عَنْهُ ثوَابُ صَلاةِ أربعينَ يوما؛ رَوَتْ صَفِيَّةُ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ r عَن النَّبِيِّ r قَال: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) رواه مسلم.

ومَنْ صَدَّقَ كلامَ العَرَّافِ؛ فقد وَقَعَ في الكُفْرِ والعِيَاذُ بالله؛ فعن أبي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ -رضي الله عنهما- عَن النَّبِيِّ r قَال: (مَنْ أَتَى كَاهِنًا أو عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ؛ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ r) رواه أحمد.

وعن عِمْرَانَ بنِ حُصَينٍ t قال: قَالَ رسولُ الله r: (ليسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّر أو تُطِيَّر له، أو تَكَهَّنَ أو تُكُهِّنَ له، أو سَحَرَ أو سُحِرَ له).

ولِهَذا؛ فإنَّ مِنَ الخَطَرِ العَظِيمِ عَلَى قَلْبِ المُؤمِنِ أَنْ يَحْضُرَ مَجَالِسَ الكُهَّانِ والعَرَّافِينَ، أو يُشَاهِدَ بَرَامِجَهُمْ، أو يَسْتَمِعَ إلى أحَادِيثِهِمْ عَمَّا يَدَّعُونَهُ مِنْ عِلْمِ المُسْتَقْبَل، أو التَّنَبُّؤِ بالنُّجُومِ والأبرَاجِ ونحوِ ذلك؛ فَفِي هذا هَلاَكُ القَلْبِ، وفَسَادُ الدِّين.

وبعدُ مَعاشِرَ المسلمينَ: فإنَّ اللهَ هو المُتَفَرِّدُ وَحْدَهُ بِعِلْمِ الغَيْب، فَمَنِ ادَّعَى مُشَارَكَةَ اللهِ في شَيءٍ مِنْ ذَلِكَ فقد جَعَلَ للهِ شَرِيكًا وَكَذَبَ على اللهِ ورَسُولِه.. ومَنْ تَرَكَ طَاعَةَ اللهِ إلى طَاعَةِ غَيرِه واتَّبَعَهُ في أَمْرِ دِينِهِ؛ فقَدْ أَشْرَكَ بالله، (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) ؛ فاسْتَمْسِكوا بدِينِكُم وعَقِيدَتِكُم، فأَنْتُم على المحَجَّةِ البَيْضَاء، لَيْلُهَا كنَهَارِها، لا يَزِيغُ عنها إلا هَالِكٌ.. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم. 

 

الخطبة الثانية

 

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والعَاقِبةُ للمُتَّقين، ولا عُدوانَ إلَّا على الظالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّم على نَبِيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:

فإنَّ مَنْ تَعَلَّقَ شيئًا وُكِلَ إليه، فمَنْ تَعَلَّقَ برَبِّهِ ومَوْلَاه؛ رَبِّ كُلِّ شَيءٍ ومَلِيكِه؛ كَفَاهُ ووَقَاهُ، وحَفِظَهُ وتَوَلَّاه، فهُوَ نِعْمَ المَوْلى ونِعْمَ النَّصِير، ومَنْ تَعَلَّقَ بالكَهَنَةِ والسَّحَرَة، والشَّيَاطِينِ والمُشَعْوِذِينَ وغَيرِهم مِنْ أَفَّاكِي المَخْلُوقِين؛ وَكَلَهُ اللهُ إلى مَنْ تَعَلَّقَ به.

ومِنْ دَقَائقِ المعَاني: أنَّ اللهَ سُبحَانَهُ وتَعالى ذَكَرَ في كِتَابِهِ الكَريم أنَّ الذينَ اتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ هُمُ الذينَ نَبَذُوا كِتَابَ اللهِ وراءَ ظُهُورِهِمْ، فقالَ سُبحَانَه: (وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ *  وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ..)

 

فاتَّقوا الله عِبادَ الله، احْفَظُوا إِيمَانَكُمْ، وَإِيَّاكُمْ وَمَا يَخْدِشُ عَقِيدَتَكُمْ؛ فهِيَ أَنْفَسُ ما تَمْلِكُونَ.. تَعَاهَدُوا أَبْنَاءَكُمْ وبَنَاتِكُمْ، حَصِّنُوهُمْ باسْمِ الله، واغْرِسُوا فيهِمْ التَّوَكُّلَ على الله؛ فَإنَّهُمْ عُرْضَةٌ بِهَذِهِ الوَسَائِلِ الحَدِيثَةِ إلى الأخْطَارِ الكَثِيرَة، على العَقِيدَةِ والدِّين، والأَخلاقِ والمُعامَلات.

هذا وصلُّوا وسلِّمُوا -رحمكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين: أبى بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأَذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمِ حوزةَ الدين.. اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتَنَا فيمن خافك واتقاك واتبعَ رضاك يا رب العالمين.

اللهم أيّد بالحق والتوفيق إمامنا وولي أمرنا، اللهم وفقه وولي عهده لهُداك، واجعل عملهم في رضاك، وهيء لهم البطانة الصالحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه، واجمع بهم كلمة المسلمين يا رب العالمين.. اللهم ووفق جميع ولاة أمور المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أصلح قلوبَنا، واشرح صدورَنا، ويسِّر أمورَنا، وانصر جنودَنا، اللهم اِرْبِطْ على قُلُوبِـهم، وثَبِّتْ أقدامَهُم، وانصُرهم على القومِ المعتدين، واخْلُفْهُم في أهليهِم بخيرٍ يا رب العالمين.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا.. اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدراراً، برحمتك يا أرحم الراحمين.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

المرفقات

1635409954_خطبة 23-3-1443 خطر الكهانة.docx

المشاهدات 1527 | التعليقات 0