خطب جديدة

أمير محمد محمد المدري
1438/04/26 - 2017/01/24 06:41AM
تأملات في سورة الحجرات «1»
الحمد لله الذي جعل هذه الأمة خير أُمةٍ أُخرجت للناس، وجعل فيها كتابه خير منهاج ونبراس، وبذر فيها بذور الخير ففاح شذاً وطاب غراس، اصطفاها من بين سائر الأمم، وأفاض عليها ما شاء من النعم، ودفع عنها كل شر وبأس.
وهو العلي فكل أنواع العلو ثابتة له بلا نكران
وهو العظيم بكل معنىً يوجب التعظيم لا يحصيه من إنسان
وهو الجليل فكل أوصاف الجلال له محققةٌ بلا بطلان


وأصلي وأسلم على من كان لظلامنا بإذن الله ضياء، ولأبصارنا جلاء، جاءنا على حين فترة من الرسل، وانطماس من السبل، فجلى المبهمات، وكشف الغياهب والظلمات، وجاء من عند ربه بكتاب معجز الآيات، واضح البينات، فانهدم بنيان الوثنية، وارتفع لواء الحنيفية.
أنت الذي من نورك البدر اكتسى والشمس مشرقة بنور بهاكا
أنت الذي لما رفعت إلى السما بك قد سمت وتزينت لسراكا
أنت الذي ناداك ربك مرحبا ولقد دعاك لقربه وحباكا


صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الفقهاء العلماء الأكياس، وعلى من سار على نهجهم واتبع دربهم ما ترددت في الصدور الأنفاس.
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) [آل عمران: 102].
أما بعد:
فإن خير الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وبهذين الأصلين اهتدت الأمّة قديمًا، وهما سبيل النجاة في سائر الأزمان والأحوال، من تمسك بهما رشد واستقام، ومن ضل عنهما غوى وهوى، وإنه ليزداد يقيننا ـ معشر المؤمنين ـ يومًا بعد يوم أنه لا خلاصَ لهذه الأمة من هذا الواقع الذي تعيشه والبؤس الذي تحياه لتعود كما كانت خير أمة أخرجت للناس إلا بأن ترجع إلى القرآن الكريم الذي هو سبيل نجاتها وحبل خلاصها وهاديها من حيرتها وموقظها من رقدتها ومنقذها من هلكتها، به تحيا، وفي ضوئه تسير.
وانسجامًا مع هذه القناعة وتفاعلاً مع هذا اليقين فقد رأيت أن نقف مع سورة عظيمة من كتاب الله q نتأمل آياتها، نتأدب بآدابها ونتّعظ بعظاتها.
سورة لا تتجاوز آياتها ثماني عشرة آية، ومع ذلك فهي تتضمن حقائق كبيرة من حقائق العقيدة والشريعة، وتشمل من قواعد التربية والتهذيب، ومبادئ التشريع والتوجيه، ما يتجاوز حجمها وعدد آياتها مئات المرات. إنها سورة الحجرات.
سورة الحجرات آياتها ثمانية عشرة كلماتها 353 حروفها 1493، أما نزولها فهي السورة السادسة بعد المائة بالنسبة للنزول فهي من أواخر ما نزل على النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم.
سورة الحجرات، مدرسة متكامِلة تربّى في ضوئها أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم، فإنها مع قصرها وقلّة عدد آياتها جاءت شاملة لأحكامٍ وآداب وأوامرَ ونواهٍ لا تجدها مجتمعة في سورة سواها.
سورة الحجرات مدرسة قرآنية جاءت تربّى الفرد والمجتمع بل الأمة جميعًا على سموّ الأخلاق وفضائل الأعمال وعلوّ الهمم.
إنها مدرسة عقدية وتشريعية وتربوية، فلا عجَب حينئذٍ أن نرى أخلاقَ الجيل الأول هي أخلاق القرآن التي هي أخلاق رسول الله، ولذلك قادوا الدنيا بأسرها لا بسيوفهم ولا بأموالهم ولكن بأخلاقهم المستمَدَّة من دينهم ومُثُلهم المأخوذة من كتاب ربهم وسنة نبيهم، وأمتنا اليومَ أحوج ما تكون إلى مُنقِذ لها مما هي فيه، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وما صلح أولها إلا بالكتاب والسنة، قال صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا: كتاب الله وسنة رسوله» [أخرجه مسلم في: الحج، باب: حجة النبي «1218» من حديث جابر ب دون قوله: «وسنة رسوله»]..
عباد الله:، هذه السورة ذات الآيات الثمانية عشرة تضع معالم كامِلة لمجتمعٍ رفيع كريم نظيف سليم، مجتمع يصدر عن الله ويتّجه إلى الله، مجتمع نقيّ القلب نظيف المشاعر عفّ اللسان، وقبل ذلك عفّ السريرة، مجتمع له أدب مع الله وأدبٌ مع رسوله وأدب مع نفسه وأدب مع غيره، أدَب في هواجس ضميره وفي حركات جوارحه.
عباد الله: يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «إذا سمعتَ الله يقول: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) [البقرة: 104] فأرعها سمعك، فإنما هو أمر تؤمَر به، أو نهي تُنهَى عنه، أو خبرٍ تخبَر به».
وفي ثنايا هذه السورة المباركة جاءت ستة نداءات: خمسة منها جاء المنادَى فيها موصوفًا بوصف الإيمان، أما النداء السّادس فقد جاء عامًّا للناس كلّهم.
أول هذه النداءات هو قوله q: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [الحجرات: 1].
وسيكون حديثنا هذا اليوم عن هذا النداء الأول منها.
تبدأ السورة بهذا النداء الحبيب، نداء من الله للذين آمنوا به بالغيب، يا من آمنتم بربكم، يا من آمنتم باليوم الآخر، يا من آمنتم بالجنة والنار، يا من آمنتم بمحمد، اسمعوا هذا النداء المبارك بأسماعكم وقلوبكم.
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [الحجرات: 1].
أي يا أيها الذين آمنوا لا تتقدموا على الله ورسوله بأمر، لا في خاصّة أنفسكم، ولا في أمور الحياة من حولكم، ولا تقولوا في أمر قبل قول الله فيه على لسان رسوله، ولا تقضوا في أمر حتى ترجعون فيه إلى قول الله وقول رسوله.
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [الحجرات: 1].
فلا يسبق العبد المؤمن إلهه في أمر أو نهي، ولا يقترح عليه في قضاء أو حكم؛ ولا يتجاوز ما يأمر به وما ينهى عنه؛ ولا يجعل لنفسه إرادةً أو رأياً مع خالقه، هذا كله لماذا يفعله العبد.. تقوى منه وخشية، وحياءً منه وأدباً.
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [الحجرات: 1].
لا تقضوا أمرًا دون الله ورسوله من شعائر دينكم، ولا تقولوا خلاف الكتاب والسنة.
( وَاتَّقُوا اللَّهَ ) [البقرة: 189]
ويأمرنا تعالى بتقواه سبحانه، هذه التقوى التي تنبع من الشعور بأن الله تعالى سميعٌ عليم.
والتقوى عباد الله: أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه وقاية، وتقوى العبد لربه: أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من غضبه وسخطه وقاية تقيه من ذلك بفعل طاعته واجتناب معاصيه.
قال ابن عباس رضي الله عنه: «المتقون هم الذين يحذرون من الله وعقوبته».
وقال طلق بن حبيب رحمه الله: «التقوى: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله. وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله».
تقوى الله أن يجدك حيث أمرك ويفتقدك حيث نهاك وقت الصلاة من التقوى أن تكون في المسجد، ومكان المعصية تقوى الله أن لا تكون هناك.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى: ( اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ) [آل عمران: 102].
قال: «تقوى الله أن يُطاع فلا يُعصى، ويذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر».
وعرّف علي بن أبي طالب رضي الله عنه التقوى فقال: «هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل».
فاحرص يا أخي الكريم على تقوى الله فهو سبحانه أهلٌ أن يُخشى ويُجل، ويعظم في صدرك.
أيها المسلمون أنظروا وتأملوا في شدة تأدب الصحابة الكرام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان الرسول يسألهم عن اليوم الذي هم فيه، والمكان الذي هم فيه، وهم يعلمونه حق العلم، فيتحرجون أن يجيبوا إلا بقولهم: الله ورسوله أعلم، خشية أن يكون في قولهم تقدم بين يدي الله ورسوله!!
وقد أخرج البخاري رحمه الله في صحيحه بإسناده عن أبي بكرة رضي الله عنه أنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومَ النحر فقال: «أي يوم هذا؟ » قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكتَ حتى ظننَّا أنه سيسميه بغير اسمه فقال: «أليس يومَ النحر؟! »قلنا: بلى، قال: «أي شهر هذا؟! »قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكتَ حتى ظننَّا أنَّه سيسميه بغير اسمه فقال: «أليس ذو الحجة؟! »قلنا: بلى، قال: «فأيّ بلد هذا؟ »قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكتَ حتى ظننَّا أنه سيسمّيه بغير اسمه، قال: «أليس بالبلد الحرام؟! » قلنا: بلى.
لهذه الدرجة تأدب الصحابة رضوان الله عليهم مع الله ومع شرع الله ومع رسول الله. وهذا مقتضى العبودية لله تعالى، فلا يُقَدِّمَ هوَى نفسه أو غيره على أمر الله تعالى وحكمه، ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا ) [الأحزاب: 36].
هاهو الصحابي جُليبيب رضي الله عنه كان رجلاً قصيراً دميماً لا مال ولا عشيرة فخطب له رسول الله امرأة من الأنصار إلى أبيها فقال الأنصاري: حتى استأمر أمها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «فنعم إذاً»، فانطلق الرجل إلى امرأته فذكر لها ذلك، فقالت: لا ما وجد رسول الله إلا جليبيباً، وقد منعناها من فلان وفلان، وكانت الفتاة في خدرها تسمع هذا الكلام، فلما أراد أبوها أن يذهب ليخبر رسول الله بما قالت أمها قالت الفتاة: أتريدون أن تردوا على رسول الله أمره، ثم تلت قول الله تعالى: ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) [الأحزاب: 36]، ثم قالت: إن كان قد رضيه لكم فأنكحوه، فكأنها جلّت عن أبويها وفرجت عنهما، وقالا: صدقت، فذهب أبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: إن كنت رضيته فقد رضيناه، قال صلى الله عليه وسلم: فإني رضيته، فتزوجها فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «اللهم صُبّ عليها الخير صباً، ولا تجعل عيشها كدًا»، فكانت من أكثر الأنصار نفقة ومالاً.
عباد الله: عندما نزل قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [المائدة: 90] فقال عمر وغيره من الصحابة: انتهينا. انتهينا.
وأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم مناديه أن ينادي في سكك المدينة، ألاَ إنّ الخمر قد حُرّمت؛ فكسرت الدِّنان، وأُريقت الخمر حتى جرت في سِكك المدينة، فما كان الصحابة بعد ذلك يرون أشد منها تحريما.
قال أنس ا: «كنتُ ساقِيَ القومِ في منزلِ أبي طلحةَ، فنزل تحريم الخمر، فأمرَ مُنادياً فنادَى، فقال أبو طلحةَ: اخرُج فانظرْ ما هذا الصوتُ، قال: فخرجتُ فقلتُ: هذا مُنادٍ ينادِي: ألا إن الخمرَ قد حُرِّمَت. فقال: لي: اذهَبْ فأهرِقْها. و والله ما راجعوا فيها قال: فجَرَتْ في سِكَكِ المدينة.
عباد الله: إن الاستجابة الكاملة للوحي تعني عدم التقديم بين يديه وعدمَ جعل نصوص الوحيين وأحكامهما مجالاً للنّقاش والحوار والأخذ والردّ، نتناقش في ماذا في أشياء قد حكم الله فيها من فوق سبع سماوات.
نتناقش في أشياء قد قضى فيها رسول الله قبل ألف وأربعمائة سنة.
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) [الحجرات: 1].
عباد الله: لا يتم إيمان المسلم إلا إذا آمن بالله ورضي بحكمه في القليل والكثير وتحاكم إلى شريعته وحدها في كل شأن من شئون حياته في الأنفس والأموال والأعراض وإلا كان عابداً لغير الله تعالى.
قال سبحانه: ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) [النساء: 65]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به». فمن خضع لله تعالى وأطاعه وتحاكم إلى شرعه فهو العابد له، ومن خضع إلى غير الله وتحاكم إلى غير شرعه فقد عبد الطاغوت وانقاد له.
إننا نعيش واقعًا يَعُجُّ بالفِتن والرزايا، ومن أعظم ذلك ما نراه من السعيِّ الحثيث والدّؤوب لتغيير ثوابت الدين عند المسلمين، والهدف من وراء ذلك كلّه أن ينسلخ المسلم من دينه ولا يبقى لديه من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه.
آيات الجهاد تُبعد من القرآن لماذا؟ الجهاد عندهم إرهاب، آيات تتكلم عن اليهود والنصارى تُبعد، القصاص والحدود لا داعي لها لأنها تشويه بخلق الله، الربا ضروري لأن البنك الدولي لا يتعامل إلا بالربا ولن يعطينا مساعدات إلا بالربا، إذاً ما بقي لنا من الدين الصلاة والصيام الحج أركان الإسلام فقط، وأين الأسس التي تقوم عليها هذه الأركان، بل أين البيت المسلم والمجتمع المسلم والدولة المسلمة.
فهذه صورة من صور التقديم بين يدي الله ورسوله، وثمة صورة أخرى وهي جعل العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية أو الدّولية أساسًا يرجَع إليه دون الكتاب والسنة. قال البنك الدولي، قالت الأمم المتحدة، قال الشيخ قال الرئيس، أقوال نقدمها على ما قال الله جل جلاله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم.
وصورة ثالثة لهذا الأمر ألا وهي القول على الله بلا علم والتصدّر للإفتاء والتحليل والتحريم بل والتفسيق والتبديع والتكفير من أحداثٍ أغرار جهّال، وذلكم من أعظم الآثام وأكبر المحرمات، قال تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ) [الأعراف: 33].
أخيرًا عباد الله: من صور التقديم بين يدي الله ورسوله، ردُّ الأحاديث الصحيحة بل المتواترة أحيانًا بحجّة مخالفتها للعقل هذا من أعظم المقدِّمين بين يدي الله ورسوله، وفي الحقيقة لو كان عقله سليمًا لما وجد تعارضًا بينه وبين النصّ الشرعي؛ لأنهما صادران عن الله الملك جل الرؤوف الرحيم بعباده.
عباد الله: كلما ارتفع صوت «أن طبقوا شرع الله» يقال: هذه تجارة بالدين. اتركوا الربا فهو حرب من الله، قالوا أهداف سياسية. أقيموا حدود الله... قالوا متاجرة بالدين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد أن لا اله إلا الله تعظيماً لشانه، واشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه وعلى اله وأصحابه وجميع إخوانه.
وبعد عباد الله:
ما تقولون في مطر يُرسله الله على العباد والبلاد فيسقي أرضهم وينبت الله به زرعهم ويدر به ضرعهم ويلطف به هواءهم ويكثر ماؤهم وتنشرح باخضرار الأرض صدورهم وتقضى لهم حوائجهم فهم في رغد وسعد ونعمة ما بها نقمة ثم يدوم ذلك بهم أربعون صباحاً إنها النعمة الكبرى تستحق من العباد إجمال الشكر لله إن حداً واحدًا يعمل به في الأرض خير من ذلك كله روى الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة ا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حدٌ يُعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحا» [مسند أحمد «2/402»، سنن النسائي «4904» وعنده «ثلاثين صباحاً» سنن ابن ماجة «2538»].
إن كل ما يمكن تصوره من رخاء وسعة عيش ورغد كل ذلك لا يعدل في نظر المؤمن الحق تطبيق حد من حدود الله، فالخلق خلقه والأرض أرضه والملك ملكه والحكم حكمه والشرع شرعه هو الذي خلقنا وهو الذي يعلم ما يصلحنا ويصلح لنا قال تعالى: ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) [الملك: 14]، ( قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ) [البقرة: 140]، ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) [البقرة: 216]، لقد كذب دعاة حقوق الإنسان بل وتناقضوا، كذبوا حين زعموا أن أحكام الله في القتل والزنا والسرقة وحشية، إنها العدل والرحمة والقسطاس أنزله الله بين العباد، إنها الخير والبركة تعم البلاد والعباد.
عباد الله:
إن الأمن والطمأنينة والسعادة في الدنيا قبل الآخرة لن تكون إلا بتطبيق شرع الله في عباد الله، وإلا فهو الشقاء والنكد والفوضى والسلب والنهب والهرج والمرج.
أيها المسلمون ألا نعتبر بالدول التي تسمى اليوم متقدمة، فكم معدلات الجريمة فيها من قتلٍ وسلبٍ ونهبٍ وسرقةٍ وزنا وغيرها.
إن الوحشية حقاً هي في ترك الحبل على الغارب للمجرمين يعيثون في الأرض فسادا، والحياة حقاً في إقامة القصاص على القتلة، قال تعالى: ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) [البقرة: 179]. وللقصاص شروط وضوابط يستوفيها الحاكم الشرعي على نور من الله يرجو ثواب الله، فلا انحياز ولا ظلم فمتى استوفيت الشروط والضوابط وانتفت الموانع التي بينها الشرع كان الحكم بما شرع الله، قال جل شأنه: ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ) [البقرة: 178]، ومثله الزنا والسرقة وشرب الخمر وحد الحرابة للمفسدين في الأرض بالقتل أو السلب وقطع الطريق ونحوها، إنّ الأمن قرين الإيمان ففي دعائه ص عند رؤية الهلال يقول صلى الله عليه وسلم: «اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان»، وإن الأمن لن يتحقق إلا بتطبيق شرع الله مع الإيمان والرضا بحكمه في كل شؤوننا.
عباد الله: إن الآيات في وجوب الحكم بشرع الله والزجر عن تركه وتنحيته كثيرة جداً في كتاب الله فمن ذلك قول الله سبحانه: ( أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) [الأنعام: 114]، وقوله جل شأنه: ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) [يوسف: 40]. فتطبيق شرعه وتنفيذ حكمه عباده لا يجوز صرفها لغيره ومنها قوله تعالى: ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ) [يوسف: 67] وقوله جل شأنه: ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ) [الأنعام: 57]، وقوله سبحانه: ( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ) [الشورى: 10] وقوله جل شأنه: ( ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ) [غافر: 12]، وقوله سبحانه: ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) [القصص: 88]، وقوله سبحانه: ( لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) [القصص: 70].
عباد الله:
لقد شرع الله ـ الحدود لحكم عظيمة ومنافع جمة غفيرة، ينعم بجناها المجتمع الإنساني، ويتفيأ ظلالها، وتعود عليه بالأمن والاستقرار والراحة والهناء والاطمئنان، فيعيش المرء آمناً في سربه، مرتاح الضمير، روحه مصونة فلا تُزهق، ودمه محقون فلا يراق، ونسبه كريم صاف فلا يلوث ولا يُعتدى عليه، وعرضه سليم فلا يُقذف ولا يوصم به، وأمواله محفوظة فلا تصل إليها يد خائن مجرم ولا تمتد إليها يد سارق جشع اتخذ النهب حرفة، وعقله باق على جبلته التي ميزه الله بها، فلا يزيل نعمة الله عليه بالسكر، ودينه ثابت مستقيم قوي صلب لا تلعب به الأهواء ولا تزعزعه العواطف فتجده مذبذباً متردداً يسير على غير هدى ويخبط خبط عشواء، ولهذا جعل الشارع عقوبة المرتد القتل قال صلى الله عليه وسلم: «من بدّل دينه فاقتلوه» [رواه البخاري]..
فما دامت هذه فوائد الحدود، فهنيئاً للذين يطبقون حدود الله في الأرض، حياة مستقرة سعيدة في الدنيا، وأجر ومغفرة من الله في الآخرة.
وبالمقابل، فما من أمة ضيّعت أمر الله وحدوده إلا شاع فيها الذعر والفزع والاضطراب، وقل خيرها، وذهبت بركتها، وضاقت أرزاق أهلها، وكثرت فيها الأزمات والقلاقل.
ومصداق هذا من كتاب الله قوله تعالى: ( وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ) [الجن: 16]. وقوله تعالى: ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ) [الأعراف: 96].
والواقع خير شاهد ودليل.
نعم إن في القصاص حياة.. حين يكف من يهم بالجريمة عن الإجرام. وفي القصاص حياة حين تشفى صدور أولياء القتيل من الثأر الذي لم يكن يقف عند حد لا في القديم ولا في الحديث.
ثأرٌ تسيل معه الحياة على مذابح الأحقاد العائلية والثارات القبلية جيلاً بعد جيل لا تكف الدماء عن المسيل.
فللقصاص حياة أعم وأشمل، حياة تشمل المجتمع كله، حيث يسود البلاد الأمان الذي يصون الدماء.
وكما حُفظت النفوس، حُفظت الأعراض، فلا رآفة في جلدٍ أو رجم، لأن الغرض الأسمى هو حماية الشرف وصيانة الأسر، وإشاعة الطهر والعفة بين الرجال والنساء: ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) [النور: 2].
وإن الآية الكريمة لتبين بوضوح أن هذا النوع من الرأفة بالزناة والزواني لا يجتمع مع الإيمان بالله واليوم الآخر، وعلى الرغم من أن من أخص خصائص المؤمنين أنهم رحماء بينهم، فالرفق بمنتهكي الأعراض ومرتكبي الفواحش ليس من الرحمة في شيء.
كل ذلك من أجل أن تُخرس بواعث الجريمة، وتسري الرهبة في نفوس أهل الريب، فلا يتجاوزون حدود الله، ويلوثون كرامات الناس.
ومن أجل هذا وتأكيداً لحفظ حرمات الناس من أن تستطيل عليها الألسنة الحداد، فتقع في الإفك وتشيع الفحشاء، شُرع حد القذف ليُجلد المفترون، وتسقط كرامتهم، وتُرد شهادتهم وتحُفظ أعراض العفيفين والعفيفات.
أما اللصوص.. فأين دعاة الرحمة من عاملٍ كادح قد قبض أجره ليضعه في أفواه نساء وصبية، فإذا بيدٍ آثمة تمتد إلى كسبه، وتستولي على رزقه، إن هذا اللص المجرم يحصد في لحظات ما كدح الشرفاء في تحصيله الليالي والأيام. وهكذا يأكل القاعد الخبيث كدح الساعي المرهق.
إن اليد العاملة الكاسبة حقها أن تُصان وتحُمى، حقها أن يُضمن لها سعيها، وتأمن في معاشها، أما اليد الفاسدة التي عزفت عن شريف العمل وامتدت إلى الناس بالأذى، وعز علاجها فلابد من قطعها ليرتاح منها صاحبها، ويريح المجتمع كله من مفاسده. وينبغي أن يكون شعارنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما شفع حبه أسامة بن زيد ا في المخزومية التي سرقت فقطع النبي صلى الله عليه وسلميدها حيث قال: «أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فخطب فقال صلى الله عليه وسلم: إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» [رواه البخاري].
إن السطو على الأموال جريمة تزداد وتستشري إن لم تقابل بالعلاج الزاجر الحاسم، تتحول إلى جرأة على الدم الحرام.
لقد تعالت صيحات من هنا وهناك تنادي بإلغاء عقوبة الإعدام لمن يستحقها، فألغيت عقوبة الإعدام في دول شتى. وفتحوا سجوناً كثيرة سمن فيها المجرمون لكي يخرجوا أشد ضراوة وأكثر شقاوة.
ومن اليسير أن يتعاون اللصوص والقتلة في إدراك مآربهم، ورسم خططهم، ليكونوا عصابات ويتقاسموا المهمات. وكأنكم تحسون بأن السجون تصبح ساحات ممهدة لاجتماع هؤلاء وإحكام خططهم، بل لعلهم يديرونها ويدبرونها من خلف قضبان السجون ولهم في الخارج إخوان يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون.
ويكاد المتعجب أن يقول: لا يعطف على اللص إلا لصٌ مثله، ولا يرأف بالقاتل إلا قاتلٌ مثله.
ماذا كسب الذين أهملوا حُكم الله في الحدود والقصاص وأعملوا حكم الطاغوت؟ لم يجنوا إلا انتشار الجريمة، وسيادة الفوضى، وذعر الألوف في مساكنهم ومسالكهم.
وصدق فينا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم شديد» [حسنه الألباني بشواهده وانظر الصحيحة رقم «106» وصحيح ابن ماجة].
نعم، بأسنا بيننا شديد، إذا كان الخلاف بين بلد مسلم وآخر مسلم، لجأنا إلى الجيوش فورًا، أما إذا كان الخلاف بيننا وبين اليهود في فلسطين، كنا في منتهى الأدب ولجأنا إلى محكمة العدل الدولية والمنظمات الدولية.
والأصل في نظام الأمة المسلمة أن يكون للمسلمين في أنحاء الأرض إمام واحد، في دولة واحدة، وأنه إذا بويع لإمام آخر وجب قتل الثاني إذا لم يرجع عن غيه.
صحيح أن الظروف الدولية الراهنة لا تسمح بالأمل العريض في دولة مسلمة واحدة يقودها إمام واحد بشرع الله تعالى، ولكننا وعدنا بأن ذلك كائن لا محالة، ولكن ذلك مشروط بنا نحن، لأن هذه نعمة لا ينعم الله بها إلا على من عمل لها واستحقها، وضحى في سبيلها، يقول تعالى: ( وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) [الروم: 47].
( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ) [غافر: 51].
فلو كان هذا الوعد من إحدى القوى العظمى في هذه الأرض لامتلأنا أملاً بذلك، وما هي القوة العظمى في الأرض أمام قوة الله وجبروته، وقدرته وصدق وعده؟!!
يقول صلى الله عليه وسلم: «إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها» [صحيح، أخرجه مسلم].
ويقول صلى الله عليه وسلم: «تكون فيكم النبوةُ ما شاء الله لها أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافةٌ راشدة على منهاج النبوة ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم يكون ملكًا عاضًا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج نبوة» ثم سكت.
إذاً هذا وعد الله تعالى ووعد رسوله، ومن أصدق من الله حديثًا؟
فلنمتلئ أملاً في النصر والعزة والكرامة في ظل إمام واحد، يحكم بخير نعمة أنعمها الله على أمة محمد، ألا وهي شرع الله تعالى.
اللهم اغفر لنا وارحمنا واحشرنا يوم القيامة في زمرة نبينا ولواء حبيبنا، واسقنا بيده الشريفة شربة هنيئةً مرئيةً لا نظمأ بعدها أبداً. آمين آمين. ألا وصلوا على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما أمركم ربكم تبارك وتعالى حيث قال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) [الأحزاب: 56].
المشاهدات 1244 | التعليقات 0