خطبة : ( وداع عام واستقبال آخر )

عبدالله البصري
1435/12/30 - 2014/10/24 03:55AM
وداع عام واستقبال آخر 30 / 12 / 1435
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ " " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، نَحنُ اليَومَ في آخِرِ جُمُعَةٍ مِن عَامٍ هَجرِيٍّ ، عَامٌ كَامِلٌ مَضَى وَانقَضَى ، وَذَهَبَت أَيَّامُهُ بِحُلوِهَا وَمُرِّهَا ، وَتَصَرَّمَت لَيَالِيهِ بِزَينِهَا وَشَينِهَا ، وُلِدَ أُنَاسٌ وَمَاتَ آخَرُونَ ، وَشُفِيَ مَرضَى وَابتُلِيَ مُعَافَونَ ، وَقَامَت حُرُوبٌ وَسَقَطَت حُكُومَاتٌ ، وَحَدَثَت مُتَغَيِّرَاتٌ وَبَرَزَت مُستَجِدَّاتٌ .
لَيسَ مِنَ السُّنَّةِ أَن نَقُولَ اختُمُوا هَذَا العَامَ بِاستِغفَارٍ أَو دُعَاءٍ أَو صَلاةٍ أَو صِيَامٍ ، أَو تَوبَةٍ أَو صَدَقَةٍ أَو عُمرَةٍ أَو قِيَامٍ ، وَلَن نَزعُمَ أَنَّ صَحَائِفَ هَذَا العَامِ سَتُطوَى هَذِهِ اللَّيلَةَ أَو غَدًا ، فَعَمَلُ المُؤمِنِ مُستَمِرٌّ مَا دَامَ حَيًّا ، وَقَلَمُ التَّكلِيفِ جَارٍ عَلَيهِ مَا بَقِيَتِ الرُّوحُ في الجَسَدِ ، وَلَيسَ لِخِتَامِ عَامٍ وَبِدَايَةِ آخَرَ عِبَادَةٌ مُعَيَّنَةٌ وَلا ذِكرٌ خَاصُّ ، وَلَكِنَّ الَّذِي يَنبَغِي أَن نَستَفِيدَهُ في نِهَايَةِ عَامٍ وَبِدَايَةِ آخَرَ ، هُوَ التَّفَكُّرُ الجَادُّ وَالتَّأَمُّلُ الصَّادِقُ ، في سُرعَةِ مُرُورِ الأَيَّامِ وَتَصَرُّمِ الأَعوَامِ ، وَتَلاحُقِ الشُّهُورِ وَتَتَابُعِ الدُّهُورِ ، وَانتِقَالِ الإِنسَانِ مِن مَرحَلَةٍ إِلى أُخرَى في مِثلِ لَمحِ البَصرِ ، فَطِفلُ الأَمسِ قَد غَدَا اليَومَ شَابًّا يَافِعًا ، وَشَابُّ العِقدِ المَاضِي قَد أَصبَحَ اليَومَ كَهلاً وَقُورًا ، وَالَّذِي كَانَ قَبلُ كَهلاً قَد صَارَ اليَومَ شَيخًا جَلِيلاً ، أَو طَاعِنًا في السِّنِّ عَلِيلاً ، وَكَم نَفقِدُ في غُضُونِ كُلِّ خَمسِ سَنَوَاتٍ أَو عَشرٍ ، مِن أَبٍ وَأُمٍّ وَأَخٍ وَأُختٍ ، وَقَرِيبٍ وَبَعِيدٍ وَجَارٍ وَصَدِيقٍ . وَانظُرْ ـ يَا رَعَاكَ اللهُ ـ لِمَن عِشتَ مَعَهُم سَنَوَاتٍ ، وَكَانُوا مِنكَ مِلءَ السَّمعِ وَالبَصَرِ ، هَل تُحِسُّ مِنهُم مِن أَحَدٍ أَو تَسمَعُ لَهُم رِكزًا ؟!
أَتَى عَلَى الكُلِّ أَمرٌ لا عَزَاءَ لَهُ ** حَتَّى قَضَوا فَكَأَنَّ القَومَ مَا كَانُوا
بَل تَأَمَّلْ مَا فَاتَ مِن عُمُرِكَ أَنتَ ، كَيفَ مَضَى وَكَأَنَّهُ أَحلامُ نَائِمٍ أَو خَيَالُ يَقظَانَ ، حَتى أَمسُكَ القَرِيبُ ، تَأَمَّلْ كَيفَ مَضَى وَكَأَنَّهُ لم يَمُرَّ بِكَ ، فَإِذَا تَصَوَّرتَ كُلَّ هَذَا وَتَيَقَّنتَ مِنهُ ، فَاعلَمْ أَن مَا تَستَقبِلُ مِن دُنيَاكَ كَذَلِكَ ، سَيَأتي سَرِيعًا ثم يَرحَلُ عَاجِلاً ، فَكَيفَ إِذَا عَلِمتَ أَنَّ مَا مَضَى لا يَعُودُ ، وَأَنَّ مَا فَاتَ لا يُستَدرَكُ ، وَأَنَّ أَعمَارَ هَذِهِ الأُمَّةِ قَصِيرَةٌ ، وَبَقَاءَهُم في هَذِهِ الدَّارِ قَلِيلٌ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَعمَارُ أُمَّتي مَا بَينَ السِّتِّينَ إِلى السَّبعِينَ ، وَأَقَلُّهُم مَن يَجُوزُ ذلِكَ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ الأَلبانيُّ .
أَجَلْ يَا عِبَادَ اللهِ ، إِنَّ الدُّنيَا مَرحَلَةٌ قَصِيرَةٌ ، سَرِيعٌ مُرُورُهَا ، قَرِيبٌ زَوَالُهَا ، قَلِيلٌ مَتَاعُهَا ، شَدِيدٌ تَقَلُّبُهَا ، وَالمَرءُ فِيهَا مُسَافِرٌ مُرتَحِلٌ ، وَالمُسَافِرُ عَائِدٌ إِلى دَارِهِ يَومًا مَا ...
أَلا إِنَّمَا الدُّنيَا غَضَارَةُ أَيكَةٍ **إِذَا اخضَرَّ مِنهَا جَانِبٌ جَفَّ جَانِبُ
هِيَ الدَّارُ مَا الآمَالُ إِلاَّ فَجَائِعٌ ** عَلَيهَا وَمَا اللَّذَّاتُ إِلاَّ مَصَائِبُ
فَكَم سَخَنَت بِالأَمسِ عَينٌ قَرِيرَةٌ ** وَقَرَّت عُيُونٌ دَمعُهَا الآنَ سَاكِبُ
فَلا تَكتَحِلْ عَينَاكَ مِنهَا بِعَبرَةٍ ** عَلَى ذَاهِبٍ مِنهَا فَإِنَّكَ ذَاهِبُ
رَوَى البُخَارِيُّ عَن عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ قَالَ : أَخَذَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ بِمَنكِبي فَقَالَ : " كُنْ في الدُّنيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَو عَابِرُ سَبِيلٍ " وَكَانَ ابنُ عُمَرَ يَقُولُ : إِذَا أَمسَيتَ فَلَا تَنتَظِرِ الصَّبَاحَ ، وَإِذَا أَصبَحتَ فَلَا تَنتَظِرِ المَسَاءَ ، وَخُذْ مِن صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ ، وَمِن حَيَاتِكَ لِمَوتِكَ . هَذَا الحَدِيثُ العَظِيمُ وَالوَصِيَّةُ الجَلِيلَةُ ، أَصلٌ فِيمَا يَنبَغِي أَن يَكُونَ عَلَيهِ المُسلِمُ في هَذِهِ الدُّنيَا ، مِن قِلَّةِ مُخَالَطَةٍ لِلنَّاسِ فِيمَا لا فَائِدَةَ فِيهِ ، وَقِلَّةِ اقتِنَاءِ الأَموَالِ الَّتي لا تُقضَى بها حَاجَةٌ وَلا تُدفَعُ بها ضَرُورَةٌ ، وَزُهدٍ في الدُّنيَا وَتَقَلُّلٍ مِنهَا وَتَخَفُّفٍ مِن أَعبَائِهَا ، وَذَلِكُم أَنَّ المَرءَ إِذَا كَانَ في دَارِ غُربَةٍ ، فَإِنَّكَ تَجِدُهُ قَلِيلَ الانبِسَاطِ إِلى النَّاسِ ، بَل لا تَرَاهُ إِلاَّ مُستَوحِشًا مِنهُم ، ذَلِيلاً في نَفسِهِ خَائِفًا مِمَّا حَولَهُ ، وَكَذَلِكُم عَابِرُ السَّبِيلِ وَالمُسَافِرُ ، لا يُبعِدُ في سَفَرِهِ إِلاَّ بِقَدرِ مَا يَقوَى عَلَيهِ ، وَهُوَ مَعَ هَذَا خَفِيفٌ مِنَ الأَحمَالِ وَالأَثقَالِ ، غَيرُ مُتَسَبِّبٍ وَلا مُشتَغِلٍ بما يَمنَعُهُ مِن إِتمَامِ سَفَرِهِ ، لَيسَ مَعَهُ إِلاَّ زَادٌ وَرَاحِلَةٌ يُبَلِّغَانِهِ إِلى بُغيَتِهِ وَقَصدِهِ ، وَهَكَذَا فَإِنَّ المُؤمِنَ في الدُّنيَا لَيسَ في حَاجَةٍ إِلى شَيءٍ مِنهَا ، كَحَاجَتِهِ إِلى عَمَلٍ صَالِحٍ يُوصِلُهُ مَحَلَّهُ المَقصُودَ وَيُبَلِّغُهُ الأَمَلَ المَنشُودَ " كُلُّ نَفسٍ ذَائِقَةُ المَوتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّونَ أُجُورَكُم يَومَ القِيَامَةِ فَمَن زُحزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدخِلَ الجَنَّةَ فَقَد فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ "
وَأَمَّا قَولُ ابنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ : " إِذَا أَمسَيتَ فَلا تَنتَظِرِ الصَّبَاحَ ، وَإِذَا أَصبَحتَ فَلَا تَنتَظِرِ المَسَاءَ " فَمَقصُودُهُ أَن يَجعَلَ المَرءُ المَوتَ نُصبَ عَينَيهِ في كُلِّ يَومٍ وَلَيلَةٍ ، فَيَستَعِدَّ لَهُ بِطَاعَةِ رَبِّهِ وَإِحسَانِ عَمَلِهِ وَتَقصِيرِ أَمَلِهِ ، وَتَركِ المَيلِ إِلى غُرُورِ الدُّنيَا وَمَتَاعِهَا القَلِيلِ .
وَقَولُهُ : " وَخُذْ مِن صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ " فِيهِ حَضٌّ عَلَى اغتِنَامِ أَيَّامِ الصِّحَّةِ وَالعَافِيَةِ ، خَوفًا مِن أَن يَحِلَّ بِهِ مَرَضٌ يَمنَعُهُ العَمَلَ ، وَيُقعِدُهُ عَنِ اكتِسَابِ مَا فِيهِ نَجَاتُهُ ، وَكَذَلِكَ قَولُهُ : " وَمِن حَيَاتِكَ لِمَوتِكَ " فِيهِ تَنبِيهٌ عَلَى اغتِنَامِ أَيَّامِ حَيَاتِهِ القَصِيرَةِ ، وَإِشَارَةٌ إِلى أَنَّ المَوتَ قَطعٌ لِلعَمَلِ وَفَوتٌ لِلأَمَلِ ، وَقَولُ ابنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ هُوَ نَفسُهُ عَينُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ حَيثُ قَالَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ : " اِغتَنِمْ خَمسًا قَبلَ خَمسٍ : شَبَابَكَ قَبلَ هَرَمِكَ ، وَصِحَّتَكَ قَبلَ سَقَمِكَ ، وَغِنَاكَ قَبلَ فَقرِكَ ، وَفَرَاغَكَ قَبلَ شُغلِكَ ، وَحَيَاتَكَ قَبلَ مَوتِكَ " رَوَاهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الأَلبانيُّ .
وَالمَقصُودُ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ أَلاَّ يَركَنَ المُسلِمُ إِلى الدُّنيَا وَلا يَتَّخِذَهَا وَطَنًا ، وَأَلاَّ تُحَدِّثَهُ نَفسُهُ بِطُولِ البَقَاءِ فِيهَا وَلا بِالاعتِنَاءِ الشَّدِيدِ بها ، وَأَلاَّ يَتَعَلَّقَ مِنهَا إِلاَّ بِمِثلِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الغَرِيبُ في غَيرِ وَطَنِهِ ، وَأَلاَّ يَشتَغِلَ فِيهَا إِلاَّ بِقَدرِ مَا يَشتَغِلُ بِهِ الغَرِيبُ الَّذِي يُرِيدُ الرُّجُوعَ إِلى أَهلِهِ . فَهَل نَحنُ كَذَلِكَ اليَومَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ ؟!
هَل عِشنَا في دُنيَانَا عَيشَ الغُرَبَاءِ المُسَافِرِينَ ؟!
مَن رَأَى حَالَنَا وَتَأَمَّلَ وَاقِعَنَا وَسَبَرَ تَصَرُّفَاتِنَا ، وَجَدَ أَنَّنَا إِلى الدُّنيَا رَاكِنُونَ ، بها رَاضُونَ وَإِلَيهَا مُطمَئِنُّونَ ، كَأَنَّمَا قَد ضُمِنَ لأَحَدِنَا العَيشُ فِيهَا خَالِدًا مُخَلَّدًا ، سَلِ المَسَاجِدَ عَن صَلاةِ الفَجرِ مَا حَالُهَا ؟! وَتَأَمَّلْ أَدَاءَنَا بَقِيَّةَ الصَّلَوَاتِ وَحُضُورَنَا الجَمَاعَاتِ ! وَانظُرْ في المُقَابِلِ إِلى لَهَثِنَا عَلَى جَمعِ المَالِ وَالحُطَامِ ، وَهَل نَحنُ نَتَحَرَّى فِيهِ الحَلالَ وَنَتَّقِي الحَرَامَ ؟!
هَل أَعطَينَا كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ؟!
هَل أَحبَبنَا في اللهِ وَأَبغَضنَا فِيهِ ، وَأَعطَينَا لَهُ وَمَنَعنَا مِن أَجلِهِ ؟!
غَضَبُنَا وَرِضَانَا ، وَتَقَدُّمُنَا وَتَرَاجُعُنَا ، وَسَائِرُ حَرَكَاتِنَا وَسَكَنَاتِنَا ، هَل هِيَ بِصِدقِ الخَائِفِينَ الَّذِينَ يَتَوَقَّعُونَ المَوتَ في كُلِّ لَحظَةٍ ؟
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَلْيَكُنْ لَنَا أُسوَةٌ في رَسُولِ اللهِ ، رَوَى التِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ عَن عَبدِ اللهِ بنِ مَسعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : نَامَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى حَصِيرٍ ، فَقَامَ وَقَد أَثَّرَ في جَنبِهِ ، قُلنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، لَوِ اتَّخَذنَا لَكَ وِطَاءً !! فَقَالَ : " مَا لي وَلِلدُّنيَا ، مَا أَنَا في الدُّنيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ استَظَلَّ تَحتَ شَجَرَةٍ ثم رَاحَ وَتَرَكَهَا "
فَالنَّجَاءَ النَّجَاءَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ فَإِنَّا إِلى اللهِ صَائِرُونَ ، وَعَمَّا عَمِلنَاهُ مَسؤُولُونَ ، وَعَلَى مَا قَدَّمنَا مُحَاسَبُونَ وَمَجزِيُّونَ " وَسَيَعلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ " قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لا تَزُولُ قَدَمَا عَبدٍ يَومَ القِيَامَةِ حَتى يُسأَلَ عَن عُمُرِهِ فِيمَ أَفنَاهُ ؟ وَعَن عِلمِهِ فِيمَ فَعَلَ فِيهِ ؟ وَعَن مَالِهِ مِن أَينَ اكتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنفَقَهُ ؟ وَعَن جِسمِهِ فِيمَ أَبلاهُ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنعَامِ وَالحَرثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَاللهُ عِندَهُ حُسنُ المَآبِ . قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيرٍ مِن ذَلِكُم لِلَّذِينَ اتَّقَوا عِندَ رَبِّهِم جَنَّاتٌ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضوَانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالعِبَادِ . الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ . الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالقَانِتِينَ وَالمُنفِقِينَ وَالمُستَغفِرِينَ بِالأَسحَارِ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ حَقَّ التَّقوَى ، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعظِمْ لَهُ أَجرًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَيسَ بِطُولِ المُكثِ في الدُّنيَا تُقَاسُ الأَعمَارُ ، وَلا بِكَثرَةِ مُرُورُ السَّنَوَاتِ يَكُونُ الفَرَحُ وَالاستِبشَارُ ، وَإِنَّمَا عُمرُ المُؤمِنِ الحَقِيقِيُّ وَفَرَحُهُ وَسُرُورُهُ ، أَن يُمضِيَ وَقتَهُ في طَاعَةِ رَبِّهِ وَإِصلاحِ قَلبِهِ ، وَنَفعِ عِبَادِ اللهِ وَالإِحسَانِ إِلى الخَلقِ قَدرَ استِطَاعَتِهِ ، فَإِذَا طَالَ بِذَلِكَ عُمُرُهُ ، فَهُوَ لَهُ نُورٌ عَلَى نُورٍ ، وَإِلاَّ فَمَا لَهُ مِن طُولِ العُمُرِ إِلاَّ الهَرَمُ وَالهَمُّ وَالأَلَمُ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " خَيرُ النَّاسِ مَن طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ ، وَشَرُّ النَّاسِ مَن طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَالتِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَاحرِصُوا عَلَى مَا يُبَارِكُ اللهُ بِهِ في الأَعمَارِ مِن صَالِحِ الأَعمَالِ ، وَخَاصَّةً مَا يَتَضَاعَفُ أَجرُهُ ، أَو مَا يَتَعَدَّى لِلآخَرِينَ نَفعُهُ ، وَيَستَمِرُّ بَعدَ المَمَاتِ ثَوَابُهُ ، وَاحذَرُوا التَّعَدِّيَ عَلَى حُقُوقِ النَّاسِ صَغُرَت أَو كَبُرَت ، فَإِنَّ لها طَالِبًا وَعَلَيهَا مُحَاسِبًا ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " صَلاةُ الجَمَاعَةِ أَفضَلُ مِن صَلاةِ الفَذِّ بِسَبعٍ وَعِشرِينَ دَرَجَةً " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَن غَسَّلَ يَومَ الجُمُعَةِ وَاغتَسَلَ ، وَبَكَّرَ وَابتَكَرَ ، وَمَشَى وَلم يَركَبْ ، وَدَنَا مِنَ الإِمَامِ فَاستَمَعَ وَلَم يَلغُ ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خَطوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا " رَوَاهُ أَحمَدُ وَأَهلُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " يُصبِحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى مِن أَحَدِكُم صَدَقَةٌ : فَكُلُّ تَسبِيحَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَحمِيدَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَهلِيلَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَكبِيرَةٍ صَدَقَةٌ ، وَأَمرٌ بِالمَعرُوفِ صَدَقَةٌ ، وَنَهيٌ عَنِ المُنكَرِ صَدَقَةٌ ، وَيَجزِي مِن ذَلِكَ رَكعَتَانِ تَركَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
وَعَن جُوَيرِيَةَ بِنتِ الحَارِثِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ أَنَّ النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ خَرَجَ مِن عِندِهَا بُكرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبحَ وَهِي في مَسجِدِهَا ، ثم رَجَعَ بَعدَ أَن أَضحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ ، فَقَالَ : " مَا زِلتِ عَلَى الحَالِ الَّتي فَارَقتُكِ عَلَيهَا ؟ " قَالَت : نَعَم . فَقَالَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لَقَد قُلتُ بَعدَكِ أَربَعَ كَلِمَاتٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، لَو وُزِنَت بِمَا قُلتِ مُنذُ اليَومَ لَوَزَنَتهُنَّ : سُبحَانَ اللهِ وَبِحَمدِهِ ، عَدَدَ خَلقِهِ ، وَرِضَا نَفسِهِ ، وَزِنَةَ عَرشِهِ ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَن أَحَبَّ أَن يُبسَطَ لَهُ في رِزقِهِ وَيُنسَأَ لَهُ في أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّهُ مَن أُعطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفقِ فَقَد أُعطِيَ حَظَّهُ مِنَ خَيرِ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسنُ الخُلُقِ وَحُسنُ الجِوَارِ ، يَعمُرَانِ الدِّيَارَ وَيَزِيدَانِ في الأَعمَارِ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِذَا مَاتَ ابنُ آدَمَ انقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِن ثَلاثٍ : صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ ، أَو عِلمٌ يُنتَفَعُ بِهِ ، أَو وَلَدٌ صَالِحٌ يَدعُو لَهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ مِمَّا يَلحَقُ المُؤمِنَ مِن عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعدَ مَوتِهِ : عِلمًا نَشَرَهُ ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ ، وَمُصحَفًا وَرَّثَهُ ، أَو مَسجِدًا بَنَاهُ ، أَو بَيتًا لابنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ ، أَو نَهَرًا أَجرَاهُ ، أَو صَدَقَةً أَخرَجَهَا مِن مَالِهِ في صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ تَلحَقُهُ مِن بَعدِ مَوتِهِ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
وَعَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " أَتَدرُونَ مَنِ المُفلِسُ ؟ " قَالُوا : المُفلِسُ فِينَا مَن لا دِرهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ . فَقَالَ : " المُفلِسُ مِن أُمَّتي مَن يَأتي يَومَ القِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ ، وَيَأتي قَد شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا ، فَيُعطَى هَذَا مِن حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِن حَسَنَاتِهِ ، فَإِن فَنِيَت حَسَنَاتُهُ قَبلَ أَن يُقضَي مَا عَلَيهِ أُخِذَ مِن خَطَايَاهُم فَطُرِحَت عَلَيهِ ثم طُرِحَ في النَّارِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ .
المرفقات

وداع عام واستقبال آخر.doc

وداع عام واستقبال آخر.doc

وداع عام واستقبال آخر.pdf

وداع عام واستقبال آخر.pdf

المشاهدات 2949 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا