خطر التقنية - خطبة مستفادة من مجموعة خطب مع بعض الإضافات

عبد الرحيم المثيلي
1442/01/22 - 2020/09/10 23:45PM

الخطبة الأولى

أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون لعلكم تفلحون..

عباد الله: إننا نعيش في هذا العصر بين نعم كثيرة منَّ الله بها علينا لم يمن بها على من قبلنا، وفيه وسائل عديدة ظهرت لم تكن معروفة في العصور السابقة.

ومن هذه النعم التي نتقلب فيها: نعمة التقنية وما تحمله من تسهيلات كبيرة، وخدمات جليلة، لو تمعن الإنسان فيها لعرف حقاً قول الله -سبحانه وتعالى: (عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) [العلق : 5]، وقوله: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الجاثية : 13].

أقمار صناعية، وشبكات دولية، وتلفاز فيه كل قنوات العالم وثقافاتُه، وشبكة عنكبوتية عالمية تحتوي على كل شيء، وجوالات حديثة ومتطورة تحمل تقنيات عالية وبرامجَ مثيرة، وغيرها من أنواع التقنية.

هذه التقنيات التي انتشرت وراجت في العالم كله، وأصبح الكل يستخدمها سواء في الدول الفقيرة أو الدول الغنية، وسواء من المسلمين أو الكفار، بل أصبح لا مناص اليوم من استخدامها والتعامل معها؛ لأنها صارت ضرورة من ضروريات العصر.

عباد الله: هذه التقنية فيها الخير والشر، والصلاح والفساد، فهي سلاح ذو حدين، من استخدمها في الخير فقد فاز وربح، ومن استخدمها للشر فقد خاب وخسر, هذه التقنية سهَّلت للإنسانِ الكثيرَ مِن أمور دنياه، وأعانته في عبادته وتقرُّبه من مولاه. فكم من صفقة تجارية أُبرمت عن طريقها! وكم من خدمات حكومية وأهلية نفذت بواسطتها! وكم أُسعد من آباء وأمهات حين وصلتهم بأبنائهم، رغم طول المسافات!

وهي أداة لصلة الأرحام، يتواصل المؤمن بها مع أهله وأقربائه وأحبابه، وهي أداة إسعاف في الحوادث، وأداة نجدة لدفْع الكوارث، وعن طريقها سهل تعلّم العلم وتعليمه, وتلاوة القرآن والكتب النافعة.

لكن الذي يجب أن نتنبه له أن المصيبة التي نعايشها اليوم: هو إن الاستعمال السيء لهذه التقنية أصبح هو الغالب والظاهر، واستخدامها في الشر والحرام أصبح هو السائد لدى كثيرٍ من أبناء الأمة وشبابها وفتياتها.

أيها المسلمون: إن خطر هذه التقنيات يكمن في كونها منفتحة لا حدود لها، ولا قيود عليها، ولا يستطيع أحد في أكثر الأحيان أن يتحكم فيها أو يتصرف في تغيير مسارها، وفي بعض الأحيان يأتيك شرها وإن لم تطلبه، وتصل إليك سمومها وإن لم تبحث عنها، أو تصل إليك بصور خبيثة ملتوية لا تتوقعها، ولا تظن أن الشر في وسطها -والله المستعان-.

إن هذا الانفتاح الهائل الموجود في هذه التقنيات سهّل للشر أن ينتشر بكل يسر وسهولة، فانهدمت الأخلاق، وراج الفساد وانتشر، وصارت مظاهر التفسخ والعري مظاهر عادية يشاهدها المرء كل يوم، إن لم يكن في الواقع الحسي فإنه يشاهدها في العالم الافتراضي عبر هذه التقنيات.

إن المستخدم لهذه التقنيات إن لم يضبط نفسه بالضوابط الشرعية ويجعل لنفسه حدوداً في التعامل معها فإنه سيغرق في بحارٍ من التيه والضياع، وتأخذه إلى لجج الشبهات والشهوات فيضل ضلالاً بعيداً. يقول النبي r: "وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا، وَيُمْسِي كَافِرًا، يَبِيعُ قَوْمٌ دِينَهُمْ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا قَلِيلٍ، الْمُتَمَسِّكُ يَوْمَئِذٍ بِدِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ أَوْ قَالَ: عَلَى الشَّوْكِ" [ أخرج الإمام أحمد ].

ومن مخاطر هذه التقنيات الحديثة: أنها شغلت كثيراً من شبابنا ونسائنا عن التزام طريق الجادة، وحولت بعضهم إلى مدمنين لا يعرف عملاً إلا الانشغال بهذه الوسائل، ولا يزور أحداً إلا من يلتقي بهم ويلتقون به من خلف الشاشات.وهذا الإفراط في استخدام هذه التقنيات جعل كثيراً منهم يضيّع الصلوات، ويتكاسل عن أداء الواجبات، ويقصر في متابعة دراسته ومراجعة دروسه، لأن هذه الوسائل استغرقت جل وقته، يقضي معها ليله ونهاره، حتى تجد بعضهم يستخدمها وهو يقود السيارة أو يمشي في الشارع، وينسى أنه محاسب عن عمره فيما أفناه وكيف قضاه؟!. يقول النبي r: "لَنْ يَزُولَ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَا أَنْفَقَهُ" [المعجم الأوسط].

ومن مخاطرها: أنها ساهمت في نشر كثير من السلوكيات المنحرفة والأخلاقيات الساقطة بين مستخدميها، وكلنا يعلم أن الإسلام يدعو إلى محاسن الأخلاق والفضائل ويحارب الرذائل والمساوئ.

ومن مخاطر التقنية: مساهمتها في نشر بعض الأفكار الضالة والمعتقدات المنحرفة والترويج للأفكار الهدامة، خاصة وأكثر المستخدمين لهذه التقنيات هم من فئة الشباب الذين يسهل إغراؤهم وإغواؤهم بدعوات لا تحمل من الإصلاح شيئاً بل هي للهدم والتدمير، وقد يكون وراء ذلك منظمات مشبوهة، بل ودول لها أهداف تخريبية مقصودة.

وقد رأينا وسمعنا من شباب المسلمين ونسائهم من ترك دينه وتنصّر، ومن أصبح ملحداً، ومن تأثر ببعض الأفكار العلمانية والتغريبية التي يمليها عليهم أصدقاء السوء من خلال هذه الوسائل الحديثة.

أيها المسلمونَ: أرأيتُمُ النارَ التي في بُيُوتِكُم هل هي نعمةٌ أم نقمةٌ؟ لا -واللهِ- بلْ هي نعمةٌ عظيمةٌ من نِعَمِ اللهِ، امتنَّ اللهُ بها علينا فقال: (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ) [الواقعة: 71] ولا يخلو بيتٌ من موقدٍ للنارِ، لكنَّها إنْ خرجَتْ عن محيطِ  استخدامِها المقننِ سببت الحرائقَ العظيمةَ، فأزهقت الأنفسَ وأتلفت الممتلكاتِ. وكذلك التقنية مثلها مثل النار لا غنى عنها في هذا الزمن لكن من أساء استخدامها أهلكته وأهله في الدنيا أو في الآخرة..

أقول قولي هذا وأستغفر الله ...

الخطبة الثانية

عباد الله: أطفالنا هم فلذات أكبادنا، وزينة حياتنا، وهبة الله لنا، وهم زهرة الحياة الدنيا، كما قال الله: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [الكهف : 46].

إن أطفالنا يعيشون اليوم في عالم مليء بالتحديات والفتن، يعجز الكبراء عن الوقوف أمامها فضلاً عن هؤلاء النشء الذين لا يميزون بين الصالح والطالح والخير والشر.

ومن هنا فإن مسئوليتنا تجاههم عظيمة، وتربيتنا لهم في هذا العصر ثقيلة وكبيرة، وأمانة الأبناء اليوم هي أعظم أمانة يتحملها الآباء والأمهات وأولياء الأمور.

يقول ابن القيم-رحمه الله-: "وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كباراً".

عباد الله: ومع الحاجة الملحة لاستخدام التقنية في هذه الأيام لاستمرار العملية التعليمية, وعدم انقطاع أبنائنا عن الدراسة فينبغي للآباء والأمهات مراعاةَ ما يلي:

أولاً: مراقبة الأطفال مع الانترنت من خلال مراجعة المواقع التي يتصفحونها باستمرار.

ثانياً: عدم ترك مهمة الشراء من الانترنت للأطفال، وتولي ذلك من قبل أحد الأبوين.

ثالثاً: التحقق من أي برنامج قبل تنزيله أو تثبيته على جواله.

رابعاً: عدم منح الأطفال (كلمة السر) الخاصة بشبكة الانترنت، أو تغييرها باستمرار حتى يتم منعهم من الدخول في الأوقات غير المناسبة.

خامساً: اقتناء برامج الحماية التي تمنع من الدخول إلى المواقع السيئة.

سادساً: لا ينبغي أن يكون لمن هم دون سن الثانية عشر (بريد الكتروني) مستقل، أو واتساب مستقل والأفضل أن يتبادلوا رسائلهم عبر جوال أحد الوالدين.

سابعاً: أخذ الأجهزة منهم قبل النوم، ووضعها في مكانٍ آمن لا تصل إليه أيديهم.

ثامناً: ضبط الوقت، الذي يقضيه الطفل أمام شاشة جواله، وإمكان برمجته على وضع حد أقصى لاستخدام الجوال يومياً.

تاسعاً: وضع جوائز تشجيعية للطفل الذي يظل مدة أطول في البعد عن الجوال.

عاشراً: تشجيع الأبناء على بناء صداقات حقيقية على أرض الواقع، بدلاً من الاكتفاء بصداقات العالم الافتراضي.

حادي عشر: تكليف الطفل بما يتناسب مع سنه، بتحمل بعض المسؤوليات في المنزل، وذلك حتى نشغل جزءاً من وقته، وحتى نشعره بقدرته على المساهمة والإنجاز، وحتى ننمي المهارات الكامنة لديه.

ثاني عشر: صرف جزء من وقت الطفل، في ممارسة أنواع من الرياضات المفيدة، والمسابقات الثقافية وقراءة الكتب بعيداً عن الألعاب الإلكترونية.

ثالث عشر: تربية الطفل وتوجيهه وبناء الثقة معه ليخبر والديه إذا مرت به معلومات تجعله لا يشعر بعدم الارتياح أو يشعر بالريبة تجاهها, وكذلك إذا شعر بألم جسدي؛ بسبب استخدام النت، فقد يكون ذلك للافراط في الاستخدام.

رابع عشر: توعية اﻷطفال من مغبات التعرض للأشخاص أو الجماعات أو الحكومات، والحذر الشديد من نقل الشائعات وتداولها.

خامس عشر: توعية الطفل بعدم الاستجابة للرسائل السيئة أو اللاأخلاقية، وأن يخبر والديه بذلك مباشرة.

عباد الله: هذه بعض التوجيهات أسأل الله أن ينفع بها, وأن يصلح ذرياتنا ويقيهم من فتن الشهوات والشبهات .. ثم صلوا وسلموا رحمكم الله على نبي الرحمة ..

المرفقات

خطر-التقنية

خطر-التقنية

خطر-التقنية-2

خطر-التقنية-2

المشاهدات 1410 | التعليقات 0