خطبة : ( وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور )
عبدالله البصري
1439/12/27 - 2018/09/07 00:24AM
وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور 27 / 12 / 1439
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ " " يَا قَومِ إِنَّمَا هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ . مَن عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجزَى إِلاَّ مِثلَهَا وَمَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ يُرزَقُونَ فِيهَا بِغَيرِ حِسَابٍ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، الإِنسَانُ مَخلُوقٌ لِغَايَةٍ عَظِيمَةٍ ، أُوجِدَ في هَذِهِ الدُّنيَا لِتَحقِيقِهَا ، وَسُخِّرَ لَهُ مَا في الأَرضِ لأَجلِهَا ، قَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ " وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " كَيفَ تَكفُرُونَ بِاللهِ وَكُنتُم أَموَاتًا فَأَحيَاكُم ثُمَّ يُمِيتُكُم ثُمَّ يُحيِيكُم ثُمَّ إِلَيهِ تُرجَعُونَ . هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَا في الأَرضِ جَمِيعًا ثُمَّ استَوَى إِلى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ " وَمَن عَلِمَ هَذَا تَمَامَ العِلمِ وَتَيَقَّنَ مِنهُ ، لم يُضِعْ وَقتَهُ وَلا جُهدَهُ في دَارٍ فَانِيَةٍ ، مَا بَقَاؤُهُ فِيهَا إِلاَّ كَبَقَاءِ المُسَافِرِ المُرتَحِلِ ، قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " مَا لي وَلِلدُّنيَا ، مَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ سَارَ في يَومٍ صَائِفٍ ، فَاستَظَلَّ تَحتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً ثم رَاحَ وَتَرَكَهَا " رَوَاهُ أَحمَدُ وَابنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . أَجَل – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – إِنَّهُ لا مَجَالَ عِندَ العَاقِلِ لِتَضيِيعِ وَقتِهِ وَتَبدِيدِ جُهدِهِ في دَارٍ هَذَا شَأنُهَا ، غَيرَ أَنَّهُ لَمَّا لم يَكُنْ لِلمَرءِ بُدٌّ مِن أَن يَكُونَ لَهُ مِن هَذِهِ الدُّنيَا نَصِيبٌ مِن مَأكَلٍ وَمَشرَبٍ وَمَسكَنٍ وَمَنكَحٍ وَنَحوِهَا ، كَانَ العَاقِلُ مَنِ استَطَاعَ بِذَكَاءٍ أَن يَجمَعَ بَينَ السَّعيِ في دُنيَاهُ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ ، وَالعَمَلِ لأُخَرَاهُ لِنَجَاتِهِ وَفَكَاكِ رَقَبَتِهِ , بَل وَكَانَ أَعقَلُ العُقَلاءِ مَنِ استَطَاعِ أَن يُحَوِّلَ حَيَاتَهُ كُلَّهَا إِلى عُبُودِيَّةٍ للهِ وَطَاعَةٍ وَعَمَلٍ صَالِحٍ مَبرُورٍ ، يَنَالُ بِهِ الأَجرَ وَالثَّوَابَ ، بِاستِصحَابِهِ النِّيَّةَ الصَّالِحَةَ في أَعمَالِهِ كُلِّهَا دَقِيقِهَا وَجُلِّهَا ، وَكَانَ الجَاهِلُ مَن جَعَلَ أَكبَرَ هَمِّهِ دُنيَاهُ وَإِصلاحَهَا ، وَغَفَلَ عَن آخِرَتِهِ وَجَعَلَ لَهَا فُضُولَ وَقتِهِ وَنَسِيَ مَصِيرَهُ ، وَأَجهَلُ مِنهُ مَن جَعَلَ دِينَهُ سُلَّمًا لِتَحصِيلِ لُعَاعَةٍ مِنَ الدُّنيَا قَلِيلَةٍ ، قَالَ – عَزَّ وَجَلَّ - : " وَمَا أُوتِيتُم مِن شَيءٍ فَمَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللهِ خَيرٌ وَأَبقَى أَفَلا تَعقِلُونَ " وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ - : " بَل تُؤثِرُونَ الحَيَاةَ الدُّنيَا . وَالآخِرَةُ خَيرٌ وَأَبقَى "
نَعَم – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – إِنَّهُ لا بُدَّ لِلعَاقِلِ مِن شَيءٍ مِن مَتَاعِ الدُّنيَا وَزَادِهَا يَتَبَلَّغَ بِهِ في سَفَرِهِ إِلى الآخِرَةِ ، قَالَ اللهُ – تَعَالى - : " وَابتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنيَا وَأَحسِنْ كَمَا أَحسَنَ اللهُ إِلَيكَ " وَكَانَ مِن دُعَائِهِ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " اللَّهُمَّ أَصلِحْ لي دِيني الَّذِي هُوَ عِصمَةُ أَمرِي ، وَأَصلِحْ لي دُنيَايَ الَّتي فِيهَا مَعَاشِي ... " رَوَاهُ مُسلِمٌ . بَل كَانَ أَكثَرُ دُعَائِهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنيَا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وقِنَا عَذَابَ النَّار " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . وَمِن ثَمَّ فَإِنَّهُ لَيسَ مِن شَرطِ العَمَلِ لِلآخِرَةِ أَن يَنطَوِيَ الإِنسَانُ عَلَى نَفسِهِ وَيَترُكَ إِصلاحَ دُنيَاهُ بِمَا شَرَعَهُ اللهُ ، وَلَكِنَّ المَطلُوبَ أَن يَعرِفَ العَاقِلُ وَزنَ دُنيَاهُ فَلا يُعطِيَهَا أَكثَرَ مِمَّا تَستَحِقُّهُ ، وَقَدرَ آخِرَتِهِ فَيَسعَى لَهَا سَعيَهَا , قَالَ – سُبحَانَهُ - : " مَن كَانَ يُرِيدُ العَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصلاهَا مَذمُومًا مَدحُورًا . وَمَن أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعيُهُم مَشكُورًا . كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِن عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحظُورًا . انظُرْ كَيفَ فَضَّلْنَا بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكبَرُ تَفضِيلاً "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ الاختِلالَ في مُوَازَنَةِ أُمُورِ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ، كَانَ وَمَا زَالَ مِن أَعظَمِ الأَسبَابِ الَّتي تُؤَدِّي بِنَا إِلى الوُقُوعِ في أَخطَاءٍ كَبِيرَةٍ وَتَصَرُّفَاتٍ مَشِينَةٍ في حَقِّ أَنفُسِنَا وَمَن حَولَنَا ، فَالدُّنيَا الَّتي لا تَعدُو أَن تَكُونَ وَسِيلَةً لِتَحصِيلِ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ ، وَقَنطَرَةً لِلوُصُولِ إِلى الفَوزِ بِالنَّعِيمِ المُقِيمِ في الآخِرَةِ ، قَد تُصبِحُ حِينَ يَبتَعِدُ النَّاسُ عَن مَنهَجِ الأَنبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ ، هِيَ مِحوَرَ الاهتِمَامِ وَبُؤرَةَ التَّفكِيرِ ، وَمَحَطَّ الآمَالِ وَمُنتَهَى الغَايَاتِ ، تَستَعبِدُ القُلُوبَ وَتَأسِرُ النُّفُوسَ ، وَتُقِيمُ النَّاسَ وَتُقعِدُهُم ، وَتُفرِحُهُم وَتَغُمُّهُم ، وَتُتَّسِعُ صُدُورُهُم لإِقبَالِهَا عَلَيهِم وَتَضِيقُ لإدبَارِهَا عَنهُم ، يُعَادُونَ فِيهَا وَيُوَالُونَ ، وَيَكذِبُونَ مِن أَجلِهَا وَيَغُشُّونَ ، وَيَبغُونَ عَلَى إِخوَانِهِم وَيَظلِمُونَ ، وَيَفجُرُونَ في الخُصُومَةِ وَيُزَوِّرُونَ في القَضِيَّةِ ، وَيَتَكَبَّرُونَ عَلَى الحَقِّ وَيَحقِرُونَ الخَلقَ ، وَيَتَجَاوَزُونَ حُدُودَهُم وَلا يَنتَهُونَ إِلى مَعَالِمِهِم ، وَيَأكُلُونَ الحَرَامَ وَيَتَنَاوَلُونَ مَا فِيهِ شُبهَةٌ ، وَحِينَئِذٍ لا بُدَّ لَهُم مِن أَن يُذَكَّرُوا بِمَا جَاءَ في كَلامِ اللهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مِن ذَمٍّ لِلدُّنيَا وَتَحقِيرٍ لِشَأنِهَا ؛ لَعَلَّهُم يَتَأَدَّبُونَ وَيَنتَهُونَ عَنِ الإِسرَافِ في حُبِّهَا ، وَتُكبَحُ جِمَاحُ إِفرَاطِهِم في طَلَبِهَا وَكَسبِهَا ، قَالَ – تَعَالى - : " ومَا الحَيَاةُ الدُّنيَا إلاَّ لَعِبٌ ولَهوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعقِلُونَ " وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " إِنَّمَا مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنيَا كَمَاءٍ أَنزَلنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاختَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرضِ مِمَّا يَأكُلُ النَّاسُ وَالأَنعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرضُ زُخرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهلُهَا أَنَّهُم قَادِرُونَ عَلَيهَا أَتَاهَا أَمرُنَا لَيْلاً أَو نَهَارًا فَجَعَلنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لم تَغْنَ بِالأَمسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ " وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " وَفَرِحُوا بِالحَيَاةِ الدُّنيَا وَمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا في الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ " وَقَالَ – عَزَّ وَجَلَّ - : " اِعلَمُوا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَينَكُم وَتَكَاثُرٌ في الأَموَالِ وَالأَولادِ كَمَثَلِ غَيثٍ أَعجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضوَانٌ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ " وَعَن جَابِرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلاً مِن بَعضِ العَالِيَةِ وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ ، فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ فَتَنَاوَلَهُ بِأُذُنِهِ ثم قَالَ : " أَيُّكُم يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرهِمٍ ؟! " فَقَالُوا : مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيءٍ ، وَمَا نَصنَعُ بِهِ ؟! قَالَ : " أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُم ؟! " قَالُوا : وَاللهِ لَو كَانَ حَيًّا لَكَانَ عَيبًا فِيهِ لأَنَّهُ أَسَكُّ ، فَكَيفَ وَهُوَ مَيِّتٌ ؟! فَقَالَ : " وَاللهِ لِلدُّنيَا أَهوَنُ عَلَى اللهِ مِن هَذَا عَلَيكُم " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " لَو كَانَتِ الدُّنيَا تَعدِلُ عِندَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنهَا شَربَةَ مَاءٍ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَه وَالتِّرمِذِيُّ وَقَالَ الأَلبَانيُّ : صَحِيحٌ لِغَيرِهِ . وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " وَاللهِ مَا الدُّنيَا في الآخِرَةِ إِلاَّ مِثلُ مَا يَجعَلُ أَحَدُكُم إِصبَعَهُ هَذِهِ - وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ - في اليَمِّ فَلْيَنظُرْ بِمَ يَرجِعُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَلْنَحذَرْ مِن أَن تَكُونَ الدُّنيَا أَحَبَّ إِلَينَا مِنَ الحَقِّ ، أَو دَاعِيَةً لَنَا إِلى ظُلمِ الخَلقِ ، أَو مُغرِيَةً لَهَا بِقُشُورِهَا فَنُرضِيَ مَن لا يَنفَعُنَا رِضَاهُ ، وَنُغضِبَ مَن كُلُّ الضَّرَرِ وَالهَلاكِ في غَضبِهِ ، فَفِي صَحِيحِ ابنِ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : قَالَ : " مَن أَرضَى اللهَ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللهُ ، وَمَن أَسخَطَ اللهَ بِرِضَا النَّاسِ وَكَلَهُ اللهُ إِلى النَّاسِ "
اللَّهُمَّ اجعَلْنَا مِمَّن أَسلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَتَهُ بِمَا آتَيتَهُ .
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى – حَقَّ تُقَاتِهِ ، وَسَارِعُوا إِلى مَغفِرَتِهِ وَمَرضَاتِهِ ، وَاعلَمُوا أَنَّ التَّزِهِيدَ في الدُّنيَا وَتَحقِيرَ شَأنِهَا ، لَيسَ دَعوَةً إِلى أَن يَعِيشَ المُسلِمُ فِيهَا في مُؤخِّرَةِ الرَّكبِ جَاهِلاً بِالعُلُومِ الَّتي تَنفَعُهُ ، أَو مُنصَرِفًا عَنِ المَعَارِفِ الَّتي تَرفَعُهُ ، أَو مُقَصِّرًا في الصِّنَاعَات وَالتِّجَارَاتِ الَّتي لا بُدَّ لَهُ مِنهَا ، أَو خَامِلاً كَسُولاً لا يَخرُجُ لِيَتَعَلَّمَ وَلا يَسعَى لِعَمَلٍ وَلا يَفتَخِرُ بِإِنتَاجٍ ، أَو خَوَّارًا جَبَانًا لا يُطَالِبُ بِحَقٍّ لَهُ مَشرُوعٍ ، وَلَكِنَّ المَقصُودَ هُوَ أَن يَعتَدِلَ المُسلِمُ في نَظرَتِهِ لِلحَيَاةِ ، وَيَسِيرَ فِيهَا بَتَوَازُنٍ عَلَى مَنهَجِ الشَّرعِ الكَرِيمِ ، لا يَتَعَلَّقُ بِشَهَوَاتِهَا ، وَلا يَنغَمِسُ في مَلَذَّاتِهَا ، وَلا يَندَفِعُ في صِرَاعَاتِهَا ، وَلا يَكُونُ عَبدًا لِجَاهِلِيَّاتِهَا وَعُنصُرِيَّاتِهَا ، فَيَنسَى الآخِرَةَ مِن أَجلِهَا ، وَيُضِيعُ حَقَّ اللهِ لِتَحصِيلِهَا ، أَو يَتَعَدَّى عَلَى حُقُوقِ عِبَادِهِ طَمَعًا فِيهَا . أَجَل – أَيُّهَا الإِخوَةُ – أَنَّ المَذمُومَ مِنَ الدُّنيَا هُوَ مَا يُبَاعِدُ المُسلِمَ عَنِ رَبِّهِ ، وَيُعمِيهِ عَن حَقِيقَةِ نَفسِهِ ، أَو يُنسِيهِ ضَعفَهُ وَعَجزَهُ ، أَو يَدفَعُهُ لِيُفسِدَ في الأَرضِ ، فَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُم ، فَإِنَّ دُنيَاكُم فَانِيَةٌ ، وَمَطَامِعُهَا زَائِلَةٌ ، فَمَا بَالُ النَّاسِ يَفرَحُونَ بِاليَسِيرِ مِنَهَا يُصِيبُونَهُ ، وَيَحزَنُونَ عَلَى اليَسِيرِ مِنهَا يَفُوتُهُم ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ ذَلِكَ في وُجُوهِهِم ، وَيَظهَرُ عَلَى أَلسِنَتِهِم ، وَتَكثَرُ فِيهِ شَكَاوَاهُم وَتَكبُرُ مِن أَجلِهِ دَعَاوَاهُم ، وَيَحتَدُّ غَضَبُهُم وَيَشتَدُّ كَذِبُهُم ، وَتَعظُمُ مَكَايِدُهُم وَتَتَعَدَّدُ حِيَلُهُم ، وَعَامَّتُهُم قَد تَرَكُوا مَعَ ذَلِكَ كَثِيرًا مِن دِينِهِم وَتَنَاسَوهُ ، وَفَرَّطُوا فِيهِ وَقَلَّ حَظُّهُم مِنهُ ، ثم لا يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ في وُجُوهِهِم ، وَلا يَتَغَيَّرُ حَالُهُم ، وَلا يُنكِرُهُ مِنهُم مُنكِرٌ لِوَجهِ اللهِ . إِنَّ أَخسَرَ النَّاسِ صَفقَةً مَن بَاعَ دِينَهُ بِدُنيَاهُ ، وَأَخسَرُ مِنهُ مَن بَاعَ دِينَهُ بِدُنيَا غَيرِهِ ، فَالحَذَرَ الحَذَرَ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ . وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ . لا يَستَوِي أَصحَابُ النَّارِ وَأَصحَابُ الجَنَّةِ أَصحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ "
المرفقات
الحياة-الدنيا-إلا-متاع-الغرور
الحياة-الدنيا-إلا-متاع-الغرور
الحياة-الدنيا-إلا-متاع-الغرور-2
الحياة-الدنيا-إلا-متاع-الغرور-2
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق