خطبة 8 - 12 - 1437 فضل يوم عرفة

فضل يوم عرفة
8/12/1437
الْحَمْدُ لِلهِ المَلِكِ الْحَقِّ المُبِينِ؛ ذِي الْقُوَّةِ المَتِينِ، هَدَى الْعِبَادَ صِرَاطَهُ المُسْتَقِيمَ، وَدَلَّهُمْ عَلَى شَرْعِهِ الْقَوِيمِ، وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَظِيمَةِ يَجْتَمِعُ أَهْلُ المَوْسِمِ عَلَى ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ، وَيُعَظِّمُونَ حُرُمَاتِهِ وَشَعَائِرَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ ضَحَّى وَشَرَعَ الْأُضْحِيَةَ لِأُمَّتِهِ، فَهِيَ مِنْ آكَدِ سُنَّتِهِ، فَمَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا فَلَا يَحْرِمَنَّ نَفْسَهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَعَظِّمُوهُ فِي أَعْظَمِ أَيَّامِهِ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَعْظَمُ أَيَّامِ الدُّنْيَا.. تَزَوَّدُوا فِيهَا مِنَ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَجَانِبُوا الْإِثْمَ وَالْهَوَى {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج:30].
أَيُّهَا النَّاسُ: فَضَائِلُ هَذِهِ الْأَيَّامِ كَثِيرَةٌ، وَلِبَعْضِهَا خَصَائِصُ لَيْسَتْ لِغَيْرِهَا كَيَوْمِ عَرَفَةَ، وَيَوْمِ النَّحْرِ. وَهَذَا حَدِيثٌ عَنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَمَا فِيهِ مِنَ الْفَضَائِلِ؛ لِنَعْلَمَ قَدْرَهُ، وَنُعَظِّمَ حُرْمَتَهُ، وَلَا نُهْدِرَ مِنْهُ لَحْظَةً.
وَإِذَا ذُكِرَ عَرَفَةُ سَحَّتِ الْعُيُونُ بِالدَّمْعِ عَلَى مَشْهَدِ الْحَجِيجِ وَهُمْ فِي عَرَفَةَ يَجْأَرُونَ لِلهِ تَعَالَى بِصَالِحِ الدَّعَوَاتِ؛ فَرَحًا بِهِمْ، وَغِبْطَةً لَهُمْ، وَشَوْقًا إِلَى المَشَاعِرِ المُقَدَّسَةِ.
إِنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ هُوَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ الْأَشْهُرِ الْمُحَرَّمَةِ، وَهُوَ مِنْ أَيَّامِ الْعَشْرِ المُفَضَّلَةِ، وَهُوَ مِنَ الْأَيَّامِ المَعْلُومَاتِ المَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 27]. وَقَدْ أَقْسَمَ اللهُ تَعَالَى بِهِ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِهِ وَعَظَمَتِهِ، {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البروج: 3] قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي هَذِهِ الْآيَةِ: «الشَّاهِدُ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالْمَوْعُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ».
وَهُوَ يَوْمُ كَمَالِ الدِّينِ، وَتَمَامُ النِّعْمَةِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلًا مِنَ اليَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا، لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ، لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ عِيدًا. قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [المائدة: 3] قَالَ عُمَرُ: «قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ وَالمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَهُوَ كَذَلِكَ يَوْمُ عِيدٍ لِلْمُسْلِمِينَ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَهُوَ رُكْنُ الْحَجِّ الْأَعْظَمِ، فَمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ فَاتَهُ الْحَجُّ مَعْذُورًا كَانَ أَمْ غَيْرَ مَعْذُورٍ؛ لِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ الدِّيلِيِّ قال: شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ، وَأَتَاهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ الْحَجُّ؟ فَقَالَ: «الْحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ ...» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَهُوَ يَوْمُ المُبَاهَاةِ بِأَهْلِ المَوْقِفِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ لَهُمْ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا» صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ.
وَهُوَ يَوْمُ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَكْثَرُ يَوْمٍ فِي الْعَامِ يُعْتِقُ اللهُ تَعَالَى فِيهِ خَلْقًا مِنَ النَّارِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعِتْقَ مِنَ النَّارِ لَيْسَ خَاصًّا بِأَهْلِ عَرَفَةَ، وَإِنَّمَا هُوَ عَامٌّ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ، وَإِنْ كَانَ يُرْجَى لِأَهْلِ عَرَفَةَ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ.
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: وَيَوْمُ عَرَفَةَ هُوَ يَوْمُ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ، فَيُعْتِقُ اللهُ تَعَالَى مِنَ النَّارِ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ وَمَنْ لَمْ يَقِفْ بِهَا مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ مِنَ المُسْلِمِينَ؛ فَلِذَلِكَ صَارَ الْيَوْمُ الَّذِي يَلِيهِ عِيدًا لِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ فِي جَمِيعِ أَمْصَارِهِمْ، مَنْ شَهِدَ المَوْسِمَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يَشْهَدْهُ، لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الْعِتْقِ وَالمَغْفِرَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ.
وَهُوَ يَوْمُ الدُّعَاءِ، وَيَوْمُ تَرْطِيبِ الْأَلْسُنِ وَالْقُلُوبِ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ؛ لِحَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِاللهِ بْنِ كَرِيزٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ. وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ» رَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسَلًا.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ فَضْلَ الدُّعَاءِ لَيْسَ خَاصًّا بِالْوَاقِفِينَ بِعَرَفَةَ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ الْقَبُولُ مِنْهُمْ أَرْجَى مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لِتَلَبُّسِهِمْ بِالْإِحْرَامِ، وَوُجُودِهِمْ فِي أَطْهَرِ الْبِقَاعِ، وَكَذَلِكَ الدُّعَاءُ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ الْوَارِدَةِ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَتْ خَاصَّةً بِأَهْلِ عَرَفَةَ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُكْثِرَ مِنْ قَوْلِهَا أَهْلُ الْأَمْصَارِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ.
وَكَأَنَّ الْإِكْثَارَ مِنَ الدُّعَاءِ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ هُوَ لِتَأْكِيدِ الْوَفَاءِ بِالمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى الْبَشَرِ قَبْلَ وُجُودِهِمْ عَلَى الْأَرْضِ، وَهُوَ الْوَارِدُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَخَذَ اللهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بِنَعْمَانَ – يَعْنِي: عَرَفَةَ - فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا، فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قِبَلًا» قَالَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} [الأعراف: 173] رَوَاهُ أَحْمَدُ. فَنَاسَبَ أَنْ تَلْهَجَ أَلْسِنَةُ المُؤْمِنِينَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ فِي ذَلِكُمُ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ، وَعَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُكْثِرَ المُسْلِمُونَ مِنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ أَيْنَمَا كَانُوا، فَجِدُّوا -عِبَادَ اللهِ- فِي الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَأَلِحُّوا؛ فَلَعَلَّ نَفَحَاتِ اللهِ تَعَالَى تُصِيبُكُمْ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَلَوْ لَمْ تَقِفُوا بِهَا، وَفَضْلُ اللهِ تَعَالَى يَسَعُ أَهْلَ المَوْسِمِ وَغَيْرَهُمْ، فَلَا يَحْرِمَنَّ عَبْدٌ نَفْسَهُ خَيْرَ اللهِ تَعَالَى وَفَضْلَهُ فِي ذَلِكُمُ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ.
وَهُوَ يَوْمُ إِصْغَارِ الشَّيْطَانِ وَدَحْرِهِ؛ لِمَا يَرَى مِنْ تَنَزُّلِ رَحَمَاتِ اللهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا، هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَحْقَرُ وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ. وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ، وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ، إِلَّا مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ... رَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسَلًا.
وَإِذَا كَانَ أَهْلُ المَوْسِمِ قَدْ ظَفِرُوا بِالْوُقُوفِ فِي عَرَفَةَ رُكْنِ الْحَجِّ الْأَعْظَمِ، فَإِنَّ لِأَهْلِ الْأَمْصَارِ صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ، وَصَوْمُهُ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَقْبَلَ مِنَّا وَمِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَنْ يَكْتُبَ لَنَا جَمِيعًا الرَّحْمَةَ وَالمَغْفِرَةَ وَالْعِتْقَ مِنَ النَّارِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ....

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَكْثِرُوا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَظِيمَةِ مِنْ ذِكْرِهِ وَتَكْبِيرِهِ؛ فَإِنَّ ذِكْرَ اللهِ تَعَالَى مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ {وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45] وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «مَا شَيْءٌ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ».
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: عِيدُ الْأَضْحَى هُوَ أَكْبَرُ أَعْيَادِ المُسْلِمِينَ وَأَفْضَلُهَا؛ لِأَنَّهُ فِي أَفْضَلِ الْأَيَّامِ وَأَشْرَفِهَا، وَفِيهِ أَكْثَرُ الشَّعَائِرِ وَأَعْظَمُهَا. وَتُشْرَعُ فِيهِ الْأَضَاحِي وَهِيَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ وَأَجَلِّهَا، وَهِيَ مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي حَدِيثٍ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: «ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَلْنَجْتَنِبْ مِنَ الْأَضَاحِي مَا كَانَ بِهَا عَيْبٌ؛ فَإِنَّهَا قُرْبَانٌ لِلهِ تَعَالَى، وَلْنَخْتَرْ مِنْهَا أَطْيَبَهَا وَأَسْمَنَهَا؛ لِقَوْلِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ: «كُنَّا نُسَمِّنُ الأُضْحِيَةَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ المُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ».
وَمَنْ طَرَأَتْ عَلَيْهِ الْأُضْحِيَةُ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ كَانَ لَا يَجِدُ ثَمَنَهَا ثُمَّ وَجَدَهُ فَلَهُ أَنْ يُضَحِّيَ وَلَوْ كَانَ قَدْ أَخَذَ مِنْ شَعْرِهِ وَظُفْرِهِ فِي الْعَشْرِ. وَأَهْلُ الْبَيْتِ تَكْفِيهِمْ أُضْحِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ بَابُ قُرْبَةٍ وَعِبَادَةٍ، وَلَا تَجُوزُ فِيهَا المُبَاهَاةُ وَالمُفَاخَرَةُ.
وَلَا يُشْرَعُ تَخْصِيصُ الْأَمْوَاتِ بِالْأُضْحِيَةِ، فَإِنْ ضَحَّى أَحَدٌ عَنْهُمْ أَشْرَكَ نَفْسَهُ أَوْ أَحَدًا مِنَ الْأَحْيَاءِ مَعَهُمْ، إِلَّا إِذَا كَانَتْ وَصَايَا لِلْأَمْوَاتِ وَمِنْ أَسْبَالِهِمْ فَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُمْ؛ لِأَنَّهَا مِنْ كَسْبِهِمْ وَصَدَقَاتِهِمْ.
وَيَحْرُمُ صَوْمُ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ بَعْدَ الْعِيدِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَلْنُكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى فِيمَا تَبَقَّى مِنْ هَذَا المَوْسِمِ الْكَرِيمِ، وَلْنَجْتَنِبْ مُنْكَرَاتِ الْعِيدِ، وَلْنَجْعَلْ يَوْمَ الْعِيدِ مَعَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَيَّامَ شُكْرٍ وَذِكْرٍ لِلهِ تَعَالَى عَلَى مَا هَدَانَا وَأَعْطَانَا {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ} [الحج: 27].
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ....
المرفقات

1137.doc

فضل يوم عرفة-مشكولة.doc

فضل يوم عرفة-مشكولة.doc

فضل يوم عرفة..doc

فضل يوم عرفة..doc

المشاهدات 3814 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا