خطبة: وقفةُ اعتبار، بانقضاءِ الأعوامِ والأعمار.

وليد بن محمد العباد
1444/12/23 - 2023/07/11 14:16PM

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم

خطبة: وقفةُ اعتبار، بانقضاءِ الأعوامِ والأعمار.

الخطبة الأولى

على أعتابِ عامٍ مضى، يَقِفُ أولو الألبابِ وقفةَ اعتبارٍ وادِّكار، يَتفكّرونَ في سرعةِ انقضائِه وكأنّه ساعةٌ مِن نهار، ويَعتبرونَ بما جرى فيه مِن مِحنٍ وأقدار، لقد رحلَ مِن أعمارِنا، وذَهبَ مِن سِنِيِّ آجالِنا، فانقضتْ لذّاتُه، وبَقِيَتْ تَبعاتُه، ودَنَتْ مِن المرءِ نهايتُه ووفاتُه، إِنَّا لَنَفْرَحُ بِالأعوامِ نَقْطَعُهَا * وَكُلُّ عامٍ مَضَى يُدْنِي مِنَ الأَجَلِ. فَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ الْمَوْتِ مُجْتَهِدًا * فَإِنَّمَا الرِّبْحُ وَالْخُسْرانُ فِي العَمَلِ. فقصّروا الأمَل، وأَصلِحوا العمل، واحذروا مَغَبَّةَ الأجل، وليكنْ عامُنا الجديد، مُشرقًا بصدقِ التّوبةِ وحُسنِ الإنابة، يقولُ عليه الصّلاةُ والسّلام: اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ. عبادَ الله، إنَّكم في آجالٍ مَنقوصة، وأعمالٍ مَحفوظة، والموتُ يأتي بغتةً (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) كم ودّعْنا في العامِ الماضي مِن عزيزٍ وقريبٍ وحبيب، سبقونا إلى القبور، وتركوا الدُّورَ والقصور، فاللهمّ لا تَحرمْنا أجرَهم ولا تَفْتِنّا بعدَهم واغفرْ لنا ولهم، فخذوا مِن سرعةِ تَعاقُبِ الليالي والأيّام، وتَصرُّمِ الشّهورِ والأعوام، واعظًا لحقيقةِ دنياكم وأنّها إلى زوال، ولن يَبقى لكم منها إلا ما أودعتموه فيها مِن صالحِ الأعمال. فليستِ الغِبْطَةُ بتوالي الأعوامِ وطولِ العُمُر، إنّما الغبطةُ بصلاحِ العملِ وسلامةِ الصّدرِ وطِيبِ الأثر، سُئِلَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أيُّ النَّاسِ خيرٌ؟ قالَ: مَن طالَ عُمُرُهُ وحَسُنَ عملُهُ، قيلَ: فأيُّ النَّاسِ شرٌّ؟ قالَ: مَن طالَ عُمُرُهُ وساءَ عملُهُ. فاتّقوا اللهَ رحمَكم الله، واشكروا ربَّكم حيثُ أَفسحَ في آجالِكم، وأَمدَّ في أعمارِكم، وحاسِبُوا أنفسَكم فإنّكم عن دنياكم قريبًا راحلون، وبينَ يديِ اللهِ موقوفون، وعن أعمالِكم محاسبون، قَالَ عمرُ بنُ الخطّابِ رضيَ اللهُ عنه: حَاسِبُوا أَنفُسَكُم قَبلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَعمالَكم قَبلَ أَنْ تُوزَنَ عليكم، فَإِنَّهُ أَهوَنُ عَلَيكُم فِي الحِسَابِ غَدًا أَن تُحَاسِبُوا أَنفُسَكُمُ اليَومَ، وَتَزَيَّنُوا لِلعَرْضِ الأَكبَرِ، يَومَئِذٍ تُعرَضُونَ لَا تَخفَى مِنكُم خَافِيَةٌ.

باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرّحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأُصلي وأُسلّمُ على خاتمِ النّبيّين، نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، أمّا بعدُ عبادَ الله

اتّقوا اللهَ حقَّ التّقوى (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍۢ ۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌۢ بِمَا تَعْمَلُونَ)

اللهمّ وفّقْنا للتّوبةِ والإنابة، وافتحْ لأدعيتِنا أبوابَ الإجابة، اللهمّ إنّا نَسألُك الإيمان، والعفوَ عمّا سلفَ وكان، مِن الذّنوبِ والعصيان، اللهمّ اجعلْ عامَنا المنصرمَ شاهدًا لنا لا علينا، اللهمّ اغفرْ فيه ذنوبَنا واسترْ عيوبَنا، اللهمّ أَيْقظْنا لتَداركِ بقايا الأعمارِ بصالحِ الأعمال، اللهمّ اجعلْ عامَنا الجديدَ عامَ خيرٍ وبركةٍ وهدايةٍ وعبادة، وأُلفةٍ ومحبّةٍ وعافيةٍ وشفاءٍ وسعادة، ونصرٍ للإسلامِ والمسلمينَ وأمنٍ وصلاحٍ ورخاءٍ وعِزّةٍ وسيادة، اللهمّ إنّا نَسألُك فعلَ الخيرات، وتَركَ المنكرات، وحُبَّ المساكين، وأنْ تَغفرَ لنا وتَرحمَنا، وإذا أَردتَ بعبادِك فتنةً فاقْبضْنا إليك غيرَ مفتونين، اللهمَ ثَبّتْنا على طاعتِك وأَعِنّا على ذكرِك وشكرِك وحُسنِ عبادتِك، اللهمّ أَصلحْ أعمالَنا وأهلينا وذرّيّاتِنا، وأَحسنْ خاتمتَنا، واجعلْنا ممّن طالَ عمرُهم وحَسُنَ عملُهم، اللهمّ أَحينا مسلمينَ وتَوفَّنا مسلمينَ وأَلحقْنا بالصّالحينَ غيرَ خزايا ولا فاتنينَ ولا مفتونين، اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومينَ ونَفّسْ كربَ المكروبينَ واقْضِ الدّيْنَ عن المدينينَ واشْفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذرّيّاتِنا ولجميعِ المسلمين، الأحياءِ منهم والميّتين، برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين.

عبادَ الله، إنّ اللهَ وملائكتَه يُصلّونَ على النّبيّ يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا، ويقولُ عليه الصّلاةُ والسّلامُ: مَن صلى عليَّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّينِ، فاذكروا اللهَ يذكرْكم، واشكروه على نعمِه يزدْكم، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يَعلمُ ما تَصنعون.

إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذرّيّته والمسلمين

جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 26/ 12/ 1444هـ

المشاهدات 1687 | التعليقات 0