خطر الدين

أحمد علي أحمد
1434/01/22 - 2012/12/06 14:44PM
خطر التساهل بالديون


إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا . أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله, فإن خير الزاد التقوى ( واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ) ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّاقَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) .
عباد الله: جعل الله النهار معاشاً لكسب الرزق وطلب العيش, وحث سبحانه على السعي في تحصيل المال وكسبه, كما قال تعالى ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) ومن رحمة الله تعالى أن يوفق عبده لتدبير معيشته, والاستغناء عن مد يده لغيره، وهناك من الناس من لا يحسن تدبير معيشته, فينفق أكثر مما يأتيه, فيضطر إلى أن يلجأ نفسه إلى الدَّين بسب سوء تدبيره، والنبي r تعوذ بالله من غلبة الدَّين, الدَّين الذي يغلب صاحبه فيعجز عن قضائه, لأنه حمل ثقيل وهم عظيم, فقال " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال " وكان يدعو ويقول " اللهم استر عورتي، وآمن روعتي، واقض عني ديني " حسنه الألباني وعن عبد الله بن عمرو t أن رسول الله كان يدعو بهؤلاء الكلمات " اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين, وغلبة العدو, وشماتة الأعداء " حسنه الألباني .

فالمديون مهموم مغموم ولو رآه الناس فرحًا مسرورًا, بل مقيد أسير بدينه, ولو رآه الناس حرًا طليقًا, يمنعه دينه من الخشوع في عبادته, والطمأنينة في جسده, والراحة بين أهله وولده، دائم التفكير, منشغل البال, إنها الديون التي أضحى كثير من الناس ضحيتها، وأمسى عدد من الرجال فريستها, أقضت مضاجعهم، وأقلقت حياتهم, كم أذلت الحاجة رؤوسا، وكم أتعبت الفاقة نفوسا، دخل رسول الله r المسجد ذات يوم, فرأى أبا أمامة جالسًا فيه, فقال r " يا أبا أمامة: ما الذي أجلسك في المسجد في غير وقت صلاة؟ " قال: يا رسول الله، هموم لزمتني وديون غلبتني, فقال عليه الصلاة والسلام " أو لا أدلك على كلمات إذا قلتهن أذهب الله عنك همك وقضى عنك دينك؟ " قال: بلى يا رسول الله, قال " قل إذا أمسيت وأصبحت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال " رواه أبو داود وحسنه المنذري .


وللأسَفِ الشّديد عباد الله, فإن التهافتَ على الدَّين اليوم, أصبَحَ ظاهرةً خطيرة في مجتمَعنا، فالمصارفُ فتحَت أبوابها بأنواعِ القروض, فحمَّل بعض الناس ذمّتَه فوقَ ما تستطيع, وأصبح مرتهنا بدينه, يكابد سنوات طويلة في قضائه, وما يبقى من راتبه, فلا يكفي نفسه وأهله وبيته, حتى انتهى الحال ببعضهم إلى السجن أو إلى بيع ممتلكاتهم, حتى يعيد للدائنين أموالهم .

وإن أدلة الشرع المطهر تحذر من الدين، فها هو الشهيد الذي يغفر له عند أول قطرة من دمه، ويؤمن من عذاب القبر وفتنة القبر، ويشفع في سبعين من أهله، وروحه في حواصل طير خضر في الجنة تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش، يغفر له كل شيء إلا الدَّين، كما جاءت بذلك السنة الثابتة عن النبي r" يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين " رواه مسلم وقال رجل: يا رسول الله! أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي؟ فقال r" نعم وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر إلا الدين " وقال عليه الصلاة والسلام " سبحان الله! ماذا أنزل من التشديد في الدَّين، والذي نفسي بيده، لو أن رجلاً قتل في سبيل الله ثم أحيي، ثم قتل ثم أحيي ثم قتل، وعليه دين, ما دخل الجنة حتى يقضى عنه دينه " صححه الألباني و" نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه " قال r لسعد لما مات أخوه " إن أخاك محتبس بدينه فاقض عنه " فقال يا رسول الله قد أديت عنه إلا دينارين ادعتهما امرأة وليس لها بينة قال " فأعطها فإنها محقة " صححه الألباني

وأتيَ الني صلى الله عليه وسلم بجنازة ليُصلِّيَ عليها فقال " هل عليهِ من دَيْنٍ " قالوا: لا, فصلَّى عليه، ثم أُتي بجنازة أخرى فقال " هل عليهِ من دَيْن " قالوا: نعم, فقال " صَلُّوا على صاحبكم " قال أبو قتادةَ: عليَّ دينهُ يا رسولَ الله, فصلَّى عليه. رواه البخاري, ثم لقي النبي r أبا قتادة من الغد فقال " ما فعل الديناران " قال: قد قضيتهما يا رسول الله, فقال " الآن بردَتْ عليه جلدُه " حسنه الألباني .

عباد الله: ومن ابتلي بالحاجة فاستدان, وجب عليه أن يجتهد في قضاء دينه سريعا حتى تبرأ ذمته، ويلقى ربه خاليا من الديون، ومن استدان دينا وهو ينوي الخير ويعزم على السداد, فإن الله تعالى سيوفقه لذلك ويعينه, وإن لم يستطع أداه الله عنه في الآخرة قال r " ما من مسلم يدَّانُ ديناً، يعلم الله أنه يريد أداءه، إلا أداه الله عنه " صححه الألباني, ومن كانت نيته سيئة, يريد المماطلة وعدم السداد, أتلف الله ماله ومحق بركته, قال r" من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله " رواه البخاري وعند ابن ماجه " أيما رجل تدَّين ديناً وهو مجمع -أي عازم- ألا يوفيه لقي الله سارقاً " صححه الألباني ومن كانت عنده مظلمة لأخيه من مال أو عرض, فليتحللها من صاحبه, من قبل أن يؤخذ منه, فإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته, وإن لم يكن له أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه .

عباد الله: وإن من وصايا الشريعة التيسير على أهل الإعسار والفاقة، وإمهال المعسر وإنظاره حتى يقدر على السداد قال تعالى ( وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) وجاء في حديث أبي هريرة t عن النبي r " ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة "رواه مسلم, ومن أعظم أنواع التيسير الحط من الدين كلا أو جزءاً، جاء في الصحيحين عن النبي r" كان تاجر يبايع الناس، فإذا رأى معسراً قال لفتيانه: تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه " وعند مسلم, من حديث أبي قتادة عن النبي r قال " من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه " وفيه أيضاً في حديث أبي اليسر الطويل عن النبي r قال " من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله " صححه الألباني " من نفس عن غريمه أو محى عنه كان في ظل العرش يوم القيامة " صححه الألباني ومن ترك شيئا لله, عوضه الله خيرا منه, ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة, تلكم وصايا نبيكم فالتزموا نهجه وأمره, تسعدوا وتفلحوا .

بارك الله لي ......



الحمدلله على إحسانه, والشكر له على توفيقه وامتنانه, .... أما بعد:


عباد الله: أوصيكم ونفسي أن نجتهد ما استطعنا في تجنب الاستدانة، فالدين أمره عظيم, يحمل صاحبه على الكذب والوقوع في الإثم, كان r يقول " اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم " فقال له قائل: ما أكثر ماتستعيذ من المغرم فقال " إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعدفأخلف " رواه البخاري .

اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء منزل التوراة والإنجيل والقرآن العظيم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين وأغننا من الفقر .

اللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن، ونعوذ بك من العجز والكسل، ونعوذ بك من الجبن والبخل، ونعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال

ثم صلوا وسلموا ....
المشاهدات 2291 | التعليقات 0