خطبة يوم 29/9/1433، ختام الشهر بعبادة الشكر
الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل
1433/09/20 - 2012/08/08 11:11AM
خِتَامُ الشَّهْرِ بِعِبَادَةِ الشُّكْرِ
29/9/1433
الْحَمْدُ للهِ الْخَلَّاقِ الْعَلِيمِ؛ خَلَقَ الزَّمَانَ، وَكَوَّرَ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ، نَحْمَدُهُ عَلَى إِدْرَاكِ هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا حَبَانَا فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ الْعَظِيمِ، وَنَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ صَلَاحَ نِيَّاتِنَا، وَقَبُولَ أَعْمَالِنَا، وَاسْتِقَامَتَنَا عَلَى أَمْرِهِ، وَاسْتِمْرَارَنَا عَلَى عَهْدِهِ، وَإِعَانَتَنَا عَلَى مَا يُرْضِيهِ، وَاجْتِنَابَنَا لِمَا يُسْخِطُهُ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ الْمَسْؤُولُ فِي كُلِّ زَمَانٍ، وَالْمُسْتَعَانُ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ، وَلَا حَوْلَ لَنَا وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ دَبَّرَ خَلْقَهُ بِعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهَ، وَسَيَّرَهُمْ عَلَى مُرَادِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَدَلَّهُمْ عَلَى مَا يُرْضِيهِ؛ فَقَطَعَ مَعْذِرَتَهُمْ، وَأَقَامَ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ يَصُومُ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: لَا يَصُومُ، وَصَلَّى مِنَ اللَّيْلِ كُلَّهُ، وَكَانَ يَتَهَجَّدُ بِالْقُرْآنِ، فَيُطِيلُ الْقِيَامَ، وَيُرَتِّلُ الْقُرْآنَ، وَقَرَأَ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ الثَّلَاثَ الطِّوَالَ: الْبَقَرَةَ، وَآلَ عِمْرَانَ، وَالنِّسَاءَ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَحْسِنُوا خِتَامَ شَهْرِكُمْ بِخَيْرِ عَمَلِكُمْ، وَأَلْزِمُوا أَنْفُسَكُمْ بِعَهْدِكُمْ، وَالِاسْتِمْرَارِ عَلَى طَاعَةِ رَبِّكُمْ، وَأَكْثِرُوا مِنَ الِاسْتِغْفَارِ؛ فَإِنَّهُ مُرَقِّعٌ لِمَا تَخَرَّقَ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَالْهَجُوا للهِ تَعَالَى بِالْحَمْدِ وَالشُّكْرِ عَلَى رَحْمَتِهِ بِكُمْ، وَفَضْلِهِ عَلَيْكُمْ؛ فَلَقَدْ أَدْرَكْتُمْ رَمَضَانَ صِحَاحًا مُعَافَيْنِ مُسْلِمِينَ، فَصُمْتُمْ وَقُمْتُمْ، وَقَرَأْتُمْ وَتَصَدَّقْتُمْ، وَفَعَلْتُمْ مِنَ الْخَيْرِ مَا دُوِّنَ فِي صَحَائِفِكُمْ، وَأَتَيْتُمْ مِنَ الْبِرِّ مَا لَمْ يُوَفَّقْ لَهُ غَيْرُكُمْ؛ وَذَلِكَ مَحْضُ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْكُمْ؛ {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النَّحْلِ: 18، 19].
أَيُّها النَّاسُ: لِنَتَأَمَّلْ أَحْوَالَ غَيْرِنَا فِي هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ؛ لِنَعْرِفَ فَضْلَ اللهِ تَعَالَى عَلَيْنَا، فَنَشْكُرَهُ عَلَى نِعَمِهِ، وَنَلْهَجَ بِذِكْرِهِ وَحَمْدِهِ.
فِي رَمَضَانَ وَنَحْنُ صَائِمُونَ قَائِمُونَ؛ حُرِمَ هَذِهِ اللَّذَّةَ الْعَظِيمَةَ مِلْيَارَاتُ الْبَشَرِ مِمَّنْ كَفَرُوا بِاللهِ تَعَالَى جَهْلًا بِهِ، أَوِ اسْتِكْبَارًا عَنْ عِبَادَتِهِ، صَرَفَتْهُمْ شَيَاطِينُهُمْ عَنِ الْهِدَايَةِ إِلَى الْغِوَايَةِ، وَأَخْرَجَتْهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَى الْكُفْرِ؛ فَلَمْ يَعْرِفُوا رَمَضَانَ، وَلَمْ يَعِيشُوا لَذَّةَ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ وَالْقُرْآنِ، وَحُرِمُوا فَرْحَةَ الْغُرُوبِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ؛ «وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وَفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ»، وَقَدْ ذُقْنَا الْفَرْحَةَ الْأُولَى، وَنَرْجُو الثَّانِيَةَ، وَهُمْ لَا فَرْحَةَ لَهُمْ أَبَدًا مَا دَامُوا فِي ضَلَالِهِمْ؛ فَلْنَحْمَدِ الَّذِي أَفْرَحَنَا بَيْنَمَا تَعِسَ غَيْرُنَا، وَلْنَشْكُرْ مَنْ هَدَانَا وَعَلَّمَنَا.
تِلْكُمْ -عِبَادَ اللهِ- هِدَايَةُ اللهِ تَعَالَى لَنَا، قَدْ جَعَلَتْ لِرَمَضَانَ بِالصِّيَامِ وَالْقِيَامِ طَعْمًا لَا نَجِدُهُ فِي الشُّهُورِ الْأُخْرَى، وَحَلَاوَةُ الْإِيمَانِ لَا يَعْدِلُهَا شَيْءٌ؛ {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الْبَقَرَةِ: 185]، {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البَقَرَةِ: 198].
وَفِي رَمَضَانَ وَنَحْنُ نَنْعَمُ بِالْحُرِّيَّةِ، وَالرَّوَاحِ وَالْمَجِيءِ، وَالسَّفَرِ وَالْإِقَامَةِ، اِبْتُلِيَ أُلُوفٌ مِنْ إِخْوَانِنَا فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا بِالسَّجْنِ وَالْأَسْرِ، فَصَامُوا فُرَادَى، وَأَفْطَرُوا فُرَادَى، بَعِيدًا عَنْ أَهْلِيهِمْ وَأَحْبَابِهِمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَضَوْا رَمَضَانَ يُفْتَنُونَ فِي دِينِهِمْ، وَيُعَذَّبُونَ عَلى إِيمَانِهِمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ حُبِسُوا فِي دُيُونِهِمْ، أَوْ فِي جِنَايَاتٍ كَانَتْ عَلَيْهِمْ؛ فَلْنَشْكُرِ اللهَ تَعَالَى حِينَ عَافَانَا مِنَ الْبَلَاءِ؛ فَصُمْنَا أَحْرَارًا، وَقُمْنَا أَحْرَارًا، وَأَمْضَيْنَا رَمَضَانَ أَحْرَارًا، وَلَا يَعْرِفُ قِيمَةَ الْحُرِّيَّةِ إِلَّا مَنِ ابْتُلِيَ بِضِدِّهَا، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ الْكَرِيمُ يُوسُفُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مُعَدِّدًا فَضْلَ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِ:{وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} [يُوسُفَ: 100].
وَفِي رَمَضَانَ وَنَحْنُ نَنْعَمُ بِالْأَمْنِ وَالِاسْتِقْرَارِ، وَنَخْرُجُ إِلَى الْمَسَاجِدِ آمِنِينَ، وَنَنَامُ هَانِئِينَ مُطْمَئِنِّينَ؛ قَضَى مَلَايِينُ الْمُسْلِمِينَ فِي فِلَسْطِينَ وَسُورْيَا وَالْعِرَاقِ وَأَفْغَانِسْتَانَ وَغَيْرِهَا.. قَضَوْا رَمَضَانَ فِي رُعْبٍ وَخَوْفٍ، يَنَامُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ وَسِلَاحُهُ عَلَى صَدْرِهِ، وَلَا يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ إِلَى مَسْجِدِهِ؛ خَوْفَ الْغِيلَةِ وَالْغَدْرِ وَالْقَصْفِ، وَحَلَبُ الشَّهْبَاءُ فِي الشَّامِ مَا زَالَتْ تُحَاصَرُ وَتُدَكُّ وَتُمْنَعُ عَنْهَا الْأَقْوَاتُ وَالْوَقُودُ وَالْأَرْزَاقُ إِلَى هَذِهِ السَّاعَةِ، فَرَّجَ اللهُ تَعَالَى عَنْ أَهْلِهَا، وَنَصَرَهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ.
وَفِي بُورْمَا كَانَ رَمَضَانُ شَهْرَ شِدَّةٍ وَمِحْنَةٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ فَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ، وَهُجِّرُوا مِنْ أَوْطَانِهِمْ، وَقُتِلَ رِجَالُهُمْ، وَاغْتُصِبَتْ حَرَائِرُهُمْ، وَأُحْرِقَ أَطْفَالُهُمْ، فَصَامُوا عَنِ الْفَرَحِ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِمْ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، كَبَتَ اللهُ تَعَالَى عَدُوَّهُمْ، وَانْتَقَمَ لَهُمْ مِمَّنْ آذَاهُمْ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.
وَفِي رَمَضَانَ وَنَحْنُ نَنْعَمُ بِالِاسْتِيطَانِ فِي دُورِنَا، وَالِاجْتِمَاعِ بِأَهْلِنَا وَأَوْلَادِنَا، عَاشَ مَلَايِينُ الْمُسْلِمِينَ لَاجِئِينَ فِي غَيْرِ بُلْدَانِهِمْ، مُشَرَّدِينَ فِي غَيْرِ بُيُوتِهِمْ، قَضَوْا حَرَّ رَمَضَانَ فِي مُخَيَّمَاتٍ يَلُفُّهَا الْبُؤْسُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَيُخَيِّمُ عَلَيْهَا الْحِرْمَانُ، فَلَمْ يَجِدُوا فِيهَا ضَرُورَاتِ الْعَيْشِ الْكَرِيمِ، مَعَ مَا يُعَانُونَهُ مِنَ الذُّلِّ وَالْهَوَانِ، وَفَقْدِ الْأَحِبَّةِ وَالْوِلْدَانِ، فَمَا أَعْظَمَ مَا حَاقَ بِهِمْ مِنَ الْبَلَاءِ! وَمَا أَفْدَحَ مَا نَزَلَ بِهِمْ مِنَ الشِّدَّةِ! خَفَّفَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَفَرَّجَ لَهُمْ، وَأَعَادَهُمْ إِلَى دِيَارِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ، وَكَبَتَ أَعْدَاءَهُمْ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.
وَفِي رَمَضَانَ حِينَ مَتَّعَنَا اللهُ تَعَالَى بِأَجْسَادِنَا، وَأَكْمَلَ صِحَّتَنَا، كَانَتِ الْمَشَافِي وَالْمَصَحَّاتُ تَغَصُّ بِبَشَرٍ يَئِنُّونَ مِنْ آلَامِهِمْ، وَيُعَالِجُونَ أَمْرَاضَهُمْ، قَدْ أَلْهَاهُمْ مَا هُمْ فِيهِ عَنِ الْفَرَحِ بِرَمَضَانَ وَمَظَاهِرِهِ، وَحُرِمُوا إِقَامَةَ شَعَائِرِهِ، فَلَمْ يُفَرِّقُوا رَمَضَانَ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَمْ يُحِسُّوا بِطَعْمِهِ وَلَذَّتِهِ؛ شَفَى اللهُ تَعَالَى مَرْضَى الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ، وَأَدَامَ عَلَيْنَا الصِّحَّةَ وَالْعَافِيَةَ.. آمِينْ.
وَفِي رَمَضَانَ، وَفِي لَحَظَاتِ الْغُرُوبِ، وَحِينَ كُنَّا فِي كُلِّ يَوْمٍ نَنْتَظِرُ الْأَذَانَ كَانَتْ مَوَائِدُنَا تُبْسَطُ وَتُمْلَأُ مِنْ خَيْرِ اللهِ تَعَالَى وَرِزْقِهِ، فَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَأْكُلُ وَمَاذَا تَتْرُكُ، فَتَبْتَلُّ الْعُرُوقُ بِالشَّرَابِ الطَّيِّبِ، وَتَمْتَلِئُ الْبُطُونُ بِالطَّعَامِ الطَّيِّبِ، وَتُكْسَرُ سَوْرَةُ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ بِمَا تَشْتَهِي النُّفُوسُ مِنَ الطِّيِّبَاتِ، بَيْنَمَا يُفْطِرُ قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَمَا أَفْطَرُوا، وَيَأْكُلُونَ وَمَا أَكَلُوا؛ لَا يَجِدُونَ مَا يُفْطِرُونَ عَلَيْهِ إِلَّا بُلْغَةً مِنْ عَيْشٍ تَفْصِلُ الصِّيَامَ عَنِ الْفِطْرِ.
إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ وَتَهَيَّأَتْ لِلْغُرُوبِ رَكِبَ الْهَمُّ رَبَّ الْأُسْرَةِ لَا يَدْرِي مَاذَا يُطْعِمُ أُسْرَتَهُ؟ وَمِنْ أَيْنَ يُطْعِمُهُمْ؟ وَكَمْ مِنْ رَبَّةِ مَنْزِلٍ تُلْهِي أَوْلَادَهَا عَنْ طَلَبِ الطَّعَامِ الطَّيِّبِ بِحِكَايَاتٍ تَصْطَنِعُهَا، وَوُعُودٍ تَقْطَعُهَا، وَأَحْلَامٍ وَأَمِانِيٍّ تَبُثُّهَا؛ لِتُخَفِّفَ عَنْ عَائِلِهِمْ هَمَّ فَقْرِهِ وَعَوَزِهِ، وَتَحْمِلَ بَعْضَ عَجْزِهِ وَضَعْفِهِ!
وَفِي بُيُوتِ الْفُقَرَاءِ الْمُتَعَفِّفِينَ أَسْرَارٌ لَا يَكْشِفُونَهَا لِلنَّاسِ، وَفِيهَا هُمُومٌ وَغُمُومٌ لَا يَبُثُّونَهَا لِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى.
كُلُّ هَذِهِ كَانَتِ ابْتِلَاءَاتٍ أَذْهَبَتْ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ فَرْحَةَ رَمَضَانَ، وَحَالَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ لَذَّتِهِ، وَقَضَوْا رَمَضَانَ يَتَقَلَّبُونَ فِي بُؤْسٍ وَحِرْمَانٍ، وَيُعَالِجُونَ شِدَّةً وَبَلَاءً، فَمَضَى رَمَضَانُ وَمَا فَرِحُوا بِهِ فَرَحَنَا، وَلَا وَجَدُوا لَهُ لَذَّةً كَمَا وَجَدْنَاهَا، وَهَذَا مُوجِبٌ لِشُكْرِ اللهِ تَعَالَى عَلَى نِعَمِهِ وَعَافِيَتِهِ، وَالْإِقْرَارِ بِفَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَخِتَامِ الشَّهْرِ بِذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ؛ وَذَلِكَ يَكُونُ بِأَمْرَيْنِ:
أَوَّلُهُمَا: الدَّيْمُومَةُ عَلَى الطَّاعَةِ، وَعَدَمُ قَطْعِهَا بَعْدَ رَمَضَانَ؛ فَإِنَّ مَنْ قَطَعَهَا كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ شُكْرِهِ للهِ تَعَالَى حِينَ بَلَّغَهُ رَمَضَانَ وَهُوَ فِي عَافِيَةٍ وَسَلَامَةٍ وَجِدَةٍ.
وَثَانِيهَا: الْوُقُوفُ مَعَ أَهْلِ الْهُمُومِ فِي هُمُومِهِمْ، وَالسَّعْيُ فِي إِزَالَةِ كُرُوبِهِمْ، وَالْإِحْسَاسُ بِهِمْ فِي ابْتِلَاءَاتِهِمْ، وَلَئِنْ غَفَلْنَا عَنْهُمْ طِيلَةَ الشَّهْرِ؛ فَلْنُحِسَّ بِهِمْ فِي خَاتِمَتِهِ، وَلْنُعَوِّضْهُمْ بِفَرْحَةِ الْعِيدِ عَمَّا فَقَدُوا مِنَ الْفَرَحِ بِرَمَضَانَ؛ وَذَلِكَ بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَزِيَارَةِ الْمَسْجُونِ، وَمَعُونَةِ الْفَقِيرِ، وَمُوَاسَاةِ الْمَحْرُومِ، وَلَرُبَّمَا أَزَالَتْ زِيَارَةٌ هَمًّا، وَلَرُبَّمَا كَشَفَتْ كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ غَمًّا، وَلَرُبَّمَا أَسْعَدَتْ هَدِيَّةٌ مُتَوَاضِعَةٌ أُسْرَةً كَامِلَةً؛ فَلْنُوَاسِ إِخْوَانَنَا بِبَعْضِ مَا فِي أَيْدِينَا، وَلْنُخَفِّفْ عَنْهُمْ فِي خِتَامِ شَهْرِنَا وَاسْتِقْبَالِ عِيدِنَا، لَعَلَّ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَغْفِرَ لَنَا تَقْصِيرَنَا، وَيُخَفِّفَ عَنَّا حِسَابَنَا.
{وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الْمُزَّمِّلِ: 20].
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ..
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
أَمَّا بَعْدُ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَحْسِنُوا خِتَامَ شَهْرِكُمْ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا } [طَه: 112].
أَيُّهَا النَّاسُ، شَرَعَ اللهُ تَعَالَى لَكُمْ فِي خِتَامِ صَوْمِكُمْ إِخْرَاجَ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْ أَبْدَانِكُمْ، تَرْقِيعًا لِمَا تَخَرَّقَ مِنْ صِيَامِكُمْ؛ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الْفِطْرِ؛ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ والرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ»؛ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَهِيَ فَرِيضَةٌ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ:«فَرَضَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ»؛ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ قَالَ نَافِعٌ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-:«فَكَانَ ابْنُ عَمَرَ يُعْطِي عَنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ حَتَّى إِنْ كَانَ يُعْطِي عَنْ بَنِيَّ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- يُعْطِيهَا الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا، وَكَانُوا يُعْطَوْنَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ».
وَاحْذَرُوا -عِبَادَ اللهِ- مُنْكَرَاتِ الْعِيدِ؛ فَلَيْسَ مِنْ شُكْرِ اللهِ تَعَالَى عَلَى نِعْمَةِ إِدْرَاكِ رَمَضَانَ، وَالتَّوْفِيقِ لِصِيَامِهِ وَقِيَامِهِ أَنْ يَقْلِبَ الْعِبَادُ يَوْمَ الْعِيدِ إِلَى يَوْمِ مَعْصِيَةٍ وَكُفْرٍ لِلنِّعَمِ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الْبَقَرَةِ: 185].
وَأَتْبِعُوا رَمَضَانَ بِصِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ، فَمَنْ صَامَهَا مَعَ رَمَضَانَ كَانَ كَمَنْ صَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ؛ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ....
المرفقات
ختام الشهر بعبادة الشكر مشكولة.doc
ختام الشهر بعبادة الشكر مشكولة.doc
ختام الشهر بعبادة الشكر.doc
ختام الشهر بعبادة الشكر.doc
المشاهدات 4661 | التعليقات 5
بارك الله فيك ونفع بك..
خطبة ذرفت منها العيون
[glow=cc3366]
ليست بالطويلة المملة ولا بالقصيرة المخلة
[/glow]
بارك الله فيك ونفع بك الإسلام والمسلمين
بارك الله فيك يا شيخ ابراهيم
اجدت و افدت
و
وفقت وسددت
اجدت و افدت
و
وفقت وسددت
شكر الله تعالى لكم إخواني مروركم وتعليقكم وأسأل الله تعالى أن ينفع بكم ويعلي قدركم، وأعتذر لكم عن التأخر في الرد بسبب أني ما دخلت من أول العشر إلا الآن تقبل الله تعالى مني ومنكم وعيدكم مبارك..
شبيب القحطاني
عضو نشطتعديل التعليق