خطبة: وَلَا صَفَرَ.

وليد بن محمد العباد
1445/02/08 - 2023/08/24 15:28PM

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم

خطبة: وَلَا صَفَرَ.

الخطبة الأولى

الحمدُ للهِ كما أَمَر، وأشكرُه وقد تَأذّنَ بالزّيادةِ لمن شَكَر، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له خَلقَ كلَّ شيءٍ بقَدَر، وأَشهدُ أنّ محمّدًا عبدُه ورسولُه دعا الأمّةَ لكلِّ خيرٍ وحذّرَها مِن كلِّ شرّ، صلى اللهُ وسلمَ عليه وعلى وآلِه وصحبِه ما تعاقبَ الشّمسُ والقمر، أمّا بعدُ عبادَ الله:                                                                                                              

إنَّ أوجبَ الواجباتِ على العباد، معرفةُ توحيدِ اللهِ عزَّ وجلَّ والعملُ به، ومعرفةُ ما يُناقضُهُ مِن الشِّركِ وتركُه والحذرُ منه؛ فالتّوحيدُ أساسُ الدِّينِ ومفتاحُ القبولُ، قالَ تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) وإنّ ممّا يُضادُّ التّوحيدَ ما يَعتقدُه أهلُ الجاهليَّةِ مِن التّطيّرِ والتّشاؤم، الذي يُنافي الدِّينَ القويمَ والعقلَ السّليم. حتّى أَنكرَه بعضُ عقلاءِ الجاهليّةِ فقالَ شاعرُهم: لَعَمْرُكَ ما تَدري الضَّوَارِبُ بالحصَى * وَلا زاجِراتُ الطّيرِ ما اللّهُ صانِعُ. وأمّا عامّةُ أهلِ الجاهليّةِ فقد سَيطرَ عليهم التّطيرُ والتّشاؤمُ، وتَلاعبتْ بهم الشّياطينُ، وقد تأثّرَ بهم بعضُ جهلةِ المسلمينَ وضعافِ الإيمان، فوقعوا في التّطيّرِ والتّشاؤمِ ببعضِ المخلوقاتِ والألوانِ والأرقام، والأبراجِ والشُّهورِ والأيّام، ومِن ذلك تشاؤمُهم بشهرِ صَفَر، فيعتقدونَ أنّه شهرٌ فيه حلولُ المكارهِ والمصائب، فلا يُسافرونَ فيه ولا يَتزوّجونَ ولا يُتاجرون، لاعتقادِهم أنّ ذلك سيَؤُولُ إلى الفشلِ والخسارة، ويَخترعونَ فيه مِن البدعِ والأدعيةِ التي يَزعمونَ أنّها تَحفظُهم، وهي لا تَزيدُهم إلا ضَلالًا وخَبالًا، وقد حَرَّمَ الإسلامُ ذلك حمايةً لِجَنَابِ التّوحيدِ مِن شوائبِ الشّركِ وخرافاتِ الجاهليّة، فقالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ. فاتّقوا اللهَ رحمَكم اللهُ واحذروا التّطيّرَ والتّشاؤمَ فإنّها لا تُغيّرُ ما قَضَى اللهُ سبحانَه، وهي شركٌ يُحبطُ العملَ ويَهدمُ التّوحيد، ولن يَكمُلَ الإيمانُ ويَسْلمَ التّوحيدُ إلا بالإيمانِ بالقدرِ خيرِه وشرِّه، إيمانًا كاملًا نقيًّا مِن تلك البدعِ والخرافات، قالَ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلمَ لابنِ عبّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما: واعلمْ أنّ ما أصابَك لم يكنْ ليُخطئَك، وما أخطأَك لم يكنْ ليُصيبَك. (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)

باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأصلي وأسلمُ على خاتمِ النبيّين، نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، أمّا بعدُ عبادَ الله

اتّقوا اللهَ حقَّ التّقوى (يا أيّها الذينَ آمنوا اتّقوا اللهَ حقَّ تقاتِهِ ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون)

اللَّهُمَّ إنّه لاَ يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلاَّ أَنْتَ، وَلاَ يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلاَّ أَنْتَ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ، اللهمّ إنّا نَسالُك إيمانًا يُباشرُ قلوبَنا، ويقينًا صادقًا حتّى نَعلمَ أنّه لن يُصيبَنا إلا ما كتبتَ لنا، ونَعلمَ أنّ ما أصابَنا لم يكنْ ليُخطئَنا، وما أخطأَنا لم يكنْ ليُصيبَنا، اللَّهُمَّ إنّا نسأَلُكَ إيمانًا لا يَرتَدُّ، ونَعيمًا لا يَنفَدُ، ومُرافقةَ نبيِّك صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في أَعلى جنَّةِ الخُلدِ، اللَّهُمَّ احْفَظنا بالإِسْلاَمِ قائِمين، واحْفَظْنا بالإِسْلاَمِ قاعِدين، واحْفَظنا بالإِسْلاَمِ راقِدين، ولا تُشْمِتْ بِنا الأعداءَ ولا الحاسِدين، اللهمّ أَحينا مسلمين، وتَوفَّنا مسلمين، وأَلحِقْنا بالصّالحين، غيرَ خزايا ولا فاتنينَ ولا مفتونين، اللهمّ فَرّجْ همَّ المهمومينَ، ونَفّسْ كرْبَ المكروبينَ، واقضِ الدَّينَ عن المدينينَ، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذرّيّاتِنا ولجميعِ المسلمينَ، برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين.

عبادَ الله، إنّ اللهَ وملائكتَه يصلّونَ على النبيّ، يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا، ويقولُ عليه الصلاةُ والسلام: من صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشْرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين. فاذكروا اللهَ العظيمَ يَذكرْكم، واشكروه على آلائِه ونعمِه يَزدْكم، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.

إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين

جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 9/ 2/ 1445هـ

المشاهدات 873 | التعليقات 0