خطبة : ( ولكل درجات مما عملوا )
عبدالله البصري
1437/07/29 - 2016/05/06 19:43PM
ولكل درجات مما عملوا 29 / 7 / 1437
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ - وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بمَا تَعمَلُونَ . وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ . لا يَستَوِي أَصحَابُ النَّارِ وَأَصحَابُ الجَنَّةِ أَصحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، هَذِهِ الدُّنيَا بما فِيهَا مِن أَموَالٍ مُكَدَّسَةٍ وَقَنَاطِيرَ مُقَنطَرَةٍ ، وَبما عِندَ النَّاسِ فِيهَا مِن مَقَايِيسَ مُعتَمَدَةٍ ، تَتَفَاوَتُ بها أَقدَارُهُم وَتَختَلِفُ مَرَاتِبُهُم ، وَيَتَكَبَّرُ بَعضُهُم بِسَبَبِهَا عَلَى بَعضٍ وَيَتَفَاخَرُونَ ، إِنَّمَا هِيَ كُلُّهَا في الحَقِيقَةِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ . يَعمَلُ الإِنسَانُ في دُنيَاهُ وَيَكدَحُ وَيَشقَى ، مِن أَجلِ تَحصِيلِ مَنَافِعَ قَلِيلَةٍ ضَئِيلَةٍ ، تُسَاعِدُهُ عَلَى البَقَاءِ حَيًّا طُولَ سَفَرِهِ الَّذِي قَدَّرَ اللهُ لَهُ مُدَّتَهُ ، ثُمَّ يَعُودُ بَعدَ ذَلِكَ بِلا اختِيَارٍ مِنهُ إِلى رَبِّهِ ، وَيُرَدُّ إِلى مَولاهُ وَخَالِقِهِ ، لِيُجزَى بما عَمِلَ وَكَسَبَ ، وَلِيَرَى مَا أَسلَفَ وَقَدَّمَ ، وَمَهمَا كَانَ الإِنسَانُ في هَذِهِ الدُّنيَا غَنِيًّا عَظِيمًا جَلِيلاً ، فَإِنَّهُ قَد يَكُونُ في الآخِرَةِ فَقِيرًا حَقِيرًا صَغِيرًا ، إِذَا وَقَفَ بِجَانِبِ المُؤمِنِينَ الَّذِينَ حَصَّلُوا الدَّرَجَاتِ العَالِيَةَ في الجَنَّةِ ، بِسَبَبِ اشتِغَالِهِم بِالعِبَادَاتِ وَتَنوِيعِهِمُ الطَّاعَاتِ ، وَاستِكثَارِهِم مِنَ البَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ ، قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " إِنَّهُ لَيَأتي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَومَ القِيَامَةِ لا يَزِنُ عِندَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . وَفي الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسلِمٌ قَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – : " وَمَن بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لم يُسرِعْ بِهِ نَسَبُهُ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، هَذِهِ الدُّنيَا بما فِيهَا مِن أَموَالٍ مُكَدَّسَةٍ وَقَنَاطِيرَ مُقَنطَرَةٍ ، وَبما عِندَ النَّاسِ فِيهَا مِن مَقَايِيسَ مُعتَمَدَةٍ ، تَتَفَاوَتُ بها أَقدَارُهُم وَتَختَلِفُ مَرَاتِبُهُم ، وَيَتَكَبَّرُ بَعضُهُم بِسَبَبِهَا عَلَى بَعضٍ وَيَتَفَاخَرُونَ ، إِنَّمَا هِيَ كُلُّهَا في الحَقِيقَةِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ . يَعمَلُ الإِنسَانُ في دُنيَاهُ وَيَكدَحُ وَيَشقَى ، مِن أَجلِ تَحصِيلِ مَنَافِعَ قَلِيلَةٍ ضَئِيلَةٍ ، تُسَاعِدُهُ عَلَى البَقَاءِ حَيًّا طُولَ سَفَرِهِ الَّذِي قَدَّرَ اللهُ لَهُ مُدَّتَهُ ، ثُمَّ يَعُودُ بَعدَ ذَلِكَ بِلا اختِيَارٍ مِنهُ إِلى رَبِّهِ ، وَيُرَدُّ إِلى مَولاهُ وَخَالِقِهِ ، لِيُجزَى بما عَمِلَ وَكَسَبَ ، وَلِيَرَى مَا أَسلَفَ وَقَدَّمَ ، وَمَهمَا كَانَ الإِنسَانُ في هَذِهِ الدُّنيَا غَنِيًّا عَظِيمًا جَلِيلاً ، فَإِنَّهُ قَد يَكُونُ في الآخِرَةِ فَقِيرًا حَقِيرًا صَغِيرًا ، إِذَا وَقَفَ بِجَانِبِ المُؤمِنِينَ الَّذِينَ حَصَّلُوا الدَّرَجَاتِ العَالِيَةَ في الجَنَّةِ ، بِسَبَبِ اشتِغَالِهِم بِالعِبَادَاتِ وَتَنوِيعِهِمُ الطَّاعَاتِ ، وَاستِكثَارِهِم مِنَ البَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ ، قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " إِنَّهُ لَيَأتي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَومَ القِيَامَةِ لا يَزِنُ عِندَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . وَفي الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسلِمٌ قَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – : " وَمَن بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لم يُسرِعْ بِهِ نَسَبُهُ "
أَجَل – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – إِنَّ هَذِهِ المَقَايِيسَ الدُّنيَوِيَّةَ الحَقِيرَةَ ، تَذُوبُ يَومَ القِيَامَةِ وَتَذهَبُ ، وَلا يَبقَى إِلاَّ العَمَلُ الصَّالِحُ الَّذِي بِهِ تَتَفَاوَتُ الدَّرجَاتُ ، قَالَ – تَعَالى - : " وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعمَلُونَ " نَعَم – أَيُّهَا الإِخوَةُ - لِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَبما قَدَّمُوا ، وَلَيسَ مِمَّا ظَنُّوا وَأَمَّلُوا ، وَلِكُلِّ عَامِلٍ مَنَازِلُ وَمَرَاتِبُ يُبَلِّغُهُ اللهُ إِيَّاهَا وَيَجزِيهِ بها ، إِنْ خَيرًا فَخَيرٌ ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - " يَومَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى . وَبُرِّزَتِ الجَحِيمُ لِمَن يَرَى . فَأَمَّا مَن طَغَى . وَآثَرَ الحَيَاةَ الدُّنيَا . فَإِنَّ الجَحِيمَ هِيَ المَأوَى . وَأَمَّا مَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفسَ عَنِ الهَوَى . فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأوَى " وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا – " :" إِنَّهُ مَن يَأتِ رَبَّهُ مُجرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحيَى . وَمَن يَأتِهِ مُؤمِنًا قَد عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ العُلَى . جَنَّاتُ عَدنٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّى " وَقَالَ – تَعَالى - : " أَفَمَن كَانَ مُؤمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لا يَستَوُونَ . أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُم جَنَّاتُ المَأوَى نُزُلاً بما كَانُوا يَعمَلُونَ . وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخرُجُوا مِنهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُم ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ " وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " مَن كَانَ يُرِيدُ العَاجِلَةَ عَجَّلنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصلاهَا مَذمُومًا مَدحُورًا . وَمَن أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعيَهَا وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعيُهُم مَشكُورًا . كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِن عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحظُورًا . انظُرْ كَيفَ فَضَّلنَا بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكبَرُ تَفضِيلاً "
وَإِنَّمَا جَعَلَ اللهُ – تَعَالى - الجَنَّةَ دَرَجَاتٍ ؛ لأَنَّهُ – عَزَّ وَجَلَّ – حَكَمٌ عَدلٌ لا يَظلِمُ أَحَدًا ، وَلا يَهضِمُ عَامِلاً عَمَلاً ، وَلأَنَّ عِبَادَهُ غَيرُ مُتَسَاوِينَ في الأَعمَالِ ، فَمِنهُم مَن يَقتَصِرُ عَلَى الفَرَائِضِ وَيُحَافِظُ عَلَيهَا ، فَهُوَ مِن أَهلِ الجَنَّةِ مَا دَامَ صَادِقًا في أَدَائِهَا كَمَا أُمِرَ إِخلاصًا وَاتِّبَاعًا ، وَلَكِنَّهُ أَقَلُّ دَرَجَةً مِمَّن شَمَّرَ وَجَدَّ وَاجتَهَدَ ، وَسَابَقَ وَسَارَعَ وَاستَبَقَ الخَيرَاتِ ، فَحَافَظَ عَلَى السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ وَتَزَوَّدَ مِنَ النَّوَافِلِ ، وَضَاعَفَ العَمَلَ وَضَرَبَ في كُلِّ بَابٍ مِنهُ بِسَهمٍ ، فَهَذَا تَعلُو في الجَنَّةِ دَرَجَاتُهُ ، وَتَعظُمُ بِحَسَبِ عَمَلِهِ حَسَنَاتُهُ ، بَل وَعَلَى حَسَبِ عَمَلِهِ يَكُونُ قَبلَ ذَلِكَ وُقُوفُهُ في مَوقِفِ العَرضِ ، ثم مَشيُهُ عَلَى الصِّرَاطِ وَوُرُودُهُ الجَنَّةَ ، ثم تَرَقِّيهِ في الدَّرَجَاتِ وَسُكَنَاهُ الغُرُفَاتِ ، قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " إِذَا كَانَ يَومُ القِيَامَةِ أُدنِيَتِ الشَّمسُ مِنَ العِبَادِ ، حَتَّى تَكُونَ قِيدَ مِيلٍ أَوِ اثنَينِ ، فَتَصهَرُهُمُ الشَّمسُ ، فَيَكُونُونَ في العَرَقِ بِقَدرِ أَعمَالِهِم ، فَمِنهُم مَن يَأخُذُهُ إِلى عَقِبَيهِ ، وَمِنهُم مَن يَأخُذُهُ إِلى رُكبَتَيهِ ، وَمِنهُم مَن يَأخُذُهُ إِلى حِقوَيهِ ، وَمِنهُم مَن يُلجِمُهُ إِلجَامًا " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " يَرِدُ النَّاسُ النَّارَ ثُمَّ يَصدُرُونَ عَنهَا بِأَعمَالِهِم ، فَأَوَّلُهُم كَلَمحِ البَصرِ ، ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ ، ثُمَّ كَحُضرِ الفَرَسِ ، ثُمَّ كَالرَّاكِبِ في رَحلِهِ ، ثُمَّ كَشَدِّ الرَّجُلِ ثُمَّ كَمَشيِهِ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَالتِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ ، وَفَي الحَدِيثِ الطَّوِيلِ الَّذِي رَوَاهُ الحَاكِمُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ قَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " فَيُعطِيهِم نُورَهُم عَلَى قَدرِ أَعمَالِهِم ، فَمِنهُم مَن يُعطَى نُورَهُ مِثلَ الجَبَلِ العَظِيمِ يَسعَى بَينَ يَدَيهِ ، وَمِنهُم مَن يُعطَى نُورَهُ أَصغَرَ مِن ذَلِكَ ، وَمِنهُم مَن يُعطَى مِثلَ النَّخلَةِ بِيَدِهِ ، وَمِنهُم مَن يُعطَى أَصغَرَ مِن ذَلِكَ ، حَتَّى يَكُونَ آخِرُهُم رَجُلاً يُعطَى نُورَهُ عَلَى إِبهَامِ قَدَمَيهِ ، يُضِيءُ مَرَّةً وَيُطفَأُ مَرَّةً ، فَإِذَا أَضَاءَ قَدَّمَ قَدَمَهُ ، وَإِذَا أُطفِئَ قَامَ ، فَيَمُرُّونَ عَلَى قَدرِ نُورِهِم " وَفي الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ وَصَحَحَّهُ الأَلبَانيُّ قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " يُقَالُ لِصَاحِبِ القُرآنِ : اِقرَأْ وَارتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنتَ تُرَتِّلُ في الدُّنيَا ، فَإِنَّ مَنزِلَتَكَ عِندَ آخِرِ آيَةٍ تَقرَأُ بها " وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " أَلا أَدُلُّكُم عَلَى مَا يَمحُو اللهُ بِهِ الخَطَايَا وَيَرَفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ؟ " قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : " إِسبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ ، وَكَثرَةُ الخُطَا إِلى المَسَاجِدِ ، وَانتِظَارُ الصَّلاةِ بَعدَ الصَّلاةِ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " إِنَّ أَهلَ الجَنَّةِ لَيَتَرَاءَونَ أَهلَ الغُرَفِ مِن فَوقِهِم كَمَا يَتَرَاءَونَ الكَوكَبَ الدُّرِّيَّ الغَابِرَ في الأُفُقِ مِنَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ ؛ لِتَفَاضُلِ مَا بَينَهُم " قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، تِلكَ مَنَازِلُ الأَنبِيَاءِ لا يَبلُغُهَا غَيرُهُم ! قَالَ : " بَلَى وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا المُرسَلِينَ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَعَن عَبدِاللهِ بنِ عَمرٍو - رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " إِنَّ في الجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِن بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِن ظَاهِرِهَا " فَقَالَ أَبُو مَالِكٍ الأَشعَرِيُّ : لِمَن هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟! قَالَ : " لِمَن أَطَابَ الكَلامَ ، وَأَطعَمَ الطَّعَامَ ، وَبَاتَ قَائِمًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ " رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَالحَاكِمُ وَقَالَ الأَلبَانيُّ : حَسَنٌ صَحِيحٌ .
نَعَم – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – إِنَّ الجَنَّةَ دَرَجَاتٌ بِحَسَبِ الإِكثَارِ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَاجتِنَابِ السَّيِّئَاتِ ، وَأَفضَلُ تِلكَ الدَّرَجَاتِ هِيَ الفِردَوسُ الأَعلَى ، فَمَن أَرَادَ سُكنَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ العَلِيَّةِ ، فَلْيَستَمِعْ إِلى صِفَاتِ سَاكِنِيهَا ، وَلْيَتَّصِفْ بها وَلْيُحَافِظْ عَلَيهَا لِينَالَ تِلكَ الدَّرَجَةَ بَعدَ رَحمَةِ اللهِ ، قَالَ – تَعَالى - : " قَد أَفلَحَ المُؤمِنُونَ . الَّذِينَ هُم في صَلاتِهِم خَاشِعُونَ . وَالَّذِينَ هُم عَنِ اللَّغوِ مُعرِضُونَ . وَالَّذِينَ هُم لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ . وَالَّذِينَ هُم لِفُرُوجِهِم حَافِظُونَ . إِلاَّ عَلَى أَزوَاجِهِم أَو مَا مَلَكَت أَيمَانُهُم فَإِنَّهُم غَيرُ مَلُومِينَ . فَمَنِ ابتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العَادُونَ . وَالَّذِينَ هُم لأَمَانَاتِهِم وَعَهدِهِم رَاعُونَ . وَالَّذِينَ هُم عَلَى صَلَوَاتِهِم يُحَافِظُونَ . أُولَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ . الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِردَوسَ هُم فِيهَا خَالِدُونَ "
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَلْنُحَافِظْ مَا استَطَعنَا عَلَى هَذِهِ الأَعمَالِ الجَلِيلَةِ وَالصِّفَاتِ النَّبِيلَةِ ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " ثُمَّ أَورَثنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصطَفَينَا مِن عِبَادِنَا فَمِنهُم ظَالِمٌ لِنَفسِهِ وَمِنهُم مُقتَصِدٌ وَمِنهُم سَابِقٌ بِالخَيرَاتِ بِإِذنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الفَضلُ الكَبِيرُ . جَنَّاتُ عَدنٍ يَدخُلُونَهَا يُحَلَّونَ فِيهَا مِن أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤلُؤًا وَلِبَاسُهُم فِيهَا حَرِيرٌ . وَقَالُوا الحَمدُ للهِ الَّذِي أَذهَبَ عَنَّا الحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ . الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ المُقَامَةِ مِن فَضلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ . وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُم نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقضَى عَلَيهِم فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنهُم مِن عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجزِي كُلَّ كَفُورٍ . وَهُم يَصطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخرِجْنَا نَعمَلْ صَالِحًا غَيرَ الَّذِي كُنَّا نَعمَلُ أَوَلَم نُعَمِّرْكُم مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَصِيرٍ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى – وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا . وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمرِهِ قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدرًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَحِينَمَا نَرَى جُزءًا مِن عَالَمِنَا الإِسلامِيِّ في رَغَدٍ مِنَ العَيشِ وَرَفَاهِيَةٍ وَسَعَةٍ ، وَأَمنٍ وَخِصبٍ وَاطمِئنَانٍ وَدَعَةٍ ، وَآخَرِينَ في فَقرٍ وَعَوَزٍ وَقِلَّةِ ذَاتِ يَدٍ ، أَو قَد تَسَلَّطَ الأَعدَاءُ عَلَيهِم فَأَذَاقُوهُم سُوءَ العَذَابِ وَآذَوهُم ، وَأَخرَجُوهُم مِن دِيَارِهِم وَشَرَّدُوهُم ، فَإِنَّنَا يَجِبُ أَن نَعلَمَ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ يَجرِي لِحِكَمٍ عَظِيمَةٍ يَعلَمُهَا اللَّطِيفُ الخَبِيرُ – سُبحَانَهُ - ، وَلَيسَ لِشَيءٍ مِمَّا نَظُنُّهُ مِن مَقَايِيسِنَا الدُّنيَوِيَّةِ فَحَسبُ ، فَمَا وُجُودُ الغِنى وَالتَّرَفِ وَالأَمنِ في قَومٍ بِدَلِيلٍ عَلَى مَحَبَّةِ اللهِ لَهُم وَتَفضِيلِهِ إِيَّاهُم عَلَى مَن سِوَاهُم ، وَلا ابتِلاءُ آخَرِينَ بِالفَقرِ وَالمَسكَنَةِ وَالخَوفِ وَالجُوعِ لِكَونِهِ – تَعَالى - لم يَرضَ عَنهُم أَو لم يُحِبَّهُم ، وَلَكِنَّ الجَمِيعَ مُبتَلَونَ ، وَعَلَى كُلٍّ وَاجِبٌ بِحَسَبِ حَالِهِ ، فَمَن كَانَ في النَّعمَاءِ وَالسَّرَّاءِ فَوَاجِبُهُ الشُّكرُ ، وَمَن كَانَ في البَلاءِ وَالضَّرَّاءِ فَعَلِيهِ الصَّبرُ ، وَمَن كَانَت هَذِهِ حَالَهُ وَاستَغفَرَ رَبَّهُ وَتَابَ مِن ذَنبِهِ ، فَهُوَ السَّعِيدُ حَقًّا ، غَيرَ أَنَّ لِمَنِ ابتُلِيَ بِالشَّرِّ في هَذِهِ الدُّنيَا وَهُوَ مُؤمِنٌ صَابِرٌ مَزِيدُ رِفعَةٍ عِندَ اللهِ يَومَ القِيَامَةِ بِسَبَبِ ابتِلائِهِ ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " مَا يُصِيبُ المُؤمِنَ مِن شَوكَةٍ فَمَا فَوقَهَا إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ بها دَرَجَةً أَو حَطَّ عَنهُ بها خَطِيئَةً " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى – وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا . وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمرِهِ قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدرًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَحِينَمَا نَرَى جُزءًا مِن عَالَمِنَا الإِسلامِيِّ في رَغَدٍ مِنَ العَيشِ وَرَفَاهِيَةٍ وَسَعَةٍ ، وَأَمنٍ وَخِصبٍ وَاطمِئنَانٍ وَدَعَةٍ ، وَآخَرِينَ في فَقرٍ وَعَوَزٍ وَقِلَّةِ ذَاتِ يَدٍ ، أَو قَد تَسَلَّطَ الأَعدَاءُ عَلَيهِم فَأَذَاقُوهُم سُوءَ العَذَابِ وَآذَوهُم ، وَأَخرَجُوهُم مِن دِيَارِهِم وَشَرَّدُوهُم ، فَإِنَّنَا يَجِبُ أَن نَعلَمَ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ يَجرِي لِحِكَمٍ عَظِيمَةٍ يَعلَمُهَا اللَّطِيفُ الخَبِيرُ – سُبحَانَهُ - ، وَلَيسَ لِشَيءٍ مِمَّا نَظُنُّهُ مِن مَقَايِيسِنَا الدُّنيَوِيَّةِ فَحَسبُ ، فَمَا وُجُودُ الغِنى وَالتَّرَفِ وَالأَمنِ في قَومٍ بِدَلِيلٍ عَلَى مَحَبَّةِ اللهِ لَهُم وَتَفضِيلِهِ إِيَّاهُم عَلَى مَن سِوَاهُم ، وَلا ابتِلاءُ آخَرِينَ بِالفَقرِ وَالمَسكَنَةِ وَالخَوفِ وَالجُوعِ لِكَونِهِ – تَعَالى - لم يَرضَ عَنهُم أَو لم يُحِبَّهُم ، وَلَكِنَّ الجَمِيعَ مُبتَلَونَ ، وَعَلَى كُلٍّ وَاجِبٌ بِحَسَبِ حَالِهِ ، فَمَن كَانَ في النَّعمَاءِ وَالسَّرَّاءِ فَوَاجِبُهُ الشُّكرُ ، وَمَن كَانَ في البَلاءِ وَالضَّرَّاءِ فَعَلِيهِ الصَّبرُ ، وَمَن كَانَت هَذِهِ حَالَهُ وَاستَغفَرَ رَبَّهُ وَتَابَ مِن ذَنبِهِ ، فَهُوَ السَّعِيدُ حَقًّا ، غَيرَ أَنَّ لِمَنِ ابتُلِيَ بِالشَّرِّ في هَذِهِ الدُّنيَا وَهُوَ مُؤمِنٌ صَابِرٌ مَزِيدُ رِفعَةٍ عِندَ اللهِ يَومَ القِيَامَةِ بِسَبَبِ ابتِلائِهِ ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " مَا يُصِيبُ المُؤمِنَ مِن شَوكَةٍ فَمَا فَوقَهَا إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ بها دَرَجَةً أَو حَطَّ عَنهُ بها خَطِيئَةً " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
أَلا فَلا يَيأَسَنَّ أَحَدٌ مَهمَا ابتُلِيَ في نَفسِهِ أَو مَالِهِ أَو أَمنِهِ أَو وَطَنِهِ أو غَيرِ ذَلِكَ ، فَإِنَّ العَاقِبَةَ لَهُ عِندَ اللهِ ، وَلا سِيَّمَا أُولَئِكَ المُجَاهِدِينَ في سَبِيلِ اللهِ ، قَالَ – عَزَّ وَجَلَّ - : " لا يَستَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤمِنِينَ غَيرُ أُولي الضَّرَرِ وَالمُجَاهِدُونَ في سَبِيلِ اللهِ بِأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم فَضَّلَ اللهُ المُجَاهِدِينَ بِأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم عَلَى القَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الحُسنَى وَفَضَّلَ اللهُ المُجَاهِدِينَ عَلَى القَاعِدِينَ أَجرًا عَظِيمًا . دَرَجَاتٍ مِنهُ وَمَغفِرَةً وَرَحمَةً وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا " وَعَن أَبي هُرَيرَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " مَن آمَنَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَصَامَ رَمَضَانَ ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَن يُدخِلَهُ الجَنَّةَ جَاهَدَ في سَبِيلِ اللهِ أَو جَلَسَ في أَرضِهِ الَّتي وُلِدَ فِيهَا " قَالُوا : أَفَلا نُبَشِّرُ النَّاسَ ؟ قَالَ : " إِنَّ في الجَنَّةِ مِئَةَ دَرَجَةٍ ، أَعَدَّهَا اللهُ لِلمُجَاهِدِينَ في سَبِيلِ اللهِ ، مَا بَينَ الدَّرَجَتَينِ كَمَا بَينَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ ، فَإِذَا سَأَلتُمُ اللهَ فَاسأَلُوهُ الفِردَوسَ ؛ فَإِنَّهُ أَوسَطُ الجَنَّةِ وَأَعلَى الجَنَّةِ ؛ وَفَوقَهُ عَرشُ الرَّحمَنِ ، وَمِنهُ تَفَجَّرَ أَنهَارُ الجَنَّةِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ .
المرفقات
ولكل درجات مما عملوا.doc
ولكل درجات مما عملوا.doc
ولكل درجات مما عملوا.pdf
ولكل درجات مما عملوا.pdf