( خطبة) وداع الضيف الجليل
خالد الشايع
الخطبة الأولى ( توديع الضيف الجليل ) 26/9/1440
أما بعد فيا أيها الناس : زارنا ضيف جليل ، محمل بعطايا جزال من الرب الكريم الجليل ، حط رحله عندنا أياما معدودات ، وهاهو يقوض خيامه ليرحل لمدة عام كامل ، سيرحل بكل مافيه من خيرات ، فيا سعادة من حاز منها نصيبا وافرا ، ويا خسارة من فرط فباء بالندم ، ويا ليت شعري هل سنلتقيه مرة أخرى أم هو آخر رمضان لنا في الدنيا .
عباد الله : بقي أيام ثلاثة أو أربعة ويرحل الضيف ، ولا زال في الوقت مهلة لنحسن وداعه ، بتدارك الوقت بعمل الطاعات ، والانخلاع من المعاصي والسيئات ، قال ابن تيمية رحمه الله : العبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات ، ومن أحسن فيما بقي يغفر له ما مضى .
ألا فلنغتم ما بقي فلا ندري أي ساعة تدركنا فيها الرحمة فتعتق الرقبة ويكتب الفلاح الأبدي
مضت ستة وعشرون يوما كأنها ليلة ، وسيمضي عمرك يا ابن آدم كلمح البصر ، فلا يبقى إلا ماقدمت لنفسك من العمل الصالح وستخلف الدنيا بأسرها وراء ظهرك (ولقد جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ )
معاشر المؤمنين : إن لله في رمضان عتقاء من النار وذلك في كل ليلة ، فلنجتهد أن نكون منهم ، إنها أيام معدودة قد تجني منها الفلاح الأبدي ، سعادةً لا شقاء بعدها ، وفوزا لا خسارة بعده ، وإن الخيل إذا قاربت نهاية شوطها ، جاءت بكل مالديها من قوة ، وقد أوشك الضيف على الرحيل ، فأخرجوا كل مالديكم من قوة في الطاعة والعبادة ، فوالله لا تجنون من الطاعة إلا الراحة في الدنيا والآخرة ، ووالله لقد بقي أيامٌ وليالٍ قليلة فيها فلاح أبدي لمن جد واجتهد ، فإنما يوفى العامل أجره إذا قضى عمله .
نحن في أيام قد فتحت فيها أبواب الجنان وغلقت أبواب النيران وسلسلت الشياطين ، فمن لم يفلح في هذه الأيام فمتى يفلح .
معاشر الصائمين :لا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ، قال بعض السلف : بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان ولهذا قال أهل العلم إن علامة قبول العمل الصالح اتباعه بالعمل الصالح بعده لأن الحسنة تجلب الحسنة فمن رجع إلى معاصيه بعد رمضان فحري به أن يكون من المحرومين فإياك يا عبد الله أن تكون منهم
فمن الغبن والخسارة أن تجف العين التي كانت تدمع من خشية الله في رمضان ومن الغبن أن تشح اليد التي كانت تنفق في رمضان ومن الغبن أن تستشري المعدة التي كانت تجوع في رمضان
أيها المسلمون إن الحياة كلها عبادة سئل الإمام أحمد متى الراحة ؟ قال عندما تضع قدمك في الجنة ( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين )
فعلينا جميعا إنسا وجنا أن نواصل الأعمال الصالحة من صلوات وصيام وصدقة وذكر وقراءة للقرآن وسائر القربات ولنبادر بالعمل قبل حلول الأجل ولنغتنم شبابنا وحياتنا وفراغنا وصحتنا وغنانا قبل حصول أضدادها .
فوالله إن الحياة ساعة فلنجعلها طاعة ، حياتنا لا تساوي شيئا في مدة بقائنا في القبور ولا في اليوم الآخر ، فلا تلتهي بالقليل عن الكثير ،(لا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور )
تزودوا من هذه الدار فهي زادكم إلى الآخرة ، أكثروا من العمل الصالح فهو أنيسكم في القبور
كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَقُولُ : يَأَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي لَكُمْ نَاصِحٌ، إِنِّي عَلَيْكُمْ شَفِيقٌ، صَلُّوا فِي ظَلامِ اللَّيْلِ لِوَحْشَةِ الْقُبُورِ، وَصُومُوا فِي حَرِّ الدُّنْيَا لِحَرِّ يَوْمِ النُّشُورِ، وَتَصَدَّقُوا مَخَافَةَ يَوْمٍ عَسِيرٍ لِعَظَائِمِ الأُمُورِ .
اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا ، أقول قولي .....
الخطبة الثانية
أما بعد فيا أيها المؤمنون : إن الله افترض علينا صدقة في نهاية شهرنا طهرة لصيامنا من اللغو والرفث ولتعم فرحة العيد جميع المسلمين أغنياء وفقراء وهي واجبة على كل مسلم فضل له من قوته وقوة عياله وحوائجه الأصيلة ليلة العيد صاع ٌ يخرجه المسلم عن نفسه أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ".
وفي رواية للبخاري: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي التَّمْرَ إلَّا عَامًا وَاحِدًا أَعْوَزَ التَّمْرُ فَأَعْطَى الشَّعِيرَ.
وَلِلْبُخَارِيِّ: وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ.
وأخرجاه من حديث أَبِي سَعِيدٍ t قَالَ: "كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ".
والأولى بالمسلم أن يخرج من الطعام المحبب المنتشر في بلده ، الذي يقتاته الناس كالأرز في بلدنا .
، فرضها الله طعمة للفقراء والمساكين تخرج قبل العيد بيوم أو يومين والأفضل إخراجها قبل الصلاة من يوم العيد ، ولا يجوز تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد ومن أخر إخراجها إلى ما بعد الصلاة بغير عذر فهو آثم ويجب عليه إخراجها وهي صدقة من الصدقات لا صدقة فطر ، ومقدارها صاع أي ما يعادل ثلاث كيلوات من الأرز وهي واجبة على من غربت عليه شمس آخر يوم من رمضان وهو حي من المسلمين .
عباد الله: إن الله شرع لكم صلاة العيد وهي فرض عين على الرجال على الصحيح من أقوال أهل العلم أخرج البخاري ومسلم من حديث أم عطية قالت أمرنا أن نخرج الحيض يوم العيد وذوات الخدور فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتهم ويعتزل الحيض عن مصلاهم قالت امرأة يارسول الله أحدانا ليس لها جلباب قال لتلبسها اختها من جلبابها
فالحرص الحرص عباد الله على صلاة العيد مع المسلمين ثم إن مما شرعه الله لعباده كثرت الاستغفار بعد الفراغ من العبادة ( ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ماهداكم ولعلكم تشكرون) كما ينبغي للمسلم اظهار شعيرة التكبير ليلة العيد من غروب شمس آخر يوم من رمضان حتى يخرج الإمام للمصلى ويكبر الناس بقولهم الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
ويكبر كل مسلم بمفرده لأن التكبير الجماعي من البدع المحدثة
عباد الله اختموا شهركم بالتوبة النصوح والمواصلة على الأعمال الصالحة بعد رمضان والمسارعة بقضاء ما فات من صيام شهر رمضان فإن الأعمار محدودة والأنفاس معدودة والقبور ملحودة ولا يهلك على الله إلا هالك
عباد الله إننا بحاجة إلى وقفة صادقة في ختام شهرنا، وقفة صادقة مع أنفسنا لخلع الذنوب والمعاصي حتى يخرج رمضان ونحن صفر من الذنوب والمعاصي فليعد كل منا على شكله وجسمه فليراجع ما فيه من المعاصي وليعد كل منا إلى منزله وليطهره من آلات اللهو ووسائل الإعلام الفاسدة فما أفسدت البيوت بمثلها وما دمرت الأخلاق بمثلها وليعلم أن الرحلة من هذه الدار قريبة جدا فلنستعد لها فقد أوشك الداعي أن يدعوك ( يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور)
اللهم اختم لنا شهر ..... اللهم تقبل منا الصيام والقيام .. اللهم أعز الإسلام والمسلمين ....
اللهم أمنا في دورنا وأوطاننا .... اللهم فرج ....ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ...