خطب الجمعة..البـعد عن واقع الناس 1-2

أبو عبد الرحمن
1432/07/16 - 2011/06/18 05:57AM
خطب الجمعة..البـعد عن واقع الناس (1)

تحقيق: نعيم تميم الحكيم - عكاظ

أبدى الشاب علي استغرابه من خطيب مسجد عندما طرق في خطبته الأسبوعية يوم الجمعة موضوعا لا يهم الناس ولا يلامس همومهم بل كانت الخطبة بعيدة عن أحوالهم ولا تلامس ما يجري من مشكلات في حياتهم تحتاج إلى الحديث عنها وتوعيتهم بطرق حلها.
شكوى علي تجدها على ألسنة السواد الأعظم من المصلين ممن يشتكون من ضعف مضامين خطب الجمعة وبعدها عن ملامسة هموم الناس وذلك بالحديث في قضايا مكرورة ولا تشكل للمسلم هما عاما في وقت يجب أن تجمع الخطبة بين الفائدة للمسلم في دينه ودنياه والتشويق المحمود وهما صفتان تفتقدهما أغلب خطب الجمعة اليوم إلا ما ندر.

ومن أفضل من عرف خطبة الجمعة العالم المغربي الدكتور محمد الروكي حينما قال: «خطبة الجمعة درس أسبوعي له وظيفته التربوية التوجيهية، وأثره الوعظي على المصلين، وخطبة الجمعة منبر ديني تبين من خلاله حقائق الإسلام ومضامينه وقيمه، حتى يتعلم الناس ويتفقهوا ويرشدوا، وهي في ذات الوقت منبر وعظي لتذكير الناس وإيقاظ مشاعرهم الإيمانية وتجديد صلتهم بالله عز وجل وتعميقها، وتحصينهم من الانحراف والتطرف والزيغ عن هدى الله جل وعلا، ولا يقوم بهذه الحقوق والوظائف حق القيام إلا الخطيب الكفء الذي يمتلك قوام الخطابة الناجحة وأول ذلك: إخلاصه في الخطبة إعدادا وإلقاء وصدقه فيها، ومطابقته بين أقواله وأفعاله، فقد نقل عن عامر بن عبد الله أنه قال: «الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب...»
وخلص الروكي إلى أن الخطبة البليغة ليست هي الطويلة العريضة، ولا هي المعقدة العويصة، ولكنها الجامعة الواضحة، التي يستزيد الناس منها، ويتشوقون إلى سماعها من الجمعة إلى الجمعة.

والمعلوم أن الخطابة منذ فجر تاريخها تعتبر منبرا ثقافيا مؤثرا، يرسخ الأفكار السامية ويرقق القلوب الشديدة فيقذف فيها الرحمة، ويعلمها الحكمة، وتنبه الجاهل وتوقظ الغافل فهي التي تصوغ العقول وتبني النفوس.

كما أن خطبة الجمعة تكتسب أهمية خاصة كونها تعد جزءا من الصلاة وهي رسائل وعظية ونفحات أسبوعية يتلقاها المصلون يذكرهم فيها الخطيب بالله عز وجل ويأمرهم فيها بالمعروف وينهاهم فيها عن المنكر ويناقش القضايا والأحكام التي تهمهم في دينهم ودنياهم، وكلما كانت الخطبة موجزة وقصير وبليغة كانت أكثر تأثيرا في النفوس ونفعا وإرشادا وبالتالي تتحقق الفائدة التي شرعت من أجلها الخطبة.

إلا أن خطبة الجمعة في جلها بعيدة عن تحقيق الأهداف التي شرعت من أجلها وتذمر الناس بدا واضحا من خلال عدم حرصهم على حضور الخطب من أولها على الرغم من الأجر العظيم الذي يفوتونه على أنفسهم، إضافة لضعف أثر الخطب في الناس مما يعني أن هناك خللا كبيرا في الخطيب والمحتوى مما دفع بوزير الشؤون الإسلامية الشيخ صالح آل الشيخ للاعتراف في أكثر من موقع عن تفاوت مستوى خطباء الجمعة وأن الوزارة حريصة على تطوير الخطبة والخطيب في المملكة التي يقدر عدد خطب الجمع فيها 14 ألف خطبة وبمعدل شهري 56 ألف خطبة.

لكن مايزيد الطين بلة هو اعتماد بعض الخطباء على الخطب المعلبة من الكتب أو مواقع الإنترنت دون اهتمام بالأحداث الواقعة مما يقتل الخطبة ويجعلها بعيدة عن هموم الناس.

«عكـاظ» فتحت ملف تطوير مضامين خطب الجمعة على جزءين حيث تطرح في الجزء الأول تساؤلات عديدة حول ضعف مستوى خطبة الجمعة ودورها في إحجام الناس عن حضورها والاكتفاء بحضور الخطبة الثانية أو الصلاة، وأسباب هذا الضعف ودور وزارة الشؤون الإسلامية في معالجة هذا الخلل مستعرضين بعض الدراسات حول خطب الجمعة في سياق التحقيق التالي:

ضعف واضح

بداية أكد أستاذ الدراسات العليا الشرعية في جامعة الطائف الدكتور فهد الجهني على وجود ضعف واضح في خطبة الجمعة يوزايه ضعف من المصلين عن حضور الخطبة من أولها، مرجعا ذلك لضعف استحضار الخطيب لأهمية الخطبة في الإسلام وعظم أثرها على الناس متى ما أحسن العناية بها، مشيرا إلى أنه كلما كان الإمام مستحضرا لهذه الأهمية البالغة كانت خطبته أكثر أثرا، ولفت الجهني إلى أن ضعف علم وفقه وثقافة الإمام كلها عناصر مؤثرة في مستوى وأداء الإمام ومدى تأثيره. وشدد الجهني على ضرورة أن يحدث الخطيب الناس بما يحتاجونه من وعظ وتثقيف وبما يلامس همومهم ومشكلاتهم اليومية، وأضاف: «إذا تحولت الخطبة مع توالي الأيام لواجب لابد أن يؤدى كيفما اتفق، فهنا ستكون الخطبة ضعيفة وعير مؤثرة ويتحمل الخطيب بتقصيره إثم تفويت هذه المصلحة الشرعية على المصلين». ورأى الجهني أنه مع وجود المواقع المتخصصة بالخطب فلابد من أن يجتهد الخطيب في تطوير نفسه والبحث عن الجديد والمفيد والمؤثر.

وطالب الجهني وزارة الشؤون الإسلامية أن تقدم من البرامج الجادة ما يعين الخطيب على تطوير قدراته، وأن يكون هناك متابعة لمن يثبت عدم صلاحيته لهذا المنصب الشريف حتى يتم استبداله بغيره، حفاظا على هذه الشعيرة الإسلامية العظيمة. وبين الجهني أن الخطبة مسؤولية عظيمة وصعبة مستدلا بما قيل للخليفة الأموي عبدالملك بن مروان رحمه الله عندما سئل: «شاب رأسك؟ قال: شيبني صعود المنابر، وخشية اللحن»!!، مشددا على أن خطبة الجمعة من محاسن الإسلام وشعائره العظيمة، وهي فرصة عظيمة لابد من أن يفيد منها الخطيب والناس.

حالة مرضية

ويرى أستاذ الإعلام في جامعة الإمام والخبير الإعلامي في رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الدكتور ياسر الشهري أن ضعف مضامين خطب الجمعة حالة مرضية يجب الالتفات إليها ودراستها وطرح الحلول والبدائل لها.
لكن الشهري يعود ويرى أن ضعف المسابقة إلى صلاة الجمعة والفوز بالأجور العظيمة هو الظاهرة التي يجب أن تعالج أولا، لأن الحرص على السنن سيكون سياجا متينا يحمي الواجبات، التي منها الاستماع والإنصات للخطبة. مشددا على أن هذه الظاهرة تشير إلى ضعف أداء بعض الوكالات في وزارة الشؤون الإسلامية لوظيفتها بشكل عام ووظيفة المسجد بشكل خاص، فهي المعنية بمعالجة هذه الظاهرة بالدرجة الأولى وتحفيز المؤسسات الأخرى للمساهمة حسب اختصاصاتها.

وطالب الشهري «الجهات المعنية في وزارة الشؤون الإسلامية أن تركز على ابتكار منهج علمي دعوي يستخدم كافة الوسائل الممكنة لجعل المسجد ينفذ حملة اتصالية مستمرة عن الصلاة، عملا بقول الحق تبارك وتعالى: (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)، وانطلاقا من مركزية الصلاة في عمليات بناء الإنسان وتهذيب سلوكه وتحقيق أمن المجتمع وسعادته، وأن يقيم نجاح أي مسجد من خلال استقطابه للمصلين ومحافظته عليهم».

ويرى الشهري أن قضية ضعف مضامين خطبة الجمعة أكبر من ضعف بعض الخطباء، مشيرا إلى أن هذا الضعف هو أحد المؤشرات الذي تلفت انتباهنا إلى مشكلة أكبر، وهي ضعف التكامل بين المؤسسات التربوية في المجتمع وعلى رأسها وزارة الشؤون الإسلامية التي تتحمل مسؤولية إدارة هذا الملف في المجتمع، مبينا أن نجاح كافة المؤسسات التربوية يمكن قياسه من خلال أعداد المصلين في المساجد، ولفت الشهري إلى مقولة مهمة يجب السعي إلى تحقيقها وهي (كلما زاد عدد المصلين في المساجد قويت شوكة الأمة ولحمتها وأمنها وهيبتها بين الأمم)، مؤكدا أن الأمر يتعلق بمدى صدق إرادتنا في الوصول إلى هذه النتيجة. ولاحظ الشهري أن نسبة متوسطة من الخطباء هم فقط من يلامس احتياجات المصلين ويقدمون لهم جديدا يساعدهم على فهم المتغيرات التي تحدث في محيطهم، أو باختصار يحترمون المستمعين لخطبهم، وهذه هي بوصلة النجاح بالنسبة للخطيب، وأشار الشهري إلى أن الضعف القائم يعني ضعف التقييم والتخطيط واختيار الكفاءات وضعف التحفيز وهذه مسؤوليات الوزارة.

جهود فردية

وبين الشهري أن استمرار تشبث المجتمع بالجهود الفردية للأشخاص هو أحد أخطر أسباب الفشل، متسائلا: «لماذا لا يوجد نظام لدى الوزارة ينتج خطبا تعين أفراد المجتمع على فهم واقعهم وتعينهم على اتخاذ الموقف الشرعي الصحيح تجاه الأحداث والوقائع، وينتج هذا النظام أيضا خطباء يفهمون واقعهم ويعالجونه بالمنهج الشرعي»؟
مؤكدا أن وجود هذه المنظومة المتكاملة من الشروط والمواصفات والواجبات وآليات التقييم والتدريب والتطوير، التي تقوم على معايير شرعية تستهدف تطويع الواقع بالشرع ــ لا العكس ــ والاعتماد على الكفاءة والأهلية؛ سوف تنتج واقعا أفضل. وخلص الشهري إلى المطالبة بإصلاح نظام الوزارة في هذا المجال، داعيا إلى أن يشارك في وضع النظام نخبة من الخطباء المتميزين والمعروفين بالتفاعل مع احتياجات المجتمع وهمومه، وأضاف: «عندها سيقوم النظام بعمليات تحسين لنقاط الضعف، وتعميم الاحترافية، واستبعاد العناصر المتعثرة في عمليات الانسجام التي يعالجها النظام ليحافظ على تقليل (المدى) المسافة بين الاحتراف والتطفل على هذا العمل الجليل».

مخالفة المنهج

رؤية الباحث في السياسة الشرعية الدكتور سعد القويعي لم تكن بعيدة عن رؤى الجهني والشهري فقد أبدى القويعي أسفه على المستوى الحالي للخطب بقوله: إن «الكثير من الناس، ملوا طرح بعض الخطب المكررة التي قد تصل في بعض الأحيان إلى صورة المطابقة، أو أن تكون الخطبة طويلة مخالفة للنهج النبوي في ذلك، فيحصل من خلالها التشتت في بيان الفكرة. مما جعل خطبة الجمعة أعجز من أن تجذب، أو تقنع المصلين؛ لتقديم التوجيه المناسب. فظهر التفاوت في التأثير، وحصل التباين في مدة بقاء الخطبة في الأذهان».

وعلل تدني مستوى خطب الجمعة لافتقار بعض الخطباء إلى الطريقة المميزة في الإلقاء، والأسلوب الجذاب، والتقليدية في الطرح، مؤكدا على أن الخطبة انعزلت عن المتغيرات، وابتعدت عن حراك الحياة، فانعكس ذلك سلبا على مستوى الخطبة، وجودتها. ولاحظ القويعي وجود تصورات خاطئة عند بعض الخطباء لأهداف الخطبة من خلال مخاطبة المصلين بوجه عبوس، وإشعارهم بأنهم مجموعة من الجهلة لا يفقهون، ويورد على مسامعهم ألفاظ السب، والتقريع، والتوبيخ، ورديء القول، وشنيع المقال، فلا يصل إلى قلوبهم ما يقوله. وأضاف: «هذا ما يجعلنا بحاجة إلى توفير خطباء أكفاء، يجمعون بين الوعي بأهمية الخطبة، وأولوياتها، من جهة. وبين المهنية العالية التي تمكنهم من توفير المعلومة، والتحليل المناسب، من جهة أخرى؛ ليتجلى الإتقان في أبهى صوره».

وللرفع من مستوى خطب الجمعة دعا القويعي إلى مراعاة أربعة شروط، أولها «حسن اختيار موضوع الخطبة؛ ليكون قادرا على المواءمة بين مطالب الشرع، وحاجات الواقع، وتطلعات المستقبل»، وأضاف: «أما الشرط الثاني فهو مخاطبة الناس على قدر عقولهم، ومستوياتهم. وتضمين الخطبة البراهين العقلية المقنعة، والحجة، والبيان. مع ضرورة البعد عن مواطن الاختلاف، وتعارك الأسلاف، مصداقا للحديث: «حدثوا الناس بما يعرفون».

ورأى أن الشرط الثالث لتطوير الخطبة يكون في الحرص على قصر الخطبة، وطول الصلاة، للحديث: «إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه». وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطيل الموعظة إنما هن كلمات يسيرات». داعيا في الشرط الرابع إلى إلحاق الخطباء ببرامج تدريبية، تعتمد فن الإلقاء، والتأثير في الناس، وتنمية الذات؛ لمعرفة نفسيات المتلقين.

توحيد الخطبة

وفي اقتراح مغاير لما طرحه المشاركون طالب الداعية عبدالله فدعق بتوحيد خطب الجمعة للرفع من مستوى الخطب بسبب شطط بعض الخطب عن إطارها الحقيقي، مبينا أنه في التوحيد لا يكون ثمة مجال لاجتهادات الذين يعتلون منابر مساجد المسلمين، ويؤمون فيها المؤمنين، من دون وعي أو إدراك، مبينا أن ضعف الخطيب أوقع المجتمعات المسلمة في مشكلات ظاهرة مع الفهم الصائب والممارسة الحقة للشرع والدين.

واعترف فدعق أن فكرة (الخطبة الموحدة) قد تلقى شيئا من الرفض في أول الأمر، لأسباب كثيرة، من أهمها التشكيك في نوايا المطالبين بها، ولكنه عاد فدعق ليؤكد أن الخطبة الموحدة المطلوبة، ليست مطلوبة لذاتها، فالمقصود هو فحوى موضوع الخطبة ذاتها، حتى نضمن بأمر الله تعالى نهضة موحدة، وتنمية شاملة للناس جميعا..
مبينا أن مقومات نجاح الممارسة العملية لتوحيد خطبة الجمعة جعلت من موضوع توحيد الخطبة مثالا قد يحتذى، بسبب اعتمادها على رصد حاجات الناس، وحسن الاستفادة والمراعاة للمناسبات الدينية والدنيوية بشقيها المحلي أو العالمي، وذلك وفق معايير كثيرة، أهمها توجيه المستمعين إلى حسن التعايش مع بعضهم بعضا، ومع من يخالطونهم من غير المسلمين.

المصدر
المشاهدات 6124 | التعليقات 2

مضامين خطب الجمعة ضعيفة بالإجماع (2)
تحقيق: نعيم تميم الحكيم، شريف بن أحمد
خلصت دراسة علمية إلى أن 90% من جمهور خطب الجمعة يطالبون وزارة الشؤون الإسلامية بإلزام خطباء الجمعة بحضور دورات تدريبية متخصصة في الإلقاء والخطابة، وبين الباحث مقرن المقرن في دراسته «الوظيفة الدعوية لخطبة الجمعة ــ دراسة ميدانية تقويمية» أن ثلث من شملتهم الدراسة يرون أن خطبة الجمعة غير قادرة على تزويدهم بما يحتاجون إلى معرفته من قضايا الدين.
هذه الأرقام تثبت ماجاء في الجزء الأول من التحقيق الذي أجرته «عكـاظ» الأسبوع الماضي عن ضعف مضمون خطب الجمعة وعدم ملامستها لاحتياجات الناس مما أفقدها بريقها وجعل الناس لايحرصون على الحضور إليها من البداية رغم الأجر العظيم الذي وعد الله به المبكرين لحضور صلاة الجمعة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم الجمعة، وقفت الملائكة على باب المسجد، يكتبون الأول فالأول، ومثل المهجر كمثل الذي يهدي بدنة، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كبشا، ثم دجاجة، ثم بيضة، فإذا خرج الإمام طووا صحفهم، ويستمعون الذكر).
وأكد متصفحو موقع «عكـاظ» الإلكتروني ضعف مضامين خطب الجمعة من خلال نتيجة الاستفتاء الذي أجرته «عكـاظ» حيث أشار 40.8% إلى أن مضامين خطب الجمعة بعيدة تماما عن هموم الناس اليومية، بينما رأى 24.5% أن مضامين خطب الجمعة تلامس إلى حد ما هموم الناس، ورأت نفس النسبة أن خطبة الجمعة تلامس هموم الناس بشكل مؤكد.
وأشار 10.2% أن ملامسة خطبة الجمعة لهموم الناس واحتياجاتهم جزئية.
هذا الاستفتاء مع الدراسة أثبت صحة ما ذهب إليه الشرعيون في الجزء الأول من التحقيق عن ضرورة تطوير خطبة الجمعة والرفع من مستواها يكون برفع مستوى الخطباء وتنمية قدراتهم وعدم تعيين إلا الخطباء الأكفاء مما يحمل وزارة الشؤون الإسلامية مسؤولية مضاعفة.
الإعلام الجديد
ولم تكن آراء مرتادي مواقع الإعلام الجديد من فيس بوك وتويتر بعيدة عن آراء الشريحة التي شملتهم الدراسة واستفتاء «عكـاظ» حيث انتقد عيسى سالم أسلوب الاستخفاف الذي يقوم به خطباء منابر الجمعة، معتبرا أن هذا الأمر لا يمكن السكوت عنه، ويعد ذلك خطرا حقيقيا، وإذا لم تتم معالجته سيزداد مع الأيام، بقوله: «يعاني الكثير من الخطباء مشكلة في محاولة تقديم ما يفيد المجتمع ويبتعدون عن عقولهم وأفكارهم من خلال تقديم خطب بعيدة عن المستوى المأمول من المصلين، الأمر الذي يجعل الكثير منهم ينفرون منها»، ووافقه الرأي أبو أحمد بقوله: «يجهل كثيرون من الخطباء العقليات التي يواجهونها والتي تبتعد عن عقليتهم، ويرفضون النزول إلى مستواهم، معتبرين هذا الأمر يمس من كيانهم ومكانتهم، متجاهلين وجوب نزولهم لعقلية المصلي العادي البعيد عن العقليات الثقافية التي يعاني منها بعض الخطباء ويرفضون التخلي عنها لنصف ساعة يوم الجمعة».
ويعتبر ناصر محمد أن هذا الأمر يشكل خطرا يتركز في تململ الكثير من المصلين لما يحدث لهم من هؤلاء الخطباء، مشكلين فجوة كبيرة في التواصل بينهم، غير واعين لها، وربما الأيام ستكون عاملا في اتساع الفجوة بين الخطيب والمجتمع.
موقف الخطباء
بدورهم, اختلف الخطباء في الانتقادات التي طالتهم بين مؤيد لبعض هذه الانتقادات ومعارض فعضو هيئة التدريس في جامعة أم القرى وإمام وخطيب مسجد فقيه في مكة يعترف بضعف بعض خطب الجمعة وعدم ملامستها لهموم الناس وأحوالهم، مؤكدا أن هناك دراسة تؤكد أن 90 % من المصلين يرون أن الخطيب في واد والناس في واد آخر مما جعل أثر الخطبة في النفوس ضعيفا، وأرجع المورعي ذلك لاعتماد بعض الخطباء على الخطب المعلبة من الكتب والمواقع الإلكترونية مما يجعلها قليلة التأثير لعدم ربطها بواقع الناس.
واستشهد المورعي بدراسة المقرن التي أكدت أن 44% من الجمهور يرون أن خطبة الجمعة تعاني من تقصير في ارتباطها بما يحدث في المجتمع من مستجدات، مضيفا «من الرائع أن تلتفت وزارة الشؤون الإسلامية نحو تطوير العمل بالخطبة فكلمة الأئمة تصل لشريحة كبيرة من الناس ومن المؤسف أن نرى بعض الأئمة يملل المصلين بتكرار خطب الجمعة بدون أي فائدة ولا معلومة ولامتابعة لما يدور في الساحة من أخبار.
واستشهد المورعي بكلام بعض المصلين الذين يقولون «خطب الجمعة أصبحت مملة ومكررة ولذلك تجد القليل جدا من المصلين يأتون قبل الخطبة بوقت كافٍ، ولاتبدأ الزحمه إلا بعد الخطبة الثانية والسبب الكلام الممل الذي يقوله الخطيب ومكرر» ، وتابع: «أذكر مرة تكلم الخطيب عن سبب قلة حضور الناس للصلاة مبكرا وكالعادة وضع اللوم على الكل إلا نفسه فهو شبه منزه، ما فكر أن الناس لاتحضر لأن الخطبة مملة ولا أحد يتذكرها عندما تنتهي الصلاه».
وعاد المورعي مستشهدا بدراسة المقرن التي بينت أن 28% من الجمهور يرون أن خطبة الجمعة في منطقة الرياض نادرا ما تراعي الفروق العلمية بين المصلين، وترتفع هذه النسبة لتصل إلى 32% في مراعاة الفروق العمرية للمصلين.
دراسة علمية
ويرى 70% من الجمهور أن خطبة الجمعة واضحة ومفهومة وتخلو من التعقيد والغموض، بينما يرى 50% من الجمهور أن خطبة الجمعة خالية من المبالغة والتهويل لمشكلات المجتمع، ويرى 85% من الجمهور أن الصلة مقطوعة بين الجمهور والخطيب من خلال عدم قدرتهم على نقل الملحوظات والمقترحات على الخطبة، ويؤيد 90% من جمهور خطبة الجمعة في منطقة الرياض استخدام الأسلوب القصصي في خطبة الجمعة لما لها تأثير عجيب في النفوس؛ ووقع يستمر أثره طويلا، كما أنها تلعب دورا بارزا في بناء القيم والمبادئ.
ويتابع المورعي بقوله: «أشارت الدراسة إلى 9% من الجمهور يعارضون استخدام الأسلوب العقلي في عرض خطبة الجمعة، بينما يرى 90% من جمهور الخطبة أنه يجب على الوزارة إلزام خطباء الجمعة بحضور دورات تدريبية متخصصة في الإلقاء والخطابة، ويؤيد 78%من الجمهور عمل تقويم شهري لواقع خطبة الجمعة في كل جامع، ويؤكدون وجود لجان مؤهلة تشرف على هذا المشروع، بينما يؤيد 77% من الجمهور عمل لقاء أسبوعي مفتوح بين الخطيب والمصلين؛ ليعرف الخطيب من خلاله احتياجاتهم وتطلعاتهم من الخطبة».
وخلص المورعي إلى أن الدراسة أثبتت أن هناك مكامن ضعف في الخطبة يوجب الالتفات إليها وحلها من قبل الخطباء أنفسهم ومن قبل وزارة الشؤون الإسلامية.
وبين المورعي أن الخطب لن تؤدي أثرها المطلوب إلا بتوافر جملة من المعاني والمواصفات المعنوية ومنها الصدق والتفاعل العاطفي بالخطبة ومعانيها، وتوافر الأهلية اللازمة والمؤهلات الخاصة، الإعداد الجيد للخطبة، الأصالة والموضوعية، والمعاصرة ومراعاة هموم الناس، إضافة لأهمية مراعاة ظروف الناس وتقدير أحوالهم، والانطلاق من قاعدة الترغيب والرحمة بالناس، مع أهمية البيان وحسن التعبير، وأكد المورعي على أهمية تحلي الخطيب بالثقافة الواسعة المتنوعة والتدرب الدائم على إلقاء الخطب بطريقة شيقة ومحببة للناس.
ضعف عام
ويعترف إمام وخطيب جامع الملك سعود سعيد القرني أن بعض خطباء الجمعة يعانون من الضعف، واستدرك: «ليس كل الخطباء سواء فهناك خطباء مجيدون ويجدون قبولا من الناس لشمولية خطبهم».
ودعا القرني الخطباء إلى أن يختاروا الموضوع المناسب والقريب لهموم الناس وعدم البعد عن احتياجاتهم، وألا يطيل فيها وأن يكون محتواها مليئا، مختصرا؛ لكثرة مشاغل الناس.
ونصح الخطباء بعدم الاعتماد على الخطب الجاهزة البعيدة عن واقعهم اليومي، مستدركا:
«لكن لا مانع من الاستفادة من الكتب ولكن يكون بأخذ فكرة ودمجها مع الهم اليومي للمصلين».
ووافق إمام وخطيب (جامع المفلحون) في جدة إبراهيم النجار رأي القرني والمورعي في أن الكثير من الخطباء مع خطبهم يعانون من ضعف في أسلوب الإلقاء والمضمون، بل إن بعضهم يستعينون بخطب من خلال الكتب التي تكون بعيدة كل البعد عن الحياة اليومية للمصلين، ويرى النجار أن الخطيب المميز هو الذي يحترم عقلية الناس، ويقدم مادة قريبة لواقعهم وعقليتهم. وأرجع النجار أسباب ضعف الخطبة لعدم تأهيل الخطيب شرعيا وثقافيا، وعدم الشعور بأهمية الخطبة، وعدم التواصل بين الخطيب والمصلين، وشدد على أهمية وجود تأهيل ودورات تدريبية لبعض الخطباء بشكل مستمر حتى يصلوا للمستوى المأمول الذي يلاقي مستوى الذي يريده المتلقي.
تقصير مخيف
وأمام النسب والإحصائيات التي أثبتت ضعف خطب الجمعة وعدم ملامستها لاحتياجات الناس حذر عضو هيئة كبار العلماء عضو المجلس الأعلى للقضاء الدكتور علي بن عباس الحكمي الإمام والخطباء من عدم الإعداد الجيد للخطبة، معتبرا أن هؤلاء مقصورن ويخشى عليهم في حال تعودهم على التقصير في الإعداد الجيد لخطبة الجمعة وعدم محاولة تلمس احتياجات الناس أن يكونوا لم يؤدوا الأمانة الموكلة إليهم شرعا ونظاما، مطالبا الخطباء بضرورة مراعاة أحوال الناس ومكان وزمان الخطبة ببذل الجهد اللازم لها.
وبين الحكمي أن خطبة الجمعة لها أركانها وشروطها ومن ذلك مراعاة أحوال الناس ومعالجة مشكلاتهم وتقديم النصح لهم بالالتزام بالواجبات والبعد عن المنكرات والالتزام بالتوحيد، مشيرا إلى أن الخطبة في القرية تختلف عن الخطبة في المدينة فحاجات الناس في القرى تختلف عن المدن فيجب على الخطيب مراعاة ذلك. ولم يمانع الحكمي الاعتماد على الكتب والمواقع الإلكترونية في إعداد الخطيب مشيرا إلى أنه ليس كل الخطباء لهم القدرة على إعداد خطبة قوية، مشترطا أن لايكون الاعتماد ذلك كليا، وأن يراعي الخطيب احتياجات الناس والزمان والمكان، وشدد على الخطباء بضرورة أن يقوموا بواجبهم الكامل ويجتهدوا في تطوير أنفسهم وإعداد خطب جمعة قوية تؤدي الغرض الذي شرعت من أجله، وطالب الوزارة بضرورة إيلاء الخطباء اهتماما أكبر من خلال تأهيلهم والمساعدة على تقويم أخطائهم إن وجدت.


بـرَّأ ضعف الخُطَب وحمَّل الناس مسؤولية عدم الحضور المبكر .. آل الشيخ:
من المستحيل أن نراقب 14 ألف جامع
اعترف وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد المساعد لشؤون المساجد الشيخ عبدالمحسن بن عبدالعزيز آل الشيخ بعدم قدرة الوزارة على مراقبة جوامع المملكة التي يقدر عددها بـ 14 ألف جامع
قائلا: «من المستحيل أن تراقب الوزارة هذا العدد من الخطباء كل جمعة فهم محل الثقة والكفاية والأهلية في جملتهم ونثق بإدراكهم لما يحتاجه المجتمع من معالجات»،
موضحا أن الجزاءات محصورة على من يخالف الواجبات المناطة به في نظام الأئمة والمؤذنين والتعليمات اللاحقة، نافيا إيقاع الوزارة جزاء على من أخذ خطبة من كتاب أو موقع، مبينا أنه ليس الفعل في الأصل مخالفة وإنما المهم ألا يكون الأخذ من الإنترنت أو الكتب دائما إذ سيكون ذلك مؤثرا على إبداع الخطيب في توجيهه للمصلين.

وأضاف آل الشيخ: «لا يحسن بمن لديه القدرة والأهلية أن يأخذ من الخطب التي توجد في مواقع الإنترنت إلا في حالات الضرورة مع حسن اختيار الموضوع، ولكن هناك بعض الخطباء في قرى صغيرة وليس لديهم القدرة التامة على تدوين خطبة مميزة كل أسبوع فلا بأس لمن هذا حاله أن يستعين بالخطب المطبوعة في الكتب أو المنشورة في الإنترنت بعد قراءتها والتأكد من مناسبة موضوعها في الجملة».

ونفى آل الشيخ وجود ضعف عام في خطب الجمعة، مشيرا إلى أن ما يطرح في إطار المقبول متى ما تم الالتزام بمفهوم أن الخطبة للوعظ والإرشاد ومناقشة ما يهم المصلين في حياتهم وإرشادهم إلى أحكام الشريعة والهدي النبوي مع عدم التعدي على أحد والحرص على الائتلاف والجماعة.

ولفت آل الشيخ إلى آلية اختيار الوزارة للخطباء من اختيار الأكفاء من خريجي الكليات الشرعية لتولي الخطابة في الجوامع، موضحا: أنه «يتم إجراء اختبارات شرعية ومعلومات عامة لهم للتأكد من صلاحيتهم، وبهذه الخطوة الأولى نضمن الحد المناسب لمن يرتقي المنبر للخطابة ونأمن على حسن اختياره للموضوعات في الخطبة».

وتابع: «تأتي الخطوة الثانية بعد التعيين بالرفع من مستوى الخطباء إزاء ما ينبغي عليهم نحو مجتمعهم باللقاءات والدورات وورش العمل التي عقد الكثير منها في الفترة القريبة الماضية»، مشيرا إلى أن الخطباء على مستوى من الإدراك والفهم ويعالجون كثيرا من القضايا بما لديهم من العلم الشرعي والحس الوطني، مستدلا على ذلك بجهودهم في الأحداث الأخيرة، واستدرك: «لكن لا يسلم أن هناك ضعفا عاما على الخطباء وإنما هي حالات تعالج بحسبها».

وبين آل الشيخ حرص الوزارة على الرفع من شأن الخطباء بعقد اللقاءات العامة وورش العمل المتخصصة والندوات المتعددة التي من شأنها تحسين أداء الخطيب وحسن استيعابه للمتغيرات وثباته على الأسلوب الشرعي المؤصل بالكتاب والسنة في معالجة القضايا التي يحتاجها المجتمع والبعد عن مالا نفع فيه. كاشفا عن توجه الوزارة لزيادة تفعيل مناشط معهد الأئمة والخطباء فيما يخص الخطباء، كما أن في الوزارة الفريق العلمي للمساجد وهو مكون من نخبة من المشايخ من الوزارة ومن خارجها للنظر فيما يتعلق بالمساجد ومنها الخطب وتأثيراتها، كما أن للجان الاستشارية في الفروع أثرا مهما في توجيه من يلحظ عليه من الخطباء..

وحمل آل الشيخ الناس مسؤولية عدم حضور الخطبة من أولها مبرئا ضعف الخطب والخطباء من ذلك بقوله: «لم ترصد الوزارة شيئا من إحجام الناس عن الحضور للخطبة والاكتفاء بالصلاة بسبب ضعف مستوى الخطبة ولكن المحزن أن تفريط البعض في التبكير للجمعة هو بسبب السهر والانشغال بالملهيات وعدم الرغبة في تحصيل الأجر وهذه ليست من علامات الخير.. وتناسى الكثير من الناس الحديث الصحيح في فضل التبكير إلى الجمعة وماله من ثواب، وقد سألت جمعا من الخطباء عن امتلاء المساجد حين صعودهم المنبر فأجابوا بأنه كثير ولله الحمد».

وطالب آل الشيخ الخطباء بضرورة تحري مشكلات المجتمع وطرح حلولها في الشريعة بعد عناية بحث وتقص وتجنب الاعتداء في الدعاء والحرص على الهدي النبوي في أداء الخطبة مع الإخلاص والنية الحسنة حتى يكون له أثر صالح في نفوس المتلقين.