خطبة : ( يوم العيد وأيام التشريق )
عبدالله البصري
يوم العيد وأيام التشريق 10 / 12 / 1438
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ - وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ، قِفُوا عِندَ حُدُودِهِ وَعَظِّمُوا حُرُمَاتِهِ " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مَا إِنِ انقَضَتِ العَشرُ المَعلُومَاتُ بِخَيرَاتِهَا وَبَرَكَاتِهَا وَحَسَنَاتِهَا ، حَتَّى أَعقَبَهَا اللهُ بِيَومِ العِيدِ وَأَيَّامِ التَّشرِيقِ المَعدُودَاتِ ، قَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " أَعظَمُ الأَيَّامِ عِندَ اللهِ يَومُ النَّحرِ ثم يَومُ القَرِّ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . أَمَّا يَومُ النَّحرِ فَهُوَ يَومُنَا هَذَا ، ، أَعظَمُ الأَيَّامِ عِندَ اللهِ ، سَمَّاهُ في كِتَابِهِ يَومَ الحَجِّ الأَكبَرِ ، لِمَا اجتَمَعَ فِيهِ لِلحُجَّاجِ مِنَ أَعمَالِ الحَجِّ ، فَفِيهِ رَميُ جَمرَةِ العَقَبَةِ ، وَالحَلقُ أَوِ التَّقصِيرُ وَذَبحُ الهَديِ ، وَطَوَافُ الإِفَاضَةِ وَالسَّعيُ ، وَفِيهِ يُشَارِكُ المُقِيمُونَ إِخوَانَهُمُ الحُجَّاجَ بِصَلاةِ العِيدِ وَذَبحِ الأَضَاحِي وَالتَّكبِيرِ وَذِكرِ اللهِ . وَأَمَّا يَومُ القَرِّ فهُوَ أَوَّلُ أَيَّامِ التَّشرِيقِ ، الأَيَّامِ الَّتِي يَستَكمِلُ فِيهَا الحُجَّاجُ مَنَاسِكَ حَجِّهِم وَيَذبَحُونَ هَدَايَاهُم ، وَيَذبَحُ فِيهَا المُقِيمُونَ مَا تَبَقَّى مِن ضَحَايَاهُم ، فَيَأكُلُ الجَمِيعُ وَيَشرَبُونَ ، وَيَذكُرُونَ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَى مَا رَزَقَهُم وَمَا هَدَاهُم إِلَيهِ . قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " أَيَّامُ التَّشرِيقِ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ وَذِكرٍ للهِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَالذِّكرُ المَشرُوعُ وَالمَأمُورُ بِهِ في أَيَّامِ التَّشرِيقِ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - يَشمَلُ ذِكرَهُ - جَلَّ وَعَلا - عَقِبَ الصَّلَوَاتِ المَكتُوبَةِ ، بِالتَّكبِيرِ المُقَيِّدِ بَعدَ السَّلامِ ، وَذِكرَهُ بِالتَّسمِيَةِ وَالتَّكبِيرِ عِندَ ذَبحِ النُّسُكِ مِن هَديٍ أَو أُضحِيَةٍ ، وَذِكرَهُ عَلَى الأَكلِ وَالشُّربِ ، بِالتَّسمِيَةِ في أَوِّلِهِمَا وَحَمدِ اللهِ في آخِرِهِمَا ، وَفي الحَدِيثِ عَنهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " إِنَّ اللهَ لَيَرضَى عَنِ العَبدِ أَن يَأكُلَ الأَكلَةَ فَيَحمَدَهُ عَلَيهَا ، أَو يَشرَبَ الشَّربَةَ فَيَحمَدَهُ عَلَيهَا " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَمِن ذِكرِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - في هَذِهِ الأَيَّامِ المُبَارَكَةِ ، ذِكرُهُ بِأَدَاءِ المَنَاسِكِ فِيهَا ، مِنَ الوُقُوفِ بِالمَشَاعِرِ المُقَدَّسَةِ ، وَالطَّوَافِ وَالسَّعيِ ، وَرَميِ الجَمَارِ وَالمَبِيتِ وَغَيِر ذَلِكَ ، قَالَ - تَعَالى - : " لِيَشهَدُوا مَنَافِعَ لَهُم وَيَذكُرُوا اسمَ اللهِ في أَيَّامٍ مَعلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِن بَهِيمَةِ الأَنعَامِ فَكُلُوا مِنهَا وَأَطعِمُوا البَائِسَ الفَقِير " وَقَالَ – سُبحَانَهُ – " وَاذكُرُوا اللهَ في أَيَّامٍ مَعدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ في يَومَينِ فَلا إِثمَ عَلَيهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثمَ عَلَيهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللهَ وَاعلَمُوا أَنَّكُم إِلَيهِ تُحشَرُونَ " وَقَالَ - تَعَالى - : " فَإِذَا قَضَيتُم مَنَاسِكَكُم فَاذكُرُوا اللهَ كَذِكرِكُم آبَاءَكُم أَو أَشَدَّ ذِكرًا " وَإِنَّهُ لَحَقِيقٌ بِنَا - عِبَادَ اللهِ - إِذ أَنعَمَ اللهُ عَلَينَا بِهَذِهِ النِّعَمِ العَظِيمَةِ ، مِنَ صِحَّةِ المُعتَقَدِ وَالأَمنِ في الأَوطَانِ ، وَسَلامَةِ العُقُولِ وَالعَافِيَةِ في الأَبدَانِ ، وَكَثرَةِ الآلاءِ وَالنِّعَمِ الَّتي لا تُحصَى بِالعَدِّ ، إِنَّهُ لَحَقِيقٌ بِنَا أَن نَتَذَكَّرَ إِخوَانَنَا المُسلِمِينَ في كُلِّ مَكَانٍ ، بِدَعوَةٍ صَادِقَةٍ أَن يَنصُرَهُمُ اللهُ عَلَى أَعدَائِهِمُ الكَافِرِينَ ، أَو بِصَدَقَةٍ نُخفِيهَا وَنُخلِصُهَا لِوَجهِ اللهِ ؛ فَحَقِيقَةُ الشُّكرِ وَتَمَامُهُ أَن يَجتَمِعَ فِيهِ قَولُ اللِّسَانِ وَاعتِرَافُ القَلبِ ، وَالاستِعَانَةُ بِالنِّعَمِ وَاستِعمَالُهَا في طَاعَةِ المُنعِمِ - سُبحَانَهُ - وَأَمَّا استِخدَامُ النِّعَمِ في المَعصِيَةِ أَيًّا كَانَت ، فَهُوَ كُفرٌ لِلنِّعمَةِ وَجُحُودٌ لِلمُنعِمِ ، أَلا فَلْنُدَاوِمْ ذِكرَ اللهِ وَشُكرَهُ في هَذِهِ الأَيَّامِ المَعدُودَاتِ ، وَلْنَحذَرِ الغَفلَةَ عَنِ الذِّكرِ وَالإِعرَاضَ عَنِ الطَّاعَةِ وَالشُّكرِ ، وَلنُشَارِكِ الحُجَّاجَ طَلَبَ الثَّوَابِ وَابتِغَاءَ الأَجرِ ، فَإِنَّ أَبوَابَ الخَيرِ كَثِيرَةٌ وَافِرَةٌ ، وَعَطَاءَ اللهِ أَكثَرُ وَأَوفَرُ ، وَالعَاقِلُ مَنِ اغتَنَمَ مَوَاسِمَ الخَيرَاتِ وَالبَرَكَاتِ ، وَاستَوعَبَهَا بِالطَّاعَاتِ وَالحَسَنَاتِ ، وَأَكثَرَ مِنَ النَّوَافِلِ وَالمُستَحَبَّاتِ ، وَابتَعَدَ عَنِ المَعَاصِي وَالسَّيِّئَاتِ ، وَفي الحَدِيثِ القُدسِيِّ قَالَ اللهُ – تَعَالى - : " وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افتَرَضتُ عَلَيهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحبَبتُهُ كُنتُ سَمعَهُ الَّذِي يَسمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتي يَبطِشُ بِهَا ، وَرِجلَهُ الَّتي يَمشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَني لأُعطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ استَعَاذَني لأُعِيذَنَّهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ . أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلنَا مَنسَكًا لِيَذكُرُوا اسمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِن بَهِيمَةِ الأَنعَامِ فَإِلَهُكُم إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسلِمُوا وَبَشِّرِ المُخبِتِينَ . الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَت قُلُوبُهُم وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُم وَالمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقنَاهُم يُنفِقُونَ . وَالبُدنَ جَعَلنَاهَا لَكُم مِن شَعَائِرِ اللهِ لَكُم فِيهَا خَيرٌ فَاذكُرُوا اسمَ اللهِ عَلَيهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَت جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنهَا وَأَطعِمُوا القَانِعَ وَالمُعتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرنَاهَا لَكُم لَعَلَّكُم تَشكُرُونَ . لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقوَى مِنكُم كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُم لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُم وَبَشِّرِ المُحسِنِينَ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - حَقَّ تُقَاتِهِ ، وَسَارِعُوا إِلى مَغفِرَتِهِ وَمَرضَاتِهِ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّكُم في أَيَّامٍ يُستَحَبُّ فِيهَا الأَكلُ وَالشُّربُ لِلتَّقَوِّي بِهِمَا عَلَى ذِكرِ للهِ وَطَاعَتِهِ ، وَلِهَذَا جَاءَ النَّهيُ عَن صِيَامِهَا ، قَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " لا تَصُومُوا هَذِهِ الأَيَّامَ فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَعِندَ اَلبُخَارِيِّ عَن عَائِشَةَ وَابنِ عُمَرَ - رَضِيَ اَللهُ عَنهُمَا - أَنَّهُمَا قَالا : لم يُرَخَّصْ في أَيَّامِ التَّشرِيقِ أَن يُصَمْنَ إِلاَّ لِمَن لم يَجِدِ الهَديَ .
فَكُلُوا وَاشرَبُوا وَتَهَادُوا وَتَصَدَّقُوا ، وَتَوَاصَلُوا وَتَرَاحَمُوا ، وَتَزَاوَرُوا وَتَسَامَحُوا ، وَصَلِوا أَرحَامَكُم وَاحذَرُوا القَطِيعَةَ ، وَاجعَلُوا أَيَّامِ عِيدِكُم أَيَّامَ فَرَحٍ وَسُرُورٍ وَحُبُورٍ ، وَلا تَغُرَّنَّكُمُ الدُّنيَا أَو تُلهِيَنَّكُم أَو تُفَرِّقَنَّكُم ؛ فَإِنَّمَا هِيَ دَارُ عُبُورٍ وَمُرُورٍ .
أَيُّهَا الإِخوَةُ ، إِنَّ رَبَّنَا - عَزَّ وَجَلَّ - وَاسِعُ المَنِّ جَزِيلُ العَطَاءِ ، لا يُحَدُّ فَضلُهُ ولا يُحصَرُ في مَكَانٍ أَو زَمَانٍ ، فَمَن لم يَستَطِعِ الحَجَّ لِمَانِعٍ ، فَلْيُحَافِظْ عَلَى بَقِيَّةِ الأَركَانِ وَالشَّرَائِعِ ، وَمَن فَاتَهُ الوُقُوفُ بِتِلكَ المَشَاعِرِ العِظَامِ ، فَلْيَقِفْ مَعَ اللهِ عَلَى الدَّوَامِ ، وَمَن لم يَستَقبِلِ البَيتَ حَاجًّا ، فَلْيُقبِلْ عَلَيهِ في كُلِّ وَقتٍ مُخبِتًا ، وَلْيَدْعُهُ في كُلِّ الآنَاءِ خَائِفًا وَجِلاً ، وَلْيُحسِنْ فِيمَا بَينَهُ وَبَينَ رَبِّهِ ، وَفِيمَا بَينَهُ وَبَينَ الخَلقِ ؛ فَـ" إِنَّ رَحمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحسِنِينَ "
المرفقات
العيد-وأيام-التشريق
العيد-وأيام-التشريق