خطبة : (وما قدروا الله حق قدره)
عبدالله البصري
1434/07/28 - 2013/06/07 06:49AM
وما قدروا الله حق قدره 28 / 7 / 1434
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ رَبَّكُم وَعَظِّمُوهُ ، وَأَجِلُّوا مَولاكُم وَخَالِقَكُم وَهَابُوهُ " وَاذكُرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم وَمَا أَنزَلَ عَلَيكُم مِنَ الكِتَابِ وَالحِكمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، حِينَ يَخلُقُ اللهُ ـ تَعَالى ـ خَلقًا وَيَستَخلِفُهُم في الأَرضِ ، وَيُرسِلُ إِلَيهِم رُسُلاً وَيُنَزِّلُ عَلَيهِم كُتُبًا ، وَيُرِيدُ مِنهُم تَحقِيقَ الغَايَةِ مِن خَلقِهِم ، فَإِنَّ ذَلِكَ لا يُمكِنُ أَن يَتَحَقَّقَ مِنهُم كَمَا يَجِبُ وَلا أَن يَكُونَ كَمَا يَنبَغِي ، مَا لم يَعرِفُوا خَالِقَهُم وَمَعبُودَهُم وَيَقدُرُوهُ حَقَّ قَدرِهِ وَيُعَظِّمُوهُ ، وَإِنَّ رَبَّكُم وَإِلَهَكُمُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ، الحَيَّ الَّذِي لا يَمُوتُ ، القَيُّومَ الَّذِي لا تَأخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَومٌ ، الخَلاَّقَ العَلِيمَ الَّذِي إِذَا أَرَادَ شَيئًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ، العَزِيزَ الجَبَّارَ القَوِيَّ ، الَّذِي لا يُعجِزُهُ في الأَرضِ وَلا في السَّمَاءِ شَيءٌ ، السَّمِيعَ البَصِيرَ الَّذِي لا يَخفَى عَلَيهِ شَيءٌ ، العَظِيمَ الحَكِيمَ الَّذِي أَحَاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلمًا وَأَحصَى كُلَّ شَيءٍ عَدَدًا ، البَاقيَ الَّذِي لا يَزُولُ وَلا يَحُولُ " الَّذِي لَهُ مُلكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ " " لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُم وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ "
إِنَّهُ ـ سُبحَانَهُ ـ الحَقِيقُ وَحدَهُ دُونَ سِوَاهُ ، بِأَن يُعبَدَ وَيُوَحَّدَ وَلا يُجحَدَ ، وَأَن يُطَاعَ وَيُشكَرَ وَلا يُكفَرَ ، وَأَن يُدعَى وَيُرجَى وَيُتَوَكَّلَ عَلَيهِ ، وَأَن يُخلَصَ لَهُ العَمَلُ وَتُسلَمَ لَهُ النُّفُوسُ ، وَأَن تُذعِنَ لَهُ القُلُوبُ وَتَعنُوَ لَهُ الوُجُوهُ " كَيفَ تَكفُرُونَ بِاللهِ وَكُنتُم أَموَاتًا فَأَحيَاكُم ثُمَّ يُمِيتُكُم ثُمَّ يُحيِيكُم ثُمَّ إِلَيهِ تُرجَعُونَ . هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَا في الأَرضِ جَمِيعًا ثُمَّ استَوَى إِلى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ "
" قُلْ أَئِنَّكُم لَتَكفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرضَ في يَومَينِ وَتَجعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ العَالمِينَ . وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقوَاتَهَا في أَربَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ . ثُمَّ استَوَى إِلى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرضِ ائْتِيَا طَوعًا أَو كَرهًا قَالَتَا أَتَينَا طَائِعِينَ . فَقَضَاهُنَّ سَبعَ سَمَاوَاتٍ في يَومَينِ وَأَوحَى في كُلِّ سَمَاءٍ أَمرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفظًا ذَلِكَ تَقدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ "
" اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُم فَأَحسَنَ صُوَرَكُم وَرَزَقَكُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُم فَتَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالمِينَ . هُوَ الحَيُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَادعُوهُ مُخلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ . قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَن أَعبُدَ الَّذِينَ تَدعُونَ مِن دُونِ اللهِ لَمَّا جَاءَنِيَ البَيِّنَاتُ مِن رَبِّي وَأُمِرتُ أَنْ أُسلِمَ لِرَبِّ العَالَمِينَ "
" قُلْ لِمَنِ الأَرضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُم تَعلَمُونَ . سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ . قُلْ مَن رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبعِ وَرَبُّ العَرشِ العَظِيمِ . سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ . قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيهِ إِنْ كُنتُم تَعلَمُونَ . سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ فَأَنَّى تُسحَرُونَ " " اللهُ الَّذِي خَلَقَكُم ثُمَّ رَزَقَكُم ثُمَّ يُمِيتُكُم ثُمَّ يُحيِيكُم هَل مِن شُرَكَائِكُم مَن يَفعَلُ مِن ذَلِكُم مِن شَيءٍ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشرِكُونَ "
" ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُم لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ فَاعبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ وَكِيلٌ . لا تُدرِكُهُ الأَبصَارُ وَهُوَ يُدرِكُ الأَبصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ . قَد جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَبِّكُم فَمَن أَبصَرَ فَلِنَفسِهِ وَمَن عَمِيَ فَعَلَيهَا وَمَا أَنَا عَلَيكُم بِحَفِيظٍ "
" وَلا تَدعُ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجهَهُ لَهُ الحُكمُ وَإِلَيهِ تُرجَعُونَ "
نَعَم ـ يَا عِبَادَ اللهِ ـ إِنَّ رَبَّكُمُ الغَنِيَّ الحَمِيدَ الكَامِلَ مِن كُلِّ وَجهٍ ـ سُبحَانَهُ ـ هُوَ الجَدِيرُ بِأَن تَتَّجِهَ إِلَيهِ قُلُوبُ البَشَرِ الفُقَرَاءِ النَّاقِصِينَ مِنُ كُلِّ وَجهٍ " سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ . بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلم تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ "
" قُلْ مَن رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذتُم مِن دُونِهِ أَولِيَاءَ لا يَملِكُونَ لأَنفُسِهِم نَفعًا وَلا ضَرًّا قُلْ هَل يَستَوِي الأَعمَى وَالبَصِيرُ أَم هَل تَستَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَم جَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلقِهِ فَتَشَابَهَ الخَلقُ عَلَيهِم قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّارُ "
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الفُقَرَاءُ إِلى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنيُّ الحَمِيدُ . إِن يَشَأْ يُذهِبْكُم وَيَأتِ بِخَلقٍ جَدِيدٍ . وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ "
وَإِنَّ رَبًّا قَالَ وَهُوَ العَظِيمُ القَادِرُ ـ سُبحَانَهُ ـ : " قُلْ سِيرُوا في الأَرضِ فَانظُرُوا كَيفَ بَدَأَ الخَلقَ ثُمَّ اللهُ يُنشِئُ النَّشأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ . يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَرحَمُ مَن يَشَاءُ وَإِلَيهِ تُقلَبُونَ . وَمَا أَنتُم بِمُعجِزِينَ في الأَرضِ وَلَا في السَّمَاءِ وَمَا لَكُم مِن دُونِ اللهِ مِن وَليٍّ وَلَا نَصِيرٍ "
وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " مَا خَلقُكُم وَلا بَعثُكُم إِلا كَنَفسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ "
إِنَّهُ لَلمُستَحِقُّ بِأَن يَتَّجِهَ إِلَيهِ كُلُّ البَشَرِ دُونَ استِثنَاءٍ ، وَأَلاَّ يَبقَى مِنهُم نَفسٌ وَاحِدَةٌ تَتَكَبَّرُ أَو تَتَعَالى ، أَو تَرَى لِذَاتِهَا مَكَانًا فَوقَ مَا هِيَ عَلَيهِ ، أَو تُنَازِعُهُ شَيئًا مِمَّا اختَصَّ بِهِ نَفسَهُ في رُبُوبِيَّتِهِ أَو أُلُوهِيَّتِهِ أَو أَسمَائِهِ وَصِفَاتِهِ ، وَعَجَبًا لِنَفسٍ لا تُسَاوِي ذَرَّةً وَلا تَزِنُ قِطمِيرًا ، ثم هِيَ تُعَارِضُ رَبَّهَا في أَمرِهِ أَو قَدَرِهِ أَو حُكمِهِ أَو حِكمَتِهِ !! إِنَّهُ الجَهلُ بِاللهِ وَالغُرُورُ ، وَخِدَاعُ النُّفُوسِ الفَارِغَةِ وَظَنُّ القُلُوبِ الخَاوِيَةِ ، كَانَ وَمَا زَالَ يَأخُذُ بِأَهلِهِ في كُلِّ وَادٍ مِن أَودِيَةِ الضَّلالِ وَالغِوَايَةِ ، حَتى يُورِدَهُم أَسوَأَ المَصِيرِ وَيُوقِعَهُم في شَرِّ المَآبِ .
عَاشَت أُمَمٌ عَلَى هَذِهِ الأَرضِ دُهُورًا ، وَتَوَالَتِ القُرُونُ عَلَى أَقوَامٍ قَد أَعطَاهُمُ اللهُ بَسطَةً في الأَجسَامِ وَقُوَّةً في الأَبدَانِ وَأَموَالاً وَعَتَادًا وَأَولادًا ، وَلَكِنَّهُم كَفَرُوا بِاللهِ وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ ، وَلم يُعَظِّمُوا أَمرَهُ وَلا نَهيَهُ ، فَأَذَاقَهُمُ اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوفِ وَدَمَّرَهُم تَدمِيرًا ، قَالَ قَومُ عَادٍ : " مَن أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً " فَأَهلَكَهُمُ اللهُ " بِرِيحٍ صَرصَرٍ عَاتِيَةٍ . سَخَّرَهَا عَلَيهِم سَبعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى القَومَ فِيهَا صَرعَى كَأَنَّهُم أَعجَازُ نَخلٍ خَاوِيَةٍ "
وَثَمُودُ كَانُوا " يَنحِتُونَ مِنَ الجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ . فَأَخَذَتهُمُ الصَّيحَةُ مُصبِحِينَ . فَمَا أَغنَى عَنهُم مَا كَانُوا يَكسِبُونَ "
وَفِرعَونُ عَادَى أَولِيَاءَ اللهِ " فَأَرَادَ أَن يَستَفِزَّهُم مِنَ الأَرضِ فَأَغرَقنَاهُ وَمَن مَعَهُ جَمِيعًا "
وَقَارُونُ أُوتِيَ " مِنَ الكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالعُصبَةِ أُولي القُوَّةِ " وَلم يَنتَبِهْ إِلى " أَنَّ اللهَ قَد أَهلَكَ مِن قَبلِهِ مِنَ القُرُونِ مَن هُوَ أَشَدُّ مِنهُ قُوَّةً وَأَكثَرُ جَمعًا " فَكَانَ جَزَاءُ عُلُوِّهِ وَفَسَادِهِ " فَخَسَفنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ " إِنَّهَا عَوَاقِبُ الجَهلِ بِاللهِ وَنَتَائِجُ الكِبرِ وَثَمَرَاتُ الغُرُورِ ، وَأَمَّا عِبَادُ اللهِ فَقَد عَلِمُوا بِيَقِينٍ أَنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ ، وَأَنَّهُ المَلِكُ الحَقُّ المُبِينُ ، الكَامِلُ في ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ ، العَظِيمُ شَأنُهُ الكَبِيرُ قَدرُهُ ، الحَيُّ القَيُّومُ المَالِكُ لِكُلِّ شَيءٍ ، الخَالِقُ المُحيِي المُمِيتُ المُعِزُّ المُذِلُّ ، الرَّزَاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ ، القَائِمُ عَلَى كُلِّ نَفسٍ بما كَسَبَت ، العَالِمُ بِالظَّوَاهِرِ وَالبَوَاطِنِ وَالغَيبِ وَالشَّهَادَةِ ، الَّذِي لَهُ العَظَمَةُ وَالكِبرِيَاءُ وَالسُّلطَانُ ، وَالقُدرَةُ النَّافِذَةُ وَالمَشِيئَةُ التَّامَّةُ ، وَلَهُ الكَمَالُ وَالجَمَالُ وَالجَلالُ ، وَمِن ثَمَّ فَقَد خَضَعَت لَهُ رِقَابُهُم ، وَدَانَت لَهُ نُفُوسُهُم ، وَوَجِلَت مِنهُ قُلُوبُهُم ، وَعَنَت لَهُ وُجُوهُهُم ، وخَشَعَت لَهُ أَصوَاتُهُم ، وَلَهَجَت بِذِكرِهِ أَلسِنَتُهُم ، وَحَمِدُوهُ وَمَجَّدُوهُ وَأَثنَوا عَلَيهِ بما هُوَ أَهلُهُ ، وَصَرَفُوا لَهُ جَمِيعَ أَنوَاعِ العِبَادَةِ وَالطَّاعَةِ ، خَوفًا وَرَجَاءً ، وَرَغَبًا وَرَهَبًا ، وَحُبًّا وَتَعظِيمًا وَخُشُوعًا ، وَذُلاًّ لَهُ وَانكِسَارًا وَخُضُوعًا ، فَعَلُوا ذَلِكَ عَن عِلمٍ حَقِيقِيٍّ بِهِ ـ سُبحَانَهُ ـ وَبِأَسمَائِهِ وَصِفَاتِهِ ، وَعَلَى قَدرِ المَعرِفَةِ الحَقِيقِيَّةِ يَكُونُ تَعظِيمُ الرَّبِّ في القَلبِ ، وَمَن كَانَ بِاللهِ أَعرَفَ كَانَ مِنهُ أَخوَفَ ، وَ" إِنَّمَا يَخشَى اللهَ مِن عِبَادِهِ العُلَمَاءُ "
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَعَظِّمُوهُ وَاقدُرُوهُ حَقَّ قَدرِهِ ، وَتَدَبَّرُوا كِتَابَهُ وَمَا فِيهِ مِن حِكَمٍ وَأَحكَامٍ وَدُرُوسٍ وَعِبَرٍ ، وَتَفَكَّرُوا في خَلقِهِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ وَمَا فِيهِنَّ ، وَأَجِيلُوا الأَبصَارَ وَأَعمِلُوا البَصَائِرَ فِيمَا جَرَى وَمَا سَوفَ يَجرِي مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ " وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ "
" إِنَّ في خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَاختِلافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولي الأَلبَابِ . الَّذِينَ يَذكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِم وَيَتَفَكَّرُونَ في خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ رَبَّنَا مَا خَلَقتَ هَذَا بَاطِلًا سُبحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ "
" وَلَا تَحسَبَنَّ اللهَ غَافِلًا عَمَّا يَعمَلُ الظَّالمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُم لِيَومٍ تَشخَصُ فِيهِ الأَبصَار . مُهطِعِينَ مُقنِعِي رُءُوسِهِم لَا يَرتَدُّ إِلَيهِم طَرفُهُم وَأَفئِدَتُهُم هَوَاءٌ . وَأَنذِرِ النَّاسَ يَومَ يَأتِيهِمُ العَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلم تَكُونُوا أَقسَمتُم مِن قَبلُ مَا لَكُم مِن زَوَالٍ . وَسَكَنتُم في مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُم وَتَبَيَّنَ لَكُم كَيفَ فَعَلنَا بِهِم وَضَرَبنَا لَكُمُ الأَمثَالَ . وَقَد مَكَرُوا مَكرَهُم وَعِندَ اللهِ مَكرُهُم وَإِنْ كَانَ مَكرُهُم لِتَزُولَ مِنهُ الجِبَالُ . فَلَا تَحسَبَنَّ اللهَ مُخلِفَ وَعدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ . يَومَ تُبَدَّلُ الأَرضُ غَيرَ الأَرضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ . وَتَرَى المُجرِمِينَ يَومَئِذٍ مُقَرَّنِينَ في الأَصفَادِ . سَرَابِيلُهُم مِن قَطِرَانٍ وَتَغشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ . لِيَجزِيَ اللهُ كُلَّ نَفسٍ مَا كَسَبَت إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الحِسَابِ . هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الأَلبَابِ "
إِنَّهُ ـ سُبحَانَهُ ـ الحَقِيقُ وَحدَهُ دُونَ سِوَاهُ ، بِأَن يُعبَدَ وَيُوَحَّدَ وَلا يُجحَدَ ، وَأَن يُطَاعَ وَيُشكَرَ وَلا يُكفَرَ ، وَأَن يُدعَى وَيُرجَى وَيُتَوَكَّلَ عَلَيهِ ، وَأَن يُخلَصَ لَهُ العَمَلُ وَتُسلَمَ لَهُ النُّفُوسُ ، وَأَن تُذعِنَ لَهُ القُلُوبُ وَتَعنُوَ لَهُ الوُجُوهُ " كَيفَ تَكفُرُونَ بِاللهِ وَكُنتُم أَموَاتًا فَأَحيَاكُم ثُمَّ يُمِيتُكُم ثُمَّ يُحيِيكُم ثُمَّ إِلَيهِ تُرجَعُونَ . هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَا في الأَرضِ جَمِيعًا ثُمَّ استَوَى إِلى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ "
" قُلْ أَئِنَّكُم لَتَكفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرضَ في يَومَينِ وَتَجعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ العَالمِينَ . وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقوَاتَهَا في أَربَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ . ثُمَّ استَوَى إِلى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرضِ ائْتِيَا طَوعًا أَو كَرهًا قَالَتَا أَتَينَا طَائِعِينَ . فَقَضَاهُنَّ سَبعَ سَمَاوَاتٍ في يَومَينِ وَأَوحَى في كُلِّ سَمَاءٍ أَمرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفظًا ذَلِكَ تَقدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ "
" اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُم فَأَحسَنَ صُوَرَكُم وَرَزَقَكُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُم فَتَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالمِينَ . هُوَ الحَيُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَادعُوهُ مُخلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ . قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَن أَعبُدَ الَّذِينَ تَدعُونَ مِن دُونِ اللهِ لَمَّا جَاءَنِيَ البَيِّنَاتُ مِن رَبِّي وَأُمِرتُ أَنْ أُسلِمَ لِرَبِّ العَالَمِينَ "
" قُلْ لِمَنِ الأَرضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُم تَعلَمُونَ . سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ . قُلْ مَن رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبعِ وَرَبُّ العَرشِ العَظِيمِ . سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ . قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيهِ إِنْ كُنتُم تَعلَمُونَ . سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ فَأَنَّى تُسحَرُونَ " " اللهُ الَّذِي خَلَقَكُم ثُمَّ رَزَقَكُم ثُمَّ يُمِيتُكُم ثُمَّ يُحيِيكُم هَل مِن شُرَكَائِكُم مَن يَفعَلُ مِن ذَلِكُم مِن شَيءٍ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشرِكُونَ "
" ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُم لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ فَاعبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ وَكِيلٌ . لا تُدرِكُهُ الأَبصَارُ وَهُوَ يُدرِكُ الأَبصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ . قَد جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَبِّكُم فَمَن أَبصَرَ فَلِنَفسِهِ وَمَن عَمِيَ فَعَلَيهَا وَمَا أَنَا عَلَيكُم بِحَفِيظٍ "
" وَلا تَدعُ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجهَهُ لَهُ الحُكمُ وَإِلَيهِ تُرجَعُونَ "
نَعَم ـ يَا عِبَادَ اللهِ ـ إِنَّ رَبَّكُمُ الغَنِيَّ الحَمِيدَ الكَامِلَ مِن كُلِّ وَجهٍ ـ سُبحَانَهُ ـ هُوَ الجَدِيرُ بِأَن تَتَّجِهَ إِلَيهِ قُلُوبُ البَشَرِ الفُقَرَاءِ النَّاقِصِينَ مِنُ كُلِّ وَجهٍ " سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ . بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلم تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ "
" قُلْ مَن رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذتُم مِن دُونِهِ أَولِيَاءَ لا يَملِكُونَ لأَنفُسِهِم نَفعًا وَلا ضَرًّا قُلْ هَل يَستَوِي الأَعمَى وَالبَصِيرُ أَم هَل تَستَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَم جَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلقِهِ فَتَشَابَهَ الخَلقُ عَلَيهِم قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّارُ "
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الفُقَرَاءُ إِلى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنيُّ الحَمِيدُ . إِن يَشَأْ يُذهِبْكُم وَيَأتِ بِخَلقٍ جَدِيدٍ . وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ "
وَإِنَّ رَبًّا قَالَ وَهُوَ العَظِيمُ القَادِرُ ـ سُبحَانَهُ ـ : " قُلْ سِيرُوا في الأَرضِ فَانظُرُوا كَيفَ بَدَأَ الخَلقَ ثُمَّ اللهُ يُنشِئُ النَّشأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ . يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَرحَمُ مَن يَشَاءُ وَإِلَيهِ تُقلَبُونَ . وَمَا أَنتُم بِمُعجِزِينَ في الأَرضِ وَلَا في السَّمَاءِ وَمَا لَكُم مِن دُونِ اللهِ مِن وَليٍّ وَلَا نَصِيرٍ "
وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " مَا خَلقُكُم وَلا بَعثُكُم إِلا كَنَفسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ "
إِنَّهُ لَلمُستَحِقُّ بِأَن يَتَّجِهَ إِلَيهِ كُلُّ البَشَرِ دُونَ استِثنَاءٍ ، وَأَلاَّ يَبقَى مِنهُم نَفسٌ وَاحِدَةٌ تَتَكَبَّرُ أَو تَتَعَالى ، أَو تَرَى لِذَاتِهَا مَكَانًا فَوقَ مَا هِيَ عَلَيهِ ، أَو تُنَازِعُهُ شَيئًا مِمَّا اختَصَّ بِهِ نَفسَهُ في رُبُوبِيَّتِهِ أَو أُلُوهِيَّتِهِ أَو أَسمَائِهِ وَصِفَاتِهِ ، وَعَجَبًا لِنَفسٍ لا تُسَاوِي ذَرَّةً وَلا تَزِنُ قِطمِيرًا ، ثم هِيَ تُعَارِضُ رَبَّهَا في أَمرِهِ أَو قَدَرِهِ أَو حُكمِهِ أَو حِكمَتِهِ !! إِنَّهُ الجَهلُ بِاللهِ وَالغُرُورُ ، وَخِدَاعُ النُّفُوسِ الفَارِغَةِ وَظَنُّ القُلُوبِ الخَاوِيَةِ ، كَانَ وَمَا زَالَ يَأخُذُ بِأَهلِهِ في كُلِّ وَادٍ مِن أَودِيَةِ الضَّلالِ وَالغِوَايَةِ ، حَتى يُورِدَهُم أَسوَأَ المَصِيرِ وَيُوقِعَهُم في شَرِّ المَآبِ .
عَاشَت أُمَمٌ عَلَى هَذِهِ الأَرضِ دُهُورًا ، وَتَوَالَتِ القُرُونُ عَلَى أَقوَامٍ قَد أَعطَاهُمُ اللهُ بَسطَةً في الأَجسَامِ وَقُوَّةً في الأَبدَانِ وَأَموَالاً وَعَتَادًا وَأَولادًا ، وَلَكِنَّهُم كَفَرُوا بِاللهِ وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ ، وَلم يُعَظِّمُوا أَمرَهُ وَلا نَهيَهُ ، فَأَذَاقَهُمُ اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوفِ وَدَمَّرَهُم تَدمِيرًا ، قَالَ قَومُ عَادٍ : " مَن أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً " فَأَهلَكَهُمُ اللهُ " بِرِيحٍ صَرصَرٍ عَاتِيَةٍ . سَخَّرَهَا عَلَيهِم سَبعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى القَومَ فِيهَا صَرعَى كَأَنَّهُم أَعجَازُ نَخلٍ خَاوِيَةٍ "
وَثَمُودُ كَانُوا " يَنحِتُونَ مِنَ الجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ . فَأَخَذَتهُمُ الصَّيحَةُ مُصبِحِينَ . فَمَا أَغنَى عَنهُم مَا كَانُوا يَكسِبُونَ "
وَفِرعَونُ عَادَى أَولِيَاءَ اللهِ " فَأَرَادَ أَن يَستَفِزَّهُم مِنَ الأَرضِ فَأَغرَقنَاهُ وَمَن مَعَهُ جَمِيعًا "
وَقَارُونُ أُوتِيَ " مِنَ الكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالعُصبَةِ أُولي القُوَّةِ " وَلم يَنتَبِهْ إِلى " أَنَّ اللهَ قَد أَهلَكَ مِن قَبلِهِ مِنَ القُرُونِ مَن هُوَ أَشَدُّ مِنهُ قُوَّةً وَأَكثَرُ جَمعًا " فَكَانَ جَزَاءُ عُلُوِّهِ وَفَسَادِهِ " فَخَسَفنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ " إِنَّهَا عَوَاقِبُ الجَهلِ بِاللهِ وَنَتَائِجُ الكِبرِ وَثَمَرَاتُ الغُرُورِ ، وَأَمَّا عِبَادُ اللهِ فَقَد عَلِمُوا بِيَقِينٍ أَنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ ، وَأَنَّهُ المَلِكُ الحَقُّ المُبِينُ ، الكَامِلُ في ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ ، العَظِيمُ شَأنُهُ الكَبِيرُ قَدرُهُ ، الحَيُّ القَيُّومُ المَالِكُ لِكُلِّ شَيءٍ ، الخَالِقُ المُحيِي المُمِيتُ المُعِزُّ المُذِلُّ ، الرَّزَاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ ، القَائِمُ عَلَى كُلِّ نَفسٍ بما كَسَبَت ، العَالِمُ بِالظَّوَاهِرِ وَالبَوَاطِنِ وَالغَيبِ وَالشَّهَادَةِ ، الَّذِي لَهُ العَظَمَةُ وَالكِبرِيَاءُ وَالسُّلطَانُ ، وَالقُدرَةُ النَّافِذَةُ وَالمَشِيئَةُ التَّامَّةُ ، وَلَهُ الكَمَالُ وَالجَمَالُ وَالجَلالُ ، وَمِن ثَمَّ فَقَد خَضَعَت لَهُ رِقَابُهُم ، وَدَانَت لَهُ نُفُوسُهُم ، وَوَجِلَت مِنهُ قُلُوبُهُم ، وَعَنَت لَهُ وُجُوهُهُم ، وخَشَعَت لَهُ أَصوَاتُهُم ، وَلَهَجَت بِذِكرِهِ أَلسِنَتُهُم ، وَحَمِدُوهُ وَمَجَّدُوهُ وَأَثنَوا عَلَيهِ بما هُوَ أَهلُهُ ، وَصَرَفُوا لَهُ جَمِيعَ أَنوَاعِ العِبَادَةِ وَالطَّاعَةِ ، خَوفًا وَرَجَاءً ، وَرَغَبًا وَرَهَبًا ، وَحُبًّا وَتَعظِيمًا وَخُشُوعًا ، وَذُلاًّ لَهُ وَانكِسَارًا وَخُضُوعًا ، فَعَلُوا ذَلِكَ عَن عِلمٍ حَقِيقِيٍّ بِهِ ـ سُبحَانَهُ ـ وَبِأَسمَائِهِ وَصِفَاتِهِ ، وَعَلَى قَدرِ المَعرِفَةِ الحَقِيقِيَّةِ يَكُونُ تَعظِيمُ الرَّبِّ في القَلبِ ، وَمَن كَانَ بِاللهِ أَعرَفَ كَانَ مِنهُ أَخوَفَ ، وَ" إِنَّمَا يَخشَى اللهَ مِن عِبَادِهِ العُلَمَاءُ "
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَعَظِّمُوهُ وَاقدُرُوهُ حَقَّ قَدرِهِ ، وَتَدَبَّرُوا كِتَابَهُ وَمَا فِيهِ مِن حِكَمٍ وَأَحكَامٍ وَدُرُوسٍ وَعِبَرٍ ، وَتَفَكَّرُوا في خَلقِهِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ وَمَا فِيهِنَّ ، وَأَجِيلُوا الأَبصَارَ وَأَعمِلُوا البَصَائِرَ فِيمَا جَرَى وَمَا سَوفَ يَجرِي مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ " وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ "
" إِنَّ في خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَاختِلافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولي الأَلبَابِ . الَّذِينَ يَذكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِم وَيَتَفَكَّرُونَ في خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ رَبَّنَا مَا خَلَقتَ هَذَا بَاطِلًا سُبحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ "
" وَلَا تَحسَبَنَّ اللهَ غَافِلًا عَمَّا يَعمَلُ الظَّالمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُم لِيَومٍ تَشخَصُ فِيهِ الأَبصَار . مُهطِعِينَ مُقنِعِي رُءُوسِهِم لَا يَرتَدُّ إِلَيهِم طَرفُهُم وَأَفئِدَتُهُم هَوَاءٌ . وَأَنذِرِ النَّاسَ يَومَ يَأتِيهِمُ العَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلم تَكُونُوا أَقسَمتُم مِن قَبلُ مَا لَكُم مِن زَوَالٍ . وَسَكَنتُم في مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُم وَتَبَيَّنَ لَكُم كَيفَ فَعَلنَا بِهِم وَضَرَبنَا لَكُمُ الأَمثَالَ . وَقَد مَكَرُوا مَكرَهُم وَعِندَ اللهِ مَكرُهُم وَإِنْ كَانَ مَكرُهُم لِتَزُولَ مِنهُ الجِبَالُ . فَلَا تَحسَبَنَّ اللهَ مُخلِفَ وَعدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ . يَومَ تُبَدَّلُ الأَرضُ غَيرَ الأَرضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ . وَتَرَى المُجرِمِينَ يَومَئِذٍ مُقَرَّنِينَ في الأَصفَادِ . سَرَابِيلُهُم مِن قَطِرَانٍ وَتَغشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ . لِيَجزِيَ اللهُ كُلَّ نَفسٍ مَا كَسَبَت إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الحِسَابِ . هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الأَلبَابِ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَيَا أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، اِتَّقُوا رَبَّكُم وَاعبُدُوهُ وَخَافُوهُ وَارجُوهُ ، ذَلِكُمُ اللهُ رَبِّي وَرَبُّكُم ، مَا في الكَونِ مِن خَلقٍ إِلاَّ وَهُوَ شَاهِدٌ عَلَى عَظَمَتِهِ وَقُدرَتِهِ ، هُوَ الحَيُّ الغَنِيُّ القَوِيُّ ، الَّذِي تَتَصَاغَرُ أَمَامَ قُوَّتِهِ كُلُّ قُوَّةٍ ، وَيَتَضَاءَلُ عِندَ ذِكرِ عَظَمَتِهِ كُلُّ عَظِيمٍ ، المَلائِكَةُ يَخَافُونَهُ مِن فَوقِهِم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ ، وَهُم مِن خَشيَتِهِ مُشفِقُونَ " وَالأَرضُ جَمِيعًا قَبضَتُهُ يَومَ القِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالى عَمَّا يُشرِكُونَ " عَن عَبدِ اللهِ بنِ مَسعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : جَاَء حَبرٌ مِنَ اليَهُودِ إِلى النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ اللهَ يُمسِكُ السَّمَاوَاتِ يَومَ القِيَامَةِ عَلَى أَصبُعٍ ، وَالأَرَضِينَ عَلَى أَصبُعٍ ، وَالجِبَالَ وَالشَّجَرَ عَلَى أَصبُعٍ ، وَالمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى أَصبُعٍ ، وَسَائِرَ الخَلقِ عَلَى أَصبُعٍ ، ثم يَهُزُّهُنَّ فَيَقُولُ : أَنَا المَلِكُ ، أَنَا اللهُ ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ تَعَجُّبًا مِمَّا قَالَ الحَبرُ تَصدِيقًا لَهُ . ثم قَرَأَ : " وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدرِهِ وَالأَرضُ جَمِيعًا قَبضَتُهُ يَومَ القِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالى عَمَّا يُشرِكُونَ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَعَن أَبي ذَرٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَا السَّمَاوَاتُ السَّبعُ في الكُرسِيِّ إِلاَّ كَحَلَقَةٍ مُلقَاةٍ بِأَرضٍ فَلاةٍ ، وَفَضلُ العَرشِ عَلَى الكُرسِيِّ كَفَضلِ تِلكَ الفَلاةِ عَلَى تِلكَ الحَلَقَةِ " أَخرَجَهُ ابنُ أَبي شَيبَةَ في كِتَابِ العَرشِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
لَقَد عَلِمَ الأَنبِيَاءُ وَالمُرسَلُونَ وَعِبَادُ اللهِ الصَّالِحُونَ ، عَلِمُوا عَظَمَةَ اللهِ وَقُوَّتَهُ وَقُدرَتَهُ ، وَسَعَةَ عِلمِهِ وَإِحَاطَتَهُ بِكُلِّ شَيءٍ ، فَكَانُوا يُسَارِعُونَ في الخَيرَاتِ وَيَدعُونَهُ رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَهُ خَاشِعِينَ ، وَكَانُوا إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَت قُلُوبُهُم ، وَإِذَا تُلِيَت عَلَيهِم آيَاتُهُ زَادَتهُم إِيمَانًا " تَتَجَافى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ يَدعُونَ رَبَّهُم خَوفًا وَطَمَعًا "
فَلِمَاذَا لا نُعَظِّمُ رَبَّنَا وَنَخشَاهُ ؟
لِمَاذَا يَستَخفِي كَثِيرٌ مِنَّا مِنَ النَّاسِ وَلا يَستَخفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُم إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرضَى مِنَ القَولِ ؟
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُم ، وَابذُلُوا الجُهدَ في مَعرِفَتِهِ وَحُبِّهِ وَالذُّلِّ لَهُ وَالخُضُوعِ لِكِبرِيَائِهِ ، اِتَّقُوهُ حَقَّ التَّقوَى ، فَأَطِيعُوهُ بِلا عِصيَانٍ ، وَاذكُرُوهُ بِلا نِسيَانٍ ، وَاشكُرُوهُ بِلا كُفرَانٍ ، اِحفَظُوا الرَّأسَ وَمَا وَعَى ، وَالبَطنَ وَمَا حَوَى ، وَتَذَكَّرُوا المَوتَ وَالبِلَى ، وَعَظِّمُوا الشَّرعَ وَالشَّعَائِرَ وَالحُرُمَاتِ " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيرٌ لَهُ عِندَ رَبِّهِ " " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ "
وَعَن أَبي ذَرٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَا السَّمَاوَاتُ السَّبعُ في الكُرسِيِّ إِلاَّ كَحَلَقَةٍ مُلقَاةٍ بِأَرضٍ فَلاةٍ ، وَفَضلُ العَرشِ عَلَى الكُرسِيِّ كَفَضلِ تِلكَ الفَلاةِ عَلَى تِلكَ الحَلَقَةِ " أَخرَجَهُ ابنُ أَبي شَيبَةَ في كِتَابِ العَرشِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
لَقَد عَلِمَ الأَنبِيَاءُ وَالمُرسَلُونَ وَعِبَادُ اللهِ الصَّالِحُونَ ، عَلِمُوا عَظَمَةَ اللهِ وَقُوَّتَهُ وَقُدرَتَهُ ، وَسَعَةَ عِلمِهِ وَإِحَاطَتَهُ بِكُلِّ شَيءٍ ، فَكَانُوا يُسَارِعُونَ في الخَيرَاتِ وَيَدعُونَهُ رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَهُ خَاشِعِينَ ، وَكَانُوا إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَت قُلُوبُهُم ، وَإِذَا تُلِيَت عَلَيهِم آيَاتُهُ زَادَتهُم إِيمَانًا " تَتَجَافى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ يَدعُونَ رَبَّهُم خَوفًا وَطَمَعًا "
فَلِمَاذَا لا نُعَظِّمُ رَبَّنَا وَنَخشَاهُ ؟
لِمَاذَا يَستَخفِي كَثِيرٌ مِنَّا مِنَ النَّاسِ وَلا يَستَخفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُم إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرضَى مِنَ القَولِ ؟
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُم ، وَابذُلُوا الجُهدَ في مَعرِفَتِهِ وَحُبِّهِ وَالذُّلِّ لَهُ وَالخُضُوعِ لِكِبرِيَائِهِ ، اِتَّقُوهُ حَقَّ التَّقوَى ، فَأَطِيعُوهُ بِلا عِصيَانٍ ، وَاذكُرُوهُ بِلا نِسيَانٍ ، وَاشكُرُوهُ بِلا كُفرَانٍ ، اِحفَظُوا الرَّأسَ وَمَا وَعَى ، وَالبَطنَ وَمَا حَوَى ، وَتَذَكَّرُوا المَوتَ وَالبِلَى ، وَعَظِّمُوا الشَّرعَ وَالشَّعَائِرَ وَالحُرُمَاتِ " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيرٌ لَهُ عِندَ رَبِّهِ " " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ "
المرفقات
وما قدروا الله حق قدره.doc
وما قدروا الله حق قدره.doc
وما قدروا الله حق قدره.pdf
وما قدروا الله حق قدره.pdf
عبدالعزيز الدلبحي
جزاك الله خير ياشيخنا ونفع الله بعلمك الإسلام والمسلمين
تعديل التعليق