خطبة 19 صفر 1446

الشيخ محمد بن حسن القاضي
1446/02/28 - 2024/09/01 21:14PM
تلقيح الأفكار ببعض أحكام السيول والأمطار
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون} [سورة آل عمران:102].
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [سورة النساء:1]. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) } [سورة الأحزاب:70-71].
أما بعد:
اعلموا أنَّ خير الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد صلى عليه وعلى آله وصحبه وسلم, وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد معاشر المسلمين! إن نعمة الأمطار من نعم الله العظيمة، التي ينعم الله بها على عباده، ويصرِّفها سبحانه وتعالى على ما تقتضيه حكمة وإرادة ومشيئته سبحانه وتعالى، والله عز وجل هو وحده لا شريك له، المتفرد بهذا الأمر؛ أي بإنزال المطر، قال ربنا في كتابه الكريم: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير} [سورة لقمان:34] وهكذا روى الإمام البخاري في صحيحه، من حديث عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «مفاتيح الغيب خمسة لا يعلمهن الا الله، ومنها ولا يعلم أحد متى ينزل المطر إلا الله» فهذا الأمر مما اختص الله به نفسه، وقد جعل الله عز وجل هذا الماء، وهذه الأمطار، من نعمه التي تدخل الفرح والسرور على عباده، قال ربنا في كتابه الكريم: { فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُون} [سورة الروم:48] أي يفرحون بهذه النعمة التي يسديها الله عز وجل، وجعل الله عز وجل هذا الماء سببا لحياة كل شيء، قال ربنا في كتابه الكريم: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ} [سورة الأنبياء:30] فجعل الله الماء حياة لكل شيء.
وكذلك أيضا جعله سبباً في وفرة الأرزاق، وفي سعت الأرزاق، قال ربنا في كتابه الكريم: {وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ} [سورة البقرة:22] فهذا المطر يكون سبباً بإذن الله في سعة الأرزاق وفي تيسير الأرزاق للعباد، وهكذا يحيي به الأرض بعد موتها إلى غير ذلك من منافع المطر.
 ولست في هذا المقام في مقام بسط منافع المطر؛ وإنما أردت في هذا المقام أن أشير إشارة، وأن أذكر بتذكرة في باب بعض الأحكام المتعلقة بالأمطار، فهي نبذ مختصرة، وإشارات يسيرة، إلى هذا الموضوع المهم الذي نحتاجه، تلاحظون أننا في هذه الفترة نعيش في أمطار كثيرة، وأمطار غزيرة، أنعم الله بها؛ فلهذا من الأهمية بمكان أن نتعرف على بعض الأحكام الشرعية التي جاءت في الكتاب والسنة في بيان هذا الأمر.
 ألا وإن من هذه الأحكام الالتزام بالأدعية، والآداب، والأذكار الواردة عند نزول الأمطار، ومن ذلك أن الشخص إذا رأى المطر يقول: اللهم صيباً نافعا، فقد روى الإمام البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها، أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقول إذا رأى المطر: «اللهم صيبا نافعا» هذا لبيان أن من الأمطار ما تكون ضارة، وما يكون فيها الخطر على العباد، ولهذا روى الإمام البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها، أن الرسول صلاة والسلام، كان إذا رأى السحب في السماء خرج ودخل، وأقبل وأدبر، وظهر عليه التغير، فيقال له في ذلك، فيقول: «وما يؤمنني أن يكون عذابا ينزله الله» قال الله في كتابه الكريم: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيم} [سورة الأحقاف:24] فقد يكون هذا المطر ضارا، وقد يكون سببا في حصول الضرر على العباد، فيشرع للمسلم إذا بدأ نزول المطر أن يقول: اللهم صيبا نافعا.
 وكذلك أيضا من الأحكام، والأذكار، والأوراد، التي جاءت في هذا الأمر أن الشخص إذا نزل المطر وكان بإمكانه أن يغتسل في المطر، أو أن يجعل المطر يصيب بعض بدنه فليفعل، روى الإمام مسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان مع اصحابه، فنزل المطر فحسَّر ثوبه، حتى يصيبه الماء، فقيل له لم فعلت هذا يا رسول الله? قال: «لأنه حديث عهد بربه» فماء المطر ماء مبارك، وماء طهور، قال ربنا في كتابه الكريم: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيد} [سورة ق:9] وقال ربنا في كتابه الكريم: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49) } [سورة الفرقان:48-49] وقال ربنا في كتابه الكريم: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَام} [سورة الأنفال:11] فكون المطر يصل إلى بدنك هذا من الأمور الطيبة، إذا كان مناسبا للشخص، وإذا كان بمقدوره فعل ذلك.
 كذلك أيضا من الأوراد، والأذكار التي جاءت في هذا الأمر أن الشخص إذا سمع البرق، أو الرعد، فإنه يقول: سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، صح هذا عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم، ومنهم عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، فقد كان يحرص على هذا، وكان يقطع حديثه إذا حصل البرق أو الرعد، ويقول: سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، وكذلك أيضا من هذه الأوراد، والأذكار الشرعية، أنه إذا اشتد المطر، وزاد المطر، حتى خشي الناس الضرر، فإنهم يقولون: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر، روى الإمام البخاري من حديث أنس رضي الله عنه، أن رجلاً جاء إلى النبي عليه والسلام فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادعوا الله أن يغيثنا، فرفع النبي عليه الصلاة والسلام يديه ودعا، فنزل المطر وهم لا يزالون في المسجد واستمر المطر أسبوعا كاملا، فعاد ذلك الرجل أو غيره من الجمعة المقبلة فدخل والرسول عليه الصلاة والسلام على المنبر، فقال يا رسول الله: هلكت الأموال وانقطعت السبل وغرق المال وو إلى آخره، فادع الله عز وجل أن لا يسقينا، فرفع الرسول عليه الصلاة والسلام يديه وقال: «اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والضراب وبطون الأدية ومنابت الشجر» وهذا من أدبه عليه الصلاة والسلام مع ربه، فالنظروا كيف دعا وكيف طلب من الله عز وجل تحويل الغيث وتحويل المطر إلى أماكن، ولم يدعوا بعدم إنزال المطر، وهذا من الآداب المهمة، نسمع الآن مع كثرة الأمطار، ومع حصول بعض الأضرار على بعض الناس، بعضهم يقول: يا رب يكفي، يا رب ما نريد، هذا خطأ، هذا من قلة الفهم، الصحيح أن يقول: اللهم حوالينا ولا علينا، فإذا كانت هذه البلدة مثلاً قد صارت ولله الحمد ليست محتاجة إلى كثرة الأمطار، فبعض المناطق بحاجة وهكذا، ولله حكمة فيما يقضي وما يقدر، والله أعلم وأحكم وأرحم بعبادة سبحانه وتعالى، إذاً يتنبه لهذا الأمر خصوصاً في هذه الآونة وفي هذه الفترة.
 كذلك أيضا: من الأوراد، والأذكار التي تقال عند نزول الأمطار، أن يقول الإنسان بعد انتهاء المطر، مطرنا بفضل الله وبرحمته، روى الإمام البخاري ومسلم من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، أن الرسول الصلاة والسلام، صلى بأصحابه صلاة الصبح في الحديبية على إثر سماء- يعني على إثر مطر من الليل- فقال لهم بعد أن انتهى من الصلاة: «أتدرون ماذا قال ربكم، قالوا الله ورسوله أعلم، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: قال ربكم: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فمن قال مطرنا بفضل الله وبرحمته فذاك مؤمن بي كافر بالكوكب، ومن قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بي مؤمن بالكوكب» فلهذا المطلوب من المسلم أن يقول: مطرنا بفضل الله لا بنجم كذا، ولا بنوء كذا، فالمطر ينزله الله عز وجل، صحيح هناك أحوال أو هناك مواسم، فهذا الموسم موسم مطر، ولكن ليس هو الذي ينزل المطر، فالذي ينزل المطر هو الله عز وجل سبحانه وتعالى، وإذا أراد الله عز وجل شيئا كان، فهذه جملة من الأذكار التي تقال عند نزول الأمطار.
 وكذلك أيضا من الأحكام التي ينبغي أن يعلمها الناس عند نزول الأمطار، أن الله عز وجل قد رخص للعباد مع كثرة الأمطار ومع نزول الأمطار وحصول المشقة أن يصلوا في بيوتهم، وأن يقول المؤذن في الأذان صلوا في رحالكم، أو صلوا في بيوتكم، أو ألا صلوا في الرِّحال، هذه الألفاظ ثابتة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، واتفق عليها فقهاء الأمة على مر العصور والدهور، فعند أن يؤذن المؤذن للصلاة والمطر ينزل أوقد انتهى المطر؛ لكن المشقة حاصلة بسبب كثرة المياه، وبسبب الزلق والطين في الطرق، فإنه يقول صلوا في رحالكم، وله أن يقول صلوا في رحالكم بدل حي على الصلاة، فقد روى البخاري ومسلم من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، أنه أمر مؤذنا له أن يقول في أذانه يوم الجمعة وكان يوم مطر، قال له إذا قلت أشهد أن محمداً رسول الله، فلا تقل حي على الصلاة، وقل صلوا في بيوتكم، فكأنهم استغربوها، فقال لهم قد فعل هذا من هو خير مني، فعله رسول الله عليه الصلاة والسلام، إذاً للمؤذن أن يقول صلوا في رحالكم، بدل حي على الصلاة، وله أن يقول صلوا في رحالكم بعد أن يقول حي على الفلاح، فقد روى الإمام أحمد والنسائي من حديث عمرو بن أوس قال أنبأنا رجل من ثقيف أنه سمع مؤذن رسول الله عليه الصلاة والسلام في ليلة مطيرة بعد أن قال: حي على الفلاح قال: ألا صلوا في رحالكم، هذا أيضا من المواطن التي يقال فيها صلوا في رحالكم، وكذلك أيضا له أن يقول صلوا في رحالكم بعد أن ينتهي من الأذان عند آخر كلمة يقولها من الآذان، فقد جاء من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن الرسول عليه الصلاة والسلام، أمر مؤذنه أن يقول في إثر أذانه- أي في آخر أذانه- صلوا في رحالكم، فهذه المواطن الثلاثة جاء فيها أنه يجوز للمؤذن أن يقول: صلوا في رحالكم.
 ما هو ضابط العذر الذي يعذر به الإنسان في ترك الجماعة بسبب المطر، الضابط أن يكون حال نزول المطر، أو أن يكون المطر قد انتهى؛ لكن المياه تجر في الشوارع، أو يحصل الطين والزلق الكثير مما يكون فيه مشقة في وصول الناس إلى المسجد، فيجوز عند ذلك أن يترخص الناس وأن يصلوا في بيوتهم، ويجب على المؤذن أن يؤذن وأن تقام الجماعة بمن يتيسر؛ لكن من لم يقدر ومن أحب أن يترخص بالرخصة الشرعية فله ذلك، ولا يثقل على نفسه ويأتي إلى المسجد وربما يتعب في طريقه، أو ربما يأتي وقد اتسخ فيوسخ المسجد ونحو ذلك، لا بل المطلوب الأخذ بالرخص الشرعية، ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «إن الله يحب إن تؤتى رخصه» فالرخص الشرعية هي تخفيف من الله ورحمة؛ فلهذا يُعمل بها ولا يتحرج الإنسان في الأخذ بها.
أستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم
*الخطبة الثانية*
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، أما بعد:
كذلك أيضا من هذه الأحكام المتعلقة بالأمطار، أنه يجوز لجماعة المسجد أن يجمعوا بين الصلاتين، بين صلاة المغرب والعشاء إذا كان المطر نازلاً ومستمرا، أو كانت المشقة شديدة، وحول المسجد وفي طريق الناس إلى المسجد مياه كثيرة وطين وزلق فللإمام أن يجمع بالناس بين هاتين الصلاتين، بين صلاة العشاء وصلاة المغرب، ويكون جمع تقديم، فيصلي المغرب ثم يقوم المؤذن فيقيم الصلاة ويصلي الناس صلاة العشاء، انظروا إلى رحمة الله الرحيم بعباده، وكذلك أيضا ذهب بعض أهل العلم إلى جواز الجمع بين صلاتي الظهر والعصر في حال المطر، وهذا إذا كانت المنطقة شديدة الأمطار، وشديدة الزلق، ويصعب على الناس المجيء، فربما يتأتى ذلك مع أن الأفضل عدم الجمع بين صلاة الظهر والعصر، ولو كان في حال المطر لأنه في وجه النهار، وقد ينتهي المطر، وتشرق الشمس، ويذهب الوحل والطين، ويتحسن الحال؛ فلهذا الأحسن عدم الجمع بين هاتين الصلاتين إلافي أحوال كمثل الأيام التي يكون المطر فيها مستمرا، والبرودة فيها شديدة، إلى غير ذلك، فالله أرحم بنا من أنفسنا، هذا أيضا من جملة الأحكام التي ينبغي أن تعلم.
 وكذلك أيضا من جملة الأحكام أن مياه الأمطار تعتبر مياه طاهرة، وأن ما أصاب الإنسان من الماء في الطريق من مياه الأمطار فإنه يعتبر طاهرا ما لم يرى فيه نجاسة، فالمياه التي تجري في الشوارع الأصل فيها الطهارة إلا إذا ظهر وتبين أن فيها قذارة ونجاسة، فهذا شيء آخر، وإلا فالأصل الطهارة، قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى:
والأصل في مياهنا الطهارة
  والأرض والثياب والحجارة
فهذا مما ينبغي أن يعلم فلا يتحرج الإنسان من مثل هذه الأشياء إذا لم تظهر له النجاسة، ويبني على الأصل فيسلم بإذن الله عز وجل.
 أيها الناس مع نزول الأمطار وكثرة نزول الأمطار، ومع حصول السيول العارمة قد تحصل هناك بعض الأشياء وبعض المحظورات التي ينبغي للمسلم أن يجتنبها.
 ألا وإني أنبه على بعضها، الأمر الأول الغفلة عن الصلاة، بعض الناس مع نزول الأمطار لا يترخص بالرخص بل يضيع الصلاة، المؤذن يقول صلوا في رحالكم، لا هو بالذي صلى في رحله، ولا هو بالذي صلى في المسجد، فيضيع الصلاة، الصلاة عبادة لله، من أعظم العبادات وهي عمود هذا الدين، لا ينبغي أن تضيع، وبعض الناس ربما يضيعها من أجل الذهاب إلى هنا وهناك يتفرج على الأماكن وعلى الأمطار والمياه وعلى السيول وغير ذلك، هذا خطأ، أدِ فرض الله عليك وفرح بما أنعم الله به واسأل الله عز وجل دوام نعمه ودفع نقمه، وحذر أن يكون هذا استدراجا، فقد تكون النعم استدراجا للعباد ليرى الله من يشكر ومن لا يشكر، ومن يصدق مع الله ومن لا يصدق، هذا الأمر الأول.
 الأمر الثاني ما يحصل من بعض الناس من فتن ومشاكل مع نزول الأمطار، إما على مسيل ماء بين الجيران، وإما على أرض بينهما، فتحصل المشاكل والفتن، الله ينزل رحمته وبعض الناس كأنه ما يريد رحمة الله، كم من فتن، كم من مضاربات، كم من قتال في أيام الأمطار على الماء، ربما لا يريد أن يسقي الماء أرض جاره، هذا خطأ، وربما أنه تضرر فجعل الماء ينزل على بيت جاره، أو على أرض جاره بدون مراعاة، وبدون تعاون هذا خطأ، المطلوب أن تكون نعم الله سبباً لتقارب قلوبنا، ووحدة صفنا، لا أن تكون سبباً لوجود المشاكل والفتن فينا، فنقول لمن يحصل منه هذا اتقوا الله، احمدوا الله على نعمه، واحذروا أن تحاربوا نعم الله عز وجل، وأن تسخطوا الله سبحانه وتعالى.
كذلك أيضا من هذه الأمور ما يحصل من بعض السائقين للسيارات والمترات والدراجات النارية، أن بعضهم يسير بسرعة جنونية، وهذا خطأ؛ فهذي الأمطار تسبب الزلق؛ فتحصل حوادث والكوارث في أيام الأمطار، الله الله في التعقل والهدوء والسكينة، وما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه.
 كذلك أيضا مما يحصل من بعض السائقين هداهم الله، السير بسرعة خصوصاً في المياه؛ فربما يتطاير الماء على الناس، ويرش الناس الذين يمشون على جنبات الطريق، اتق الله يا رجل، الله أنعم عليك بهذه السيارة، أو أنعم عليك بهذه الدراجة، فلا تتكبر على عباد الله، سر بهدوء فإن تطاير شيء بغير قصد مع الهدوء والسكينة بإذن الله ليس عليك شيء، أما ما يفعله بعضهم من تعمد ذلك، أو سرعة مفرطة فهذا الفعل من الأفعال المذمومة، ومن الأفعال القبيحة، عليهم أن يتقوا الله، وأن يراقبوا الله، وأن يقفوا عند حدود الله، ربما تمر وترش هذا الماشي بطين، أو بماء، فيرفع يديه ويدعوا عليك وتصاب بكارثة بسبب تصرفك هذا، اعقل واهدأ واتزن، وسر على ما يريد الله عز وجل.
كذلك أيضا من هذه الأخطاء الحاصلة ما يحصل من بعض السائقين ومن بعض المشاة أيضا، المغامرة والدخول إلى الوديان والسيول، وكم رأينا من حوادث وكوارث، وكم رأينا من سيارات ودراجات نارية سحبتها السيول، وكم رأينا من أشخاص غرقوا في السيول؛ بسبب التهور والتعجل، كم حذرنا، وكم بينا، وكم نصحنا؛ لكن بعض الناس لا يسمع ولا يعي ولا يفهم ولا يعقل، إلا أن يشاء الله، يا رجل! نحن لك من الناصحين، لا نريد منك جزاءً لا شكورا، لم هذه العجلة?! ولم هذه السرعة?! اهدأ، أما ترى الوادي أمامك? أما ترى السيول أمامك؟! تجرف ما تأتي عليه، أخذت الأخضر واليابس، وأنت تلقي بنفسك إلى التهلكة، الله يقول: { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى} [سورة البقرة:195] ويقول: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [سورة النساء:29] فالمطلوب الهدوء.
 كذلك أيضا من هذه الأخطاء الحاصلة والمنتشرة عند بعض الناس، الدخول إلى الوديان للسباحة، وهكذا الدخول إلى أماكن تجمعات المياه، أو البِرك، أو السدود أو نحو ذلك للسباحة، وبعض الناس قد لا يكون يجيد السباحة، وبعضهم قد يجيد السباحة، ولكن يعلق بسبب وجود الطين والوحل وغير ذلك من الأشياء التي تكون في السيول، فالمطلوب التعقل وعدم الطيشان، وعدم السباحة في مياه السيول سواء في البِرك أو الحفر التي تجمع الماء أو غيرها، بل المطلوب الاتزان والهدوء، فلا تجعل هذه النعمة تنقلب إلى نقمة وتحزن أُسرتك ومجتمعك بسبب التهور والتعجل والطيشان، يا فلان لا تنزل قال: أنا أسبح أنا كذا وربما يحصل تحديات بين هذا وذاك، ويقفز وإذا به يموت ويغرق في هذه المياه، هذا من الأفعال التي لا تليق.
 كذلك أيضا من الأخطاء الحاصلة، والأخطاء المنتشرة، ضياع الأوقات، عند بعض الشباب، وعند بعض الناس، يضيعون الأوقات في متابعة السيول، يسمع أن المكان الفلاني السيل فيه، والوادي في ذلك المكان، فيذهب وإذا به يبقى وقتا، ثم ينتقل إلى المكان الآخر وهكذا، فيضيع الأوقات، يا مسلم! أنت مخاطب بالحفاظ على وقتك، إن كان ولابد من نزهة فليكن بقدر، ثم تعود الى الجد والاجتهاد في أعمالك الدينية والدنيوية، وتحرص على ما ينفعك.
كذلك أيضا من الأخطاء الحاصلة، أخذ ما في السيل من أشياء، فأحيانا تدخل السيول إلى بعض القرى فتجترفاه، وإذا به يرى في السيل إما اسطوانة غاز، أو يرى في السيل مواشي، أو يرى في السيل كذا وكذا، أشياء وأدوات، ثلاجات، أو غسالات، أو أو إلى آخره، يذهب يتغنم ويأخذ هذه الأشياء، هذا غلط، هذي الأشياء الموجودة لك أن تنقذها وأن تخرجها من السيل إن كنت قادراً على ذلك، ثم تبقى للتعريف، إذا كنت تعرف هذا الشيء لمن فتعيده إليه، وإذا لم تعرف فتوضع اللقطات والأشياء التي جرفتها السيول في مكان، ويعلن أن في المكان الفلاني أدوات من كان له فيها شيء يأتي يأخذ حقه، وتعرَّف ولها حكم اللقطة، كذلك أيضا من الأخطاء الحاصلة، ما يحصل من بعض الشباب من قضية مزاح، فربما يدفعه إلى داخل السيل، وربما أدى ذلك إلى أن يغرق، وهذا قد حصل، بعضهم يجعلها مزاح، الماء ما أحد يمزح فيه، ربما تدفعه وهو لا يجيد السباحة، أو لا يستطيع أن يتمالك نفسه فيسحبه وربما يكون الماء قويا، والوادي قويا، فيذهب به ويموت، وتصير رهين عملك، وربما تصير في السجن وربما وربما، أحوال، إذاً المطلوب الهدوء والتعقل وشكر الله عز وجل على نعمه العظيمة.
 وهكذا من الأخطاء الحاصلة، ما يفعله بعض الشباب أصلحهم الله من وضعهم لصور الأمطار والمناظر والسيول ووضع الأغاني والمعازف على هذه المناظر الطيبة، فهذا الفعل من الأفعال المذمومة، وهذا الفعل لا ينبغي، المطلوب أن تكون هذه الأمطار، وهذه السيول، وهذه المناظر الطيبة، والأرض الخضراء، والجبال الخضراء، أن تكون عبرة، وذكرى تذكر بالله، وإذا صور الشخص مناظر طيبة وأراد نشرها فليجعل عليها آيات قرآنية، أو موعظة، وبعد ذلك ينشرها، ليستفاد منها، وله أن يضعها حالة في الواتساب ونحو ذلك، أما ما يقوم به بعض الشباب، فهذا من الأمور التي لا تنبغي، فهذه نبذ لتلقيح الأفكار في بعض الأحكام المتعلقة بالسيول والأمطار.
 أسأل الله بمنه وكرمه، وفضله وإحسانه، أن وفقنا لما يحب ويرضى، وأن يأخذ بنواصينا للبر والتقوى، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم احفظ يمن الإيمان الحكمة، ونجنا من كل ضائقة وفتنة، اللهم رحماك بأهل اليمن، اللهم ادفع الضر عن المتضررين، اللهم كن الفقراء والمشردين والنازحين والأيتام والأرامل، اللهم كن لعبادك المتضررين من هذه السيول والأمطار، اللهم اخلف لهم بخير في العاجل والآجل، اللهم اربط على قلوبهم وصبرهم يا رب العالمين، اللهم ارحم الموتى واعقبهم بخير في عقبهم يا رب العالمين، اللهم كن لإخواننا المتضررين من هذه السيول في تهامة وفي غيرها يا رب العالمين، اللهم كن لإخواننا في فلسطين، اللهم ادفعهم عنهم شر اليهود الغاصبين، وشر النصارى المتآمرين، اللهم ادفع عن المسلمين في كل مكان، شر أعدائهم يا رب العالمين.
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، وقاعدين، وراقدين، وأقم الصلاة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
المرفقات

1725214493_تلقيح_الأفكار_ببعض_أحكام_السيول_والأمطار_خطبة_في_مسجد_الريان_المصقري.pdf

المشاهدات 211 | التعليقات 0