خطبة : ( وجاهدوا في الله حق جهاده )

عبدالله البصري
1435/03/07 - 2014/01/08 19:47PM
وجاهدوا في الله حق جهاده 9 / 3 / 1435
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، الدُّنيَا دَارُ ابتِلاءٍ وَمَيدَانُ امتِحَانٍ ، وَمِن أَشَدِّ البَلاءِ فِيهَا لأَولِيَاءِ اللهِ ، تَعَدُّدُ أَعدَائِهِم في كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ ، قَرِيبًا وَبَعِيدًا وَظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، في الدَّاخِلِ وَالخَارِجِ وَفي السِّرِّ وَالعَلَنِ ، وَمِن ثَمَّ فَقَد شُرِعَ الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ وَجُعِلَ ذِروَةَ سَنَامِ الإِسلامِ ، وَأُمِرَ المُسلِمُونَ بِبَذلِ الجُهدِ في قِتَالِ الكُفَّارِ بِاليَدِ وَاللِّسَانِ وَالقَلبِ وَالمَالِ ، وَمُجَاهَدَةِ النُّفُوسِ بِتَعَلُّمِ أُمُورِ الدِّينِ وَالعَمَلِ بها وَتَعلِيمِهَا وَالصَّبرِ عَلى ذَلِكَ ، وَمُجَاهَدَةِ الشَّيطَانِ وَالفُسَّاقِ وَالمُنَافِقِينَ بِدَفعِ مَا يَقذِفُونَهُ مِن شُبُهَاتٍ وَمَا يُزَيِّنُونَهُ مِن شَهَوَاتٍ . قَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " يَا أَيُّهَا النَّبيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ وَاغلُظْ عَلَيهِم "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَلا تُطِعِ الكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اركَعُوا وَاسجُدُوا وَاعبُدُوا رَبَّكُم وَافعَلُوا الخَيرَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ وَجَاهِدُوا في اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ "
وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِنَ الكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُم غِلظَةً وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُم عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِن عَذَابٍ أَلِيمٍ . تُؤمِنُونَ بِالهِم وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ في سَبِيلِ اللهِ بِأَموَالِكُم وَأَنفُسِكُم ذَلِكُم خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم تَعلَمُون "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ الشَّيطَانَ لَكُم عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا "
وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ "
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " جَاهِدُوا المُشرِكِينَ بِأَموَالِكُم وَأَنفُسِكُم وَأَلسِنَتِكُم " رَوَاهُ أَحمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَسُئِلَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : أَيُّ النَّاسِ أَفضَلُ ؟ قَالَ : " مُؤمِنٌ يُجَاهِدُ بِنَفسِهِ وَمَالِهِ في سَبِيلِ اللهِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَعِندَ الطَّبَرَانيِّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ : " وَأَفضَلُ الجِهَادِ مَن جَاهَدَ نَفسَهُ في ذَاتِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ "
وَقَد مَضَت سُنَّةُ المُسلِمِينَ مُنذُ فُرِضَ الجِهَادُ عَلَى عَقدِ أَلوِيَتِهِ وَرَفعِ رَايَاتِهِ ، وَانَطَلَقَت جُيُوشُهُم تُجَلجِلُ بِالتَّكبِيرِ شَرقًا وَغَربًا ، وَرَاحُوا يَفتَحُونَ البِلادَ وَيُحَرِّرُونَ العِبَادَ ، وَمَضَتِ القُرُونُ وَتَوَالَتِ السُّنُونَ ، لا يُذكَرُ الجِهَادُ في نَاحِيَةٍ أَو يَدعُو دَاعِيهِ أَو يُنَادِي مُنَادِيهِ ، إِلاَّ اشرَأبَتِ الأَعنَاقُ عِزَّةً وَفَخرًا ، وَارتَفَعَتِ الرُّؤُوسُ عُلُوًّا وَشَرَفًا ، وَطَارَتِ القُلُوبُ شَوقًا إِلى الشَّهَادَةِ وَحُبًّا لِلِقَاءِ اللهِ ، وَتَراءَت لِلأَعيُنِ أَروَاحُ الشُّهَدَاءِ في أَجوَافِ طَيرٍ خُضرٍ تَعلُقُ مِن ثِمَارِ الجَنَّةِ ، أَحيَاءً عِندَ رَبِّهِم يُرزَقُونَ ، فَأُرخِصَتِ الأَروَاحُ وَلُبِّيَ النِّدَاءُ ، وَتَسَابَقَتِ الأَقدَامُ إِلى مَيَادِينِ التَّضحِيَةِ وَالفِدَاءِ ، وَمُدَّتِ الأَكُفُّ لِلبَذلِ وَالإِنفَاقِ وَالعَطَاءِ .
وَقَد كَانَ مِن ذَلِكَ عَلَى مَرِّ العُصُورِ مَا كَانَ ، يَومَ كَانَ وُلاةُ الأَمرِ مِنَ الأُمَرَاءِ وَالعُلَمَاءِ في طَلائِعِ الجُيُوشِ وَمُقَدَّمِ الصُّفُوفِ ، قُوَّادًا وَمُرشِدِينَ وَمُفتِينَ وَمُوَجِّهِينَ ، فَلَمَّا تَفَرَّقَتِ الكَلِمَةُ وَأُنهِكَ جَسَدُ الأُمَّةِ ، وَتَبَايَعَ النَّاسُ بِالعِينَةِ وَتَبِعُوا أَذنَابَ البَقَرِ ، وَرَضُوا بِالزَّرعِ وَتَرَكُوا الجِهَادَ أَو كَادُوا ، سَلَّطَ اللهُ عَلَيهِم أَعدَاءَهُم فَاجتَمَعُوا عَلَى حَربِهِم وَاستَرهَبُوهُم ، وَاحتَلُّوا دِيَارَهُم وَاستَضعَفُوهُم وَفَرَّقُوهُم ، وَمَسَخُوا مُجتَمَعَاتِهِم وَسَلَبُوا ثَرَوَاتِهِم وَنَهَبُوا خَيرَاتِهِم ، وَمَا زَالَ بِهِمُ الكِبرُ وَالصَّلَفُ حَتى تَدَخَّلُوا في كُلِّ كَبِيرٍ وَصَغِيرٍ مِن شَأنِهِم ، لَكِنَّ ذَلِكَ نَبَّهَ أَعيُنًا لم يَرُقْ لَهَا النَّومُ ، وَأَوقَظَ قُلُوبًا لم تَحتَمِلِ الضَّيمَ ، فَخَاضَت فِئَامٌ مِنَ المُسلِمِينَ غِمَارَ الجِهَادِ بِجُهُودٍ فَردِيَّةٍ ، وَانضَمُّوا تَحتَ رَايَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ ، وَسَارُوا خَلفَ قِيَادَاتٍ مُتَبَايَنَةٍ ، فَكَرُّوا وَفَرُّوا ، وَأَقدَمُوا وَأَحجَمُوا ، وَأَصَابُوا وَأُصِيبُوا ، وَكَسَرُوا وَكُسِرُوا ، وَغَنِمُوا وَغُنِمَ مِنهُم ، وَالحَقُّ أَنَّهَا وَإِنْ كَانَتِ مُحَاوَلاتٍ لم تَخلُ مِن بَعضِ النَّقصِ ، وَاجتِهَادَاتٍ شَابَهَا مَا شَابَهَا لِغِيَابِ كَثِيرٍ مِن أَهلِ الحَلِّ وَالعَقدِ مِنَ الوُلاةِ وَالعُلَمَاءِ عَنهَا ، إِلاَّ أَنَّهَا أَعَادَت لِنُفُوسِ المُسلِمِينَ شَيئًا مِنَ الأَمَلِ ، وَأَلبَسَتهُم أَثوَابًا مِنَ العِزَّةِ وَأَقَرَّت أَعيُنَهُم ، وَشَفَت صُدُورَ قَومٍ مُؤمِنِينَ وَأَذهَبَت غَيظَ قُلُوبِهِمْ ، وَعُذِّبَ بها فَسَقةٌ وَمُنَافِقُونَ ، وَأُخزِيَ كُفَّارٌ ومُشرِكُونَ .
أَلا فَمَا أَحرَى الأُمَّةَ اليَومَ وَهِيَ في مُعتَرَكٍ قَد تَكَالَبَ عَلَيهَا فِيهِ الأَعدَاءُ ، أَن تَتَّقِيَ رَبَّهَا وَتَعتَنيَ بما جَعَلَ اللهُ فِيهِ عِزَّتَهَا ، وَتُصَحِّحَ المَسَارَ بِاجتِمَاعٍ بَعدَ فُرقَةٍ وَائتِلافٍ بَعدَ اختِلافٍ ، وَتُوَحِّدَ الجُهُودَ وَتَضُمَّ الرَّايَاتِ إِلى بَعضِهَا ، بَدَلاً مِن رُجُوِع بَعضِهِم على بَعضٍ بِالتُّهَمِ ، وَالتَّرَاشُقِ بِالتَّكفِيرِ وَالتَّضلِيلِ ، وَتَبَادُلِ التَّفسِيقِ وِالتَّبدِيعِ ، دُونَ ظَاهِرٍ مِن دَلِيلٍ أَو ثَابِتٍ مِن وَاقِعٍ ؛ فَإِنَّهُ لا بُدَّ مِن جِهَادِ الأَعدَاءِ ، وَلا مَنَاصَ قَبلَهُ مِن إِعدَادِ العُدَّةَ ، لِتَأخُذَ الأُمَّةُ مَكَانَهَا بَينَ الأُمَمِ في الصَّدَارَةِ ، وَتَفُوزَ بِالرِّيَادَةِ وَالقِيَادَةِ ، وَإِلاَّ بَقِيَت في مُؤَخَّرَةِ الرَّكبِ وَارتَكَسَتِ في الذِّلَّةِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَأَعِدُّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن رِبَاطِ الخَيلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُم وَآخَرِينَ مِن دُونِهِم لا تَعلَمُونَهُمُ اللهُ يَعلَمُهُم وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيءٍ في سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيكُم وَأَنتُم لا تُظلَمُونَ "
نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ يَجِبُ عَلَى المُسلِمِينَ الإِعدَادُ بِكُلِّ مَعَانِيهِ ، وَأَن يَسُدَّ كُلٌّ مِنهُم في ذَلِكَ مَا قِبَلَهُ مِنَ الثُّغُورِ ، العُلَمَاءُ بِإِظهَارِ الحَقِّ عَمَلاً بِالمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذَهُ اللهُ عَلَيهِم بِالبَيَانِ وَعَدَمِ الكِتمَانِ ، وَالعَامَّةُ بِرَدِّ مُهِمَّاتِ الأُمُورِ إِلى أَهلِهَا امتِثَالاً لأَمرِ رَبِّهِمُ القَائِلِ : " فَاسأَلُوا أَهلَ الذِّكرِ إِن كُنتُم لا تَعلَمُونَ "
وَالقَائِلِ ـ جَلَّ شَأنُهُ ـ : " وَإِذَا جَاءَهُم أَمرٌ مِنَ الأَمنِ أَوِ الخَوفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَو رَدُّوهُ إِلى الرَّسُولِ وَإِلى أُولي الأَمرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَستَنبِطُونَهُ مِنهُم "
ثم إنَّ الجَمِيعَ مُطَالَبُونَ قَبلَ ذَلِكَ أَن يُجَاهِدُوا نُفُوسَهُم ، إِذْ إِنَّ جِهَادَ الأَنفُسِ هُوَ الأَصلُ وَالأَسَاسُ وَالعُمدَةُ ، وَمَا لم يُفلِحُوا في جِهَادِ أَعدَائِهِمُ الدَّاخِلِيِّينَ ، فَلَن يُفلِحُوا في جِهَادِ أَعدَائِهِمُ الخَارِجِيِّينَ ، قَالَ الإِمَامُ ابنُ القَيِّمِ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : وَلَمَّا كَانَ جِهَادُ أَعدَاءِ اللهِ في الخَارِجِ فَرعًا عَلَى جِهَادِ العَبدِ نَفسَهُ في ذَاتِ اللهِ ، كَمَا قَالَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " المُجَاهِدُ مَن جَاهَدَ نَفسَهُ في طَاعَةِ اللهِ ، وَالمُهَاجِرُ مَن هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنهُ " كَانَ جِهَادُ النَّفسِ مُقَدَّمًا عَلَى جِهَادِ العَدُوِّ في الخَارِجِ وَأَصلاً لَهُ ، فَإِنَّهُ مَا لم يُجَاهِدْ نَفسَهُ أَوَّلاً لِتَفعَلَ مَا أُمِرَت بِهِ وَتَترُكَ مَا نُهِيَت عَنهُ وَيُحَارِبْهَا في اللهِ ، لم يُمكِنْهُ جِهَادُ عَدُوِّهِ في الخَارِجِ ، فَكَيفَ يُمكِنُهُ جِهَادُ عَدُوِّهِ وَالانتِصَافُ مِنهُ وَعَدُوُّهُ الَّذِي بَينَ جَنبَيهِ قَاهِرٌ لَهُ مُتَسَلِّطٌ عَلَيهِ لم يُجَاهِدْهُ وَلم يُحَارِبْهُ في اللهِ ، بَل لا يُمكِنُهُ الخُرُوجُ إِلى عَدُوِّهِ حتى يُجَاهِدَ نَفسَهُ عَلَى الخُرُوجِ .
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَربَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثخَنتُمُوهُم فَشُدُّوا الوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الحَربُ أَوزَارَهَا . ذَلِكَ وَلَو يَشَاءُ اللهُ لانتَصَرَ مِنهُم وَلَكِنْ لِيَبلُوَ بَعضَكُم بِبَعضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللهِ فَلَن يُضِلَّ أَعمَالَهُم . سَيَهدِيهِم وَيُصلِحُ بَالَهُم . وَيُدخِلُهُمُ الجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُم . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُم وَيُثَبِّتْ أَقدَامَكُم . وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعسًا لَهُم وَأَضَلَّ أَعمَالَهُم . ذَلِكَ بِأَنَّهُم كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللهُ فَأَحبَطَ أَعمَالَهُم . أَفَلَم يَسِيرُوا في الأَرضِ فَيَنظُرُوا كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم دَمَّرَ اللهُ عَلَيهِم وَلِلكَافِرِينَ أَمثَالُهَا . ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَولى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الكَافِرِينَ لا مَولى لَهُم "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ حَقَّ التَّقوَى ، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى ، وَاحذَرُوا أَسبَابَ سَخَطِ رَبِّكُم ـ جَلَّ وَعَلا ـ فَإِنَّ أَجسَامَكُم عَلَى النَّارِ لا تَقوَى .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لا يَشُكُّ مُسلِمٌ في فَضلِ الجِهَادِ وَكَونِهِ ذِروَةَ سَنَامِ الإِسلامِ ، وَلَيسَ مُؤمِنٌ يَعرِفُ فَضلَ الشَّهَادَةِ وَمَنزِلَةَ الشُّهَدَاءِ عِندَ رَبِّهِم ، وَيُدرِكُ خَطَرَ تَركِ الجِهَادِ عَلَى الأُمَّةِ أَفرَادًا وَمُجتَمَعاتٍ ، إِلاَّ تَمَنَّى العَيشَ غَازِيًا وَالمَوتَ شَهِيدًا ، كَيفَ لا وَقَد قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَا أَحَدٌ يَدخُلُ الجَنَّةَ يُحِبُّ أَن يَرجِعَ إِلى الدُّنيَا وَأَنَّ لَهُ مَا عَلَى الأَرضِ مِن شَيءٍ إِلاَّ الشَّهِيدَ ، فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَن يَرجِعَ إِلى الدُّنيَا فَيُقتَلَ عَشرَ مَرَّاتٍ ، لِمَا يَرَى مِنَ الكَرَامَةِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ، وَقَالَ : " وَالَّذِي نَفسُ محمدٍ بِيَدِهِ لَوَدِدتُ أَن أَغزُوَ في سَبِيلِ اللهِ فَأُقتَلَ ثم أَغزُوَ فَأُقتَلَ ثم أَغزُوَ فَأُقتَلَ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . وَقَالَ : " مَن مَاتَ وَلم يَغزُ وَلم يُحَدِّثْ بِهِ نَفسَهُ ، مَاتَ عَلَى شُعبَةٍ مِنَ النِّفَاقِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . وَقَالَ : " مَن لم يَغزُ أَو يُجَهِّزْ غَازِيًا أَو يَخلِفْ غَازِيًا في أَهلِهِ بِخَيرٍ ، أَصَابَهُ اللهُ بِقَارِعَةٍ قَبلَ يَومِ القِيَامَةِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابنُ مَاجَه وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
أَلا فَلْيَتَّقِ اللهَ المُسلِمُونَ وَلْيَتَفَاءَلُوا وَلْيَستَبشِرُوا ، فَإِنَّ الجِهَادَ مَاضٍ بِإِذنِ اللهِ وَإِن ضَاقَت بِهِ صُدُورٌ أَو شَرِقَت بِهِ حُلُوقٌ " وَيَأبى اللهُ إِلا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَو كَرِهَ الكَافِرُونَ . هُوَ الَّذِي أَرسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكُونَ " وَلَكِنَّهَا قَد تَمُرُّ بِالأُمَّةِ فَتَرَاتٌ يَحبِسُهَا أَو يَحبِسُ بَعضَ أَفرَادِهَا عَنِ الجِهَادِ حَابِسٌ ، أَو يَرَى المُسلِمُ بِعَينِهِ في بَعضِ السَّاحَاتِ خِلافَاتٍ وَمُشكِلاتٍ ، أَو قِتَالاً تَحتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ أَو صِرَاعًا عَلَى زَعَامَةٍ ، أَوِ استِهَانَةً بِالدِّمَاءِ المُحَرَّمَةِ وَاستِخفَافًا بِالأَنفُسِ المَعصُومَةِ ، وَحِينَئِذٍ فَإِنَّ لَهُ مَندُوحَةً عَنِ الزَّجِّ بِنَفسِهِ في مَوَاقِعِ الشُّبُهَاتِ ، وَيَسَعُهُ مَا وَسِعَ سَلَفَ الأُمَّةِ مِمَّنِ اعتَزَلُوا الفِتَنَ وَاجتَنَبُوهَا ، وَإِذَا عَلِمَ رَبُّهُ مِنهُ صِدقَ النِّيَّةِ وَخُلُوصَ المَقصِدِ وَإِرَادَةَ الخَيرِ ، بَلَّغَهُ مُرَادَهُ وَإِن مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن سَأَلَ اللهَ الشَّهَادَةَ بِصِدقٍ ، بَلَّغَهُ اللهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِن مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ .
وَقَالَ : " مَن جَهَّزَ غَازِيًا في سَبِيلِ اللهِ فَقَد غَزَا ، وَمَن خَلَفَ غَازِيًا في أَهلِهِ بِخَيرٍ فَقَد غَزَا " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
اللَّهُمَّ ارزُقْنَا الفِقهَ في دِينِكَ وَعَلِّمْنَا مَا يَنفَعُنَا ، وَانفَعْنَا بما عَلَّمتَنَا وَزِدْنَا عِلمًا ، سُبحَانَكَ لا عِلمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمتَنَا إِنَّكَ أَنتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ .
المرفقات

وجاهدوا في الله حق جهاده.doc

وجاهدوا في الله حق جهاده.doc

وجاهدوا في الله حق جهاده.pdf

وجاهدوا في الله حق جهاده.pdf

المشاهدات 4416 | التعليقات 4

أبو عبدالإله التميمي;20247 wrote:
خطبة في محلها وزمانها المناسب , سلمت اناملك لاحرمت الاجر

وسلمت أناملك ـ أخي المبارك ـ ، وهذه الخطبة كتبت بناء على تعميم من الوزارة حول بعض القضايا المتعلقة بالجهاد ،،، وهي فرصة لإحياء ذكر الجهاد على المنابر بعد أن مات ذكره ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، أسأل الله أن يقيم أعلام الجهاد خفاقة في كل ناحية ، على المنهج الشرعي الصحيح ، إن ربي قوي عزيز ، وهو على كل شيء قدير .


شبيب القحطاني;20253 wrote:
جزاك الله خيرا

وجزاك الله خيرًا ـ أخي الكريم الشيخ شبيب ـ على مرورك الدائم ودعائك العاطر ، وتشجيعك لإخوانك الخطباء ، فلا حرمك ربي الأجر ، وجعلنا وإياك من المتعاونين على البر والتقوى ، إن ربي جواد كريم .


خطبة في محلها وزمانها المناسب , سلمت اناملك لاحرمت الاجر


جزاك الله خيرا