خطبة: وَلا يُفْلِحُ السّاحِرُ حَيْثُ أتَى
وليد بن محمد العباد
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم
خطبة: ولا يُفلحُ السّاحرُ حيثُ أتَى
الخطبة الأولى
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضللْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا أمّا بعدُ عبادَ الله
فقد انتشرَ بينَ كثيرٍ من النّاسِ في هذا الزّمان، إتيانُ السّحرةِ والسّاحراتِ والكهّان، وهذا بلاءٌ عظيمٌ ومنكرٌ أثيمٌ وفسادٌ كبير، فالسّحرُ قرينُ الشّركِ والكفر، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: اجتنبوا السّبعَ الموبقات، وهي التي توبِقُ صاحبَها في نارِ جهنّم، قالوا: يا رسولَ اللهِ وما هنَّ؟ قالَ: الشّركُ بالله والسّحرُ، وقتلُ النّفسِ التي حرّمَ اللهُ إلا بالحقّ، وأكلُ الرّبا وأكلُ مالِ اليتيمِ، والتّولي يومَ الزّحفِ وقذفُ المحصناتِ الغافلاتِ المؤمنات. فالسّاحرُ كافرٌ باللهِ العظيم، قالَ تعالى: (وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ) فالسّحرةُ حقيرونَ ذليلونَ، يستعينونَ على أعمالِهم الخبيثةِ بالجنِّ والشياطين، وذلك بعدَ أنْ يسجدوا لهم ويعبدوهم من دونِ الله، والذينَ يأتونَهم أحقرُ منهم وأذَلّ، فإنّهم لا يأتيهم إلا ضعافُ الإيمانِ رقاقُ الدّينِ سفهاءُ العقولِ خِساسُ الطّباع، يلجؤونَ للسّحرةِ لجلبِ نفعٍ أو كشفِ ضُرٍّ أو تحبيبِ زوجٍ أو تخبيبِ زوجةٍ أو إلحاقِ أذًى بأحدِ المسلمين، فيطلبُ منهم السّحرةُ القيامَ بأعمالٍ شركيّةٍ كالذّبحِ لغيرِ الله، وتدنيسِ كلامِ الله، والاستغاثةِ بغيرِ الله، فيَسْلِبونَ أموالَهم وأخلاقَهم ودينَهم وعقيدتَهم، خسروا الدّنيا والآخرةَ ذلك هو الخسرانُ المبين. فاتّقوا اللهَ رحمَكم الله، واحذروا من الذّهابِ للسّحرةِ والاستعانةِ بهم وتصديقِهم فإنّه فسوقٌ وضلال، ولا يَسلمُ لصاحبِه إيمانٌ ولا خُلُقٌ ولا دين، قالَ عليه الصّلاةُ والسّلام: مَنْ أتى عَرّافًا فسألَه عن شيءٍ لم تُقبلْ له صلاةٌ أربعينَ يومًا. وقالَ صلى اللهُ عليه وسلم: ليسَ منّا مَنْ تَطيَّرَ أو تُطُيِّرَ له، أو تَكَهَّنَ أو تُكُهِّنَ له، أو سَحَرَ أو سُحِرَ له، ومَنْ أتى كاهنًا فصدّقَه بما يقولُ فقد كفرَ بما أُنزِلَ على محمّدٍ صلى اللهُ عليه وسلم. فالواجبُ على الجميعِ أنْ يُنكروا فعلَ أولئك المفسدينَ المجرمين ويُبَلّغوا عنهم، فإنّهم يُدمّرونَ المجتمعَ ويَهدمونَ البيوتَ ويُفرّقونَ الأسَرَ ويُؤذونَ العبادَ ويَسعَوْنَ في الأرضِ الفساد (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا)
باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ وحدَه والصّلاةُ والسّلامُ على من لا نبيَّ بعدَه وعلى آلِه وصحبِه أمّا بعدُ عبادَ الله
إنّ عَالَمَ السِّحرِ والسَّحرةِ محفوفٌ بالشّركِ والخرافاتِ والنّجاسات، ومُرْتَكِسٌ بالظّلمِ والبغيِ والظّلمات، ومُتجرّدٌ من القيمِ الأخلاقيّةِ والمعاني الإنسانيّة، من أتاه لا يُفلحُ أبدًا {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} فما أقبحَ فعلَهم وما أضلَّ سعيَهم وما أحقرَ شأنَهم، خابوا وخسروا فلن يَعْدُوا قَدْرَهم (وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) ومع شِدّةِ فسادِهم فإنّ كيدَهم ضعيف (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) فكيف بكيدِ السّاحرِ فهو أشدُّ ضَعْفًا (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ) فاتّقوا اللهَ رحمَكم اللهُ واعلموا أنّ المؤمنَ بإذنِ اللهِ ثمّ بالأسبابِ الشّرعية، يستطيعُ الوقايةَ من شرِّ أولئك السّحرةِ والسّلامةَ من مكرِهم والشّفاءَ من كيدِهم، وذلك بتحصّنِه بالمداومةِ على تلاوةِ القرآنِ بتفكّرٍ وتدبّر، وبزيادةِ إيمانِه بفعلِ الطّاعاتِ والبعدِ عن السّيئات، وبكثرةِ الدّعاءِ والنوافلِ والمبادرةِ إلى الصّلوات، وبتحقيقِ التّوحيدِ والتّوكّلِ على اللهِ سبحانَه وتعالى، وبالرّقيةِ والشّرعيّةِ والأدعيةِ النبويّة، وبالمحافظةِ على أذكارِ الصّباحِ والمساء، مع العنايةِ بقراءةِ سورةِ البقرة، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ. أي السّحَرَة. وقالَ عليه الصّلاةُ والسّلام: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَة. فاذا التزمَ المسلمُ بذلك بصدقٍ وإخلاصٍ ويقين، فسيجدُها حولَه كالدّرعِ المتين، والحرزِ الأمين،والحصنِ الحصين، وسيجدُ فيها الوقايةَ والشّفاء، من كلِّ داءٍ وبلاء. وسيحفظُه الله ُبها من كيدِ الكائدينَ وتَسلّطِ الشّياطين، والحمدُ لله ِربِّ العالمين، ولا حولَ ولا قوّةَ إلا باللهِ العليِّ العظيم. اللهمّ إنّا نسألُك العافيةَ في الدّنيا والآخرة، اللهمّ إنّا نسألُك العفوَ والعافيةَ في دينِنا ودنيانا وأهلِنا وأموالِنا اللهمّ احفظْنا بحفظِك فاللهُ خيرٌ حافظًا وهو أرحمُ الرّاحمين، اللهمّ اكْفِنا شرَّ الأشرارِ وكيدَ الفجّارِ وشرَّ السّحرةِ ومَردةِ الإنسِ والجنِّ يا عزيزُ يا غفّار، اللهمّ عليك بالسّحرةِ ومن يستعينونَ بهم، فإنّهم يَصُدّونَ عن دينِك ويؤذونَ عبادَك، اللهمّ عليك بهم فإنّهم لا يُعجزونك، اللهمّ أَبْطِلْ سحرَهم واهتِكْ سترَهم واصرفْ عنّا شرَّهم واجعلْ أمرَهم في وَبَالٍ وكيدَهم في سِفَالٍ، اللهمّ اكْفِ المسلمينَ شرَّ السّحرةِ والحاسدينَ والعائنينَ يا ربَّ العالمين، اللهمّ أعِذْنا وأهلينا وذرّيّاتِنا من الشّيطانِ الرّجيمِ، ومن حزبِه ونفخِهم ونفثِهم وأذاهم اللهمّ من آذى مسلمًا في نفسِه أو أهلِه فردَّ كيدَه في نحرِه، وسلّطْ عليه من البلايا ما يَشغلُه في نفسِه، وانتقمْ منه بقوّتِك وعزّتِك ياقويُّ يا عزيز، اللهمّ اكشفْ سحرَ كلِّ مسحورٍ، واشْفِ كلَّ مريضٍ، وعافِ كلَّ مكروبٍ، إنّك على كلِّ شيءٍ قدير، اللهمّ أصلحْ أحوالَ المسلمينَ ورُدّهم إليك ردًّا جميلًا برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين. عبادَ الله، إنّ اللهَ وملائكتَه يصلّونَ على النبيّ، يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا، ويقولُ عليه الصلاةُ والسلام: من صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشْرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين. وأقمِ الصلاةَ إنّ الصلاةَ تَنهى عن الفحشاءِ والمنكر، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين
جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 20/ 2/ 1444هـ