خطبة : (يا أهل الشام ، لا تحسبوه شرًّا لكم)

عبدالله البصري
1433/07/10 - 2012/05/31 08:45AM
يا أهل الشام لا تحسبوه شرًّا لكم 11 / 7 / 1433

الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجعَلْ لَكُم فُرقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، حِينَ يَسمَعُ مُؤمِنٌ بِاللهِ مُصَدِّقٌ بِرَسُولِهِ حَدِيثًا مِن أَحَادِيثِ المُصطَفَى ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ فِيهِ البِشَارَةُ لِقَومٍ أَو مَدحُ جِهَةٍ أَو وَعدٌ بِخَيرٍ ، فَإِنَّهُ لا يَزدَادُ بِهِ إِلاَّ يَقِينًا وَتَصدِيقًا وَفَرَحًا ، لا يَمنَعُهُ مِن ذَلِكَ أَلاَّ يُدرِكَ بِعَقلِهِ القَاصِرِ أَثَرَ مَا سَمِعَ ، أَو أَنَّهَ مُخَالِفٌ في الظَّاهِرِ لِلوَاقِعِ المُشَاهَدِ ؛ لِعِلمِهِ أَنَّ كُلَّ مَا صَحَّ عَنِ الحَبِيبِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ فَهُوَ حَقٌّ مِن عِندِ اللهِ كَائِنٌ لا مَحَالَةَ ، وَصِدقٌ لا يَقبَلُ الشَّكَّ مِن أَيِّ وَجهٍ . وَإِنَّ مما جَاءَ عَنهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ قَولَهُ فِيمَا رَوَاهُ زَيدُ بنُ ثَابِتٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " طُوبى لِلشَّامِ " قُلنَا : لأَيٍّ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : " لأَنَّ مَلائِكَةَ الرَّحمَنِ بَاسِطَةٌ أَجنِحَتَهَا عَلَيهَا " رَوَاهُ أَحمَدُ وَالتِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَطُوبى أَيْ رَاحَةٌ وَطِيبُ عَيشٍ حَاصِلٌ لَهَا وَلأَهلِهَا ، أَو هِيَ كَلِمَةٌ تُقَالُ في بَيَانِ مَا عَلَيهِ المَمدُوحُ بها مِن نَعِيمٍ وَنَعمَةٍ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، قَد يَقرَأُ هَذَا الحَدِيثَ أَو يَسمَعُهُ بَعضُ مَن قَلَّ بِالغَيبِ إِيَماَنُهُم ، وَابتُلُوا بِتَقدِيمِ عُقُولِهِمُ الخَاوِيَةِ عَلَى النُّصُوصِ الشَّرعِيَّةِ ، فَيَقُولُ : وَأَيُّ نَعِيمٍ لِلشَّامِ وَأَهلِهَا وَأَيُّ نَعمَةٍ ، وَنَحنُ نَرَى اليَهُودَ يُدَنِّسُونَ المَسجِدَ الأَقصَى مُنذُ أَكثَرَ مِن سِتِّينَ عَامًا ، وَالنُّصَيرِيَّةُ تَسُومُ أَهلَ السُّنَّةِ العَذَابَ مُنذُ أَكثَرَ مِن أَربَعِينَ سَنَةً ؟ وَهَذِهِ المَصَائِبُ مَا تَزَالُ تَتَوَالى عَلَيهِم وَالقَتلُ فِيهِم مُستَحِرًّا ؟ وَهَذَا لَعَمرُ اللهِ نَوعٌ مِن قُصُورِ النَّظَرِ وَضِيقِ الأُفُقِ وَمَحدُودِيَّةِ التَّفكِيرِ ، بَل هُوَ دَلِيلٌ عَلَى استِحكَامِ مَحَبَّةِ الدُّنيَا في النُّفُوسِ وَتَغَلغُلِهَا في القُلُوبِ وَتَفضِيلِهَا عَلَى الآخِرَةِ ، حَتى عَادَتِ الأَعيُنُ لا تَرَى الخَيرَ وَالشَّرَّ إِلاَّ بِقَدرِ مَا يُنَالُ مِنَ الدُّنيَا أَو يَضِيعُ عَلَى أَهلِهَا مِنهَا ، وَحَتى عَادَ النَّاسُ لا يَعُدُّونَ مِنَ البِلادِ مَحظُوظًا إِلاَّ مَا كَانَت في رَغَدٍ مِنَ العَيشِ آمِنَةً عَلَى دُنيَاهَا ، بِغَضِّ النَّظَرِ عَن نَصِيبِهَا مِنَ الآخِرَةِ ، أو تَمَسُّكِ أَهلِهَا بِعَقِيدَةٍ وَحَظِّهِم مِن استِقَامَةٍ عَلَى دِينٍ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لا يَلزَمُ مِن فَضِيلَةِ بَلَدٍ وَطِيبِ عَيشِ أَهلِهِ عِندَ اللهِ ، أَنَّهُم لا يُبتَلَونَ وَلا يُصَابُونَ ، لا وَاللهِ ، بَل لَقَد قَضَت سُنَّةُ اللهِ أَن يُبتَلَى المُؤمِنُونَ ، وَأَن يَكُونَ الابتِلاءُ عَلَى قَدرِ قُوَّةِ الدِّينِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " لَتُبلَوُنَّ في أَموَالِكُم وَأَنفُسِكُم وَلَتَسمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم وَمِنَ الَّذِينَ أَشرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الأُمُورِ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَشَدُّ النَّاسِ بَلاءً الأَنبِيَاءُ ثم الأَمثَلُ فَالأَمثَلُ ، يُبتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ، فَإِنْ كَانَ في دِينِهِ صُلبًا اشتَدَّ بَلاؤُهُ ، وَإِنْ كَانَ في دِينِهِ رِقَّةٌ ابتُلِيَ عَلَى قَدرِ دِينِهِ ... " وَقَالَ : " مَن يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيرًا يُصِبْ مِنهُ " رَوَاهُمَا البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ ، بَل بَيَّنَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ أَنَّ عَدَمَ البَلاءِ لا يَكُونُ إِلاَّ لِلمُنَافِقِينَ ، فَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَثَلُ المُؤمِنِ كَمَثَلِ الخَامَةِ مِنَ الزَّرعِ تُفِيئُهَا الرِّيَاحُ ، تَصرَعُهَا مَرَّةً وَتَعدِلُهَا أُخرَى حَتى يَأتِيَهُ أَجَلُهُ ، وَمَثَلُ المُنَافِقِ كَمَثَلِ الأَرزَةِ المُجذِيَةِ ، الَّتي لا يُصِيبُهَا شَيءٌ حَتى يَكُونَ انجِعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . لَقَد كَانَ لِمَكَّةَ وَالمَدِينَةِ ، وَهُمَا المَدِينَتَانِ المُقَدَّسَتَانِ اللَّتَانِ شَهِدَت إِحدَاهُمَا مَولِدَ الإِسلامِ وَفي الأُخرَى شَبَّ وَتَرَعرَعَ ، لَقَد كَانَ لهما وَمَعَ أَفضَلِيَّتِهِمَا وَقَدَاسَتِهِمَا نَصِيبٌ مِنَ البَلاءِ ، الَّذِي كَانَ وَمَا زَالَ وَلَن يَزَالَ يُصِيبُ أَجزَاءً مِنَ العَالمِ الإِسلامِيِّ حَتى يَلقَى النَّاسُ رَبَّهُم ، فَقَد ابتُلِيَ فِيهِمَا النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَصَحبَهُ وَلا سِيَّمَا السَّابِقِينَ مِنهُم ، وَعَانَوا مَا عَانَوا مِنَ المُشرِكِينَ وَالمُنَافِقِينَ وَاليَهُودِ ، وَأَصَابَهُم مِن أَذَاهُم مَا أَصَابَهُم ، وَمَعَ هَذَا فَقَد عَاشُوا نَعِيمًا رُوحِيًّا عَظِيمًا ، وَأَدرَكُوا رَاحَةَ قُلُوبٍ بَالِغَةً ، لم تَستَطِعْ آلَةُ الحَربِ وَالتَّعذِيبِ وَلا فُنُونُ الغَدرِ وَالخِيَانَةِ أَن تَنتَزِعَهَا مِنهُم ، فَيَرجِعُوا عَن دِينِهِم أَو يَتَخَلَّوا عَن إِسلامِهِم ، أَو يَضعُفُوا أَو يُدَاهِنُوا ، لماذَا ؟ لأَنَّهُم ذَاقُوا لَذَّةَ الإِيمَانِ وَخَالَطَت بَشَاشَتُهُ قُلُوبَهُم ، وَاستَطعَمُوا النَّصرَ مِن رَبِّهُمُ الرَّحِيمِ ، وَاستَشعَرُوا الفَوزَ الكَرِيمَ وَالنَّعِيمَ المُقِيمَ ، فَارتَفَعُوا عَنِ الدُّنيَا الدَّنِيَّةِ ، وَوَصَلُوا بِقُلُوبِهِم إِلى عِيشَةِ الآخِرَةِ الرَّضِيَّةِ ، فَصَارَ العَذَابُ عِندَهُم في سَبِيلِ اللهِ عَذبًا ، وَغَدَت الشَّهَادَةُ أَلَذَّ لَدَيهِم مِنَ الشَّهدِ ، وَأَرخَصُوا في ذَاتِ اللهِ كُلَّ غَالٍ وَنَفِيسٍ ، وَمَا كَانُوا في ذَلِكَ بِدعًا ، وَإِنَّمَا هُم لِمَن سَبَقَهُم عَلَى الأَثَرِ . فَعَن خَبَّابٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : أَتَيتُ النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُردَةً وَهُوَ في ظِلِّ الكَعبَةِ ، وَقَد لَقِينَا مِنَ المُشرِكِينَ شِدَّةً ، فَقُلتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَلا تَدعُو اللهَ ؟! فَقَعَدَ وَهُوَ مُحمَرٌّ وَجهُهُ فَقَالَ : " لَقَد كَانَ مَن قَبلَكُم لَيُمشَطُ بِمِشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ عِظَامِهِ مِن لَحمٍ أَو عَصَبٍ ، مَا يَصرِفُهُ ذَلِكَ عَن دِينِهِ ، وَيُوضَعُ المِنشَارُ عَلَى مَفرِقِ رَأسِهِ فَيُشَقُّ بِاثنَينِ ، مَا يَصرِفُهُ ذَلِكَ عَن دِينِهِ ، وَلَيُتِمَّنَّ اللهُ هَذَا الأَمرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنعَاءَ إِلى حَضرَمَوتَ مَا يَخَافُ إِلاَّ اللهَ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ . لَقَد أَيقَنَ المُؤمِنُونَ أَنَّ الفَوزَ الحَقِيقِيَّ هُوَ الفَوزُ في الآخِرَةِ ، وَأَنَّ الخَسَارَةَ المُتَيَقَّنَةَ هِيَ خَسَارَةُ الدِّينِ ، وَمِن ثَمَّ فَلَم يَأسَوا مِنَ الدُّنيَا عَلَى شَيءٍ وَقَد صَحّ لهم دِينُهُم ، وَلم يَحزَنُوا عَلَى مَا ذَهَبَ مِنهَا وَقَد صَفَت عَقِيدَتُهُم ، وَأَمَّا مَا عَلَيهِ أَهلُ الدُّنيَا اليَومَ مِن قِيَاسِ مُؤَشِّرَاتِ السَّعَادَةِ في المُجتَمَعَاتِ بِقَدرِ انغِمَاسِهَا في بُحُورِ الدُّنيَا وَنَيلِهَا مِن زَخَارِفِهَا ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ هُوَ الخِذلانُ بِعَينِهِ ، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ بَعضَ مَن أُوتُوا ظَاهِرًا مِنَ العِلمِ بِالحَيَاةِ الدُّنيَا يَرَونَ أَنفُسَهُم مُنَعَّمِينَ ، في حِينِ يَرَونَ أَنَّ مَنِ ابتُلُوا هُم أَهلُ النِّقمَةِ ، وَمَا شَعُرَ أُولَئِكَ الجَهَلَةُ أَنَّ اللهَ كَمَا يَبتَلِي قَومًا بَالشَّرِّ فَإِنَّهُ يَبتَلِي آخَرِينَ بِالخَيرِ ، قَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَنَبلُوكُم بِالشَّرِّ وَالخَيرِ فِتنَةً " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبيِّ أَكرَمَنِ . وَأَمَّا إِذَا مَا ابتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيهِ رِزقَهُ فَيَقُولُ رَبيِّ أَهَانَنِ " وَقَد أَجَابَ العَلِيمُ الخَبِيرُ بِقَولِهِ : " كَلاَّ " لِيَردَعَ النُّفُوسَ المَهزُوزَةَ وَيَقرَعَ القُلُوبَ المُتَرَدِّدَةَ ؛ لِتَعلَمَ أَنَّ الصَّوَابَ لَيسَ فِيمَا تَرَاهُ في القَرِيبِ العَاجِلِ ، ظَانَّةً أَنّهُ هُوَ المُؤَشِّرُ عَلَى مَحَبَّةِ رَبِّهَا لها ، غَافِلَةً عَن أَنَّ العِبرَةَ إِنَّمَا هِيَ بِالنِّهَايَةِ السَّعِيدَةِ وَالخَاتِمَةِ الحَسَنَةِ ، وَالَّتي لا تَكُونُ إِلاَّ لِمَن وُفِّقَ فَنَالَهَا بِرِضَا رَبِّهِ ، فَسَعِدَ في أُخرَاهُ سَعَادَةً لا يَشقَى بَعدَهَا أَبَدًا . فَيَا مَعشَرَ المُؤمِنِينَ ، حِينَ تَستَعِرُ نِيرَانُ المُجرِمِينَ مِنَ اليَهُودِ وَالنُّصَيرِيِّينَ وَغَيرِهِم مِن أَعدَاءِ الدِّينِ ، فَيَصُبُّوا عُدوَانَهُم عَلَى رُؤُوسِ المُسلِمِينَ وَفي عُقرِ دِيَارِهِم بِالشَّامِ ، فَيَقتُلُوا الشُّيُوخَ وَالعَجَائِزَ ، وَيَهتِكُوا أَعرَاضَ المُسلِمَاتِ العَفِيفَاتِ ، وَيَنحَرُوا الأَطفَالَ الأَبرِيَاءَ كَمَا تُنحَرُ البَهَائِمُ ، في صُوَرٍ تَشمِئَزُّ مِنهَا الفِطَرُ السَّوِيَّةُ ، فَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ إِنَّمَا أَرَادَ بِأُولَئِكَ المُعَذَّبِينَ في الدُّنيَا أَن تَكُونَ تِلكَ الابتِلاءَاتُ هِيَ قَاطِعَةَ الشَّرِّ عَنهُم وَحَاسِمَةَ العَذَابِ ، لِيَنعَمُوا بَعدَهَا في جَنَّاتِ وَنَهَرٍ ، في مَقعَدِ صِدقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُقتَدِرٍ ، بَينَمَا يَتَنَقَّلُ أُولَئِكَ المُجرِمُونَ مِن عَذَابٍ إِلى آخَرَ ، وَيُصَابُونَ في نُفُوسِهِم بِالضِّيقِ وَالحَرَجِ ، ثم لا يَلبَثُونُ أَن تَتَحَقَّقَ فِيهِم سُنَّةُ اللهِ في الظَّالمِينَ ، فَيَهلِكُوا شَرَّ مَهلِكٍ ، وَيَبدَأَ طَرِيقُ إِهَانَةِ اللهِ لهم " وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُكرِمٍ "
نَعَم ـ عِبَادَ اللهِ ـ حِينَمَا يَمُوتُ أَهلُ الشَّامِ شُهَدَاءَ ، وَتُقطَعُ في سَبِيلِ اللهِ رِقَابُهُم وَيُنحَرُونَ ، عِندَ ذَلِكَ يَحِقُّ لهم أَن يَستَبشِرُوا وَيَفتَخِرُوا وَيَصبِرُوا ، لا أَن يَيأَسُوا وَيَجزَعُوا ، وَيَحِقُّ لِكُلِّ مُؤمِنٍ يَعلَمُ حَقِيقَةَ الدُّنيَا وَكُنهَ الآخِرَةِ ، أَن يُرَدِّدَ قَولَ الحَبِيبِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " طُوبى لأَهلِ الشَّامِ " إِنَّهُ لَفَرقٌ كَبِيرٌ بَينَ مَن يُمَحَّصُ لِيُخَلَّصَ ، وَيُبتَلَى بِالشِّدَّةِ لِيُعَافى ، وَيُسَلَّطُ عَلَيهِ مَن يَسُومُهُ عَذَابًا دُنيَوِيًّا لا يَلبَثُ أَن يَنقَطِعَ بِخُرُوجِ رُوحِهِ ، فَيَلقَى اللهَ شَهِيدًا قَد غُفِرَ لَهُ مَعَ أَوَّلِ قَطرَةٍ مِن دَمِهِ ، وَبَينَ مَن يُملَى لَهُ في دُنيَاهُ وَيُبتَلَى بِالعَافِيَةِ وَالرَّخَاءِ ، وَيُفسَحُ لَهُ لِيَتَمَادَى في الغَيِّ وَلا يُقصِرُ ، ثم يُؤخَذُ عَلَى غِرَّةٍ وَيُهلَكُ في حِينِ غَفلَةٍ ، فَيَوافي بِذُنُوبِهِ عَلَى ظَهرِهِ ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ فَإِنَّ اللهَ لا يُقَدِّرُ عَلَى عِبَادِهِ شَرًّا مَحضًا ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " لا يَسأَمُ الإِنسَانُ مِن دُعَاءِ الخَيرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ . وَلَئِنْ أَذَقنَاهُ رَحمَةً مِنَّا مِن بَعدِ ضَرَّاءَ مَسَّتهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لي عِندَهُ لَلحُسنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُم مِن عَذَابٍ غَلِيظٍ . وَإِذَا أَنعَمنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ "


الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ " وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ "
عِبَادَ اللهِ ، لَيسَ المُؤمِنُ بِالَّذِي يَمدَحُ البَلاءَ أَو يَتَمَنَّى حُصُولَهُ أَو يُعَرِّضُ نَفسَهُ لَهُ ، أَو يُحِبُّ بَقَاءَ الأُمَّةِ عَلَيهِ ، وَلَكِنَّ ممَّا يَفرِضُهُ وَاجِبُ الإِيمَانِ بِالقَدَرِ وَالرِّضَا بِالقَضَاءِ ، الصَّبرَ وَالتَّفَاؤُلَ وَحُسنَ الظَّنِّ بِاللهِ ، وَهُوَ مَا كَانَ عَلَيهِ نَبِيُّنَا ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ حَتى وَهُوَ في أَحلَكِ المَوَاقِفِ وَأَصعَبِ النَّوَازِلِ ، فَهَا هُوَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ في بَعضِ أَيَّامِهِ الَّتي لَقِيَ فِيهَا العَدُوَّ يَنتَظِرُ حَتَّى إِذَا مَالَتِ الشَّمسُ قَامَ فِيهِم فَقَالَ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، لا تَتَمَنَّوا لِقَاءَ العَدُوِّ ، وَاسأَلُوا اللهَ العَافِيَةَ ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُم فَاصبِرُوا وَاعلَمُوا أَنَّ الجَنَّةَ تَحتَ ظِلالِ السُّيُوفِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . فَيَا مُعَافَونَ لا تَطِيرُوا فَرَحًا ، وَيَا مُبتَلَونَ لا تَمُوتُوا كَمَدًا ، فَإِنَّمَا هِيَ أَيَّامٌ ثم تُرَدُّونَ إِلى اللهِ مَولاكُمُ الحَقُّ " وَالوَزنُ يَومَئِذٍ الحَقُّ فَمَن ثَقُلَت مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ . وَمَن خَفَّت مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بما كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظلِمُون " وَإِنَّ لَحظَةً مِن نَعِيمِ الجَنَّةِ كَفِيلَةُ بِأَن تَمسَحَ عَن أَهلِهَا مَا عَانَوهُ في دُنيَاهُم مِن بَلاءٍ وَمَا أَصَابَهُم مِن بُؤسٍ ، وَلَحظَةٌ مِن عَذَابِ النَّارِ كَافِيَةٌ بِأَن تُنسِيَ المُعَذَّبِينَ مَا انغَمَسُوا فِيهِ مِن شَهَوَاتٍ وَمَا كَانُوا فِيهِ مُترَفِينَ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " يُؤتى بِأَنعَمِ أَهلِ الدُّنيَا مِن أَهلِ النَّارِ يَومَ القِيَامَةِ فَيُصبَغُ في النَّارِ صَبغَةً ، ثُمَّ يُقَالُ : يَا بنَ آدَمَ ، هَل رَأَيتَ خَيرًا قَطُّ ؟ هَل مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لا وَاللهِ يَا رَبِّ . وَيُؤتى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤسًا في الدُّنيَا مِن أَهلِ الجَنَّةِ ، فَيُصبَغُ صَبغَةً في الجَنَّةِ ، فَيُقَالُ لَهُ : يَا بنَ آدَمَ ، هَل رَأَيتَ بُؤسًا قَطُّ ؟ هَل مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لا وَاللهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بي بُؤسٌ قَطُّ ، وَلا رَأَيتُ شِدَّةً قَطُّ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ .
المشاهدات 4916 | التعليقات 7

وفي هذه المشاركة تجدون ملف الخطبة ( وورد ) أسأل الله أن ينفع بالجميع ويسددهم .

المرفقات

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/5/0/يا%20أهل%20الشام%20،%20لا%20تحسبوه%20شرا%20لكم.doc

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/5/0/يا%20أهل%20الشام%20،%20لا%20تحسبوه%20شرا%20لكم.doc


نفع الله بك وبارك فيك..


جزاك الله خيرا يا شيخ عبدالله
نسأل الله أن يهلك طاغية سوريا وزمرته ومن ناصره
كما نسأله سبحانه أن يهيئ لهذه الأمة من ينصر دينها ويعلي أمر الجهاد


وفقك الله وجزاك الله خيرا
نسال الله تعالى ان ينصر أولياءه ويعلي راية الجهاد
وأن يبرم لهذه الأمة أمرا رشدا يعز فيه أهل التوحيد ويذل أهل الشرك والنفاق، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى عن المنكر، ويرفع فيه علم الجهاد. اللهم آمين.


السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد:

فجزاكم الله خيرا وأحسن إليكم


بارك الله فيك ياشيخنا وأيدك وسددك ونفع الله بك الامة


جزى الله إخوتي الكرام كل خير على مرورهم وتشريفهم لهذه الخطبة المتواضعة ، وأجاب دعاءهم وحقق رجاءنا ورجاءهم .

اللهم إنا نسألك في هذه الساعة المباركة من هذا اليوم العظيم بأنك أنت الله لا إله إلا أنت ، الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوًا أحد ، يا منان يا بديع السماوات والأرض ، يا قوي يا عزيز ، يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم لا تدع لنا ولكل مسلم ذنبًا إلا غفرته ، ولا همًّا إلا فرجته .
اللهم انصر إخواننا المستضعفين في كل مكان ، اللهم كن لهم مؤيدًا ونصيرًا ، ومعينًا وظهيرًا ، اللهم قو عزائمهم ، وسدد آراءهم ورصاصهم وحجارتهم ، ووحد صفوفهم ، واجمع على الحق كلمتهم ، وول عليهم خيارهم ، واكفهم شر شرارهم ، اللهم وعليك بالأعداء ظاهرًا وباطنًا وداخلاً وخارجًا ، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزومك ، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك يا قدير ، اللهم فرق جمعهم وخالف بينهم ، واجعلهم غنيمة للمسلمين ولا تجعل لهم عليهم سبيلاً ، إنك على كل شيء قدير .
اللهم رحماك رحماك بإخواننا من أهل السنة في كل مكان ، اللهم احقن دماءهم ، واحفظ أعراضهم ، وبارك لهم في أموالهم وديارهم ، ولا تسلط علينا ولا عليهم بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا ، اللهم عاملنا بعفوك ولطفك ورحمتك وإحسانك ، واغفر لنا وارحمنا ، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين .
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .