خطبة : ( ولا يحقره )
عبدالله البصري
1439/05/08 - 2018/01/25 22:52PM
ولا يحقره ... 9 / 5 / 1439
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، دِينُنَا الرَّبَّانِيُّ العَظِيمُ ، لم يَكُنْ دِينَ مَسجِدٍ فَحَسبُ ، يُؤَدِّي مُعتَنِقُهُ رَكَعَاتٍ وَيُومِئُ بِسَجَدَاتٍ ، أَو يَعقِدُ أَنَامِلَهُ بِتَسبِيحَاتٍ وَيَرفَعُ يَدَيهِ بِدَعَوَاتٍ ، ثم يَنطَلِقُ بَعدَ ذَلِكَ لِيَعِيشَ حَيَاةً أُخرَى مُغَايِرَةً ، تَستَعبِدُهُ فِيهَا نَفسٌ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ، أَو يُسَيِّرُهُ هَوًى مُتَّبَعٌ ، أَو يُؤُزُّهُ شَيطَانٌ رَجِيمٌ ، أَو تَقُودُهُ عَادَاتٌ سَيِّئَةٌ ، أو تَتَحَكَّمُ فِيهِ مُؤَثِّرَاتٌ قَاهِرَةٌ أَو شَهَوَاتٌ غَالِبَةٌ ، نَعَم – أَيُّهَا الإِخوَةُ – إِنَّ في دِينِنَا مِنَ المَبَادِئِ وَالقِيَمِ وَالأَخلاقِ ، مَا يُنَظِّمُ حَيَاةَ المَرءِ مُنذُ أَن يُوجَدَ عَلَى هَذِهِ الدُّنيَا حَتى يُرَدَّ إِلى رَبِّهِ ، وَكُلَّمَا كَانَ الإِنسَانُ مُتَمَسِّكًا بِهَذِهِ المَبَادِئِ العَظِيمَةِ ، مُتَشَبِّعًا مِن تِلكَ القِيَمِ النَّبِيلَةِ ، مُنطَوِيًا قَلبُهُ عَلَى أَحسَنِ الأَخلاقِ وَأَجمَلِ الشِّيَمِ ، كَانَ ذَلِكَ هُوَ حَظَّهَ مِنَ الخَيرِ ، وَكُلَّمَا كَانَ العَكسُ وَفَرَّطَ المُسلِمُ في مَبَادِئِ دِينِهِ وَقِيَمِهِ وَأَخلاقِهِ ، كَانَ ذَلِكَ حَظَّهُ مِنَ الشَّرِّ ، قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " أَلا أُخبِرُكُم بِخَيرِكُم مِن شَرِّكُم ؟ خَيرُكُم مَن يُرجَى خَيرُهُ وَيُؤمَنُ شَرُّهُ ، وَشَرُّكُم مَن لا يُرجَى خَيرُهُ وَلا يُؤمَنُ شَرُّهُ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَالتِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " خِيَارُكُم أَحَاسِنُكُم أَخلاقًا ، المُوَطَّؤُونَ أَكنَافًا ، وَشِرَارُكُم الثَّرثَارُونَ المُتَفَيهِقُونَ المُتَشَدِّقُونَ " رَوَاهُ البَيهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنزِلَةً عِندَ اللهِ يَومَ القِيَامَةِ مَن تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحشِهِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَكَمَا أَنَّ لِلأَخلاقِ الحَسَنَةِ أُصُولاً تَجمَعُ أَطرَافَهَا وَتَلُمُّ شَعَثَهَا ، فَإِنَّ لِلأَخلاقِ السَّيِّئَةِ حُفَرًا وَمَهَاوِيَ وَمُستَنقَعَاتٍ ، مَتَى مَا سَقَطَ فِيهَا الفَردُ ، كَانَ حَرِيًّا بِتَشَرُّبِ مَا يَصُبُّ فِيهَا مِن شَرٍّ ، وَمِن تِلكُمُ الأَخلاقِ السَّيِّئَةِ القَبِيحَةِ ، الَّتِي تُوقِعُ المُتَّصِفَ بِهَا في جَرَائِمَ بَشِعَةٍ في حَقِّ إِخوَانِهِ المُسلِمِينَ ، خُلُقُ احتِقَارِ المُسلِمِ لأَخِيهِ المُسلِمِ ، نَعَم – أَيُّهَا الإِخوَةُ – احتِقَارُ المُسلِمِ وَاستِصغَارُهُ ، وَالاستِخفَافُ بِهِ وَازدِرَاؤُهُ ، فَعَن هَذَا الخُلُقِ القَبِيحِ تَصدُرُ كَبَائِرُ وَجَرَائِمُ وَمُوبِقَاتٌ ، فَيَقتُلُ المُسلِمُ المُسلِمَ ، وَيَتَنَاوَلُ عِرضَهُ وَيَهتِكُهُ ، وَيَعتَدِي عَلَيهِ في مَالِهِ فَيَسلُبُهُ ، وَيَظلِمُهُ وَيَبغي عَلَيهِ وَيَخذُلُهُ ، وَيَكذِبُهُ وَيَغُشُّهُ وَيَخدَعُهُ ، قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ ، لا يَظلِمُهُ وَلا يَخذُلُهُ ، وَلا يَكذِبُهُ وَلا يَحقِرُهُ ، التَّقوَى هَاهُنَا - وَيُشِيرُ إِلى صَدرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ - بِحَسْبِ امرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحقِرَ أَخَاهُ المُسلِمَ ، كُلُّ المُسلِمِ عَلَى المُسلِمِ حَرَامٌ : دَمُهُ ومَالُهُ وَعِرضُهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَولُهُ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " بِحَسبِ امرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَن يَحقِرَ أَخَاهُ المُسلِمَ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَو لم يَكُنْ في الإِنسَانِ مِن خِلالِ الشَّرِّ وَرَذَائِلِ الأَخلاقِ إِلاَّ أَن يَحقِرَ أَخَاهُ المُسلِمَ لَكَانَ كَافِيًا ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عِظَمِ إِثمِ مَن يَحقِرُ إِخوَانَهُ المُسلِمِينَ وَيَزدَرِيهِم تَكَبُّرًا عَلَيهِم وَعُلُوًّا .
إِنَّ مِن شَأنِ المُسلِمِ المُعَظِّمِ لأَخِيهِ المُسلِمِ ، الرَّاعِي لِحُرمَتِهِ المُقَدِّرِ لِشَخصِهِ ، أَن يُوصِلَ إِلَيهِ النَّفعَ بِكُلِّ صُوَرِهِ ، وَيَكُفَّ عَنهُ الضَّررَ بكل أَشكَالِهِ ، وَيُحِبَّ لَهُ مِنَ الخَيرِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفسِهِ . وَتَاللهِ مَا تَمَادَى النَّاسُ اليَومَ في ظُلمِ إِخوَانِهِم وَخِذلانِهِم ، وَالكَذِبِ عَلَيهِم وَغِشِّهِم ، وَالوُقُوعِ في أَعرَاضِهِم وَاتِّهَامِهِم بِمَا لَيسَ فِيهِم ، وَسَبِّهِم وَشَتمِهِم وَتَعيِيرِهِم ، وَهَمزِهِم وَلَمزِهِم وَنَبزِهِم بِالأَلقَابِ ، إِلاَّ حِينَ امتَلأَتِ الصُّدُورُ بِالكِبرِ وَالتَّعَاظُمِ وَالخُيَلاءِ ، وَلم تَمتَلِئِ العُيُونُ بِمَن أَمَامَهَا احتِقَارًا لَهُم وَازدِرَاءً وَاستِصغَارًا ، وَلِذَا قَرَنَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – بَينَ هَاتَينِ الخَصلَتَينِ القَبِيحَتَينِ ، حَيثُ قَالَ فِيمَا رَوَاهُ مُسلِمٌ : " الكِبرُ بَطَرُ الحَقِّ وَغَمطُ النَّاسِ " وَغَمطُ النَّاسِ هُوَ الطَّعنُ فِيهِم وَالإِزرَاءُ عَلَيهِم ، وَازدِرَاؤُهُم وَالسُّخرِيَةُ بِهِم ، وَالمُتَكَبِّرُ يَنظُرُ إِلى نَفسِهِ بِعَينِ الكَمَالِ ، وَإِلى غَيرِهِ بِعَينِ النَّقصِ ، وَلِذَا فَهُوَ يَستَخِفُّ بِهِم وَيُهِينُهُم ، وَيَستَصغِرُهُم وَيُذِلُّهُم ، وَلا يَعبَأُ بِهِم وَلا يَهتَمُّ بِشَأنِهِم ، بَل لا يَرَاهُم أَهلاً لأَنْ يَقُومَ بِحُقُوقِهِم ، وَلا أَن يَقبَلَ مِن أَحَدٍ مِنهُمُ الحَقَّ إِذَا أَورَدَهُ عَلَيهِ . وَإِنَّهُ لَعَجِيبٌ أَن يَرفَعَ اللهُ شَأنَ الإِنسَانُ فَيَخلُقَهُ في أَحسَنِ تَقوِيمٍ ، وَيُسَخِّرَ لَهُ مَا في السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ ، وَيُكرِمَهُ بِالعَقَلِ وَالسَّمعِ وَالبَصَرِ ، وَيَجعَلَ مِن جِنسِهِ الأَنبِيَاءَ وَالمُرسَلِينَ ، ثم يَحقِرَهُ إِنسَانٌ مِثلُهُ ، إِنسَانٌ ضَعِيفٌ مِسكِينٌ ، لم يَخلُقْ نَفسَهُ وَلم يُوجِدْهَا ، وَلم يَختَرْ لَهَا أَصلاً وَلا فَصلاً ، وَلا نَسَبًا وَلا حَسَبًا ، وَلا لَونًا وَلا جِنسًا ، بَل وَلا يَملِكُ لِنَفسِهِ وَلا لِغَيرهِ نَفعًا وَلا ضَرًّا ، وَلا مَوتًا وَلا حَيَاةً وَلا بَعثًا وَلا نُشُورًا !!!
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ المُسلِمَ المُتَوَاضِعَ اللَّيِّنَ الجَانِبِ لإِخوَانِهِ ، يَرَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنهُم بِعَينِ الإِكبَارِ وَالإِجلالِ ، يُعَظِّمُهُ وَيُوَقِّرُهُ ، وَيُنزِلُهُ مَنزِلَتَهُ اللاَّئِقَةَ بِهِ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّهُ لا يُرَى بَينَهُم إِلاَّ مَحبُوبًا مَمدُوحًا ، مَدعُوًّا لَهُ بِالخَيرِ مَذكُورًا بِهِ ، مَحفُوظًا حَقُّهُ مَصُونًا عِرضُهُ ، وَأَمَّا الشَّامِخُ بِأَنفِهِ المُصَعِّرُ خَدَّهُ ، المُستَكبِرُ عَلَى غَيرِهِ المُحتَقِرُ لِمَن حَولَهُ ، فَإِنَّهُ لا يَعِيشُ في النَّاسِ إِلاَّ مَكرُوهًا مَذمُومًا ، مَدعُوًّا عَلَيهِ مَهتُوكًا عِرضُهُ ، بَل إِنَّهُ لا يُعَامَلُ مِنَ النَّاسِ إِلاَّ بِمِثلِ خُلُقِهِ ، فَهُم لا يَفتَؤُونَ يَتَكَبَّرُونَ عَلَيهِ ، وَيَرَونَهُ مَهِينًا حَقِيرًا وَإِنَّ تَرَفَّعَ وَتَعَالى ، أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَلْنَخفِضِ الجَنَاحَ لِلمُؤمِنِينَ ، فَقَد أَمَرَ اللهُ بِذَلِكَ نَبِيَّهُ فَقَالَ : " وَاخفِضْ جَنَاحَكَ لِلمُؤمِنِينَ " وَلْنَحذَرِ التَّعَالِيَ وَالتَّعَاظُمَ عَلَى النَّاسِ مَهمَا احتَقَرَتهُم أَعيُنُنَا أَو صَغُرَ شَأنُهُم في الظَّاهِرِ ؛ فَقَدِ استَهَانَ إِبلِيسُ بِآدَمَ وَسَخِرَ مِنهُ قَائِلاً : " أَنَا خَيرٌ مِنهُ خَلَقتَنِي مِن نَارٍ وَخَلَقتَهُ مِن طِينٍ " فَبَاءَ بِالخَسَارَةِ وَالخِذلانِ وَأَبعَدَهُ اللهُ " قَالَ فَاهبِطْ مِنهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ " وَالمِيزَانُ عِندَ اللهِ التَّقوَى ، وَالتَّقوَى مَحَلُّهَا القَلبُ ، وَاللهُ أَعلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " كَم مِن أَشعَثَ أَغبَرَ ذِي طِمرَينِ لا يُؤبَهُ لَهُ ، لَو أَقسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . وَالحَذَرَ الحَذَرَ مِن رُؤيَةِ النَّفسِ وَالاستِهزَاءِ بِالآخَرِينَ وَتَحقِيرِهِم مَهمَا كَانَ أَحَدُنَا مُطِيعًا لِرَبِّهِ مُنعَمًا عَلَيهِ في نَفسِهِ ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا كَانَ تَحقِيرُهُ وَاستِهزَاؤُهُ بِإِخوَانِهِ سَبَبًا في انتِكَاسِهِ وَزَوَالِ نِعمَةِ اللهِ عَنهُ ، فَقَد رَوَى مُسلِمٌ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - حَدَّثَ " أَنَّ رَجُلاً قَالَ : وَاللهِ لا يَغفِرُ اللهُ لِفُلانٍ . وَإِنَّ اللهَ - تَعَالى - قَالَ : مَن ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَلاَّ أَغفِرَ لِفُلاَنٍ ؟! فَإِنِّي قَد غَفَرتُ لِفُلانٍ وَأَحبَطتُ عَمَلَكَ " أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ في الأَرضِ مَرَحًا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُختَالٍ فَخُورٍ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ . وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، احتِقَارُ النَّاسِ وَازدِرَاؤُهُم وَالتَّكَبُّرُ عَلَيهِم وَالتَّعَاظُمُ أَمَامَهُم وَاستِصغَارُهُم ، لا يَصدُرُ إِلاَّ مِن جَاهِلٍ بِرَبِّهِ وَجَاهِلٍ بِنَفسِهِ ، وَأَمَّا مَنِ امتَلأَ قَلبُهُ عِلمًا بِاللهِ ، وَازدَادَ مَعرِفَةً بِأَسمَائِهِ وَصِفَاتِهِ ، وَأَجَلَّ رَبَّهُ وَعَظَّمَهُ وَأَحَبَّ لِقَاءَهُ ، وَعَرَفَ بَعدَ ذَلِكَ نَفسَهُ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَأَدرَكَ قِيمَتَهَا ، وَاطَّلَعَ عَلَى عُيُوبِهَا وَآفَاتِهَا ، وَاستَشعَرَ نَقصَهَا وَما يَعتَرِيهَا مِن ضَعفٍ ، فَإِنَّهُ يَمتَلِئُ إِيمَانًا بِقُوَّةِ اللهِ وَيَزدَادُ خُشُوعًا ، وَيَنكَسِرُ قَلبُهُ لِخَالِقِهِ انقِيَادًا وَخُضُوعًا ، وَيَخفِضُ جَنَاحَ الذُّلِّ لِعِبَادِ اللهِ تَوَاضُعًا ، وَتَعمُرُ جَوَانِحَهُ الرَّحمَةُ بِهِم وَالشَّفَقَةُ عَلَيهِم احتِسَابًا لِمَا عِندَ اللهِ ، أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – أَيُّهَا الإِخوَةُ - وَلْنَعلَمْ أَنَّ الزَّمَانَ لا يَثبُتُ عَلَى حَالٍ ، وَالدُّنيَا لا تَدُومُ عَلَى شَأنٍ ، فَتَارَةً فَقرٌ وَتَارَةً غِنًى ، وَحِينًا عِزٌّ وَحِينًا ذُلٌّ ، وَآنًا صِحَّةٌ وَعَافِيَةٌ ، وَآنًا مَرَضٌ وَابتِلاءُ ، وَلَكِنَّ السَّعِيدَ مَن لازَمَ أَصلاً وَاحِدًا عَلَى كُلِّ حَالٍ ، أَلا وَهُوَ تَقوَى اللهِ وَالتَّوَاضُعُ وَحُسنُ الخُلُقِ في كُلِّ حِينٍ ، فَهَذَا الَّذِي يَزِينُ العَبدَ وَيَبقَى مَعَهُ ؛ إِذْ بِالتَّقوَى يَكمُلُ قِيَامُهُ بِحُقُوقِ اللهِ ، وَبِحُسنِ الخُلُقِ يَكمُلُ قِيَامُهُ بِحُقُوقِ عِبَادِهِ ، قَالَ – تَعَالى - : " وَسَارِعُوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنفِقُونَ في السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالكَاظِمِينَ الغَيظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحسِنِينَ" وَعَن أَبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عَن أَكثَرِ مَا يُدخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ . فَقَالَ : " تَقوَى اللهِ وَحُسنُ الخُلُقِ " الحَدِيثَ رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " مَا مِن شَيءٍ يُوضَعُ في المِيزَانِ أَثقَلُ مِن حُسنِ الخُلُقِ ، وَإِنَّ صَاحِبَ حُسنِ الخُلُقِ لَيَبلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّومِ وَالصَّلاةِ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " مَا نَقَصَت صَدَقَةٌ مِن مَالٍ ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبدًا بِعَفوٍ إِلاَّ عِزًّا ، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
المرفقات
يحقره
يحقره
يحقره-2
يحقره-2
المشاهدات 2860 | التعليقات 2
جزاك الله خيرا
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق